Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذكريات حرب لم تنته... رسائل جنود عراقيين أسرتهم إيران

36 سنة على نهاية الحرب بين بغداد وطهران ونصوص لا تزال تعطي الأمل لبعض العائلات

انتهت هذه الحرب بخروج البلدين مثقلين بأكثر من مليون قتيل و100 ألف أسير من الجانبين (اندبندنت عربية)

ملخص

يسترجع العراقيون والإيرانيون في الثامن من أغسطس (آب) سنوياً ما حصل لبلديهما خلال ثماني سنوات من حرب طاحنة، أطلق عليها لقب الأطول في القرن الـ20، وانتهت بخروج البلدين مثقلين بأكثر من مليون قتيل، و100 ألف أسير من للجانبين.

"ترعرعت في منزل مليء بالحياة، لكن كان دوماً ثمة ما ينقصه، حتى أن أغاني ساطع كوبرلو (فنان تركماني) لم تكن تسد هذا الفراغ، بل توسعه أحياناً، إذ مع كل أغنية تبكي جدتي وكأنها للمرة الأولى تتعرف على الدمع، كنت بعمر السابعة حين أدركت أن لي جداً مفقوداً في الحرب العراقية - الإيرانية وليس لوجوده دليل سوى رسالة واحدة".

لا تفعل سكالا جبار (19 سنة) شيئاً في الذكرى الـ36 لإنتهاء الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988) سوى الانتظار وحده، انتظار جدها الذي ذهب إلى حرب لم يعرف غايتها بعد، لتختفي أخباره حتى اليوم.

يسترجع العراقيون والإيرانيون في الثامن من أغسطس (آب) سنوياً ما حصل لبلديهما خلال ثمان سنوات من حرب طاحنة، أطلق عليها لقب الأطول في القرن الـ20، وانتهت بخروج البلدين مثقلين بأكثر من مليون قتيل، و100 ألف أسير من الجانبين.

 

 

لم تترك خلفها سوى ذكريات وتوابيت وبكاء وأطراف مبتورة، ورسائل ورقية كانت هي الوسيلة الوحيدة لإبراء الذمة وضمان اطمئنان عائلة الجندي لفترة من الوقت قبل البدء بانتظار رسالة جديدة أو الشعور بالرعب.

هذه الرسائل الورقية الآتية من مختلف جبهات الحرب نحو المدينة، كانت الأمل بأن أصحابها ما زالوا يتنفسون ولم "تفرمهم" الدبابات بعد، وفي زمن لم يمتلك فيه العراقيون أو العالم أية وسيلة اتصال أخرى، فإن رسالة واحدة كل أشهر عدة، هي الشاهد قبل 40 سنة، حتى اليوم.

انتظار العمر

في صندوق شبه سري، وجدت سكالا رسالة باللغة العربية بخط اليد، لم تكن تعرف محتواها، بقيت سنين تحاول معرفته، كان مع الرسالة صورة لرجل متوسط العمر، بوجه بشوش وابتسامة.

سألت جدتها عنه، فغرقت بدمعها. تقول في حديث لـ"اندبندت عربية" إنها شعرت بتأنيب ضمير بعد معرفتها أن هذا الرجل هو أخ جدتها مردان رشيد سعيد، كانت هذه رسالته الأولى والأخيرة لعائلته، ومن ثم لم يصل منه شيء مطلقاً. لا رسالة أخرى، ولا صورة، ولا أحد – على رغم المحاولات المنهكة - علم إن كان حياً أم مقتولاً.

 

 

قبل التحاقه بالجيش تزوج، كان محباً للآخرين ومساعداً لهم. بعد الـ14 من يونيو (حزيران) 1985 انقطعت كل أخباره. لا تزال زوجته تنتظره إلى اليوم، مع كل أفراد العائلة، على أمل أنه حي.

على رغم أن سكالا لم تلتق بجدها مردان، لكنها تعرفت إليه من خلال الرسالة الوحيدة، بغصة كبيرة داخلها وتساؤلات حتى اليوم عن طرق البحث عنه.

تقول "لعلنا لم نبحث جيداً، قد يكون فاقداً للذاكرة، هل يمكنه نسيان طريق العودة؟ مات في الطريق؟ معلومة واحدة عرفت عنه، أن مطربه المفضل كان ساطع كوبرلو، نفسه الذي تتردد أغانيه في البيت طوال هذه السنوات. تعلمت اللغة العربية فقط، من أجل معرفة مغزى الرسالة، واستمعت للأغاني نفسها، والأهم، أنني مثلهم، بت أنتظره".

كيف بدأ كل شيء؟

تزامن قيام الثورة الإسلامية وإطاحة حكم الشاه في إيران 1979، مع استلام صدام حسين السلطة ورئاسة العراق، استشعر الأخير خطر مد الثورة الشيعي، ووصولها إلى البلاد بقيادة الخميني، مما أثار قلق القيادة من احتمال تصدير الحكم الفارسي الديني إلى الدول المجاورة بما في ذلك العراق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقابل خوف الجانب الإيراني وتوجسه من بداية حكم بعثي جديد، الذي كبر بعد توقيع صدام حسين ميثاق الدفاع العربي في فبراير (شباط) 1980، الذي اعتبرته إيران عملاً عدوانياً يستهدفها ويحرض دول المنطقة ضدها، ليكون لاحقاً سبباً من أسباب اندلاع الحرب.

 

 

كما كان هناك نزاع طويل بين الدولتين حول السيادة على منطقة شط العرب، إذ وعلى رغم توقيع العراق لاتفاق الجزائر عام 1975، الذي تضمن تخلي إيران عن دعم الأكراد في شمال العراق في مقابل اعتراف بغداد بشط العرب بالتناصف بين البلدين، لكن القيادة العراقية بدأت فعلياً بالتعامل مع المنطقة على أنها عراقية فقط، لتزيد أكثر من فرص احتمالية الحرب التي اجتمعت دفعة واحدة وقدمت ثماني سنوات طاحنة من القتل.

الحرب تصنع السرطان

أراد حازم الدليمي التطوع في الحرب، لم يكن يعلم أن مهمته ستكون تمشيط المناطق أثناء تقدم الجيش من الألغام، قبل إعطاء الإشارة للجنود. تقول ابنته هالة (35 سنة) لـ"اندبندنت عربية" التي تحتفظ برسالة وحيدة له، إنه أصيب بانفجار إحدى العبوات، وتضرر كامل جسده بشظايا بقيت مسجونة داخل اللحم حتى بعد انتهاء الحرب.

 

 

وتضيف "عاش بعدها مع الإنهاك والتعب، وكان غالباً ما يسخر بقوله هذه نتيجة ابتعادي عنكم لسنوات. تبين أنه مصاب بسرطان البنكرياس كل هذا الوقت، واعتبر الأطباء أن بقايا الرصاص والحرب كانت السبب، وبعد أربع سنوات من العذاب توفي. قتلته الحرب في بيته حتى بعد انتهائها".

تحيط الجثث بالجندي حازم، لكنه لم يفكر إلا بزوجته التي يريدها أن تسافر إلى باريس للترفيه عن روحها المتعبة، يقول في رسالته "اطمئني، أنا بخير، مشتاق لرؤيتك جميلتي، لا تكوني حزينة، أو مقهورة".

تقول هالة "لا تزال أمي تقبل الرسالة وتشعر وكأن والدي موجود، لم يكن يتذمر في رسائله، أراد دائماً الإيضاح لعائلته بأن الجبهة مكان وردي ومثالي، ليطمئنها فقط، ومع عودته، اكتشفوا ندوبه وجراحه، وكم كانت تخفي حقيقة الحرب".

 صدام vs خميني

بسرعة البرق توالت الأحداث البوليسية بين البلدين، تعرض نائب رئيس الوزراء آنذاك طارق عزيز لمحاولة اغتيال، واتهم الجانب العراقي المؤيد لإيران بها.

 

 

تأزمت العلاقة وسحب السفراء من البلدين في مطلع 1980، ومن ثم تعرضت البلدات الحدودية العراقية لقصف، اعتبره صدام آنذاك بداية الحرب، ليقوم في الـ17 من سبتمبر (أيلول) 1980 بإلغاء اتفاق الجزائر واعتبار شط العرب جزءاً من المياه الإقليمية للعراق.

وبعد خمسة أيام من إلغاء الاتفاق قرر مجلس قيادة الثورة العراقية شن حملة عسكرية ضد إيران، كان يعتقد من خلال مباغتتها أنها ستكون سريعة وتنتهي بالانتصار، لضعف الجيش الإيراني المنهزم حديثاً من الثورة الإسلامية، لكن حدث ما لا يمكن تخيله.

الرسالة من مفقود

هذه الرسالة هي الشاهد الوحيد على وجود شخصين كانا سابقاً في الحياة، ولم يعودا اليوم بين أحبتهما. تحمل توقيع الجندي جمعة حماد، وهو ينعي في سطوره مقتل أقرب أصدقائه، ناظم حماد، وهو كذلك ابن عمه، في معركة رمضان في البصرة عام 1982.

 

 

رسالة طويلة من البكاء والشعر والمواساة، أرسلها للأخ الشهيد. يقول في الرسالة إن ناظم جاء لجمعة في الحلم معاتباً، "لم لا تكتب عني الشعر كما تفعل للآخرين"، حلم جمعة أن يكون شاعراً كبيراً في العراق، كتب قصيدته رثاء لناظم، وطلب أن تؤطر مع صورة الشهيد الذي كان يحلم الزواج بحبيبته، كما أوصى بتسمية اسم ناظم لأحدث مولود.

هو بخير، ليطمئنوا. لكنه اختفى بعد هذه الرسالة. يقول محمد عبدالرحمن (24 سنة) وهو ابن اخ الجندي الذي قتل، أشيع خبر فقدانه بعد شهر واحد فقط على رسالة التأبين.

يقول محمد "أقاموا مجلس عزاء وافترضوا أنه شهيد من دون قبر، دخل رجل إلى المجلس وسط بكاء الحاضرين وقال رأيته، وهو حي، قد يكون أسيراً، رفعوا المجلس لحظتها. بعد سنين، قال أحدهم، رأيته: لقد استشهد، وهكذا لم يجدوا جثة له، حتى لم يضعوه في قبر. أمه كانت متأثرة ورفضت، حتى وفاتها 2007، فعل أي شيء لتكريم الأموات، كانت تجزم أنه حي، أنا أشعر بذلك تنطقها وتبكي".

نهاية الموت

وعلى رغم أن مجلس الأمن الدولي أصدر قراراً رقم 479 في الـ28 من سبتمبر 1980 يدعو فيه الطرفين إلى وقف القتال وبدء التفاوض، لم يبد أي منهما استعداده، باستثناء العراق بعد سنتين في يوليو (تموز) 1982، إذ قبل بقرار وقف إطلاق النار لكن رفضت إيران الرضوخ له.

 

 

وبحسب خبراء، استخدمت جميع أنواع الأسلحة في تلك الحرب - عدا الأسلحة النووية - ومنها الأسلحة الكيماوية، ويبين الخبراء أن الحرب مرت بأربع مراحل، كانت الأخيرة منها تسمى بـ"معارك التحرير"، التي بدأت بمعركة الفاو لاستعادة السيطرة على الفاو في الـ17 من أبريل (نيسان) 1988، ثم انتهت بقبول إيران قرار وقف إطلاق النار الذي أعلنته الأمم المتحدة.

ما زالت الجثث تنتظر

حتى سنتين فقط، تمكنت السلطات العراقية من مواراة الثرى لرفات 1459 من قتلى البلاد خلال الحرب مع إيران.

 

 

وأوضحت السلطات أنه "عثر على رفات هؤلاء الشهداء في وقت سابق خلال عمليات البحث المشترك مع الجانب الإيراني عن المفقودين من كلا البلدين جراء حرب الخليج الأولى، وفي المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات الحربية وعلى طول الشريط الحدودي الممتد بين البلدين" والبالغ طوله 1458 كيلومتراً.

ومنذ سقوط النظام العراقي عام 2003 يتبادل البلدان بإشراف من الصليب الأحمر الدولي بين فترة وأخرى رفات ضحايا حربهما، إذ تحفظ في مستودعات حفظ الرفات في شعبة استلام وتسليم الشهداء في البصرة - الزبير، ومن ثم تنقل إلى الطب العدلي في بغداد لإكمال الفحوص الطبية.

اطمئنان

كان بدهياً أن يذهب جميع الإخوة نحو الحرب، كل منهم في جبهة ومحافظة مختلفة، لكن ما يجمعهم هو الرسائل. الحديث حول أي شيء إلا تفاصيل الجبهات، يحاول الأهالي معرفة ما يدور حقاً بين الجيشين.

 

 

القناة الرسمية الوحيدة تقر بانتصار القوات العراقية، مع هذا فإن الأزقة تحتفي كل يوم بجنازة موسيقية بشاب قتل قبل الزواج. تبين رقية عبدالمطلب (25 سنة) أن رسائل والدها كانت بمثابة حديث على طاولة غداء، لا يذكر فيها أي خبر قد يؤذي عائلته، يذهب إلى وحدات إخوته العسكرية ليعرف أنهم ما زالوا أحياء. ثيمة رسائله كانت لتهدئة الأهل. "كان والدي يخشى أن يقتل فيتأذى أفراد العائلة، يفكر بهم وسط صوت المدافع".

الخبر المفجع كان استشهاد خالها المتزوج حديثاً، إذ ترك ذلك في والدة رقية أثراً نفسياً سيئاً وكبيراً للغاية، فهو لم يترك رسالة، وكانت تقول لو أنه ترك خط يده في الأقل لتحملت أكثر، كانت الرسائل هي الشفاء للأحباب.

 

 

رسالة من معسكرات الأسر

"زوجتي الحبيبة إنها الرسالة الرابعة، عسى أن تكونوا استلمتم الثلاث السابقة، ليس لدي ما أكتبه لكم غير التحية والأشواق والذكريات، لأنني لا أملك أعز منها، أهديها إليك والعائلة، وتورعي حبيبتي بالصبر، إذ لا أملك ولا تملكين إلا الصبر، لكل مكربة نهاية ولن تبقى الحرب إلى الأبد، أنا هنا أعيش حياة الأسر كما تحتمها الظروف، وسلوتي أخوتي في الأسر معي حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. سلامي إلى أبنائي الأعزاء عمار الرجل الحبيب، وياسر وسهى ووقاص الأحبة الذين لا أنقطع عن التفكير بهم.

عزيزتي كوني شجاعة كما أنت في مواجهة المشكلات التي تصادفينها وثقي أنني لا أتألم كثيراً، بل إن ضحكاتي تملأ الفضاء في أوقات كثيرة، سلامي إلى الأشقاء الأعزاء حمد وحامد ومحمد، أرجو أن يكونوا بخير، والشقيقات أم محمد وأم هيثم وأم زياد وبنات الأخوات أم عمر وفريال، ونضال أرجو أن تكون نجحت.

عزيزتي بلغي محمد أو حامد أن رقم المعاملة معي، وهو 4687، ويستطيعون المراجعة، سلامي وأتمنى اللقاء القريب".

12 نوفمبر 1980 

زوجك الأسير أحمد

رسالة أخرى موجودة تحمل الجواب

"زوجتي الحبيبة، تلقيت ببالغ الفرح إحدى رسائلك التي وصلتني اليوم لأنها منكم أولاً ولأنها جعلتني أطمئن على أحوالكم. عزيزتي لك مني شوقي الكبير وأتمنى أن يكون اللقاء قريباً لنعوض ما فات وأن نحيا من جديد مع فلذات أكبادنا. بلغي قبلاتي لأطفالي جميعاً، وبالأخص الكبير عمار أن يجتهد في دراسته وأخته سهى الحبيبة الشاطرة، وقولي لهم أن بابا مرتاح ويأمل أن يراكم قريباً، وسلامي إلى كل الأخوة والأخوات والأقرباء جميعاً".

18/4/1985

 

 

عاش أحمد آل داوود تسع سنوات في الأسر، تركت له آثاراً بأكثر من 600 صفحة في كتاب يوثق ذكرياته. يستعرض رسالتين في معسكر الأسر إلى زوجته في بغداد بتاريخ 22/12/1982، لكن وصلت إلى زوجته في 16/2/1984، أي بعد سنتين، إذ لم تكن آنذاك وسيلة تواصل إلا الرسائل، ولذلك عائلته لم تكن متأكدة إن كان على قيد الحياة، ولكنه سجل كمفقود.

 

 

وحين وصلت الرسالة بعد سنتين تأكدوا أنه أسير، إذ يقول في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "يبقى الأسير ضمن قائمة المفقودين حتى تقابله لجنة الصليب الأحمر الدولية لتسجل اسمه في سجلاتها وتزوده بصورة شخصية ورقم تسلسلي، حصل لي ذلك عام 1984، على رغم أنني أسرت في 1982، ولذلك بحثنا في السنة الأولى من الأسر أنا وبعض الأسرى عن حيلة لنخبر بها أهالينا أننا على قيد الحياة. حصل ذلك من خلال رسائل أسرى قدماء، فكنا نرسلها بأسمائهم إلى عناوين منازلنا ونضيف إليها أسماء أفراد العائلة جميعاً، ليعرفوا أنها منا، على رغم أنها تحمل اسم أسير لا يعرفونه".

ويضيف أنهم اضطروا إلى اللجوء إلى هذه الطريقة، لأن الأسرى غير المسجلين لدى الصليب الأحمر لا يحق لهم إرسال رسائل، وعلى رغم ذلك لم يصل بريدهم إلا بعد سنتين.

 

 

وعندما "سألت أحد أعضاء الصليب الأحمر عن سبب تأخير تسلم رسائل الأسرى الجدد، كان الجواب أن الدولتين تضعان العراقيل التي تسبب هذا التأخير اللاإنساني في معرفة ذوي الأسرى بمصير أبنائهم، كان نوعاً من الحرب النفسية".

الرسائل كانت عادية وغير مشفرة، الجميع يرغب في وصولها إلى ذويهم بسلام، فتحمل السطور شكل التفاؤل، خصوصاً حين تزور لجان دولية إيران والعراق لإنهاء الحرب وتبادل الأسرى، لكن هذا التفاؤل يزول حين تفشل تلك اللجان، ويصيبهم الإحباط والخوف من المستقبل الضبابي. مع ذلك وبحسب حديث أحمد، فهم يوهمون ذويهم بسعادتهم وخلاصهم في الأقل من الجبهة.

اتفاق

وقع العراق وإيران في أكتوبر (تشرين الأول) 2008 برعاية اللجنة الدولية للصليب الاحمر، اتفاقاً يتعلق بتبادل المعلومات وتسليم رفات المفقودين خلال حربهما، إذ أعيدت منذ ذلك الوقت رفات مئات الجنود. لكن بعد 36 سنة على نهاية الحرب لا تزال آلاف العائلات تجهل مصير أبنائها، وفق الصليب الأحمر.

رسائل شفهية

يتحدث آل داوود عن طريقة أخرى غير الرسائل، كان يعتمدها الأسرى في الساعات الأولى للأسر خصوصاً عندما يكون عدد الأسرى غير قليل. ولأغراض الدعاية والانتصار، تتقدم سيارة فيها بث إذاعي يستطيع الأسرى بالتناوب الدخول داخلها للتعريف عن أنفسهم عبر المذياع، بعد أن يلقنوا ترديد الكلمات التي يجب قولها، مثلاً "أنا ضيف الجمهورية الإسلامية وألاقي معاملة حسنة، وإنني سعيد جداً بتلك المعاملة". ومن يسمع الصوت كان عليه إبلاغ عائلته بأن الأسير بخير، من العنوان الذي يعطى أثناء البث.

 

 

قلوب مستنسخة

"حضرة الوالد العزيز المحترم إنني بصحة جيدة والحمد لله، ولا يهمني سوى الفراق الذي حال بيني وبينكم، أهدي سلامي إليك يا والدي وإلى الوالدة الحنونة، وإلى الإخوان ماجد وحامد وقاسم وعماد ومحمد، وجميع الأخوات، وسلامي إلى جميع الأعمام والعمات، وجميع الأخوال والخالات، وإلى جميع أولاد العم وأولاد الخالة، وإلى أبو طيف وأبو أوس وجميع الأقارب والأصدقاء، داعياً من الله أن يديمكم في أتم الصحة والعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

8/10/1987

الأسير باسم حسن علوش

 

 

 

يقول زيد عامر (35 سنة) إن خاله باسم كان ضمن الأسرى، ويخبره بشكل مستمر عن مغامرات إرسال الرسائل، إذ كانوا حذرين جداً، لأن الجانب الإيراني لديه مختصين بفك الرسائل المشفرة. يطلعون على كل برقية تكتب.

ويضيف "كان من ضمن الإعداد النفسي شبه اليومي للجنود في معسكرات التدريب، التفكير بأن الرسائل هي نافذة الحرية والأمل لكل الأسرى، وخالي باسم حسن، أخبرني أن الأسرى كانوا يحتضنون أية رسالة تصل إليهم ويقبلونها ويشمونها، ويضعونها تحت الوسادة".

ويوضح زيد أن الأسرى كانوا يعرفون المحظورات كلها تقريباً، ولا يستطيعون حتى إدراك مكانهم بالتحديد، إذ إن الجانب الايراني كان يعطي أسماء أماكن أخرى، كما أن جواب الرسالة يكون في نفس الأولى الأصلية المرسلة من الجندي، ليقارن الجانب الإيراني الورقة ويفحصها، خوفاً من أن تحوي معلومات استخبارية، لذا فإن العائلات كانت تنسخ الرسائل المرسلة من أبنائهم، ويعيدون إرسال النسخة الأصلية.

المزيد من تحقيقات ومطولات