Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسيرة إيزيدية سابقة عند "داعش" تروي تجربتها والمصاعب الحالية

اختطفت حين كانت في الـ15 من عمرها فقط خلال مجزرة ارتكبها التنظيم الإرهابي منذ 10 أعوام، وهي تتحدث اليوم مع "اندبندنت" عن آمالها للمستقبل داخل مخيم للنازحين قضت فيه ثمانية أعوام

حلوة* في مخيم للنازحين (سارة إيستر)

ملخص

حلوة امرأة إيزيدية اختطفها تنظيم "داعش" عندما كانت في الـ15 من عمرها وتعيش الآن في مخيم للنازحين بكردستان العراق. تتحدث عن معاناتها وظروف الحياة الصعبة وغياب الأفق. إنها تحلم بالسفر إلى أستراليا وتخاف كغيرها من العودة إلى سنجار. "داعش" حرمتهم من موطنهم وسرقت مستقبلهم

كانت حلوة* تحلم بأن تكبر وتتزوج. واعتادت أن تقضي ساعات برفقة أخواتها وجيرانها تحت الشمس على سطح منزلهم في قرية صغيرة داخل كردستان العراق، وهن يرسمن فستان الزفاف المثالي.

"كنت مهووسة بالموضة"، كما تقول وهي تمسد وشاحها بحركة عصبية مراراً وتكراراً أثناء كلامها. لكن الآن "لا أستطيع حتى أن أرتدي الملابس التي أحبها بسبب هذا"، وتزيح حلوة الشابة الإيزيدية الوشاح جانباً وترفع قميصها لتكشف عن طفح جلدي أحمر يمتد من بطنها إلى صدرها.

كانت الشابة بعمر الـ15 عندما وطأت أقدام عناصر "داعش" بلدتها في قضاء سنجار منذ 10 أعوام، خلال أغسطس (آب) 2014. وبعدها أقدم "داعش" على قتل واختطاف الآلاف. ولقي نحو 5 آلاف إيزيدي حتفهم فيما كان مصير نحو 7 آلاف سيدة وفتاة الأسر والبيع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظهر الطفح الجلدي المثير للحكاك الذي تسميه حلوة "مرض جلدي" للمرة الأولى عندما كانت في قبضة "داعش". ولا تزال هذه القروح الحمراء التي لم يتم تشخيصها حتى اليوم تنتشر على جسدها منذ أعوا، وهي تذكير كريه بكل الأمور التي قاستها.

يرتسم طيف ابتسامة على شفتيها فيما تدخل مكتب المنظمة غير الحكومية "داك" Dak التي تبعد نحو تسعة أميال (15 كلم) إلى جنوب مدينة دهوك. وبسبب شعور الشابة بالرعب من احتمال معاقبتها على كلامها لا ترغب بالإفصاح عن هويتها. لكنها تقول لـ"اندبندنت" فيما تجلس على كرسي بلاستيكي وقد مشطت شعرها إلى الخلف "إن لم أتكلم، من سيتحدث عنا [الإيزيديين]؟ إن لم نرفع الصوت لنخبر عن أنفسنا، لن يسمعنا أحد". تسكن أطياف الماضي وجه الشابة. فكل ما شهدت عليه طوال 10 أعوام طبع عينيها بآلام يكاد يكون من الصعب تحمل النظر إليها.

وفي مرحلة معينة استولى تنظيم "داعش" على ثلث العراق وسوريا المجاورة قبل أن تدفعه القوات والميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة إلى التراجع الذي تلاه انهياره خلال عام 2019.

حازت الإيزيدية نادية مراد على جائزة نوبل لأنها روت قصتها المؤلمة أملاً في إنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب. وفي وقت لاحق، اعترفت الأمم المتحدة وحكومات حول العالم بأن ما حصل كان إبادة جماعية لكن كثيرين في المنطقة يشعرون بأن العدالة لم تتحقق للضحايا.

وتقول رئيسة منظمة "داك" سوزان إسماعيل "نقلق في شأن إحقاق العدالة للإيزيديين في العراق. ونشعر على مر الأعوام بأن هذا الموضوع يصبح أقل أهمية".

ويوافقها الرأي المدير الوطني لمنظمة "كير" CARE الإنسانية الدولية في العراق قادري فوراني قائلاً "إن تمويل الأنشطة الإنسانية في تراجع حاد هنا. فالمنظمات الإنسانية إما تركت البلاد أو تضاءل وجودها كثيراً. والخدمات التي كنا قادرين على تقديمها في مخيمات (النازحين) تنحسر. ويتقلص التمويل المخصص للقضايا الصحية تحديداً. وهذا ظلم، لأن الناس يستحقون أن تحفظ كرامتهم".

داخل مخيم شاريا حيث تعيش حلوة - وسط عدد كبير من الإيزيديين- حفرت خنادق صغيرة على حافة صف متراص من الخيم، وملئت بأكوام كبيرة من النفايات فيما تدلت بطانيات ملونة من حبال الغسيل وأخذت ترفرف في النسيم. وتعيش حلوة منذ ثمانية أعوام داخل خيمة بلا أي شيء من حياتها القديمة سوى الثياب التي غادرت سنجار وهي ترتديها. فقد فرت بعد 19 شهراً من الأسر لدى "داعش" خلال منتصف الليل تحت ستار المطر الغزير. ولا يزال نحو 180 ألف إيزيدي نازحاً ويتوزع معظمهم على 15 مخيماً في هذه المنطقة الكردية شبه المستقلة داخل العراق.

وتصف حلوة الحياة في المخيم بالرتيبة وغير المرضية. وتحلم الفتاة البالغة من العمر 25 سنة بالدراسة مجدداً لكنها أصبحت أكبر سناً من أن تلتحق بالمدرسة العادية. وتقول حلوة والإحباط مرتسم على محياها "حاولت العودة إلى المدرسة لكنهم طلبوا تقاريري المدرسية... تعرض منزلي للقصف وتعرضت مدرستي للقصف". ويبلغ عدد كبير من الإيزيديين سن الرشد من دون أن يتخطى تحصيلهم العلمي المرحلة الابتدائية.

وتقول "لم يقع ناجون آخرون في الأسر ولم يروا ما رأيته، دون أن أعرف إن كنت سأعيش يوماً إضافياً أو إن كان أحدهم سيفعل بي شيئاً أو يقتلني. لم أعتقد أبداً بأنني سأسمع أي أحد يتكلم الكردية أمامي بعد ذلك، اعتقدت... بأنني سأموت. والمرور بكل ذلك والقدوم إلى هنا [إلى المخيم] من دون أن أحظى بالدعم الكافي، يجعل الوضع صعباً للغاية".  

حين وضع "داعش" حلوة وعائلتها داخل شاحنات صغيرة خلال أغسطس 2014 فصلت عن إحدى شقيقاتها عند نقطة تفتيش. كان ذلك آخر يوم ترى فيه أختها الحبيبة أو تعرف عنها شيئاً. وما زال مكانها مجهولاً.

واليوم، لا يزال 2700 إيزيدي تقريباً في عداد المفقودين وفقاً لتقديرات جماعة المناصرة "يازدا" Yazda، فيما هناك بين 300 و400 طفل يعيشون في الأسر وفقاً للأرقام التي جمعتها مجموعات حقوق الإنسان. وتتذكر حلوة صراخ جيرانها والأشخاص الذين تعرضوا للضرب بالأسلحة فيما اقتادهم تنظيم "داعش" بعيداً، وتقلب يديها المرة تلو الأخرى أثناء كلامها.

وتقول حلوة "عندما هربنا اعتقدنا بأننا سنعيش حياة أفضل لكن الوجود في المخيم صعب جداً. لا خدمات هنا ولا دعم من الحكومة ولا نظام رعاية صحية. قبل مجيء "داعش" لم نكن نعرف أي شيء عن المعالجين النفسيين ولا المشكلات النفسية. والآن، ما عادت المشكلات نفسية فحسب بل جسدية كذلك".

واستيقظت كوشر البالغة من العمر 50 سنة من نومها فجأة على ألم حاد في بطنها. وبالكاد جلست على الوسائد الملونة داخل خيمتها في مخيم إيسيان الذي يبعد نحو 25 ميلاً (40 كلم) من شاريا قبل أن تطلب من زوجها أن يذهب ويحضر لها الدواء ووصفة طبية لحصوات الكلى. وتعاني كوشر كذلك من ارتفاع ضغط الدم. وخدمات الرعاية الصحية شحيحة في المخيمات، مما يدفع النساء الإيزيديات لطلب العلاج في مستشفيات دهوك الخاصة.

ويكلف الدواء كوشر وزوجها خضر (53 سنة) نحو 70 ألف دينار عراقي (54 دولاراً). وقالوا لها إنه من الضروري إزالة حصوات الكلى لكنهما لا يقدران على تحمل كلفة العملية الجراحية. ومصدر دخلهما الأساس هو مبلغ 170 ألف دينار عراقي (نحو 130 دولاراً) يتقاضاه خضر كل شهرين من معاش تقاعده.

ليس من بعيد، فتحت كوشر متجراً لبيع الملابس في المخيم الذي تسكنه. وهو يقع على طريق ترابي صغير يمر في منتصف المستوطنات وفيه حلاق ومتاجر أخرى لبيع الألبسة ومقهى صغير يجتمع فيه الرجال للعب ألعاب لوحية.

بني المتجر من الصفيح الذي يخترق سقفه الحر الشديد يصاحبه الغبار فيما تتخطى درجات الحرارة 50 درجة مئوية. وتقول كوشر "يجب أن أتحمل الحرارة وإلا لن نتمكن من شراء الطماطم". والدخل الذي تجنيه من بيع خمسة إلى 10 قطع ملابس أسبوعياً (في وقت تسعر فيه القمصان بما يعادل أربعة دولارات تقريباً) لم يساعد فقط في دعم معاش زوجها التقاعدي، بل وفر لها كذلك ما يلهيها عن ذكريات الفظائع التي ارتكبها تنظيم "داعش".

وفي وقت سابق من العام الحالي أمرت بغداد بإغلاق كل المخيمات في كردستان العراق بحلول الـ30 من يوليو (تموز) الماضي وعرضوا على كل من يغادر المخيمات مبلغاً يعادل نحو 4 آلاف جنيه استرليني (5 آلاف دولار). لكن السلطات الكردية رفضت الموافقة على هذا المرسوم. وأفادت التقارير أخيراً بأن الحكومة الإقليمية اتفقت مع مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على تأجيل عملية الإغلاق حتى نهاية العام.

وفي غياب أي مصدر للأخبار ما خلا الأقاويل التي يتناقلها الناس داخل المخيمات، ترغب كوشر بشدة في أن تعلم إن كانت المخيمات ستغلق أم لا. وتشعر بالارتياح لمعرفتها بخبر التأجيل. وعلى رغم رمزية سنجار العاطفية والدينية الشديدة بالنسبة إلى الإيزيديين يخشى كثر منهم العودة إليها. ويشتاق خضر إلى محصول الطماطم والخيار الذي كان يزرعه، لكنه يقول إنهم إن عادوا إلى سنجار "سوف نموت".

فسنجار التي كانت يوماً ما مكاناً للذكريات السعيدة أصبحت اليوم مليئة بالألغام. وعجزت الحكومات العراقية المتعاقبة عن إعادة إعمار البلدات والقرى على رغم تعهدها بفعل ذلك. وتسير عدة ميليشيات دورياتها في المنطقة.

وترغب حلوة بشدة في الالتحاق بأخيها في أستراليا. ولا يبدو الفرح الحقيقي على وجهها سوى عند الحديث عن هذا الاحتمال. وهي تنتظر المقابلة الأخيرة للحصول على تأشيرة الدخول، لكن الابتسامة سرعان ما تتبدد من وجهها عندما تتذكر أصدقاء لها ينتظرون السفر منذ عام 2016.

وتقول حلوة "كنت كل يوم أعتقد بأنه آخر يوم لي. والآن أعيش في مخيم وأشعر بالامتنان لأنني نجوت وأنا حرة لكن الحياة لا تزال صعبة. فنحن نفتقر إلى الخدمات الأساس وأتمنى لو أن مزيداً من الفرص كانت متاحة لنا. كما أتأمل أن أعيش بكرامة وأترك هذه الصدمة النفسية خلفي".

 

*جرى تغيير الاسم لحماية الهوية

تقدم "كير إنترناشيونال" وشريكها "لوتس فلاور" المساعدة للنازحين. يمكن التبرع هنا

© The Independent

المزيد من تقارير