Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عرب إسرائيل بلا حماية لانعدام الملاجئ ووسائل الإنذار في مناطقهم

تقول تل أبيب إنه لا يمكن العمل لحماية تلك البلدات لأن قسماً منها قديم جداً، وبعضها بني من دون تراخيص وفي أماكن تفتقد إلى خرائط هيكلية

أدى تزايد الهجمات المتبادلة بين "حزب الله" و"إسرائيل" إلى نزوح كثير من سكان المناطق الحدودية (أ ف ب)

ملخص

ما زالت المدن والقرى العربية في إسرائيل من دون ملاجئ عامة وغرف واقية تحميهم من تبعات حرب محتملة مع "حزب الله"

وسط دمار متزايد ومعاناة إنسانية لا توصف تبدو فيها آفاق الحل السلمي بعيدة، يعيش سامي خوري (35 سنة) من قرية "فسوطه" في الجليل الأعلى الغربي التي لا تبعد من الحدود الشمالية من لبنان سوى بضعة كيلومترات، بين خيارين كلاهما مر، فإما المغامرة بحياته وحياة زوجته وطفليهما والبقاء في منزلهم مع أصوات الطائرات من دون طيار والمقاتلات والمدافع، أو النزوح مع كل ما يرافق ذلك من معاناة وتشرد. وأدى تزايد الهجمات المتبادلة بين "حزب الله" و"إسرائيل" وتصاعد حدة الاشتباكات من حيث حجمها ونطاقها إلى نزوح كثير من سكان المناطق الحدودية في فسوطة وحرفيش وقرية الريحانية الشركسية وترشيحا، إضافة إلى قرية عرب العرامشة والغجر التي تبعد أقل من كيلومترين عن الحدود. إلا أن مجموعة صغيرة من السكان العرب ترفض مثل خوري سيناريو المغادرة، على رغم استمرار القتال ومخاوف انزلاق الأمور إلى حرب شاملة، خصوصاً وأن الحكومة الإسرائيلية صادقت على خطة لإجلاء سكان البلدات الإسرائيلية الواقعة في مسافة تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود اللبنانية إلى مؤسسات تعليمية ومنشآت إيواء جماعية، وليس إلى فنادق وبيوت ضيافة بسبب نقص الغرف فيها.

وتسبب التوتر المتصاعد بين الجانبين منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في نزوح عشرات آلاف المدنيين ممن كانوا يعيشون قرب المناطق الحدودية، إذ قدرت التقارير نزوح أكثر من 60 ألف إسرائيلي. وأفاد "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" ومقره واشنطن في مارس (آذار) الماضي، بأن "هجمات السابع من أكتوبر أدت إلى زيادة الشعور بانعدام الأمن داخل إسرائيل إلى مستوى كبير".

ووفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي أطلق "حزب الله" على شمال إسرائيل، بين أكتوبر ومنتصف يوليو (تموز) الماضي، نحو 6700 صاروخ و340 طائرة من دون طيار كانت لها تأثيرات واسعة النطاق، وبحسب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أشعلت صواريخ "حزب الله" أكثر من 710 حرائق في الغابات، أتت على نحو 105 كيلومترات مربعة من الأراضي في مناطق تمتد من الجليل الأعلى إلى مرتفعات الجولان.

نقص شديد

على رغم إعلان الجبهة الداخلية في لواء الشمال بالجيش الإسرائيلي أنها "انتهت من تأمين جهوزية المواطنين لمواجهة سيناريو الحرب"، إلا أن كثيراً من الفلسطينيين في الوسط العربي بإسرائيل يرون أنفسهم خارج الحسابات، إذ إن حجم الفجوة بين خطورة الأوضاع الأمنية السائدة وسياسة تعامل السلطات الإسرائيلية مع المجتمع العربي تظهر وفق تعبيرهم، عكس تلك التصريحات.

