ملخص
أطلقت نقابات مهنية حملات مماثلة لوقف الحرب وإنقاذ المدنيين من هول الكارثة، مثل نقابات الصحافيين والدراميين والمهندسين والأطباء والصيادلة، من أجل إبراز الصوت الرافض للحرب والمطالبة بإحلال السلام والضغط على طرفي الصراع لوقف القتال.
أدت المعارك المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ أبريل (نيسان) 2023 إلى تدمير البنى التحتية، ومن ضمنها المنشآت التعليمية التي تعرضت للقصف العشوائي، فضلاً عن توقف المسيرة التعليمية مما أسهم في تدمير مؤسسات التعليم بجميع مراحله.
في ظل هذا الواقع، تصر الجهات المعنية على الزج بالتعليم في نفق مظلم، متجاهلة سلامة الطلاب من خلال استئناف العام الدراسي في ولاية الخرطوم التي تشهد نزاعاً دامياً وتساقطاً مروعاً للأرواح، بخاصة أم درمان التي تعاني الجوع زيادة على الحرب.
المراقبون يعتبرون أن هذا القرار غير صائب مع استمرار القتال، إضافة إلى فشل الولايات السودانية البالغ عددها 18 ولاية في العمل بالقرار نظراً إلى التحديات والمشكلات التي تواجه التعليم، وأبرزها غياب التمويل وسط انشغال الحكومة بالحرب، فضلاً عن تجاهل حقوق المعلمين البالغ عددهم نحو 350 ألفاً لم يتقاضوا مخصصاتهم المالية منذ اندلاع القتال.
معاً لإنقاذ المستقبل
لإنقاذ التعليم من الدمار الذي لحق به، أطلق معلمو السودان حملة مناهضة للحرب تحت شعار "المعلمون دعاة سلام وبناة حضارة" تهدف إلى تسليط الضوء على حجم الضرر الذي طاول التعليم في البلاد جراء الحرب.
ولقيت الحملة تفاعلاً كبيراً، إذ أعلن كثير من القوى السياسية مساندته لها لإنقاذ أطفال السودان من واقع أليم بات يحاصر مستقبلهم، في حين أطلقت نقابات مهنية حملات مماثلة لوقف الحرب وإنقاذ المدنيين من هول الكارثة مثل نقابات الصحافيين والدراميين والمهندسين والأطباء والصيادلة، من أجل إبراز الصوت الرافض للحرب والمطالبة بإحلال السلام والضغط على طرفي الصراع لوقف القتال ومن ثم تحقيق أسمى هدف وهو إنقاذ التعليم.
ويرى المعلم المتقاعد يوسف بشير من ولاية نهر النيل أن "من أبرز العقبات التي قادت التعليم نحو الدمار هي غياب التمويل، إذ بات من الصعوبة بمكان التعافي من الأضرار التي طاولته جراء الحرب واتساع رقعتها إلا بإيقافها تماماً، ومن ثم العمل على استئناف الدراسة في الولايات السودانية كافة"، مشيراً إلى أن ولاية نهر النيل الوحيدة بين 18 ولاية أكملت العام الدراسي على رغم مواجهتها تحديات قاهرة تغاضت عنها الحكومة لانشغالها بالعمليات العسكرية.
وأضاف أن "تخصيص موازنة محددة للتعليم لم يكُن من أولويات الحكومة التي أسهمت في تدمير العملية التعليمية، فضلاً عن أنها الخاسر في ضياع مستقبل أجيال باعتبارهم مستقبل البلاد، وتركت الأمر لجهود محلية في الولايات حاولت مواصلة الدراسة على رغم عدم توافر المال".
وتابع بشير أنه "حتى إذا توقفت الحرب فإن التعليم يحتاج إلى جهود ضخمة للعمل على إعمار وتأهيل المباني التي تأثرت بالقصف العشوائي، إلى جانب المقتنيات المدرسية التي أصبحت متهالكة، فضلاً عن توفيق أوضاع المعلمين الذين باتت حقوقهم مهضومة لعامين متتاليين وعلى رغم ذلك يتبنون حملة لإنقاذ التعليم الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتهم".
من يوقف الرصاص؟
يقول استشاري الطب النفسي محمد سر الختم إن "طول مدة ترك مقاعد الدراسة أضر كثيراً بالطلاب، وغيّر من نمط حياتهم وربما درجة استيعابهم، مما كانت له تأثيرات سلبية في سلوكياتهم، فضلاً عن أن الثقافة السائدة باتت ترتب على تداعيات الحرب أبعاداً نفسية واجتماعية، لا سيما القلق والخوف والصدمة التي قد تكون طويلة المدى".
وأردف أن "النزوح إلى دول الجوار خفف من عدم التوازن النفسي للطلاب والتفكير في ضياع مستقبلهم الأكاديمي، فمعظمهم استطاع الالتحاق بالمدارس والجامعات في ظل تحديات شكلت عبئاً ثقيلاً على عائلاتهم من رفع كلفة الرسوم الدراسية مع فقدان 60 في المئة منهم مصادر دخلهم، إلى جانب أنظمة التعليم في بعض الدول، بخاصة الناطقة باللغة الإنجليزية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "الحرب بين طرفي الصراع ما زالت ممتدة ولا يوجد أفق لإنهاء هذه الأزمة، فضلاً عن أنها ستسهم في ضياع حاضر ومستقبل أجيال، والدولة غير آبهة بهذه الشرئحة المهمة، لذلك نتفاعل بقوة مع دعاة السلام والمعلمين من خلال حملتهم لإنقاذ التعليم ووقف الحرب، ولعل آلاف الأصوات تتعالى لتصل إلى المجتمعات الدولية لوقف نزيف الحرب".
واعتبر رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير من جهته أن "حملة لجنة المعلمين الرافضة للحرب خطوة في طريق الانتصار للوطن، فتعطيل العملية التعليمية للعام الثاني على التوالي من أكثر الأقواس إيلاماً في دائرة الشقاء التي أحاطت بالوطن"، منوهاً إلى ما يتعرض له الأطفال من انتهاكات، بدءاً بالموت والإصابة جراء القصف وحتى التشريد والأضرار النفسية والجوع والحرمان من الرعاية الصحية".
وأشار إلى أن "المعلمين السودانيين عبر لجنتهم يقرعون الأجراس تنبيهاً للمطلب الذي يجب أن يحتشد خلفه الجميع وهو إيقاف الحرب".
أصوات البنادق والضمير
في سياق متصل قال المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر إن "الحملة التي أطلقها معلمو السودان حظيت بتضامن وتفاعل أكبر كتلة مدنية رافضة للحرب تجاوزت أكثر من 40 كياناً، لا سيما أن الهم الأساس بات وقف القتال وإحلال السلام، إذ يُعدّ هذا الالتفاف نجاحاً منقطع النظير في تحقيق أهداف الحملة المتمثلة في توصيل رسالة إلى المجتمع الدولي بضرورة التدخل للضغط على طرفي الصراع المسلح من أجل إنهاء المعاناة".
وواصل الباقر أن "التعليم ظل خلال 16 شهراً من الحرب مهدداً بشدة، ومستقبل 19 مليون طالب وطالبة في السودان بات على المحك، من بينهم 12 مليوناً خارج مقاعد الدراسة، إلى جانب ستة ملايين كانوا يعانون الفقر قبل الحرب وهم الآن مجندون في الصفوف المتحاربة بخاصة ’الدعم السريع‘، فضلاً عن حقوق المعلمين المهضومة، إذ إن 350 ألفاً من بينهم لم يتسلموا أجورهم منذ عامين".
وأردف أنه "من خلال هذه الحملة نحاول إنقاذ التعليم في المقام الأول، إذ أسهمت الحرب في تدمير بنيته التحتية جراء القذائف الصاروخية، فضلاً عن استخدام آلاف المدارس للإيواء مما أدى إلى تحطيم مقتنياتها".
وتمنى المتحدث باسم لجنة المعلمين أن تحقق الحملة أهدافها وتجمع مزيداً من الرافضين للحرب من خلال برامجها التفاعلية التي سيطرت على مواقع التواصل الاجتماعي، فربما يتوقف صوت البنادق والرصاص.