Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تراجع منسوب الهجرة السرية من تونس صوب إيطاليا؟

روما أكدت وجود تراجع بنسبة 63 في المئة بسبب التعاون مع بلدان المنشأ والعبور

تدفع السلطات التونسية بالمهاجرين غير النظاميين إلى غابات الزيتون (اندبندنت عربية)

ملخص

يرى مراقبون أن المقاربة الأمنية التي اعتمدتها أوروبا، والتزمت بها تونس وليبيا أثمرت تراجعاً لافتاً في منسوب الهجرة السرية إلى إيطاليا والدول الأوروبية خلال العام الحالي.

يتكدس آلاف المهاجرين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء في ظروف إنسانية صعبة في غابات الزيتون، خصوصاً في محافظة صفاقس (وسط)، وتحديداً في كل من "العامرة" و"جبنيانة"، وسط ارتفاع لافت لدرجات الحرارة وانعدام المرافق الأساسية، بينما تحاصرهم قوات الأمن وتضعهم تحت مراقبتها وتحول دون انتشارهم في بقية المدن التونسية.

وضع هؤلاء المهاجرين دفع بعدد من المنظمات المدنية إلى إطلاق صيحة فزع مطالبة بتسهيل إجراءات إدماجهم، وتمكينهم من إقامات موقتة أو العمل على ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية في ظروف لائقة.

الطريق بين مدينة صفاقس والعامرة تعج بالمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، يستوقفون السيارات لتقلهم إلى المدينة، فيهم من يبحث عن عمل وقتي لتحصيل بعض المال لقضاء حاجياته، وفيهم من يريد الخروج من العامرة بعد أن ضيقت قوات الأمن الخناق على منظمي الهجرة السرية.

 صايدو محمد واحد من هؤلاء وهو شاب من النيجر وصل إلى تونس منذ نحو سنة، وجدناه على الطريق بين مدينة صفاقس والعامرة، يستظل تحت شجرة الزيتون، في درجة حرارة تناهز 40 درجة، في يده قارورة ماء صغيرة، يراقب الطريق خوفاً من وحدات الأمن التي تطاردهم وتعيدهم لغابات الزيتون، وقفنا قربه ولما لمحنا حاول الهرب، ثم اطمأن إلى أننا لسنا بصدد ملاحقته، تحدث بتوجس عن الوضع الصعب الذي يعيشه منذ أشهر، قائلاً "أنا في حيرة من أمري بين نار العودة لبلدي الفقير وعائلتي التي تنتظرني لإنقاذها من براثن الفقر، وعذاب المكوث هنا في غابات الزيتون، إذ نفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية الكريمة".

يضيف صايدو أن "قوات الأمن تراقب الشواطئ بشكل كبير، ولا تسمح لأحد بالاقتراب من البحر، كما أن فرص المغادرة باتت مستحيلة".

 حال هذا المهاجر ينسحب على آلاف المهاجرين الذين يتحينون فرصة المغادرة، إلا أن قوات الأمن ضربت حصاراً بحرياً وبرياً قوياً على هؤلاء وعلى منظمي الهجرة، لذلك يعتبر المراقبون أن تلك الإجراءات الصارمة التي فرضتها تونس على حدودها البرية والبحرية قلصت بشكل كبير تدفقات الهجرة إلى أوروبا، ودفعت بعشرات المهاجرين إلى طلب الترحيل طوعاً إلى بلدانهم.

تراجع تدفقات الهجرة إلى إيطاليا بـ63 في المئة

وأكد وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي في كلمة له أمام نواب البرلمان "تراجع تدفقات الهجرة على سواحل بلاده بنسبة 63 في المئة هذا العام مقارنة بالسنة الماضية"، معتبراً أن هذه النتائج هي "ثمرة الإجراءات التي اتخذتها بلاده لمكافحة الاتجار بالبشر والامتثال بشكل أكثر صرامة لقواعد الهجرة، وإيجاد تعاون أكثر فعالية مع بلدان المنشأ والعبور".

ووصل إلى إيطاليا منذ بداية هذه السنة إلى مايو (أيار) الماضي 17399 مهاجراً، أي بانخفاض كبير مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية عندما وصل 44343 شخصاً إلى السواحل الإيطالية، بينما وصل في 2023 أكثر من 157 ألف مهاجر معظمهم من تونس، وفقاً لأرقام الداخلية الإيطالية، وتوفي في العام نفسه أكثر من 1300 مهاجر في البحر قرب الساحل التونسي.

فما أسباب تراجع تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا من تونس وليبيا؟ وهل نجحت المقاربة الأمنية في معالجة ظاهرة الهجرة السرية؟

نتائج ظرفية للمقاربات الأمنية

يؤكد المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) رمضان بن عمر، أن تدفقات الهجرة سجلت هذا العام تراجعاً كبيراً مقارنة بالعام الماضي، وهو تراجع رافقته تحولات في ظاهرة الهجرة السرية، إذ تحولت ليبيا إلى نقطة الانطلاق الأهم لهذه السنة، بعد أن كانت تونس تتصدر الدول المرسلة للمهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا في السنة الماضية.

ويضيف بن عمر أن "هذا التراجع في تدفق المهاجرين على أوروبا يعود أساساً للمقاربة الأمنية الأوروبية التي فرضتها على دول الانطلاق وخصوصاً تونس، وهي مقاربة قمعية وزجرية ضد المهاجرين، واعتمدت أساساً على الكراهية ضد المهاجرين، وعلى طردهم إلى الحدود، والدفع بهم إلى غابات الزيتون في شكل مجموعات، ليمكن مراقبتهم ومحاصرتهم ومعاقبة كل من يحاول اجتياز الحدود خلسة بطرده إلى الحدود الجزائرية والحدود الليبية" على حد تعبيره.

ويعتبر المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "المقاربات الأمنية في التعاطي مع ظاهرة الهجرة غير النظامية تعطي نتائج ظرفية، مستحضراً عام 2019 حين اعتمدت إيطاليا مقاربة أمنية أدت إلى تقليص عدد المهاجرين إلا أن تدفقات الهجرة سرعان ما عادت لمنسوبها المرتفع"، مشيراً إلى "الكلفة الإنسانية العالية للمقاربات الأمنية في التعاطي مع الهجرة غير النظامية، من حيث حوادث الموت والغرق على السواحل التونسية، وعلى الحدود البرية، ومن حيث وضع المهاجرين واللاجئين في تونس، وهو وضع مأسوي، يشهد انتهاكات عدة خصوصاً للفئات الأكثر هشاشة".

التمييز ضد المهاجرين 

وإضافة إلى المهاجرين شملت محاصرة قوات الأمن منظمات المجتمع المدني، وخصوصاً تلك التي تساعد في تحسين وضع المهاجرين غير النظاميين، علاوة على ما تعانيه  المجتمعات المحلية، وخصوصاً في كل من جبنيانة والعامرة اللتين دفعتا ثمناً باهظاً لمقاربة الدولة التونسية في نقل المهاجرين، ونقل هذه الأزمة من "لامبيدوزا" الإيطالية إلى تونس.

وبحسب رمضان بن عمر فإن "السلطات التونسية مارست التمييز ضد التونسيين أنفسهم من خلال تخفيف أزمة المهاجرين على مدينة صفاقس المركز، ورحلتها إلى المناطق الريفية والقرى الصغيرة في جبنيانة والعامرة وتركت الأهالي في مواجهة مباشرة مع المهاجرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن شأن هذه المقاربة الأمنية أن تنعش الشبكات الإجرامية التي باتت تتعيش من الأوضاع المزرية للمهاجرين، مما خلف مشاحنات وأحداث عنف عدة بين المهاجرين والسكان المحليين وأيضاً بين المهاجرين أنفسهم.

تصدير الحدود نحو تونس

وفي الضفة الأخرى من المتوسط أكد النائب السابق في البرلمان والناشط المدني في إيطاليا في تصريح خاص أن "رئيسة الوزارء الإيطالية جورجيا ميلوني تتباهى بسياساتها المناهضة للمهاجرين، التي أدت إلى تراجع لافت في تدفقات الهجرة خصوصاً بعد إمضائها عديد الاتفاقات الثنائية مع تونس وليبيا في مقابل مساعدات أمنية ولوجيستية".

وضعت أوروبا سياسة حمائية تقوم على تصدير الحدود للحد من الهجرة السرية إلى أراضيها وتكديسهم في بلدان العبور، ويشير الكرباعي إلى أن "تونس باتت تلعب دور حرس حدود أوروبا، وتمنع المهاجرين من الوصول إلى إيطاليا وتتركهم لحال سبيلهم من دون إحاطة ورعاية".

وتتبع أوروبا السياسة نفسها مع ليبيا التي تبحث حكومتها في طرابلس عن الشرعية عبر التعاون مع الاتحاد الأوروبي، من خلال العمل على الحد من الهجرة السرية وإحكام السيطرة على سواحلها، ويستبعد الناشط المدني مجدي الكرباعي "وجود حلول في الأفق للهجرة السرية، داعياً إلى مقاربات أكثر شمولية عبر التعاون شمال جنوب".

التزام بحماية السيادة

في المقابل يؤكد متخصص علم السكان والعلوم الاجتماعية في الجامعة التونسية حسان قصار أن "المقاربة الأمنية تعكس التزام الدولة التونسية تجاه نفسها، من أجل مراقبة حدودها وإحكام السيطرة على مجالها البري والبحري والجوي، لأن هذه المسالة تهم السيادة الوطنية، ومعاقبة شبكات الهجرة هو من صميم دور الدولة التي تحترم حدودها وتعمل على تعزيز التعاون مع الفضاء الأوروبي".

ويرى متخصص علم السكان أن "الهجرة قد تتراجع ظرفياً إلا أنها لن تتوقف"، لافتاً إلى أن "خطاب الحكومة الإيطالية حول تراجع تدفقات الهجرة موجه إلى المجتمع الإيطالي والأوروبي الذي تصاعدت فيه المواقف المعادية للهجرة".

ويرجع قصار تراجع تدفقات الهجرة إلى حالات الغرق المتتالية التي أودت بحياة عشرات من المهاجرين، علاوة على الوضع الصعب الذي يعيشه المهاجرون في المعسكرات الإيطالية، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب في أوروبا وغلاء المعيشة وانعدام مواطن الشغل، وهو ما أرسل رسائل سلبية للراغبين في الهجرة".

ويرى متخصص علم السكان أن "المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء لا يتقنون اختصاصات أو حرفاً تسهل اندماجهم في سوق الشغل في أوروبا، مما يجعلهم عبئاً على المجتمعات هناك، وهو ما دفع بدول الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن اتفاقات مع دول عدة لتوفير يد عاملة مختصة وكفاءات عالية".

تونس لن تكون حارساً لدول أخرى

كما تعتبر العودة الطوعية آلية مهمة اعتمدتها تونس بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، وفي 2023 ساعدت المنظمة 2557 مهاجراً في العودة طوعاً من تونس لبلدانهم الأصلية، بزيادة بنسبة 45 في المئة عن 2022، حين أقنع 1614 مهاجراً بالعودة الطوعية لبلدانهم.

ولطالما أكدت تونس رفضها أن تكون "حارساً لحدود دول أخرى"، وأن "حل مشكلة الهجرة غير النظامية لن يكون على حسابها".

وفي كلمة له خلال زيارة في وقت سابق لمحافظة صفاقس للاطلاع على أوضاع المهاجرين غير النظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، قال رئيس الجمهورية قيس سعيد إن "الحل لا يمكن أن يكون إلا إنسانياً وجماعياً، ونتحمل المسؤولية الكبيرة في الحفاظ على الدولة وسيادتها، ولا نقبل بأن يعامل أي شخص معاملة غير إنسانية، ونعمل على أن يكون كل من يأتي إلى تونس في وضعية قانونية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير