ملخص
تعرضت مدينة بورتسودان لضغط كبير، إذ تستضيف مئات آلاف النازحين الفارين من الحرب بغرض الإقامة والعمل أو مواصلة الدراسة، وكذلك تخليص إجراءات السفر إلى دول أخرى، الأمر الذي ضاعف من الحاجة للخدمات.
لم يكن خيار نزوح الآلاف من الخرطوم بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في أبريل (نيسان) 2023، إلى مدينة بورتسودان شرق البلاد، عشوائياً، إذا باتت عاصمة إدارية بديلة، فضلاً عن توفر الخدمات من فنادق ومستشفيات وبنوك ومصانع، وكذلك تشكل حاضرة ولاية البحر الأحمر نافذة للتواصل مع العالم عبر مطارها أو الميناء البحري، مما زاد من أهميتها اقتصادياً، لتتجه إليها أنظار السودانيين بخاصة الأسر الهاربة من جحيم القتال.
وعلى رغم أن المدينة أصبحت مستقراً لوزراء الحكومة السودانية والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، فإنها تعاني أزمات عدة، منها انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة تصل إلى 14 ساعة في اليوم، إلى جانب الشح الحاد في مياه الشرب والمشكلات الصحية التي تسببت في ظهور أمراض على مدار العام مثل حمى الضنك والكوليرا والتهاب "السحائي" وغيرها.
مشكلات الكهرباء
مع ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 45 درجة في مدينة بورتسودان وموجة الحر الشديدة، فاجأت شركة توزيع الكهرباء السكان بتطبيق برمجة تمتد من 12 إلى 14 ساعة يومياً، مقسمة على فترتين صباحاً ومساء، وناشدت المواطنين المساعدة في ترشيد الاستهلاك لتخفيف الأحمال لحين الانتهاء من صيانة عطل في أحد المحولات.
صديق حسين الباشا، أحد الموجودين بحي سلالاب، قال إن "الوضع تجاوز كل حدود الاحتمال في ظل الطقس الحار والتعرض لأشعة الشمس المباشرة التي أسهمت في ظهور حالات الالتهاب ’السحائي’، فضلاً عن ارتفاع نسبة الرطوبة التي تضاعف الإحساس بالسخونة".
وأضاف أن "الشوارع شهدت قلة ملحوظة في أعداد الراجلين وانحسرت مظاهر الزحام داخل الأسواق في الفترة النهارية بصورة كبيرة، وبدأ المواطنون يحملون قوارير مياه الشرب باستمرار، لكن المعاناة تتفاقم خلال ساعات الليل بخاصة صعوبة البقاء داخل المنازل، إذ يضطر المئات للجلوس في الساحات والميادين وقرب البحر حتى الفجر".
وأوضح الباشا أن "برمجة قطوعات الكهرباء التي تجاوزت الـ40 يوماً أسهمت في تعطيل تقديم الخدمات للمواطنين، لا سيما استخراج الجوازات أو عمل التأشيرات أو توثيق الشهادات للطلاب، علاوة على تجدد الأزمات في المستشفيات والقطاعات الخدماتية الأخرى".
العطش يحاصر العاصمة
وتعيش مدينة بورتسودان منذ أعوام عدة موجة من العطش بسبب الشح الحاد في مياه الشرب، لكنها تفاقمت بصورة غير مسبوقة بعد تزايد أعداد النازحين في الأشهر الأخيرة.
وفي فصل الصيف الذي تبلغ ذروته في أغسطس (آب) انقطعت إمدادات المياه عن كثير من الأحياء والمنازل، مما تسبب في معاناة قاسية للسكان. وتعتمد ولاية البحر الأحمر على الأمطار التي خزنت في منطقة تبعد نحو 10 كيلومترات شمال عاصمة الإقليم، ولكنها لا تكفي الحاجة من الماء، ويطالب المواطنون منذ عقود بإيصال خط مياه إليهم من نهر النيل الذي تبعد أقرب نقطة له عن المدينة نحو 500 كيلومتر.
ويشكو المواطن السوداني حسين الطيب، من الديوم الجنوبية، من انقطاع المياه عن منطقتهم لأكثر من ثلاثة أشهر، تكبدوا خلالها إلى جانب العطش مبالغ مالية كبيرة لشراء المياه يومياً من أصحاب عربات الكارو، ووصل سعر البرميل في بعض الأحيان إلى 20 ألف جنيه سوداني (10 دولارات أميركية)، ولا تغطي شبكات المياه العمومية معظم الأحياء".
ونوه الطيب إلى أن "غالبية السكان يعتمدون بصورة رئيسة على نوعين من المياه، الأولى مالحة لأغراض الاستخدام العام، ومياه مكررة للشرب والأكل، وأدت الأزمة إلى لجوء كثير من المواطنين لحفر آبار أمام منازلهم، لكنها تجلب ماء مالحة".
من جهته أشار المهندس السابق في هيئة مياه ولاية الخرطوم نزار منصور إلى أن "محطات التحلية في ولاية البحر الأحمر وعددها 10 تعاني عجزاً في مصادر المياه النقية بنسبة تفوق 50 في المئة، وفيما يحتاج فيه السكان إلى 200 ألف متر مكعب يومياً، لا يتوفر سوى 100 ألف بحد أقصى".
ولفت إلى أن "مدينة بورتسودان تعرضت لضغط كبير، إذ تستضيف مئات آلاف النازحين الفارين من الحرب بغرض الإقامة والعمل أو مواصلة الدراسة، وكذلك تخليص إجراءات السفر إلى دول أخرى، الأمر الذي ضاعف من الحاجة للخدمات بما فيها المياه النقية".
وعدَّ منصور أن "مصادر المياه في ولاية البحر الأحمر قليلة مقارنة بأقاليم السودان الأخرى بسبب الطبيعة الجيولوجية لمدينة بورتسودان ومدن ومناطق الولاية".
أزمة صحية
على رغم وجود عدد كبير من المستشفيات والمراكز الطبية في ولاية البحر الأحمر، فإنها تعاني أزمة صحية مستفلحة، إثر تفشي أمراض على مدار العام خصوصاً حمي الضنك والتهاب "السحائي" والكوليرا والحصبة.
المواطن السوداني خالد بابكر أوضح أنه قدم إلى مدينة بورتسودان نازحاً من الخرطوم بعد أن طال أمد الحرب ليتخذها مقراً موقتاً لإقامة أفراد أسرته، لكنه تعرض للإصابة بمرض حمى الضنك أكثر من ثلاث مرات، وكاد يلقى حتفه بسبب عدم توفر الرعاية الصحية.
ونوه بأن العاصمة البديلة ليست مثالية ولا تصلح للعيش نتيجة تفشي الأمراض على مدار العام، وأن أفراد عائلته أصيبوا بالكوليرا والتهاب السحائي وأصيب الأطفال بالحصبة.
ويتابع بابكر، "يعاني كثير من النازحين توفير متطلبات الحياة اليومية وسط ظروف بالغة التعقيد، بينما تقل القدرة على توفير المبالغ المطلوبة لتلقي العلاج وشراء الدواء بعد أن بدأت أموال غالبيتهم في النفاد نظراً إلى توقف الأعمال اليومية، فضلاً عن عدم صرف الرواتب لأكثر من 15 شهراً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد، حذر اختصاصي أمراض باطنية أمين سعيد من أن "انعدام المياه النقية قد يتسبب في الإصابة بأمراض الكلى والأمعاء والحساسية والبلهارسيا، علاوة على غياب الطرق السليمة للتخلص من الفضلات لعدم توفر الماء".
وأفاد سعيد بأن "ارتفاع درجات الحرارة لفترة ثلاثة أشهر يسهم في انتشار أمراض الحصبة وضربات الشمس، مما يثير المخاوف من تعرض النازحين في معسكرات الإيواء والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية للإصابة بهذه الأمراض في ظل الظروف الحالية".
ونبه إلى أن "مدينة بورتسودان تشهد في موسم الأمطار انتشار برك وتراكمات المياه الراكدة وسط شوارع وميادين المدن والأحياء، واختلاطها بالصرف الصحي في بعض الأماكن، فضلاً عن وجود البعوض ليلاً والذباب نهاراً، الأمر الذي يزيد الخطر من تفاقم الأوضاع الصحية ويتسبب في تزايد معدلات الأوبئة، من ثم يصعب مهمة الكوادر الطبية في محاصرتها والقضاء عليها في فترة محدودة".
اختناق مروري
تشهد مدينة بورتسودان هذه الأيام اختناقاً مرورياً في غالب الطرقات والشوارع الرئيسة، بسبب كثرة السيارات الخاصة بالأسر النازحة، لا سيما في الأسواق والكورنيش الممتد على ساحل البحر الأحمر، إذ يعد أبرز معالم الجمال لسكان المدينة أو الزوار القادمين إليها بخاصة الأجانب، ويشهد في فترة المساء تجمعات كبيرة.
نهلة حمود، أحد سكان منطقة ديم النور، قالت إنه "للمرة الأولى في التاريخ تشهد مدينة بورتسودان وصول مثل هذه الأعداد الضخمة من الأسر والأفراد الذين ضاق بهم كل ما هو متوفر من أماكن إيواء من فنادق وشقق مفروشة للمقتدرين، لدرجة أنه بات من الصعب إيجاد غرفة أو شقة، فكل الأماكن محجوزة بالكامل على رغم ارتفاع أسعارها".
وأضافت "باتت المدينة هذه الأيام مزدحمة بصورة لافتة، فالشوارع ممتلئة بالمارة ذهاباً وإياباً، على رغم ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك ازدحامها بالسيارات في الأوقات كافة".