وما زالت المدن والقرى العربية في إسرائيل من دون ملاجئ عامة وغرف واقية تحميهم من تبعات حرب محتملة على رغم الوعود بتحسين الأوضاع منذ حرب لبنان الثانية عام 2006. وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في وقت سابق، إن المدن والقرى الفلسطينية في شمال إسرائيل تنعدم فيها الملاجئ، وإن ثلث المواطنين الذين يعيشون على مسافة مداها 40 كيلومتراً من الحدود الشمالية مع لبنان يفتقدون للحماية المناسبة ويعانون نقصاً شديداً بوسائل الأمن والأمان، ومن دون أي تجهيزات للحماية بحال نشبت أية حرب أو حتى بحال قوع كارثة طبيعية، في حين يشكل العرب 70 في المئة منهم.

وأشار الجيش الإسرائيلي عام 2017 إلى أن 15 في المئة من الجمهور الذي يعيش على مسافة تسعة كيلومترات من الحدود لا يتمتع بالحماية الجيدة، وتصل نسبة العرب بين هؤلاء إلى 60 في المئة، بدعوى أنه لا يمكن العمل لحماية البلدات العربية في الشمال، لأن قسماً منها قديمة جداً، وبعضها بني من دون تراخيص وفي مناطق تفتقد إلى خرائط هيكلية، وأنه في بعض الأحيان "لا يظهر السكان العرب اهتماماً بحماية بيوتهم".

وكانت معطيات نشرتها جمعية "الجليل" العربية للبحوث الصحية في المجتمع العربي بإسرائيل، أظهرت أن 70 في المئة من المدن والقرى العربية شمال البلاد، ما زالت خالية من الملاجئ والغرف الواقية على رغم انتقادات وتوصيات تقرير لجنة "فينو غراد" للتحقيق في حرب لبنان الثانية، التي أودت آنذاك بحياة 18 مواطناً عربياً، بعضهم نتيجة الإصابة المباشرة بالصواريخ، وشكلوا نحو 50 في المئة من القتلى المدنيين بإسرائيل وقتها، على رغم أن نسبتهم السكانية كانت لا تزيد على 20 في المئة فقط. ووفقاً للإحصاءات، يعيش 60 في المئة من عرب 48 في شمال إسرائيل، أما البقية فموزعون بين النقب (جنوباً) والمثلث (منطقة جغرافية تقع في لواء حيفا)، وحصل غالبهم بعد عام 1952 على الجنسية الإسرائيلية باستثناء آلاف عدة، خصوصاً المقيمين في القدس الشرقية، إذ اكتفت إسرائيل بمنح معظمهم الإقامة الدائمة.

أبرز التحديات

يؤكد المدير العام للجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية أمير بشارات أن المجتمع العربي يواجه تحديات جمة منذ اندلاع الحرب، وإلى جانب نقص خدمات الطوارئ والإسعاف الأولية التابعة لـ"نجمة داوود الحمراء" الإسرائيلية في غالبية القرى والمدن العربية، فإن نسبة العرب المحرومين من الكمامات الواقية ضعف النسبة لدى اليهود. وأضاف "معظم فلسطينيي الداخل إما بلا كمامات وإما بحوزتهم كمامات غير صالحة من فترة حرب لبنان الثانية عام 2006"، غير أن نقص الملاجئ في البلدات العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يشكل أحد أبرز التحديات بالنسبة إلى رؤساء المجالس المحلية.

ووفقاً لأرقام اللجنة القطرية، يوجد في نحف ودير الأسد والبعنة ومجد الكروم (بلدات عربية شمال إسرائيل) التي يبلغ تعداد سكانها مجتمعة نحو 53 ألف مواطن ملجآن عموميان فقط، في حين أن بلدة كرميئيل الإسرائيلية المجاورة وبلدة أخرى بالقرب منها، يبلغ سكانهما نحو 56 ألف مواطن ويوجد فيهما 126 ملجأ عام، وأكدت اللجنة أن 30 إلى 40 في المئة فقط من البيوت العربية تحتوي على ملجأ بيتي. وهو ما دفع الهيئة العربية للطوارئ المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، إلى تزويد 34 بلدة عربية بملاجئ متنقلة، وسط تأكيدها أن الفجوة في خدمات الطوارئ بين العرب واليهود ما زالت كبيرة جداً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت في بيان "ستكون قوات الجبهة الداخلية منشغلة أساساً في المدن الكبرى، لا سيما حيفا وضواحيها وغيرها، عدا عن التعامل الحكومي العنصري والإقصائي بطبيعة الحال تجاه مجتمعنا العربي"، ودعت الهيئة السلطات المحلية العربية والجمعيات والحركات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني كافة إلى "تفعيل غرف الطوارئ والاستعداد لأسوأ السيناريوهات الممكنة". وبحسب ما نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" وبعد عقود من مصادرة الأراضي والسياسات التخطيطية التمييزية، يعيش اليوم عدد من المواطنين الفلسطينيين محبوسين في بلدات وقرى مكتظة لديها مجال ضئيل للتوسع.

بدورها قدمت جمعية "حقوق المواطن في إسرائيل" باسمها وباسم اللجنة العليا لرؤساء السلطات المحلية العربية مطالبة إلى وزير الأمن ووزير الداخلية ووزير البناء والإسكان وقائد قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في شأن وضع غرف آمنة وتعزيز حلول الحماية في البلدات العربية في الشمال. وشددت في رسالة "على ضرورة الإسراع بتعزيز حلول الحماية المناسبة للبلدات العربية في الشمال وتخصيص الموازنة المناسبة لذلك، بما في ذلك تمويل إنشاء غرف آمنة وبناء الملاجئ بمساحات تتناسب مع عدد السكان الذين يعيشون في كل بلدة، وتمويل إقامة مساحات محمية في المدارس والمباني العامة التي تفتقر إلى الغرف الآمنة، وتمويل صيانة واستخدام الملاجئ الموجودة في هذه المباني".

تقليص موازنات

في خضم كل تلك التحديات التي تواجه العرب في إسرائيل منذ بدء الحرب وقبل ذلك بعقود، يواصل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش منع تحويل هبات التوازن المستحقة للسلطات المحلية العربية، التي تصل قيمتها الإجمالية إلى 200 مليون شيكل (54 مليون دولار) في العام، التي أقرت للسلطات المحلية العربية عام 2022، ضمن الخطة الاقتصادية لتطوير المجتمع العربي "تقدم". وعلى رغم أن قرار الإلغاء يتطلب موافقة لجنة المالية في الكنيست التي تعارض حتى الآن الموافقة على قرار سموتريتش، أصر الأخير على تقليص 15 في المئة من موازنة خطة التطوير وإلغاء زيادة منحة التوازن، وهو ما دفع لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية إلى التقدم بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية يوضح أن "منع تحويل منح الموازنة يشكل تمييزاً عنصرياً غير مقبول ضد السلطات العربية، ويشل عملهم الجاري ويضر بالخدمات المقدمة للمواطنين".

بالنسبة إلى السلطات العربية كانت هذه المنحة الإضافية حيوية في الأعوام الأخيرة، ومكنتهم من توفير خدمات الرعاية الاجتماعية والتعليم، وجمع النفايات وتعزيز الاقتصاد وتطوير البنية التحتية ومكافحة الجريمة في البلدات العربية، إلا أنها بالنسبة إلى سموتريتش لم يكن لها "أي مبرر مهني"، زاعماً أنه اتخذ القرار لمنع وقوع الأموال في أيدي المنظمات الإجرامية. وعلى رغم تحذير وزير الداخلية موشيه أربيل من أن ذلك قد يؤدي إلى "إلحاق ضرر كبير بموازنة السلطات المحلية"، إلا أن سموتريتش أكد أن "قراره نهائي ولن تحول الموازنة"، وأضاف "المال هو المصدر الرئيس للجريمة المنظمة في المجتمع العربي".

أسطوانات أسمنتية

في جنوب إسرائيل لم تكن القرى والبلدات الفلسطينية أفضل حالاً، فنتيجة لغياب أنظمة الإنذار وعدم وجود ملاجئ أو حتى غرف محمية متنقلة في النقب وفي القرى غير المعترف بها على وجه الخصوص، قتل 18 بدوياً في الأقل من بينهم ستة أطفال، وهو ما اعتبرته جمعية حقوق المواطن "انتهاكاً خطراً لحقوقهم الأساسية في الحياة والسلامة الجسدية والمساواة". وأشار المجلس الإقليمي للقرى العربية غير المعترف بها في النقب، إلى أن حرمان العرب في النقب من الملاجئ المتنقلة والاكتفاء بتوفير ’أسطوانات من الإسمنت‘ ليحتمي فيها المواطنون في حال إطلاق صواريخ، تأتي بذريعة أن "السلطات الإسرائيلية لا تريد أن تتحول الملاجئ إلى مساكن دائمة".

ووفقاً للهيئة العربية للطوارئ في النقب، يعيش نحو 120 ألفاً من إجمالي عدد السكان البدو في النقب البالغ 300 ألف في عشرات القرى غير المعترف بها والمنتشرة في جميع أنحاء المنطقة الصحراوية، داخل مبان متهالكة تفتقر إلى أدنى وسائل الحماية. وسعت السلطات الإسرائيلية طوال عقود إلى إقناع البدو بالانتقال إلى سبع بلدات بدوية معترف بها من الحكومة، لكن عدداً منهم يصرون على حقهم في البقاء حيث هم. وبحسب التقديرات يحتاج النقب عموماً إلى أكثر من 10 آلاف ملجأ، بكلفة قد تصل نحو نصف مليار شيكل (153 مليون دولار).

وفي وقت يؤكد فيه المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها أن الأسطوانات الأسمنتية لا تشكل حماية، مؤكدة وفقاً لتعليمات الجبهة الداخلية أنه يجب إنشاء غرف حماية مطابقة للمواصفات. بينت دراسة أعدها "منتدى التعايش في النقب" و"مركز أدفا" أن أراضي القرى مسلوبة الاعتراف عرفت في نظام "القبة الحديدية" على أنها "مناطق مفتوحة" وليست "مناطق مأهولة"، لذلك لم تصد الصواريخ، كما أن انعدام البنى التحتية الكهربائية وفقاً للدراسة، "حرم سكان تلك القرى من سماع صفارات الإنذار التي تحذر من سقوط الصواريخ"، وهو ما دفع منظمة IsraAID  و"أجيك"، وهي منظمة مجتمع عربي يهودي مشترك في النقب، لبناء أكثر من 100 ملجأ للقرى البدوية غير المعترف بها.

إعادة تعريف

من جهتها نشرت وزارة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية في الـ18 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إعلاناً على الموقع الإلكتروني تؤكد فيه أنها تتعاون مع قيادة الجبهة الداخلية على "سد ثغرات الحماية في القرى البدوية في النقب"، وأن فريقاً من الوزارة وقيادة الجبهة الداخلية قام بجولة في المنطقة لرسم خريطة للاحتياجات في الميدان، لإرشاد سكان القرى حول تنزيل وتشغيل برنامج قيادة الجبهة الداخلية. كما ذكر الإعلان أنه "أعيد تعريف جميع مناطق القرى غير المعترف بها في نظام ’القبة الحديدية‘ على أنها ’مناطق مأهولة‘، بدلاً من ’مناطق مفتوحة‘".

إلا أن منظمة العفو الدولية ’أمنستي‘ أكدت في أبريل (نيسان) الماضي أن "الفشل المؤسساتي في تأمين الحماية للقرى ووضع وسائل الوقاية فيها يرفع احتمال مقتل عربي في النقب بصاروخ 2200 مرة أكثر من أي مواطن آخر"، مشيرة إلى أن "سكان القرى مسلوبة الاعتراف معرضون لخطر الصواريخ والقذائف أكثر من غيرهم بسبب انعدام الملاجئ ووسائل الإنذار والحماية، والتغطية الخليوية من أجل تفعيل تطبيقات ترسل تحذيرات للهاتف المحمول". وأكدت في الوقت نفسه "أن أسلحة الاعتراض مثل القبة الحديدية ما تزال تتعامل مع هذه القرى كأنها مناطق مفتوحة، ولا تمنحهم حق بناء ملاجئ أو بنايات آمنة للاختباء فيها من الخطر".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير