ملخص
معلومات من غزة تقول إن القنابل التي استخدمتها إسرائيل في الغارة كانت فتاكة، وهي من نوع "MK-84" أميركية الصنع، أما إسرائيل فتؤكد أن القنابل المستخدمة غير قادرة على إلحاق هذا القدر من الدمار في المجمع الذي حوله عناصر من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى مقر قيادة عسكرية
وقفت رويداً أمام الجثامين المكدسة في مستشفى المعمداني داخل مدينة غزة وهي تجهش بالبكاء، وتحاول البحث عن جثمان صغيرها الذي سقط ضحية في الغارة الإسرائيلية على مدرسة "التابعين" التي خلفت مجزرة مروعة.
لم تجد الأم الثكلى جثمان ابنها بين الضحايا، وبسرعة توجهت لإدارة المستشفى الوحيد الذي يعمل في الجزء الشمالي من القطاع، وهي تلهث من شدة التعب أبلغت الطبيب المناوب بصوت مخنوق "لم أجد جثة ابني سعد عمره ست سنوات" وبكف يدها تمسح دموعها.
أكياس نايلون
ومن الجثث المتناثرة على الأرض، التقط الطبيب أشلاء ووضعها على ميزان حتى وصل الوزن الإجمالي إلى 18 كيلوغراماً، ثم وضعها في كيس نايلون شفاف، وقال للأم رويدا "عزاؤنا لك، معظم الجثث التي وصلت إلى هنا عبارة عن أشلاء متناثرة، من المستحيل تحديد هوية أصحاب كل منها، ادفني هذه الأشلاء وادعي لصغيرك بالرحمة".
حملت الأم الكيس وطأطأت رأسها وبكت بحرقة، فهي لا تعلم إذا كانت الأشلاء لابنها أو لضحية أخرى، وبمفردها توجهت إلى مقبرة الحي لتواري في الثرى كيس الأشلاء، وتقول "وصلت الحرب في غزة لمرحلة مخيفة، لم نعد نعرف إذا كنا ندفن ذوينا، وإنما أشلاء مجهولة الهوية".
حادثة مدرسة "التابعين"
في فجر يوم أمس السبت الـ10 من أغسطس (آب) الجاري قصفت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة مدرسة "التابعين" في حي الدرج شرق مدينة غزة بثلاث قنابل أرض - جو، تسببت في سقوط أكثر من 120 ضحية إضافة إلى جرح عشرات آخرين.
وبسبب الحرب المدمرة في شمال غزة تحول المرفق التعليمي إلى مأوى للنازحين المدمرة بيوتهم، وكان يسكنه نحو 2400 فرد أكثرهم من الأطفال والنساء، ويعيش هؤلاء المشردون في أروقة المدرسة المكونة من ثلاثة أبنية.
أصابت القنابل الإسرائيلية مبنى واحداً من المدرسة مكوناً من طابقين، الأول عبارة عن مصلى للنازحين فيما كان الثاني مأوى للنساء والأطفال، وألحق الاستهداف خسائر بشرية وصلت إلى 120 ضحية ونحو 70 مصاباً نقلوا جميعاً لتلقي الرعاية الصحية داخل مستشفى "المعمداني" الذي يعمل وحيداً في شمال غزة، وتسبب في خسائر مادية كبيرة جداً.
ذخيرة ذات درجة حرارة انفجار هائلة
بحسب مدير دائرة الإمداد في جهاز الدفاع المدني محمد المغير فإن القنابل التي استخدمتها إسرائيل في الغارة كانت فتاكة للغاية، وهي من نوع "MK-84" أميركية الصنع، وتزن الواحدة منها 2000 رطل وتصل حرارتها وقت الانفجار إلى 7 آلاف درجة مئوية.
ويقول "عند تحليل هذا النوع من السلاح نستنتج السبب وراء تحول جثامين الضحايا إلى أشلاء متناثرة، وإصابتهم كما الجرحى بحروق شديدة إلى حد التفحم. هذه القنابل شديدة الانفجار أدت إلى تهشم المبنى وتحويله لقطع صغيرة من الركام".
وفي صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ذكر تقرير عن الحادثة نفسها أن القنابل التي استخدمها الجيش الإسرائيلي موجهة بنظام "JDAM" أو ما يسمى "البرد الثقيل" وهي عبارة عن قنابل بأنظمة متطورة موجهة بالليزر ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وتعتمد على تكنولوجيا الاستشعار المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
وعن نوعية القنابل المستخدمة في القصف، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي "لقد نفذت عملية الاستهداف من خلال ثلاث قنابل دقيقة وذكية، واتخذنا قبل الاستهداف خطوات عدة من شأنها تقليص احتمالية تعرض المدنيين للأذى، شملت استخدام أنواع الذخيرة الدقيقة ذات رأس حربي صغير ووسائل تصوير جواً وجمع معلومات استخباراتية دقيقة".
ويضيف أدرعي "حسب الجهات المعنية المتخصصة في الجيش الإسرائيلي، فإن القنابل المستخدمة غير قادرة عن إلحاق هذا القدر من الدمار، كما وحسب المعطيات لم تسفر الغارة عن دمار كبير في المجمع حيث التقى عناصر من ’حماس‘ و’الجهاد الإسلامي‘، وذلك كما يتضح من صورة المجمع بعد قصفه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الضحايا أشلاء
ولكن على أرض الواقع تسبب القصف في دمار هائل ومروع إضافة إلى أنه خلف عدداً كبيراً من الضحايا حولت القنابل المستخدمة معظمهم إلى أشلاء متناثرة ومتفحمة، ويقول عن ذلك مدير مستشفى الأهلي العربي "المعمداني" الطبيب فضل نعيم "لقد انتشلناهم أشلاء، واتبعنا أسلوباً عجيباً في فرز الضحايا".
ويضيف "احتاج التعامل مع الجثامين إلى وقت أطول مما يجب، بسبب الدمار الذي خلفته الصواريخ ودرجة الحرارة العالية، إضافة إلى وجود كثير من الأشلاء المتناثرة التي يجب جمعها، فقد أحرقت الجثث وتناثرت".
ويتابع نعيم "مع بشاعة وجرم هذه المجزرة، لجأ السكان إلى طريقة مختلفة لدفن الجثث المتناثرة، فقد اتبعنا طريقة وزن الأشلاء في مدرسة ’النازحين‘، أي إن كل 70 كيلوغراماً تساوي ضحية شخص بالغ، ويدفن في قبر واحد، وهكذا أصبح الناس في غزة يدفنون ذويهم بالكيلوغرام لا بالاسم".
أسلوب الدفن بالوزن
ومن بين الحالات التي دفنت بالوزن كان والد ظافر الذي نجا من القصف بأعجوبة، وذهب لمعاينة الجثث المتفحمة لكنه لم يجد والده، واضطر إلى أخذ كيس من النايلون فيه 70 كيلوغراماً من الأشلاء لدفنه في مقبرة قريبة.
ويقول "في بداية الحرب دفنت أخي متفحماً في مقبرة جماعية، وبعد ذلك دفنت شقيقتي التي تعرفنا عليها بعد أن كتبنا اسمها على يدها، ثم دفنت ابني أشلاء متناثرة بعدما تعرفت عليه من رأسه، واليوم أدفن والدي بالوزن، هكذا تطور الموت في غزة".
وأيضاً بين الركام وتناثر الحجارة كان الطفل كنان الوحيد الناجي من عائلته، بحث بخطوات متثاقلة بين الأشلاء عن شيء من بقايا والده، وبعد أن تفقد جثثاً متفحمة لم يجد سوى أصبع أبيه وقد عرفه من الساعة الإلكترونية التي كانت في يده، لفه بقطعة قماش ومضى ليتسلم وزناً من اللحم البشري لدفنه.
هذه المشاهد أفزعت العالم، إذ تقول مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق سكان غزة في المدرسة حيث قتل الفلسطينيون بأسلحة أميركية وسط عدم اكتراث من كل الأمم المتحضرة".
اتهامات متبادلة
وفي تبرير الجيش الإسرائيلي لقصف مدرسة "التابعين"، يقول المتحدث العسكري نداف شوشاني "كان يوجد فيها عناصر من ’حماس‘ و’الجهاد الإسلامي‘ وحولوا هذا المأوى إلى مقر قيادة عسكرية، وفي هذه الغارة قضينا على 20 من المنتمين للفصائل".
لكن عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" عزت الرشق يقول "جيش إسرائيل يختلق الذرائع لاستهداف المدنيين، إن السياسة المعمول بها لدى مقاتلي الفصائل الفلسطينية هي عدم الوجود بين المدنيين لتجنيبهم الاستهداف، جميع الضحايا في المدرسة كانوا من المدنيين وليس بينهم أي مقاتل".