Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا وإيران... حلف المصالح المشتركة والثقة المفقودة

العداء مع الولايات المتحدة وراء الاصطفاف معاً وسوريا ملعب الخلافات والمناورات

بعد الثورة الإيرانية عام 1979 أصبحت إيران معادية للولايات المتحدة، مما دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي السابق (اندبندنت عربية) .

تمكنت تل أبيب عبر عمليات الاغتيال المتتالية التي طاولت قادة وعناصر من "الحرس الثوري" الإيراني و"فيلق القدس"، بداية في الداخل السوري ومن ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" السابق إسماعيل هنية في مكان إقامته في طهران، من تحويل إيران من دولة مراقبة للأحداث الحاصلة في المنطقة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى طرف مشارك في العمليات الحربية بين الفصائل التابعة لها من اليمن والعراق مروراً بسوريا ولبنان وغزة بطبيعة الحال، وبين إسرائيل التي لم تتبن حتى الآن عملية اغتيال هنية بشكل رسمي.

وتتوجه أنظار العالم منذ عمليتي الاغتيال المتلاحقتين لهنية وللرجل الثاني في "حزب الله" فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية معقل الحزب في الـ 30 والـ 31 من يوليو (تموز) الماضي إلى الحدود الجنوبية للبنان وإلى العاصمة الإيرانية لتتبع التصريحات الصادرة عن القيادات هنا وهناك، خوفاً من إعلان صريح لحرب ضد إسرائيل أو رد قوي على خلفية تصريح المرشد الأعلى علي خامنئي الذي أكد أن الانتقام لدم إسماعيل هنية "من واجباتنا لأن الاغتيال وقع على أراضينا".


حراك دبلوماسي

وفي خضم التصريحات التي توشي بحرب شاملة قادمة، نشط الحراك الدبلوماسي في كل الاتجاهات خصوصاً باتجاه تل أبيب وطهران، وفي هذا الإطار أتت لافتة زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو لطهران في هذا التوقيت، وهو الذي كان بعيداً من الأضواء منذ إقالته كوزير للدفاع في مايو (آيار) الماضي، إذ التقى عدداً من كبار المسؤولين الإيرانيين، وأشارت تحليلات صحافية إلى أن مهمة شويغو هي تقديم أوسع قدر ممكن من الدعم لطهران بهدف تعزيز قدراتها على الإضرار بالمصالح الأميركية في حال نشبت المواجهة بالفعل.

ووصف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال محادثاته مع الضيف الروسي تطوير العلاقات مع روسيا كشريك إستراتيجي بأنه إحدى أولويات السياسة الخارجية لطهران، ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين إيرانيين كبيرين أن بوتين طلب من خامنئي في رسالة نقلها شويغو، تجنب استهداف مدنيين إسرائيليين، وقال المصدران إن طهران تضغط على موسكو من أجل تزويدها بطائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز "سوخوي سو-35".

بدورها أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مسؤولين إيرانيين قالت إنهما على دراية بالحرب وأحدهما من "الحرس الثوري"، أن إيران طلبت أنظمة دفاع جوي متقدمة من روسيا في إطار استعدادها لاحتمال نشوب حرب مع إسرائيل.

زيارة شويغو وتصريح بزشكيان وغيره من المسؤولين الإيرانيين يلقي الضوء على تاريخ وتفاصيل العلاقات الروسية - الإيرانية، وصعودها وفتورها وتشابكها، إذ إنها جمعت بين التعاون والمنافسة عبر التاريخ، لكنها تطورت بصورة ملاحظة خلال العقدين الماضيين، وتعتبر من العلاقات الإستراتيجية المهمة في منطقة الشرق الأوسط.

مسار العلاقات 

تميزت العلاقات الروسية - الإيرانية بالتوترات والصراعات، بخاصة خلال الحروب الروسية - الفارسية (1804 - 1813) و(1826 - 1828) على خلفية الحكم المتنازع عليه للأراضي والبلدان في منطقة القوقاز، ومن بينها أذربيجان وجورجيا وأرمينيا، إضافة إلى كثير من مقاطعات داغستان التي يُشار إليها باسم جنوب القوقاز.

وانتهت تلك الحروب بتوقيع معاهدتي "تركمانجاي" و"كلستان"، إذ خسرت إيران أجزاء كبيرة من أراضيها لمصلحة روسيا، وفقاً لمنشورات جامعة "كامبريدج" البريطانية.

وخلال العهد السوفياتي شهدت تلك العلاقات تذبذباً بين التحالف والتوتر على خلفية محاولة السوفيات بعد الثورة البلشفية عام 1917 ونشر الشيوعية في إيران، مما أدى إلى نشوب بعض الصراعات.

ولاحقاً وبعد الثورة الإيرانية عام 1979 أصبحت إيران معادية للولايات المتحدة، مما دفعها إلى تعزيز علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي السابق، ولاحقاً مع روسيا بعد انهيار الاتحاد.

 

 

وشهدت تلك العلاقات تطوراً بارزاً خلال العقدين الماضيين، إذ تعززت العلاقات بصورة كبيرة، وبخاصة في المجالات العسكرية والنووية، ودعمت روسيا إيران في تطوير برنامجها النووي وتزويدها بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية.

وتمظهر هذا التحالف في الحرب السورية، وخلالها دعمت الدولتان نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأسهمت قواتهما في تغيير موازين القوى على الأرض لمصلحة النظام السوري.

وعلى رغم العقوبات الدولية المفروضة على إيران استمرت العلاقات التجارية بين البلدين، مع تركيز على السلع والخدمات التي لا تخضع للعقوبات، تتعاون الدولتان في مجالات النفط والغاز، ولدى روسيا استثمارات كبيرة في القطاع النفطي الإيراني.

كما تعكس المعاهدات بين طهران وموسكو تعميق التعاون بين البلدين على مستويات عدة، بخاصة في السياقين العسكري والاقتصادي.

وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي قال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو إن موسكو تتوقع إبرام اتفاق جديدة للتعاون الشامل مع إيران "في المستقبل القريب جداً"، مضيفاً "اقترب العمل على النص بالفعل من الاكتمال، وتم التوصل إلى كل الصياغة المطلوبة".

روسيا وإيران وقعتا أيضاَ اتفاق إستراتيجية مدتها 20 عاماً في 2001، وتم تمديدها تلقائياً عام 2020 مدة خمسة أعوام، وفقاً لوكالة "تاس" الروسية للأنباء، فيما اتفق الجانبان أيضاً عام 2020 على العمل على اتفاق جديد يحل محل الوثيقة القديمة، وكان اتفاق عام 2001 دعا إلى التعاون في مجالات الأمن ومشاريع الطاقة، بما يشمل الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية والصناعة والتكنولوجيا، وفقاً لموقع "الكرملين" الإلكتروني.

وتعززت علاقات البلدين في المجالات الاستثمارية والعسكرية وروابط الطاقة بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، على خلفية العقوبات التي فرضت على موسكو.

العودة للشرق

وفي دراسة أعدتها آنا بورشفسكايا، وهي زميل أقدم في برنامج مؤسسة "دايين وغيلفورد غليزر" حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط بـ "معهد واشنطن"، فبراير 2017، تقول إن "الوقت الحالي يشهد تعاوناً غير مسبوق بين روسيا وإيران، فقيادتا البلدين لم تكونا مقربتين إلى هذا الحد خلال 500 عام، وعلى رغم انعدام الثقة المتجذر والتاريخ الحافل بالمنافسة فإن عدداً من المصالح المشتركة جمع روسيا وإيران معاً، وأول هذه المصالح هو الهدف الجيوستراتيجي المشترك المتمثل بمعارضة محصلتها صفر مع الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة".

وتتابع الباحثة الروسية أن "التعاون الروسي - الإيراني قد يكون قصير الأمد، لكنه قد يلحق في غضون ذلك ضرراً دائماً بمصالح الولايات المتحدة، وسيكون من الصعب إحداث وقيعة بين روسيا وإيران على المدى القريب، لكن هناك بعض الأمور التي يمكن لإدارة ترمب الجديدة (حينها) القيام بها لتحقيق هذه الغاية".

وتتطرق الدراسة إلى عودة روسيا للشرق الأوسط، وتشير إلى أنه عندما تسلم بوتين السلطة في روسيا عام 2000 بدأ عملية العودة هذه، ولتحقيق ذلك تعاون مع الأطراف كافة في المنطقة، الأصدقاء والأعداء على السواء، وكانت علاقة روسيا مع إيران جزءاً من هذه الجهود.

ونشأت هذه الإستراتيجية من عداء بوتين تجاه الغرب وقيمه الديمقراطية، فقد رأى أن سياسة روسيا الخارجية هي لعبة قائمة على مبدأ تعادل الأرباح والخسائر وتصرف على هذا النحو، وكانت لديه أسباب لتحسين العلاقات مع إيران، لكن رغبته في الحد من نفوذ الغرب وتقريب إيران من روسيا تغلبت على الأسباب الأخرى كافة.

وخلال أكتوبر عام 2000، أي بعد وقت قصير من توليه منصبه، ألغى بوتين علناً اتفاق "غور- تشيرنوميردين" المبرم عام 1995 والتي حدت من مبيعات روسيا من الأسلحة التقليدية إلى إيران.

وأشارت تقارير صحافية إلى أنه من الناحية التطبيقية منح الاتفاق روسيا "الضوء الأخضر لبيع الأسلحة التقليدية إلى إيران" حتى عام 1999، لكن إلغاء الاتفاق علناً حمل رسالة مفادها أن بوتين يريد التعاون بصورة أوثق مع الجمهورية الإسلامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي دراسة أعدها "مركز راند"، وهو منظمة غير ربحية تساعد في تطوير السياسات العامة وتحسين عملية اتخاذ القرار، ومقرها الولايات المتحدة، نشرت في الرابع من أكتوبر 2023، تقول إن العلاقات بين روسيا وإيران تغيرت بعد الحرب الروسية على أوكرانيا بصورة كبيرة، لكنها لا تزال تواجه عدداً من التحديات وتتأثر بالعوامل الخارجية.

تصف هذه الدراسة علاقة موسكو وطهران بـ "تحالف قائم على التقاء المصالح"، ذلك أنه ومنذ الثمانينيات وحتى الآن كان العداء مع الولايات المتحدة هو السبب في الاصطفاف الروسي - الإيراني، إضافة إلى القرب الجغرافي والعزلة الدولية، والأهم من ذلك القلق المشترك المتمثل في زيادة النفوذ الأميركي في دول الجوار، بخاصة إذا حدثت تغييرات جوهرية في هذه البلدان، مثل الثورات الملونة التي ترى فيها موسكو وطهران أن واشنطن هي القوة الدافعة لها، وهما تظنان أن أميركا ستغير النظام في روسيا وتحاول في إيران أيضاً.

وهذه هي الدوافع الرئيسة لقادة البلدين لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية الثنائية، بحسب الدراسة، لكن انعدام الثقة التاريخي والمنافسة الاقتصادية والمصالح السياسية المتضاربة في كثير من الأحيان حالت دون تشكيل تحالف رسمي أو تعزيز العلاقات الثنائية ونقلها إلى مستوى إستراتيجي.

ولم ينس الإيرانيون كيف استولى الروس على أجزاء من أراضيهم عبر حروب ومعاهدات ظالمة خلال القرنين الـ 18 والـ 19، وسعيهم إلى احتلال أراض إيرانية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولاحقاً الحرب السوفياتية - الأفغانية، وتدخل السوفيات في الحرب العراقية، إذ كانوا يرسلون الأسلحة لجيش صدام حسين، وطوال الوقت كانوا يستخدمون إيران كبيدق في تعاملاتهم مع أميركا.

ومع ذلك ومنذ أواخر الثمانينيات لجأت الحكومة الإيرانية إلى الاتحاد السوفياتي، الدولة الأولى التي اعترفت بجمهورية إيران الإسلامية، من أجل تعزيز موقفها أمام الولايات المتحدة على رغم إصرارها على شعار "لا شرقية ولا غربية".

ويعد عدم إدانة حروب الكرملين في الشيشان والمساعدة في إنهاء الحرب في طاجيكستان من أهم إنجازات التعاون السياسي بين موسكو وطهران.

اتفاقات رئيسة نووياً وعسكرياً

بين عامي 1989 و1995 تم التوصل إلى اتفاقات رئيسة بين البلدين في المجالين النووي والعسكري، بما في ذلك تطوير برنامج الصواريخ الإيراني، لكن طموحات إيران العسكرية والنووية إلى جانب جهودها لبيع الغاز إلى أوروبا وإنشاء شبكة لوجستية في القوقاز وآسيا الوسطى، وتطوير مشاريع الطاقة في منطقة قزوين على رغم تشديد العزلة والعقوبات دفع إلى استياء الكرملين.

وفي عام 1995 أبرمت موسكو وواشنطن اتفاق "غور- تشيرنوميردين"، وهو اتفاق وقعها نائب الرئيس الأميركي آنذاك آل غور ورئيس الوزراء الروسي السابق فيكتور تشيرنوميردين، وبموجبها التزمت روسيا بالحد من نقل التقنيات والأسلحة النووية إلى إيران، لكن الحكومة الروسية ألغت هذا الاتفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2000.

ولم يخف التقارب الإيراني - الروسي، لا على الحكومات الداخلة في صراعات مع الدولتين، بل والمعارضة الداخلية في إيران نفسها، ففي مناسبات عدة أطلق المحتجون شعارات ضد هذا التقارب، وذهب بعضهم أبعد بتنظيم وقفات احتجاجية أمام مبنى السفارة الروسية في طهران وأطلق شعارات ضدها، وخلال صلاة الجمعة التي أمّها الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني بعد احتجاجات عام 2009 عندما كان يطلق المصلون شعار "الموت لأميركا" هتف المعارضون الحاضرون شعار "الموت لروسيا".

التنافس على سوريا

تصف واشنطن إيران بأنها أحد كبار الداعمين العسكريين لروسيا من خلال تزويدها بمختلف الأسلحة ومنها المدافع والطائرات المسيرة، ويقول وزير الدفاع الروسي إن العلاقات العسكرية بين البلدين شهدت نمواً إيجابياً، لكنه لم يكشف تفاصيل هذا التعاون.

وتتجلى معالم هذا التقارب بتطابق المواقف والتعاون المشترك بينهما في صراعات عدة، ليس في أوكرانيا وحسب بل في سوريا أيضاً.

وشكّل انتهاء موعد تطبيق العقوبات التسليحية المفروضة على تطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية الإيرانية، بعد مرور نحو عقدين حين رفعت العقوبات الأممية عن إيران بالكامل، وفقاً لما يسمى "اليوم الانتقالي في الاتفاق النووي" المحدد في الـ 28 من أكتوبر 2023، إذ أكد مجلس الأمن رسمياً رفع الحظر الصاروخي عن طهران وفقا للقرار (2231) الدولي، عودة التعاون العسكري بينهما إلى العلن.

لكن التنافس بين البلدين يظهر بشكل واضح على الأراضي السورية، وينبع ذلك من عوامل تتعلق بالمصالح الإستراتيجية والسياسية لكل منهما، على رغم تحالفهما لدعم نظام بشار الأسد، فبينما تتعاون الدولتان لتحقيق أهداف مشتركة في سوريا فإن لكل منهما رؤى وأهدافاً إستراتيجية مختلفة يمكن أن تؤدي إلى التنافس، وهذا التنافس يظهر في كيفية توزيع مناطق النفوذ وإعادة الإعمار والتأثير في القرارات السياسية والعسكرية هناك، وتبرز جوانب ومظاهر هذا التنافس في عوامل ومؤشرات عدة، فبالنسبة إلى إيران تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال إنشاء ممر شيعي يمتد من أراضيها عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، ويمكنها من دعم "حزب الله" وتعزيز موقفها ضد إسرائيل، وهي تهدف إلى استخدام سوريا كطريق عبور للسلع والموارد، وتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال إعادة الإعمار والاستثمار في البنية التحتية.

 

 

وتعتمد طهران على ميليشياتها وقوات "الحرس الثوري" لتأمين نفوذها على الأرض مما يخلق مناطق نفوذ تابعة لها في سوريا، وبذلك تضمن بقاء دمشق ضمن محور المقاومة وولاء الحكومة السورية المستقبلية لطهران وجوداً طويل الأمد على الأراضي السورية لتعزيز محور الممانعة ضد إسرائيل، وبالتالي تأمين طرق إمداد لـ "حزب الله".

أما بالنسبة إلى روسيا فإنها تسعى إلى تعزيز وجودها العسكري في البحر الأبيض المتوسط من خلال قواعدها في سوريا عبر قاعدة "طرطوس" البحرية، وقاعدة "حميميم" الجوية، مما يتيح لها التأثير في منطقة الشرق الأوسط وموازنة القوى مع الغرب.

وتهدف موسكو من وراء ذلك إلى الاستفادة من عقود إعادة الإعمار وبيع الأسلحة وتعزيز صادرات الطاقة والبنية التحتية، في حين تعتمد على القوات الجوية والقوات النظامية السورية لضمان استقرار النظام والسيطرة على المناطق الإستراتيجية، إذ تكون اللاعب الرئيس في أية تسوية سياسية مستقبلية.

ومن هنا يهدف الكرملين إلى تشكيل حكومة سورية تكون موالية لموسكو وتضمن مصالحها الإستراتيجية، وتكون أكثر براغماتية في علاقاتها مع الغرب، وهي تسعى جاهدة إلى استقرار النظام السوري عبر الحفاظ على وجودها العسكري، لكن من دون الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل أو القوى الغربية.

إسرائيل والدبلوماسية المتوازنة

وعلى خلفية اندلاع حرب غزة تمر علاقة موسكو مع تل أبيب بمرحلة فتور، وتصاعدت أصوات في إسرائيل تدعو إلى تغيير سياسة الدولة تجاه روسيا على خلفية التصريحات الروسية في شأن الحرب، إذ استخدمت موسكو وبكين حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن، في ديسمبر (كانون الأول) 2023 ضد مشروع قرار قدمته مالطا يدعو إلى هدن إنسانية في غزة ويدين "حماس" بحجة أنه غير متوازن.

وأكثر من هذا كتب شاي ليفي في "إسرائيل ديفينس" يدعو إلى التعامل مع روسيا كخصم، وضرورة توحيد المواقف مع الغرب في حرب أوكرانيا، والبدء في تقديم أسلحة إلى كييف.

وطالما حاولت روسيا موازنة علاقاتها مع كل من إسرائيل وإيران من خلال مجموعة من الإستراتيجيات الدبلوماسية والسياسية المتوازنة، مع مراعاة مصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط، وذلك عبر اعتماد سياسة الدبلوماسية المتوازنة والاتصالات المفتوحة، والحفاظ على قنوات اتصال مباشرة مع كل من إسرائيل وإيران، مما يمكنها من التعامل مع أية توترات أو خلافات بسرعة وفعالية.

موسكو ودور الوسيط 

ومن هنا تحاول موسكو لعب دور الوسيط، وتبرز زيارة شويغو الأخيرة إلى طهران في هذا الصدد لأن دور الوسيط يمنحها القدرة على التأثير في القرارات والمواقف، ويساعدها في تحقيق توازن بين الأطراف المختلفة من خلال تقديم نفسها كقوة مستقرة وموثوقة يمكن للأطراف المختلفة الاعتماد عليها.

ومن هذه الزاوية تنسق روسيا وبشكل دائم مع إسرائيل حول عملياتها العسكرية في سوريا، وتعقد تفاهمات أمنية لضمان عدم حدوث اشتباكات غير مقصودة بين القوات الروسية والإسرائيلية تفادياً للتصعيد، إذ تسمح لإسرائيل بتنفيذ ضربات جوية ضد الأهداف الإيرانية من دون التدخل مباشر من قبلها، لكنها في الوقت نفسه تدعم الحكومة السورية والقوات الإيرانية الموجودة هناك، مما يضمن توازن القوى في المنطقة، محافظة على التزاماتها تجاه طهران في إطار التحالفات الإستراتيجية.

وعن هذا يقول الباحث وأستاذ العلاقات الدولية خالد العزي إنه "على رغم التفاهم الروسي - الإيراني في سوريا فإن هذا لا يعني عدم وجود خلافات بين الطرفين، فإيران لا تخفي قلقها من التفاهم الروسي مع تركيا وإسرائيل في سوريا التي باتت ساحة لأطراف عدة، إضافة إلى وجود خلافات أيضاً حول مستقبل سوريا، وتحبذ موسكو حل الأزمة من طريق سياسي يضمن بقاء سوريا موحدة ودولة ذات سيادة، فحرصت موسكو على اتباع سياسة التوازن من خلال إدارة تحالفاتها بدقة مع بعض الأطراف الإقليمية في سوريا بمن فيها إسرائيل، بينما لدى طهران أولويات أخرى على رأسها تعزيز النفوذ العلوي في سوريا، بصرف النظر عن تداعيات ذلك على مستقبل الدولة السورية، لأن طهران تخشى من احتمال حصول مقايضات أميركية - روسية لإيجاد تسوية في سوريا تكون على حساب نفوذها في سوريا والمنطقة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير