Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني توافق ماسك وترمب بالنسبة إلى سياسة الفضاء الأميركية؟

سيدفع أغنى رجل في العالم نحو مهمات فضائية طموحة مع خفض التكاليف وكسر القيود

ترمب مصفقاً لماسك خلال حفلة إطلاق صاروخ فالكون 9 في مركز كينيدي للفضاء، في الـ30 من مايو 2020 (أ ف ب)

ملخص

يدعو توجيه سياسة الفضاء رقم 1 الذي أصدره ترمب إلى تشكيل شراكات تجارية ودولية، مما يمثل تحولاً عن إدارة أوباما السابقة، ودفع بإدارة الرئيس جو بايدن إلى تطوير قطاع فضائي تجاري قوي في الولايات المتحدة.

عقب نجاة دونالد ترمب من محاولة اغتيال في الـ13 من يوليو (تموز) الماضي، سارع الملياردير الأشهر في العالم إيلون ماسك إلى دعم الرئيس السابق كرئيس للولايات المتحدة، وفي مقابلته على منصة "إكس" الإثنين الماضي، بدا ماسك منفتحاً على تولي منصب رسمي في إدارة ترمب الثانية إذا فاز بالانتخابات، فكيف يمكن أن يؤثر ماسك وشركته الرائدة (سبيس إكس) في سياسة أميركا الفضائية وفي المجال الدفاعي، وهل سنشهد تحولاً في توازن القوى بين القطاعين العام والخاص في الفضاء؟ وما أوجه الاتفاق والاختلاف بين ماسك وترمب حول رؤيتهم للفضاء ودور أميركا فيه؟

أدوار ما بعد المقابلة

حتى قبل تأييده من رجل الأعمال والملياردير في مجال التكنولوجيا، وصاحب المساهمات الرائدة في عدد من الصناعات، وخصوصاً السفر إلى الفضاء والاستكشاف، كان ترمب يفكر في منح إيلون ماسك دوراً استشارياً إذا انتخب لولاية ثانية، ومع تعضيد علاقاتهما عبر المقابلة الودية التي جمعت بينهما على منصة "إكس" التي تابع مقاطعها أكثر من مليار شخص حول العالم، بات من المتوقع أن يسعى ماسك إلى استفادة عظيمة إذا استعاد ترمب البيت الأبيض.
لكن على رغم إبداء ماسك خلال المقابلة التي دامت ساعتين، استعداده للعب دور في الاقتصاد وخفض الإنفاق الحكومي وترحيب ترمب بذلك، إلا أن الرجلين كانا ناقشا عبر الهاتف في السابق قضايا الهجرة والتكنولوجيا والعلوم، بما في ذلك مشاريع الولايات المتحدة الفضائية وقوة الفضاء العسكرية الأميركية، بعدما أصبحت وجهات نظرهما ومصالحهما أكثر توافقاً، مما جعل ترمب يعرب لأغنى أغنياء العالم الذي تقدر ثروته بنحو 222 مليار دولار، عن أنه يريد إيجاد طريقة لإشراكه بشكل أكبر إذا فاز بالسباق الانتخابي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مما أشعل تساؤلات عما يمكن أن تشكله شراكتهما من تأثير في مستقبل استكشاف الفضاء والدفاع الأميركي، فضلاً عن مدى حدوث تحول في توازن القوى بين القطاعين العام والخاص في الفضاء.

سبب التقارب

بعدما تبادل ترمب وماسك الإهانات علناً قبل عامين فقط، بدأ الرجلان في الأشهر الأخيرة تطوير علاقة ودية وتحدثا عبر الهاتف مرات عدة مع اقتراب الانتخابات، خصوصاً بعدما أوضح ماسك علناً أنه قلق في شأن الاتجاه الذي تسير فيه البلاد، وانتقد ما سماه "العقل المستيقظ"، وهو مصطلح شامل للسياسات الليبرالية يتضمن برامج التنوع والمساواة والإدماج التي يقول المحافظون إنها تخلق انقسامات.
في المقابل أعجب الرئيس السابق بثروة ماسك وتبنيه التحول اليميني في سياساته كرئيس تنفيذي لشركات "تسلا" و"سبيس إكس" و"نيورالينك" ومنصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، ومجموعة أخرى من شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وعلى رغم نفي ماسك الأنباء التي ترددت بأنه سيتبرع بنحو 45 مليون دولار شهرياً للجنة عمل سياسي (سوبر باك) التي يمكنها قبول مبالغ مالية غير محدودة من المانحين لدعم ترمب، مكتفياً بدفع مبلغ أقل لم يحدده، كان من الواضح أن هناك مصالح مشتركة بين الرجلين، إذ كشفت وسائل إعلام أميركية عن أن المحادثات الأخيرة بينهما تناولت بعض شركات ماسك، بما في ذلك منصة "إكس"، ومنصة إطلاق الصواريخ والأقمار الاصطناعية "سبيس إكس" وشركة "تسلا"، صانعة السيارات الكهربية الأكثر قيمة في العالم، التي انخفض سعر سهمها وسجلت أخيراً أدنى ربح لها منذ سنوات.
كما أن تحول ترمب عن موقفه الصارم ضد المركبات الكهربائية أثناء الحملة الانتخابية، وانتقاده لها ودعوته إلى فرض تعريفات جمركية على تلك المصنوعة في المكسيك، التي قال إنها تضر بصناعة السيارات الأميركية، يعكس تفضيله مصلحته مع إيلون ماسك على مصالح عمال ونقابات السيارات الأميركية التقليدية التي تعمل بالوقود، مما يشير أيضاً إلى أنه يمكن أن يمنح الملياردير الأكثر ثراء في العالم مزايا أخرى في قطاع الفضاء عبر شركته الرائدة "سبيس إكس" المتعاقدة بالفعل مع الحكومة الفيدرالية الأميركية.

دعم سياسة الفضاء الأميركية

وتعكس سياسة الولايات المتحدة الفضائية رؤيتها وأولوياتها في ما يتعلق بالفضاء الخارجي، المبنية على مزيج من القرارات المستمرة التي اتخذتها الإدارات السابقة والتوجيهات الأخيرة من الإدارة الحالية محددة جميعها في وثائق رسمية رئيسة، بما في ذلك سياسة الفضاء الوطنية الأميركية وتوجهاتها، وإطار أولويات الفضاء، وغيرها من المنشورات الرسمية التي تؤكد أهداف سياسة الفضاء الحالية مثل الحفاظ على زعامة الولايات المتحدة في الفضاء، وحماية الأصول الفضائية الأميركية والعمل مع الشركاء التجاريين والدوليين لتعزيز السلوك الآمن والمسؤول في الفضاء، وتشمل عناصرها الرئيسة تنمية قطاع الفضاء التجاري الأميركي وإعادة رواد الفضاء للقمر.
ومنذ أن وقعت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تعاقدات حكومية مع شركة "سبيس إكس" التي يمتلكها ويترأسها إيلون ماسك، ظلت الشركة فعالة في تعزيز هذه الأهداف عبر دعم كل من وكالة "ناسا" ومهمات قوة الفضاء التي تعد أحدث فرع من فروع القوات المسلحة الأميركية، إذ أدت ابتكارات "سبيس إكس"، مثل صواريخ "فالكون 9" القابلة لإعادة الاستخدام، ودعم الوصول إلى شبكة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية "ستارلينك" ومركبة "ستارشيب" القوية، إلى تحول إيجابي كبير عبر تعزيز قدرة الولايات المتحدة على الوصول إلى الفضاء الخارجي واستخدامه بشكل واسع.
وتعززت علاقة "سبيس إكس" مع الحكومة الأميركية خلال إدارة ترمب في الفترة 2016-2020، إذ قدمت هذه الإدارة أهدافاً عدة لسياسة الفضاء الأميركية الحالية، التي يتماشى بعضها بشكل وثيق مع طموحات ماسك الخاصة بالفضاء.

طموحات مشتركة

يتفق ترمب وماسك على ثلاثة أهداف رئيسة في الفضاء، أولها أن كليهما ملتزم بتوسيع النشاط البشري خارج الأرض، وهو ما عكسه توجيه سياسة الفضاء رقم 1 لترمب، الذي وقع في الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) 2017، ووضع الولايات المتحدة على مسار لإعادة رواد الفضاء للقمر وإنشاء وجود دائم هناك، تليه بعثات بشرية إلى المريخ وما بعده.
ويتماشى هذا التوجيه مع رؤية ماسك لاستعمار المريخ، من خلال تطوير "ستارشيب" أو سفينة الفضاء التي تعد أقوى وأضخم مركبة فضائية تم بناؤها على الإطلاق، إذ صممت لتكون قابلة لإعادة الاستخدام بالكامل، ويمكنها أن تحمل حمولات ضخمة وتكون قادرة على السفر في الفضاء العميق، بما في ذلك الهبوط على سطح القمر والقيام برحلات إلى الكوكب الأحمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


برنامج أرتميس

تخطط وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لبرنامج "أرتميس"، الذي نشأ عن توجيه سياسة الفضاء رقم 1 لترمب، لإعادة البشر للقمر بحلول عام 2026. ولتحقيق هذا الهدف، دخلت "ناسا" في شراكة مع "سبيس إكس" في عام 2021 لتطوير مركبة الفضاء "ستارشيب"، بحيث تسمح بنظام هبوط بشري "هيومان لاندينغ سيستم" ينقل رواد الفضاء والبضائع من مدار القمر إلى سطح القمر والعودة مرة أخرى.
ثانياً يدعم كل من ترمب وماسك المشاركة التجارية في الفضاء، إذ يدعو توجيه سياسة الفضاء رقم 1 الذي أصدره ترمب إلى تشكيل شراكات تجارية ودولية، مما يمثل تحولاً عن إدارة أوباما السابقة، ودفع بإدارة الرئيس جو بايدن إلى تطوير قطاع فضائي تجاري قوي في الولايات المتحدة.
ويتماشى هذا مع الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الصناعات الخاصة في استكشاف الفضاء بفضل سجل إيلون ماسك كرجل أعمال ومبتكر، إذ لم تقدم "سبيس إكس" خدمات أساسية لوكالة "ناسا" فحسب، بل دفعت أيضاً الابتكار إلى آفاق جديدة، إذ خفضت الشركة بشكل كبير كلفة المشاريع الفضائية، وجعلت الوصول إلى الفضاء أكثر سهولة بالنسبة إلى جمهور أوسع من مستكشفي الفضاء.
ثالثاً، يفضل ترمب وماسك إلغاء القيود التنظيمية، إذ سعت إدارة ترمب إلى تقليل الحواجز التنظيمية من خلال إصدار توجيهات مثل توجيه سياسة الفضاء رقم 2، الذي يهدف إلى تبسيط اللوائح الفضائية التجارية لتشجيع النمو والابتكار بشكل أسرع في صناعة الفضاء الخاصة، ومع ذلك وجد ماسك أن اللوائح الفضائية الحالية مقيدة للغاية في معظم الأحيان، مما دفع ماسك إلى تحدي الجهات التنظيمية الأميركية مثل إدارة الطيران الفيدرالية التي تشرف على متطلبات الإطلاق وإعادة الدخول، كما دعا إلى إلغاء القيود التنظيمية الشاملة.

رؤى فضائية متناقضة

لكن على رغم جوانب التوافق السابقة، يختلف ماسك عن ترمب في ثلاثة جوانب رئيسة من حيث أولويات الفضاء، أولها أنه يركز على الهدف الطويل الأجل المتمثل في جعل البشرية تصل إلى كواكب متعددة، بدءاً باستعمار المريخ وإنشاء وجود بشري مستدام هناك.

في المقابل أكد نهج ترمب في الفضاء على تأكيد الزعامة الأميركية من خلال تحقيق معالم قريبة من الأرض وقصيرة الأجل، مثل إعادة الأميركيين للقمر، ولذلك أعطى ترمب الأولوية لبرنامج "أرتميس" خلال فترة رئاسته وأطلق قوة الفضاء لحماية القدرات الأميركية في الفضاء.

وفي حين أن كل من ماسك وترمب يقدر القطاع الخاص، إلا أن التناقض الثاني يتمثل في أن ماسك دفع من خلال "سبيس إكس"، نحو خفض التكاليف والابتكار، والتكرار السريع لمهمات تكنولوجيا الفضاء، إذ أعيد إطلاق صواريخ "فالكون" التابعة لسبيس إكس نحو 300 مرة، مما أدى إلى خفض تكاليف الرحلات الفضائية بشكل كبير، كما حققت "سبيس إكس" سبقاً في الرحلات الفضائية التجارية، حين أصبحت أول شركة خاصة ترسل رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.
في المقابل، دعا ترمب إلى زيادة كبيرة في موازنة وكالة "ناسا" من أجل تمويل برنامج "أرتميس"، وأكدت هذه الخطوة من الرئيس السابق رغبته في التركيز على الاستثمار في البرامج التي تقودها الحكومة لتحقيق أهداف الفضاء.
ثالثاً يبدو ماسك أكثر انفتاحاً في مشاركة المعلومات الحاصلة على براءات اختراع، حتى مع منافسيه، إذ صرح علناً بأن براءات الاختراع مخصصة للضعفاء، بحجة أنها تعوق الإبداع وتخنق التقدم، وبينما يواصل ماسك تسجيل مزيد من براءات الاختراع، بما في ذلك تلك المتعلقة بـ"سبيس إكس"، أعرب أيضاً عن دعمه لتعزيز الإبداع من خلال الانفتاح والتعاون.
وعلى النقيض من ذلك ركزت سياسة ترمب الفضائية على الحفاظ على الأمن القومي والمنافسة الاستراتيجية، وبدا ذلك بوضوح مع إنشاء قوة الفضاء الأميركية التي تعكس وجهة نظر ترمب للفضاء باعتباره مجالاً عسكرياً متنازعاً عليه إذ يجب على الولايات المتحدة حماية أصولها والحفاظ على ميزتها التنافسية.

تأثير ماسك المحتمل

تتوقع أستاذة الفضاء والعلاقات الدولية في جامعة "جونز هوبكنز" سفيتلا إيزاك أن يدفع إيلون ماسك نحو مهمات فضائية أكثر كثافة وجداول زمنية طموحة إذا تولى دوراً رسمياً أكبر في إدارة ترمب الثانية بحال نجاح الرئيس السابق في العودة للبيت الأبيض، وفي حين سيظل التركيز الأولي منصباً على برنامج "أرتميس" والمستوطنات القمرية، إلا أنه سيطمح في تحويل الاهتمام المتزايد في نهاية المطاف إلى البعثات البشرية إلى المريخ وما بعده.
ومن المرجح أن تعمل شراكة ترمب - ماسك على تعزيز تسويق الفضاء، وقد يدعو ماسك إلى مزيد من التحرر في الأنشطة الفضائية، مما قد يشكل تحدياَ لمعايير السلامة والأمن الحالية، وفي حين من المحتمل أيضاً أن يدفع ماسك نحو خفض التكاليف وتشجيع الابتكار والكفاءة، إلا أن جهوده ستظل تواجه بالبيروقراطية الحكومية، ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الجهود يمكن أن تكلل بالنجاح أم لا.
كما لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان ماسك سيؤثر في سياسة الفضاء الأميركية في ما يتعلق بالمنافسين الدوليين مثل الصين وروسيا، ومع ذلك فإن وجود ماسك في إدارة ترمب الثانية قد يلقي الضوء على ما إذا كان بإمكان الجهات الفاعلة التجارية الأخرى في مجال الفضاء المساعدة في تقليل التوترات بين البلدان الأخرى في هذا المجال، خصوصاً وأن ماسك ليس سياسياً، بل صاحب رؤية يسعى إلى حل المشكلات، والتركيز على مستقبل البشرية، وهي الصفات التي ستشكل تأثيره في سياسة الفضاء الأميركية في المستقبل. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير