ملخص
اللافت في الأمر أن رواية هايسميث، جذبت كثيراً من المخرجين للعمل عليها، وظهرت الشخصية الرئيسة في الرواية توم ريبلي، بخمسة كتب لهايسميث، وخمسة أفلام، وحلقات تلفزيونية عدة، وحتى برنامج إذاعي. وقدّم دوره ممثلون مثل مات ديمون وآلان ديلون ودينيس هوبر وجون مالكوفيتش وآلان أندرو سكوت.
ما الذي يدفع مخرجاً لتحويل فيلم سينمائي، إلى مسلسل درامي من ثماني حلقات؟ سؤال ضروري، وبخاصة إذا علمنا أن أحداث الفيلم مكثفة وسريعة، وما الحاجة إلى إبطاء هذه الأحداث وإطالتها؟
في عام 1999، قدّم المخرج البريطاني أنطوني مينغيلا، فيلمه "السيد ريبلي الموهوب" المبني على أحداث رواية الأميركية باتريشيا هايسميث. وشارك في العمل آنذاك كل من مات دايمون وجود لو وكيت بلانشيت وغوينيث بالترو... حقق الفيلم نجاحاً كبيراً لما فيه من إثارة وغموض، وطريقة تعامل المخرج مع الأحداث.
واللافت في الأمر أن رواية هايسميث، جذبت كثيراً من المخرجين للعمل عليها، وظهرت الشخصية الرئيسة في الرواية توم ريبلي، بخمسة كتب لهايسميث، وخمسة أفلام، وحلقات تلفزيونية عدة، وحتى برنامج إذاعي. وقدّم دوره ممثلون مثل مات دايمون وآلان ديلون ودينيس هوبر وجون مالكوفيتش وآلان أندرو سكوت.
تتغير التفاصيل، لكن أساس الشخصية يظل كما هو، فنان محتال يتحول إلى قاتل، شخص مفتون براحة الطبقة العليا لدرجة أنه بمجرد أن يختبرها سيفعل أي شيء للتشبث بها. يحلم ريبلي بحياة أفضل لنفسه، مما يجعله متعلقاً بها. وما يجعله ساحراً هو استعداده للذهاب إلى أبعد مدى من القتل لتأمينها.
لاحقاً ظهرت الشخصية في أربعة أجزاء تالية، "ريبلي تحت الأرض" (1970)، و"لعبة ريبلي" (1974)، و"الفتى الذي تبع ريبلي" (1980)، و"ريبلي تحت الماء" (1991). لكن القصة الأولى ظلت الأكثر ارتباطاً بالشاشة والأكثر إغراءً للعمل على تجسيدها بصرياً.
ريبلي
وعلى رغم المعالجات السينمائية العدة للشخصية والرواية، قرّر المخرج الأميركي ستيف زايليان الحائز على جائزة الأوسكار، التعامل معها مجدداً، فكتب نصاً لمسلسل "ريبلي" (Ripley) الذي يعرض على "نتفليكس" حالياً.
من يتابع المسلسل الممتد لثماني حلقات المبني على رواية "السيد ريبللي الموهوب" للكاتبة باتريشيا هايسميث، يلاحظ أن المخرج أراد تكثيف لحظات الرعب والخوف في عمله، وصوّره بالأبيض والأسود مع مدير التصوير روبرت إلسويت، ومنحه بعداً درامياً أوسع، وجمالاً بصرياً. كما أنه لم يركز على اللحظات المثلية في العمل، بل دار حول الفكرة ولمّح لها، على عكس ما قدم سابقاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، كبح المخرج رغبات البطل الجنسية، لم نر أي مشاهد أو إيحاءات حول ذلك، على عكس أبطال سابقين. قدّم صورة جديدة لتوم ريبلي الشخصية التي تعيش على الشاشة منذ سبعة عقود. أراده ملتوياً ومثيراً للقلق الشديد. بارد الأعصاب وتصرفاته غير متوقعة، ويبدو أكثر شراً ممن سبقوه.
وتدور أحداث العمل في خمسينيات القرن الماضي في نيويورك، ويؤدي الممثل الإيرلندي أندرو سكوت دور توم ريبلي القاسي الذي أرسله أحد أقطاب الشحن إلى إيطاليا لإقناع ابنه بالعودة إلى الوطن والالتزام بأعمال العائلة.
لدى وصول ريبلي إلى ايطاليا، يتعرف من طريق صدفة مدبرة إلى ديكي غرينليف (جوني فلين) وصديقته مارج شيروود (داكوتا فانينغ)، وتبدأ فوراً خطته الشيطانية.
يعجب ريبلي سريعاً بنمط حياة ديكي، ويقرر استبدال حياته بحياة الشاب الثري، والاستمتاع بالمنزل الضخم واليخت المميز والأموال والساعات والسفر وحتى الحبيبة. يقدم لنا المخرج لحظات من الخداع والتخطيط لجرائم متتالية من قتل وسرقة. البطء هنا في المسلسل مقصود، هو جزء من العمل. التوتر الذي يشعر به المشاهد أيضاً جزء من المشاركة في العمل، وربما المشاركة في الجريمة أو الجرائم التي اقترفها توم ريبلي. ثمة تماهٍ ما بين الأبيض والأسود وبرودة أعصاب القاتل، وانعكاس حقبة الخمسينيات على العمل.
يقتل الوافد الجديد إلى حياة الثراء، صديقه ويستولي على كل شيئ، وتنجح خطة الانتقال من الفقر إلى الغناء. تمر بعض المشاهد ببطء شديد، كأنها محاكاة لحياة القاتل، أو المخطط للجريمة، ثمة خوف ورعب وتوتر وترقب وقسوة في العمل، وهذا ما كان يريده بالضبط المخرج الأميركي.
باتريشيا هايسميث
وساعد في ذلك الأداء الاستثنائي للممثل أندرو سكوت في تقديم الشخصية، إذ نجح في نقل التعقيدات الشخصية للمتلقي، وتجسيد حالات نفسية متنوعة. كما بدا لافتاً دور داكوتا فاينينغ في دور القلقة التي تشك دوماً في أن سكوت قتل حبيبها، لكنها لا تعرف كيف تثبت ذلك.
يلتزم المسلسل بصورة كبيرة برواية باتريشيا هايسميث، مع بعض التغييرات الطفيفة في بعض التفاصيل، وزيادة جرعات القلق والخوف والتوتر والخداع، وفك اللغز في المشهد الأخير من العمل، حين نعلم أن الشرطة تأخرت كثيراً في اكتشاف من هو توم ريبلي حقاً، الذي تفوق بدهائه وسوداويته على المحققين وعائلة الشاب الثري وحبيبته.
ومن يطلع على سيرة الكاتبة الأميركية باتريشيا هايسميث، يلاحظ أن رواياتها لطالما تحولت أفلاماً سينمائية، لكن شخصية توم ريبلي التي عاشت في خمسة أجزاء وأحداث مختلفة، هي الأشهر.
فروايتها الأولى مثلاً التي قدمتها عام 1950 "غرباء في قطار"، حولها ألفريد هيتشكوك إلى فيلم بعد عام من صدورها. وثمة أيضاً "وجهان ليناير" التي تحولت إلى فيلم عام 2014 من بطولة فيجو مورتنسن، ورواية "المياه العميقة" التي تحولت إلى فيلم عام 2022 من بطولة بن أفليك وآنا دي أرماس تحت الاسم ذاته.
وعرض أول اقتباس لفيلم "السيد ريبلي الموهوب" على شاشة التلفزيون، في حلقة عام 1956 من مسلسل "استوديو واحد". (كان أحد الكتاب هو مارك براندل، الذي كان مخطوباً لهايسميث). وقدم الفيلم الفرنسي "الظهيرة الأرجوانية" (1960) أول نسخة سينمائية من ريبلي، إذ قدم للعالم آلان ديلون في أول دور رئيس له.
كما أدى جون مالكوفيتش دور البطولة في نسخة فيلم "لعبة ريبلي" عام 2002، وأدى باري بيبر دور الشخصية في فيلم "ريبلي تحت الأرض" الذي لم يشاهده الجمهور كثيراً عام 2005.
وقدّم جوناثان كينت دور ريبلي في فيلم "باتريشيا هايسميث: هدية للقتل"، وهي حلقة عام 1982 من المسلسل الفني والثقافي البريطاني "The South Bank Show".