Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من كروبي إلى بزشكيان... الإصلاحيون يكررون التسوية

التزام الرئيس الإيراني الجديد توجيهات ورغبات المرشد الأعلى وولي الفقيه لا يعني إخراجه من دائرة "الانفتاح"

الكلمة الفصل في السياسات العليا لإيران تبقى في يد المرشد الأعلى (وكالة الأنباء الإيرانية)

ملخص

لا شك في أن الأسماء التي قدمها مسعود بزشكيان إلى البرلمان شكلت صدمة الأسماء ليس فقط بين الإصلاحيين، بل حتى داخل المجتمع الإيراني الذي خاطر بخيار المشاركة في الانتخابات من أجل التغيير، خصوصاً أن هذه التشكيلة تضم ثلاثة وزراء من حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي.

من الصعب القول إن قوى جبهة الإصلاحات وكل أقطاب المعارضة في إيران وفي مقدمتها الرئيس السابق محمد خاتمي أخطأوا باختيار مسعود بزشكيان ودعمه كمرشح لهذه القوى والتيارات المدنية والمعتدلة في انتخابات رئاسة الجمهورية.

ومن الصعب أيضاً وصف بزشكيان بأنه إصلاحي من العيار الثقيل الذي يتبنى كل متبنيات القوى الإصلاحية الفكرية والسياسية والإدارية، لذلك كان الخيار الثالث لهذه القوى من بين الأسماء التي أعلنت دعمها في الانتخابات الرئاسية في حال عبور أي منهم سد مجلس صيانة الدستور ولجنة دراسة أهلية المرشحين.

لا يمكن القول إن بزشكيان مارس التقية أيضاً من أجل الحصول على دعم الجبهة الإصلاحية، خصوصاً أن تبنّي ترشحيه جاء بناء على آلية أقرتها هذه الجبهة ووقع عليها جميع المرشحين الذين دعمتهم ومن بينهم بزشيكان الذي كان واضحاً في الإعلان خلال حملته الانتخابية عن معتقداته السياسية والفكرية وأنه ملتزم مبدأ ولاية الفقيه ومن التابعين المخلصين للولي الفقيه.

والتزام بزشكيان توجيهات ورغبات المرشد الأعلى وولي الفقيه لا يعني إخراجه من دائرة القوى الإصلاحية أو التشكيك في كونه واحداً من رجالات الإصلاح واتهامه بالخيانة والتملص من التزامه الرؤية التي وضعتها الجبهة الإصلاحية ووافق عليها ووقعها حول الإطار العام للسياسات الداخلية والخارجية، لكن يمكن وصفه بأنه إصلاحي واقعي لا يتبنى التوجه المتطرف في الدفع بهذا المشروع، وفي المقابل من غير الوارد عنده الخروج عما يعتقد به تجاه النظام وآلية الحكم وموقع ولي الفقيه والمرشد على رأس النظام بكل مفاصله.

ولعل المثال الأبرز على شخصية بزشكيان المركبة من هذين البعدين، الاعتقاد الأيديولوجي بالنظام وولاية الفقيه، والمنهج أو النهج الإصلاحي في السياسة والإدارة والاجتماع، هو الشيخ مهدي كروبي الموجود حتى الآن في الإقامة الجبرية منذ أن كان أحد أقطاب الحراك السياسي الذي شهدته إيران عام 2009 اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أطاحت بمير حسين موسوي.

تجربة الإصلاحيين مع كروبي في رئاسة البرلمان السادس بين مايو (أيار) 2000 ومايو 2004، أو البرلمان ذي الغالبية الإصلاحية حينها كانت صعبة ومركبة، فعلى رغم امتلاكهم الأكثرية الساحقة من المقاعد البرلمانية، إلا أن الظروف السياسية والمعادلات التي حكمت العلاقة بين المرشد ورئيس الجمهورية حينها محمد خاتمي، دفعتهم إلى اختيار رئيس للبرلمان غير صدامي. إلا أنهم صدموا في أغسطس (آب) 2000 بخطوة مفاجئة من كروبي الذي عمد إلى سحب مقترح قانون الصحافة من التداول في جدول أعمال البرلمان التزاماً بالقرار الذي أصدره المرشد الأعلى بتسمية "حكم ولائي" وطلب فيه سحب القانون من التداول.

وعند سؤاله عن الأسباب التي دفعته إلى تنفيذ هذا القرار أو الحكم، كان صريحاً في التعبير عن موقفه، مؤكداً أن كونه من الإصلاحيين لا يعني أنه ضد مبدأ ولاية الفقيه وصلاحيات ولي الفقيه، وأنه على استعداد للدفاع عنها انطلاقاً من إيمانه بالمشروع الذي حمله المؤسس السيد الخميني.

أما الخطوة الثانية التي أشارت إلى مدى التزام كروبي مبدأ ولاية الفقيه، فكانت عندما سحب من التداول مشروع قانون لتفسير المواد الدستورية المتعلقة بصلاحيات كل من المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية بهدف الحد من التدخل فيها، إذ اعتبرته القوى المحافظة والدولة العميقة محاولة إصلاحية من الحكومة الإصلاحية بقيادة خاتمي للانقلاب على المرشد والحدّ من صلاحياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذلك كان من الطبيعي وقبل إصدار مجلس صيانة الدستور لرأي بصلاحية المرشحين أن يصدر كروبي أوامر لقيادات حزبه "اعتماد ملي – الثقة الوطنية" وعلى رغم أن أمينه العام كان أحد مرشحي السباق الرئاسي، بالانتقال جميعاً إلى العمل في مكاتب الحملة الانتخابية لبزشكيان.

من هذه الخلفية، يمكن الدخول إلى ردود الفعل على التشكيلة الحكومية التي تقدم بها بزشكيان إلى البرلمان من أجل مناقشتها ومنحها الثقة، وأيضاً فهم حال الصدمة التي تعيشها الأوساط السياسية، بخاصة قوى الجبهة الإصلاحية التي دعمت ترشحه، قد لا تكون مسوغة كثيراً، فعلى رغم الجهود التي تبذلها هذه القوى لاستيعاب المفاجأة التي أحدثتها الأسماء المقترحة من الرئيس والتي من المفترض أن تكون ذراعيه التنفيذيتين لتطبيق مشروعه الإصلاحي، لم يُترك لها مفر سوى الهروب إلى الإمام الذي مارسته هذه القوى من خلال تأكيد الفصل بين الرئيس والحكومة والتركيز على أهمية دور الرئيس في رسم سياسات الحكومة والإجراءات التنفيذية واتجاهاتها.

محاولة الالتفاف على هذه الصدمة يعني أن هذه القوى فهمت الرسالة بصورة واضحة وأن أي حكومة أو سلطة تنفيذية في المرحلة المقبلة من الصعب أن تكون على طرف نقيض مع موقع القائد، أو تدخل في مواجهة مع المرشد الأعلى، مما يعني، وبناء على الصلاحيات التي يملكها المرشد، أن الرئيس والحكومة سيواجهان طريقاً مسدوداً وتعطيلاً كبيراً في تطبيق سياساتهما.

وقرأت هذه القوى الأسطر الأولى لهذه الرسالة، من قرار تعيين محمد رضا عارف نائباً أول لرئيس الجمهورية والذي سبق أن شغل المنصب نفسه في عهد خاتمي، وكانت عليه ملاحظات كثيرة داخل القوى الإصلاحية عندما تولى قيادة الكتلة الإصلاحية في البرلمان ثم على رأس جبهة القوى الإصلاحية.

لا شك في أن الأسماء التي قدمها بزشكيان إلى البرلمان، شكلت صدمة الأسماء ليس فقط بين الإصلاحيين، بل حتى داخل المجتمع الإيراني الذي خاطر بخيار المشاركة في الانتخابات من أجل التغيير، خصوصاً أن هذه التشكيلة تضم ثلاثة وزراء من حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي.

وحال التنسيق والتفاهم القائمة بين المرشد والرئيس التي يحكمها من جهة المرشد إدراك أهمية الفرصة التي يتيحها وجود هذا الرئيس الذي أسهم في إعادة ترميم جزئي للمشاركة الشعبية، وأنها قد تكون الأخيرة في حال فشلها، بالتالي فإن دخول المرشد على خط استيعاب المتغير والرئيس يهدف إلى فرض نوع من التوازن بين قوى لحقت بمشروعها هزيمة قاسية نتيجة خسارتها لموقع رئاسة الجمهورية، وبين بعض الطموحات الإصلاحية المتطرفة الساعية إلى الانتقام من تيار السلطة ومنظمومتها، ويحكم هذه الحال من التنسيق من ناحية بزشكيان الحرص على تحقيق النجاح والوفاء بالوعود بالحد الأدنى، مما يدفع القوى التي دعمته إلى ضرورة تفهم هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها إيران والنظام، بخاصة بعد تصاعد التهديدات الأمنية والعسكرية في ظل تداعيات عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية وموقف النظام المتمسك بحق الرد وما يمكن أن يؤدي إليه من مسارات مفتوحة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء