Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخريب أم تطوير... جدل الثانوية العامة في مصر يتصاعد

بينما يقول وزير التعليم إن خطته استندت إلى قواعد علمية بمراجعة خبراء فإن متخصصين يرون هدفها "تدمير المنظومة بأكملها"

من أهداف النظام الجديد للثانوية العامة في مصر محاربة الدروس الخصوصية (مواقع التواصل)

ملخص

أسئلة عدة طرحها متخصصون حول تطوير الثانوية العامة في مصر، أبرزها أين المقررات الدراسية التي تعبر عن الهوية الوطنية؟ ومتى أجرى الوزير حواراً مجتمعياً حول تلك القرارات ومن الخبراء الذين استشارهم؟ وكيف تهمّش مادة اللغة الأجنبية الثانية رغم أهميتها باعتبارها مادة نجاح أو رسوب خارج المجموع؟

أحدثت تغييرات نظام الثانوية العامة انقساماً وجدلاً واسعاً في الرأي العام المصري بين عديد من المتخصصين في الشأن التربوي والتعليمي وكذلك الأهالي، فبينما يرى فريق مؤيد أن النظام الجديد "يتوافق مع نظم التعليم العالمية" التي تركز على الكيف لا الكم في التعلم، يعتقد آخرون أنه سيؤدى إلى "تخريب التعليم المصري وضرب المنظومة التعليمية في مقتل".

وتشكل الثانوية العامة كابوساً مفزعاً وصداعاً مزمناً يؤرق عديداً من الأسر المصرية ومسؤولي الإدارات التعليمية كل عام، باعتبارها مرحلة مصيرية للطلاب قبل مرحلة التعليم الجامعي.

وتضمنت خطة التطوير الجديدة التي أعلنها وزير التربية والتعليم والتعليم الفني المصري محمد عبداللطيف في مؤتمر صحافي نقاطاً جدلية شملت الصفوف الثلاثة للثانوية العامة، كان أبرزها تقليص عدد مواد الدراسة لتكون ستاً أو خمساً بدلاً من 10 مواد وسبع مواد في المراحل الثلاث، وكذلك إعادة تصميم المناهج المقررة لتصبح مواد اللغة الأجنبية الثانية وعلم النفس والجيولوجيا وعلوم البيئة من مواد النجاح والرسوب غير المضافة للمجموع، عكس ما كان متبعاً خلال الأعوام الماضية.

وشملت الخطة الجديدة تطبيق منهج العلوم المتكاملة بدلاً من منهجي الكيمياء والفيزياء وإعادة تصميم مادة الرياضيات لتصبح مادة واحدة، وإلغاء مادة الجغرافيا من الدراسة في الصف الأول الثانوي لتصبح مادة تخصص للشعبة الأدبية خلال العام التالي.

لماذا لم ننتظر حتى نطور مناهج الثانوية؟

إلى ذلك يرى أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس الدكتور تامر شوقي أن نظام الثانوية العامة الجديد "يتوافق مع نظم التعليم العالمية التي تركز على الكيف لا الكم في عمليات التعلم"، مؤكداً أنه "لم تستبعد أو تحذف أية مادة دراسية، بل جرى تغيير مواضعها ما بين مواد داخل المجموع وأخرى خارج المجموع، أو دمج بعضها".

وعدد شوقي مزايا النظام الجديد خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" بأنه "سيؤدي إلى خفض الضغوط على الأسر المصرية والتقليل من شبح الثانوية العامة، وتخفيف العبء المعرفي الواقع على أذهان الطلاب في ضوء دراستهم عدداً من المواد، بما يتناسب مع قدراتهم العقلية، علاوة على إتاحة الفرصة للطلاب لفهم واستيعاب المقررات الدراسية المختلفة بدلاً من الاعتماد على حفظها، ما ييسر تحقيق نواتج التعلم المستهدفة".

ويعتقد أستاذ علم النفس التربوي أن النظام الجديد للثانوية يعمل أيضاً "على معالجة (بصورة غير مباشرة) مشكلات العجز في المعلمين من خلال دمج مواد مختلفة وتقليل عدد أيام الاختبارات والمواد التي يُجرى تصحيحها، مما يقلل من الأعباء الملقاة على المعلمين في عمليات المراقبة والتصحيح واستعادة الوضع الطبيعي للعملية التعليمية من خلال إعطاء الوزن الأكبر لعمليات التعليم والتعلم لا الاختبارات".

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد دعا نهاية أبريل (نيسان) الماضي المصريين إلى ضرورة تعليم أبنائهم فنون البرمجة وعلوم البيانات لأهميتها في مستقبل العالم. موضحاً أن مصر في بداية دخولها هذا المجال "لم تجد سوى العشرات فقط من المؤهلين لدراسة البرمجة". مشيراً إلى استعداد الدولة لإنفاق من 30 إلى 60 ألف دولار للفرد الواحد لتعليمه فنون البرمجة حتى تستفيد البلاد منه.

 

يشار إلى أن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف كان أعلن أن مصر لديها أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن أكثر من 25 مليون طالب التحقوا بمدارسها خلال العام الدراسي الأخير.

وعلى رغم مزايا النظام الجديد التي طرحها أستاذ علم النفس التربوي فإنه يرى أن هناك بعض التحديات أبرزها "تغيير خطط الدراسة"، مدهوشاً من أنه على رغم أن أهداف النظام الجديد محاربة الدروس الخصوصية فإن "المقررات الأساس التي أقرت هي محط الدروس الخصوصية"، متسائلاً "لماذا لم ننتظر حتى نطور المناهج الثانوية بعد ثلاثة أعوام، وبخاصة أنه لا بد من تطوير المناهج الحالية لتتسق مع منظومة النظام الجديد؟ وما مدى توافق ما جرى استبعاده من مواد خارج المجموع مع متطلبات الدراسة الجامعية؟".

من جانبه طرح أستاذ القياس والتقويم التربوي الدكتور محمد فتح الله عدة تساؤلات يرجو أن يجد لها إجابة شافية في المنظومة الجديدة وهي "كيف تهمش مادة اللغة الأجنبية الثانية على رغم أهميتها باعتبارها مادة نجاح أو رسوب خارج المجموع؟ أين المقررات الدراسية التي تعبر عن الهوية الوطنية التي تحدث عنها الوزير خلال المؤتمر؟ هل تشمل مادة العلوم المتكاملة كيمياء وفيزياء فقط أم ستشمل كيمياء وفيزياء وأحياء وجيولوجيا وعلوم بيئية؟ هل يعقل ألا يدرس طالب الصف الأول الثانوي مادة الأحياء؟ وكيف تصبح مادة الرياضيات مادة واحدة؟ وأخيراً متى أجرى الوزير حواراً مجتمعياً حول تلك القرارات ومن الخبراء الذين استشارهم؟".

 

ويلفت فتح الله في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن نظام الثانوية الجديد "يخلو من أية إشارة إلى تطوير منظومة الاختبارات من قريب أو بعيد"، موضحاً أن "الاختبارات جزء رئيس في منظومة التعليم بمصر، ولم يطرأ عليها أي تطور يذكر منذ عشرينيات القرن الماضي، كما لم تتطرق خطة التطوير إلى رفع كفاءة من يضعون الاختبارات وفلسفة التقويم".

تخريب التعليم المصري

"التعليم المصري ليس حقل تجارب"، هكذا عقب المتخصص بالمركز القومي للبحوث التربوية الدكتور كمال مغيث على إعادة هيكلة نظام الثانوية العامة الجديد، واصفاً تلك الخطة بأنها تهدف إلى "تخريب التعليم المصري لا تطويره، خصوصاً أن التفكير في تلك الخطة كان منفرداً ولم تطرح على المتخصصين في مجال التعليم للتشاور حولها".

وبحسب الوزير فإن عملية إعادة تصميم المحتوى استندت إلى قواعد علمية بمراجعة خبراء متخصصين، كما أنه جرى إجراء حوار مجتمعي في شأنها مع الخبراء والمعلمين ومديري الإدارات التعليمية ومجلس الأمناء والآباء والمعلمين، وعدد من أساتذة الإعلام المتخصصين في ملف التعليم، وحظيت بنسبة قبول كبيرة.

ويضيف مغيث خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "وزير التعليم أعلن إلغاء ودمج بعض المواد الدراسية من دون أن يطرح مبرراته وأسانيده في ذلك، مما يؤكد أن هناك عبثاً كبيراً يحدث في منظومة التعليم"، مسترجعاً تجربة وزير التعليم السابق الدكتور طارق شوقي الذي أدخل "التابلت" إلى التعليم "من دون إجراء تجارب على هذا الأمر ومعرفة ميزاته وعيوبه، وحالياً يطرح وزير التعليم تغييرات كبيرة على نظام الثانوية العامة من دون أيضاً أن يعرف نتائج تلك التجربة وما مميزاتها وعيوبها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنص المادة 19 من الدستور المصري على أن "التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمي في التفكير وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن أربعة في المئة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها.

"قرارات مسلوقة، هدفها إحداث بلبلة في الأوساط التعليمية، وضرب التعليم المصري في مقتل"، تقول الباحثة التربوية الدكتورة فاتن عدلي عن خطة إعادة هيكلة الثانوية العامة، مؤكدة خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية" أن الخطة الجديدة "ليست تطويراً للعملية التعليمية لكن أشبه بتدمير المنظومة بأكملها".

وتتساءل عدلي "هل تطوير التعليم يكون عبر إلغاء مواد دراسية أم من خلال تطوير المناهج في إطار المتغيرات الرقمية الراهنة؟ كيف تعد الوزارة أن بعض المناهج الدراسية بلا أية أهمية، وتقرر أنها لن تضاف إلى المجموع مثل علم النفس والجيولوجيا، وبخاصة أن الوزارة تعلم أن المواد التي لا تضاف إلى المجموع لا يقترب منها الطالب نهائياً؟".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات