Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتجاوز الولايات المتحدة الأحكام المسبقة وتنتخب امرأة رئيسة لها؟

إن الانتخابات التي تمحورت في الأساس حول مسألة السن تحولت الآن إلى منافسة تركز على النوع الاجتماعي، فهل يصب جنس كامالا هاريس في مصلحتها أم ضدها؟

 ستصبح كامالا هاريس، ما لم تطرأ حوادث أو تحديات غير متوقعة في اللحظة الأخيرة، منافسة الرئيس دونالد ترمب على منصب الرئاسة في الولايات المتحدة" (رويترز)

ملخص

 تعتبر كامالا هاريس بديلاً محتملاً لرئاسة الولايات المتحدة، ولا سيما بالمقارنة مع الإخفاق التاريخي لهيلاري كلينتون عام 2016، وتبقى التساؤلات قائمة حول تأثير نوعها الاجتماعي وإرثها العرقي على فرصها في الفوز.

أنتجت انتخابات الولايات المتحدة في عصر الإعلام عدداً من الصور الرمزية، بدءاً من مناظرة جون كينيدي ومنافسه آنذاك ريتشارد نيكسون، مروراً بملصق "أمل" Hope الأحمر اللون لباراك أوباما، وكذلك اختيار بيل كلينتون آل غور نائباً له على حساب مرشح أكثر خبرة، وصولاً إلى "أوراق الاقتراع المعلقة" المشينة خلال الانتخابات المتعادلة عام 2000.

وفيما طبعت صورة دونالد ترمب وهو يرفع قبضته متحدياً بعدما نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال المرحلة الباكرة من الانتخابات الأميركية لعام 2024، فثمة صورة أخرى لا تقل أهمية عنها وإثارة للاهتمام، كان ينبغي أن تأخذ مكانها في المشهد الانتخابي إلى جانب مجموعة تلك الصور، لكنها لم تحظ بالتقدير نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فقد كان من المخطط أن تحتفل مرشحة الحزب "الديمقراطي" للرئاسة هيلاري كلينتون لانتخابات عام 2016 في حال فازت (على دونالد ترمب)، في "مركز مؤتمرات جاكوب جافيتس" Jacob Javits Convention Centre الزجاجي وسط مانهاتن، وهو مكان يعتبر "رمزاً قوياً" لكسر الحواجز، لكن بدلاً من ذلك تحول الاحتفال إلى مناسبة كئيبة (بعد خسارتها)، بحيث لم يرمز الصرح الزجاجي الضخم إلى تحطيم الحاجز الأخير في مسألة عدم المساواة بين الجنسين، بل إلى استمراره.

وفي أعقاب هذه الخيبة العميقة لحملة كلينتون وما كانت تمثله، بدا انتخاب كامالا هاريس أول نائبة للرئيس بعد أربعة أعوام بمثابة عزاء بسيط للغاية، خصوصاً بالنظر إلى النساء البارزات اللواتي تفوق عليهن جو بايدن البالغ من العمر 77 سنة آنذاك، خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

ومع فوز كل من جو بايدن ودونالد ترمب بسرعة قياسية بترشيح حزبيهما لهما لانتخابات هذا العام، بدا احتمال وصول امرأة إلى البيت الأبيض بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

إلا أن قرار الرئيس بايدن المتردد بتأييد نائبته هاريس كي تكون مرشحة الحزب "الديمقراطي" للرئاسة، جعل عام 2024 فجأة محطة قد تشهد تولي امرأة للمنصب الأعلى في الولايات المتحدة، وإن لم يكن ذلك ممكناً بالنسبة إلى أي من عشرات المرشحات البارزات الأخريات اللواتي دخلت أسماؤهن حتى الآن سلة الاحتمالات.

ويبدو أن عامل الصدفة قد يدفع بالتقدم الاجتماعي قدماً، أقله بالفاعلية نفسها للنية المتعمدة، وما لم تحدث في اللحظة الأخيرة تطورات غير متوقعة أو يبرز مرشح غير منتظر، فمن المتوقع أن تكون كامالا هاريس هي المنافس الرئيس لدونالد ترمب خلال الانتخابات الرئاسية.

تمكنت هاريس بسرعة من جمع مبلغ قياسي من أموال الحملة في غضون 48 ساعة من إعلان بايدن تأييده لها، وهي تحظى بدعم الحزب الديمقراطي الذي يستميت في منع فوز ترمب بولاية ثانية، وعلى رغم أن ترشيحها يرجع إلى حد كبير لدورها كنائبة للرئيس، فقد أصبح من الواضح، من خلال رسائل حملتها الباكرة وردود ترمب الشخصية عليها، أن نوعها الاجتماعي يمكن أن يكون عاملاً مؤثراً وحاسماً في نتيجة الاستحقاق الانتخابي.

لكن السؤال الرئيس الذي يظل مطروحاً هو: هل يلعب نوعها الاجتماعي لمصلحتها أم ضدها؟

لا يمكن غض النظر عن هذه المسألة المهمة، ففي حين أصبح وجود امرأة في مناصب قيادية داخل المملكة المتحدة كما في كثير من البلدان الأخرى، أمراً شائعاً ومقبولاً، فإن المواقف من هذا الموضوع في الولايات المتحدة، ولا سيما في مناطقها الأكثر محافظة، لا تزال متباينة على رغم التقدم الذي أًحرز في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.

في بعض الأوساط لا تزال المثل التقليدية للأسرة المتمثلة في الأطفال والكنيسة والمطبخ قوية للغاية، ويبقى التوافق الاجتماعي قوة لافتة أكثر مما هي عليه في معظم أنحاء أوروبا، ويمكن أن تعزى خسارة هيلاري كلينتون جزئياً إلى الناخبين، رجالاً ونساء، الذين شعروا بعدم الارتياح لوجود امرأة في البيت الأبيض وامتلاكها قرار السيطرة على الترسانة النووية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد أميل إلى الإشارة هنا إلى أن المواقف من هذه المسألة ربما تطورت على مدى الأعوام الثمانية الماضية، لكن السؤال يبقى: هل تغيرت بما فيه الكفاية؟

لقد أُحرز تقدم أقله من ناحية عملية واحدة، فقبل عام 2016 كان يعتقد أن امرأة مثل هيلاري كلينتون وحدها قد تمتلك دعم رعاة ماليين يخولها الوصول إلى البيت الأبيض، لكن مع تزايد عدد النساء الثريات، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا، فقد يكون اليوم ثمة تفاوت أقل في جمع التبرعات، على رغم أن بعض المانحات المحتملات قد حققن ثرواتهن بطرق تقليدية مثل الزواج من أصحاب الملايين والمليارات.

ومع ذلك وبعيداً من المواقف الاجتماعية، فإن العامل الرئيس في هزيمة هيلاري كلينتون كان الإرث الثقيل الذي ارتبط بها، ويشمل ذلك إرث رئاسة زوجها بيل كلينتون وسوء سلوكه مع مونيكا لوينسكي (وأخريات)، والنفور العام لدى الناخبين من السلالات السياسية.

كما واجهت هيلاري كلينتون أيضاً انتقادات من بعض الناشطات في مجال الحركة النسوية لعدم انفصالها عن زوجها على رغم العلاقات التي أقامها والتي خرجت أخبارها إلى العلن، وإضافة إلى ذلك الأخطاء التي ارتكبتها خلال فترة ولايتها كوزيرة للخارجية الأميركية، مثل استخدامها خادماً بريدياً إلكترونياً شخصياً بدلاً من نظام حكومي آمن كان يفترض بها استخدامه، وكثير من التجاوزات في رسائل الكترونية كشف عنها موقع "ويكيليكس".

وشكلت قضية خادم البريد الإلكتروني التي كان من الممكن أن تعرضها لملاحقة قانونية مادة خصبة للشعار الشهير الذي أطلقه منافسها دونالد ترمب "احتجزوها" Lock Her Up، على رغم عدم توجيه أية اتهامات لها في هذا الإطار.

وفي المقابل من غير الدقيق القول إن كامالا هاريس لا تحمل أي إرث أو عبء، فهي تواجه انتقادات منذ أن كانت مدعية عامة لولاية كاليفورنيا حين جرى التشكيك بمؤهلاتها الليبرالية، كما أنها تتعرض لهجمات تتجدد الآن بأنها أميركية سوداء (هي في الواقع مختلطة العرق) يعزى صعودها الناجح ومكانتها الراهنة في المقام الأول، لا إلى مهاراتها ومؤهلاتها الخاصة، بل إلى عملها الإيجابي (زيادة الفرص للمجموعات غير الممثلة من خلال مراعاة العرق أو الجنس). 

لا شك أن الانتقادات قاسية ولكنها ستضطر مواجهتها طوال فترة حملتها. وفي الوقت عينه هي لا تمتلك خلفية يمكن التعاطف معها، على عكس شخصيات مثل الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما، أو حتى زميل ترمب في الترشح جي دي فانس، فوالداها على رغم أنهما لم يكونا ثريين، كانا يعملان في القطاع الأكاديمي، وكانت نشأتها مستقرة.

وفي إطار آخر تتمتع كامالا هاريس ببعض المزايا على هيلاري كلينتون في مواجهتها الانتخابية مع دونالد ترمب، فهي أولاً تقدم صورة مختلفة عن الخصم الذي توقعه الرئيس السابق، ولو كان يعلم أنه سيواجه امرأة ذات خلفية عرقية من الأقليات ولديها باع طويل في مجال القضاء، فلربما كان عدل إستراتيجيته في الحملة واختار نائباً آخر له لخوض السباق بدلاً من جي دي فانس الشعبوي الكاثوليكي، فهذه الورقة الذكورية بالكامل قد تأتي بنتائج عكسية على حملة ترمب اليوم، خصوصاً لجهة الكره الواضح والموثق الذي يكنه للنساء، فقبل ثمانية أعوام كانت نساء كثيرات على استعداد للتغاضي عن سلوكه الفظ وتقبله، باعتبار أنه "نموذج عن كثير من الرجال".

وتشير التجمعات الانتخابية الأخيرة التي نظمها ترمب منذ انسحاب بايدن من السباق الرئاسي إلى أنه قد يستهدف كامالا هاريس، ليس فقط كسياسية بل كامرأة، وهو ما قد يأتي بنتائج عكسية عليه، كما قد يرتد سلباً عليه أيضاً دعمه لقرار "المحكمة العليا" Supreme Court في جعل عملية صنع القرار في شأن الحق في الإجهاض مسألة لامركزية (بحيث يسمح لكل ولاية بوضع قوانينها وسياساتها الخاصة في ما يتعلق بالإجهاض)، وهذه القضية لم تكن موضع اهتمام كبير خلال حملته ضد هيلاري كلينتون، لكنها أصبحت مسألة رئيسة الآن.

وقد تستفيد هاريس أيضاً من حقيقة أنها تعكس "صورة أميركا"، أو في الأقل المستقبل المتنوع للولايات المتحدة، أكثر من ترمب، وقد يسهم الدعم المقدم لها من المشاهير، إضافة إلى الصور الملتقطة لها في مرحلة شبابها (والمقتطفات من أغاني البوب ​​الشعبية التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي) في جذب أصوات الناخبين الشباب إليها، لكن نظراً إلى الطبيعة غير المتوقعة والمتقلبة للحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يكون هذا الدعم في الواقع مجرد تفكير متفائل وغير مضمون.

كما أن الظروف المتغيرة والحاجة الملحة من جانب "الديمقراطيين" لمرشح قوي، إضافة إلى المسار المهني الفريد والمميز الذي سلكته كامالا هاريس، جميعها عوامل قد تسهم معاً في جعلها منافساً واعداً وأكثر إقناعاً في مسألة الفوز بالبيت الأبيض، مقارنة بهيلاري كلينتون عام 2016، لكن على رغم ذلك لا تزال هاريس تواجه طريقاً صعباً في حملتها.

وقد يكون اختيار هاريس للمرشح لمنصب نائب الرئيس تأثير كبير في حملتها، فاختيار بطاقة ترشيح نسائية بالكامل مثل حاكمة "ولاية ميشيغان" غريتشن ويتمر، سيكون قراراً جريئاً لكنه غير مرجح، وعلى نحو مماثل فإن بطاقة ترشيح مكونة بالكامل من ولاية كاليفورنيا، ممثلة في حاكمها غافين نيوسوم، سيعتبر أيضاً خياراً بارزاً لكنه غير محتمل.

قد ينظر إلى رجل أبيض من ولاية أقل شهرة على أنه خيار إستراتيجي مع طرح جوش شابيرو من ولاية بنسلفانيا كاحتمال، لكن قبل أي شيء يتعين على كامالا هاريس أن تحرص على عدم إشعار "الديمقراطيين" بالندم على قرارهم المتسرع بترشيحها.

وإذا تعرضت حملتها لصعوبات خلال الأسابيع التي تسبق مؤتمر الحزب فقد تواجه تحديات، وفي هذه المرحلة فإن حجتها الأكثر إقناعاً ليست هويّتها كامرأة، لكن تميزها عن جو بايدن، أما حملتها كي تصبح أول رئيسة أنثى للولايات المتحدة، فيمكن أن تنتظر حتى يتم ضمان ترشيحها بصورة كاملة على مستوى الحزب.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء