ملخص
لم يتمكن "المجلس" جماعياً من إعطاء الانطباع عن قدرته على العمل بصورة تعزز الأمل عند المواطنين وتحفزهم على منحه ثقتهم بما يعمله، وصار التشكيك في كل إجراءاته هو المسيطر على الأذهان، وتقلصت مساحة الثقة الوطنية به إلى الحد الذي صار الناس معه غير مكترثين بما يصدر عنه وعن نشاطاته. فأين الخلل؟
كان الإعلان مفاجئاً عن اختيار قيادة جماعية تحت مسمى مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل (نيسان) 2022 انتقلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية، وجرى اختيار ثماني شخصيات تمنى كثيرون أن تكون قادرة على تسيير شؤون البلاد في فترة ما بعد الجلسة الختامية لأعمال "المشاورات اليمنية – اليمنية" المنعقدة في الرياض تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبرعاية السعودية التي كانت حريصة على تأكيد موقفها الذي عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإعلان خريطة طريق لوضع حد نهائي للحرب في اليمن.
وعلى رغم كل الدعم السياسي والمالي الذي قدمته الرياض، واستمرار مساعيها العلنية وغير العلنية، فإن "المجلس" لم يتمكن جماعياً من إعطاء الانطباع عن قدرته على العمل بصورة تعزز الأمل عند المواطنين وتحفزهم على منحه ثقتهم بما يعمله، وصار التشكيك في كل إجراءاته هو المسيطر على الأذهان، وتقلصت مساحة الثقة الوطنية به إلى الحد الذي صار الناس معه غير مكترثين بما يصدر عنه وعن نشاطاته. فأين الخلل؟
من الطبيعي أن تجارب العمل الجماعي في العالم العربي لم تحقق في الماضي أي نجاحات بسبب الاختلافات الثقافية والسياسية التي عصفت به، وانتهت بالتحول التدريجي إلى الاستقطاب ثم انفراد الأقوى بالقرار ثم بالسلطة كاملة.
تجارب الحكم الجماعي في العالم العربي، خصوصاً، فاشلة لأن نجاحها مرتبط بوجود واستقرار ضوابط معروفة وملزمة ولا لبس فيها، يعرفها الجميع وينصاعون لها. كما يجب وجود توازن للقوى داخل "المجلس" في حدود الدستور والقوانين ووحدة الهدف، والاتفاق على المسارات لتحقيق كل ذلك. وإذا ما نظرنا إلى المشهد الحالي لمجلس القيادة الرئاسي فإن كل تلك المعايير غائبة، ولا أرى إمكانية التوصل إلى صيغة بديلة أو معدلة لأن "المجلس" الحالي جاء بترتيبات وقع عليها الرئيس "الشرعي" بحكم الأمر الواقع عبد ربه منصور هادي، ضمن حقوقه الدستورية، وسيكون من غير الممكن إعادة الهيكلة الا بابتكار مخارج ضمن الأطر الدستورية المعمول بها.
لقد تناولتُ كثيراً الدور المناط بالمجلس، وما زلت مصراً على أن المطلوب عملياً التفكير في التوصل إلى معادلة تجعل منه جهازاً مخططاً لأعمال السلطة بكافة أفرعها، ثم إحالة مقرراته إلى مجلس الوزراء ومتابعته باعتباره الفرع الأدنى من السلطة التنفيذية. وبطبيعة الحال فإن هذا مرتبط بقدرة ورغبة رئيس المجلس على ممارسة الاختصاصات المنصوص عليها في إعلان نقل السلطة والتوقف عن الاستغراق في محاولة التحول إلى حكم بين السلطات الهشة أصلاً، إذ إنه المسؤول الأوحد أمام المواطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللخروج من هذا المأزق فإن من المهم التأكيد أولاً على أهمية وحسم ضرورة التواجد الدائم لرئيس وأعضاء "المجلس" لإعادة النظر داخل البلاد بصورة مستمرة، وعدم اعتبار الإقامة المتقطعة إنجازاً يستحق الشكر أو حتى الذكر (أستثني هنا الشيخ سلطان العرادة والعميد طارق صالح اللذين يقومان بكامل مسؤولياتهما ضمن النطاق الجغرافي الذي يتواجدان فيه داخل البلاد).
مما لا شك فيه أن غياب المسؤول الأول وبقية أعضاء المجلس يصيب مصداقيتهم في مقتل، ويستنزف من رصيدهم الهزيل أصلاً بسبب سوء الأداء والإسراف خلال الفترة الماضية في الوعود والصور والبيانات التي تحولت إلى مادة للسخرية منهم. كما يكشف عن عجز تستفيد منه السلطة في صنعاء لفرض المزيد من الإجراءات القمعية ضد المواطنين.
أيضاً، هناك الغياب غير المبرر والغامض عند العامة لمجلسي النواب والشورى عن المشهد السياسي، وتحولهما إلى كيانين لا قيمة لوجودهما سوى الإنفاق المالي، على رغم تفاهته مقارنة بما تتلقاه هياكل غير دستورية مثل هيئة التشاور والمصالحة واللجنة الاقتصادية واللجنة القانونية. وفي هذا المقام فإن السبب والمعرقل هو أن المجلس الانتقالي الجنوبي يرى أنه غير معني بالمجلسين بما أنه غير ممثل فيهما، وهذا أمر يمكن تعويضه بتدوير عضوية مجلس الشورى وليس بتعطيل وظيفتي المجلسين الدستورية.
ومن المسلم به أن نموذج الحكم الذي يمارس في صنعاء غير مقبول ولا يمثل رغبة المواطنين ولا يقترب من طموحاتهم، لكن فشل السلطة "الشرعية" في التحرك نحو تلبية تطلعات الناس وتحسين مستواهم المعيشي والخدماتي والأمني، كل هذا غير كاف لمنح السلطة في عدن الدعم الشعبي الذي تحتاجه لترسيخ مكانتها بما يسمح لها بالقول إنها سلطة حقيقية ومقبولة، وليس مجرد شعار لم يبق منه في أذهان الناس سوى برقيات التهاني والتعزية التي من خلالها يتذكر الناس وجود مسؤولين في البلاد.
ويكفي للتدليل على ذلك عجز السلطة "الشرعية" في إيجاد منظومة موحدة تشرف على أمن مدينة عدن، واستبدلت ذلك بالإكثار من الشعارات والمشاريع الوهمية والمصفوفات والإنفوغرافيك التي ما عاد الناس يصدقونها، وحتماً فإن الإكثار منها سيفقدها ما تبقى من قيمتها المعنوية والحقيقية.
مهام كثيرة ومعقدة أمام الرئيس، وكلها تحمل صفة الاستعجال، وعليه أن يدرك أن الالتزام بفلسفة "التوافق" تحتاج بالتوازي معها إلى الحسم والحزم من دون تفريط أو تباطؤ، وكل ما يستدعيه الأمر هو اقتناعه بأن ما يمتلكه من السلطات الدستورية كافٍ، وأن يتذكر أن مبدأ الاستقالة لا ينتقص من قيمة المسؤول.