ملخص
تضم الضفة الغربية أكثر من 7 آلاف معلم أثري إلى جانب أكثر من 50 مبنى تاريخياً مسجلة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية.
على رغم اقتصار اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمواقع الأثرية في قرية سبسطية شمال نابلس على فترة الأعياد اليهودية فحسب، فإنها أصبحت في الأسابيع الماضية شبه يومية، في ظل خشية فلسطينية من "تهويد" آلاف المواقع التاريخية المنتشرة في الضفة الغربية.
ولم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتلك الاقتحامات، لكنها تعتزم إقامة منشأة عسكرية قرب قصر العاج الأثري، بهدف الاستيلاء عليه وعلى المنطقة الأثرية التي تتربع على نصف مساحة القرية.
وفي حين يؤكد الفلسطينيون أن القصر يعود إلى الفترة الرومانية، وشيد في القرن الثالث الميلادي، فإن المستوطنين يسمونه قصر "آخاب وعمري"، وهو أحد ملوك مملكة السامرة اليهودية (928 ق م وحتى 722 ق م).
ويقع القصر فوق تلة تطل على باقي المواقع الأثرية التي تعج بها سبسطية، وأبرزها شارع الأعمدة ومعبد أغسطس والسور الروماني وبرج هيلانيه والمدرج الروماني.
وتوجد معظم الكنوز التاريخية في القرية في المنطقة (ج) الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وفق تصنيفات اتفاقية أوسلو، فيما تقع باقي أراضي القرية في المنطقة (ب) الخاضعة للسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية.
نقطة احتكاك يومية
ووفق رئيس بلدية سبسطية محمد عازم، فإن القصر الذي "أكدت دراسة لجامعة هارفرد عدم وجود رابط بينه وبين مملكة السامرة، يشكل نقطة الاحتكاك اليومية بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
وبحسب عازم فإن سلطات الاحتلال "تحاول بقوة السلاح فرض سيطرتها على المواقع الأثرية في سبسطية، وإقامة طرق وبنى تحتية، ومنع الفلسطينيين من زيارتها أو العمل بالمنشآت السياحية التي أقاموها".
وقرب سبسطية تقع قرية المسعودية التي تضم بعض القبور القديمة ومحطة قديمة لسكة قطار الحجاز.
وتعد تلك المواقع ضمن أكثر من 7 آلاف معلم أثري، إلى جانب أكثر من 50 مبنى تاريخياً في الضفة الغربية مسجلة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية.
ذرائع إسرائيلية
وأشار وكيل الوزارة صالح طوافشة إلى أن أكثر من نصف تلك المواقع والمعالم يقع في المنطقة (ج)، بحيث "لا تستطيع الوزارة العمل فيها بهدف حمايتها والحفاظ عليها، ومنع تهريب قطعها وتخريبها".
ووفق طوافشة فإن 1700 من تلك المعالم الأثرية تقع في المنطقة (ب) حيث أصبحت السلطات الإسرائيلية تفرض "قيوداً ومضايقات على عمل طاقم وزارة السياحة والآثار".
وأوضح طوافشة أن إسرائيل تعمل على "إيجاد رابط بين اليهود وتلك المواقع كذريعة للاستيلاء عليها، وتهويدها".
وتأتي تلك الاقتحامات مع تصويت الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على مشروع قانون يمنح سلطة الآثار الإسرائيلية صلاحيات الإشراف على المواقع الأثرية في الضفة الغربية، في خطوة قال الفلسطينيون إنها إذا ما استكملت فستشكل ضماً قانونياً وفعلياً إسرائيلياً للضفة.
وتسيطر إسرائيل على المواقع الأثرية حالياً في المنطقة (ج) من خلال وحدة الآثار في الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي.
آثار الضفة
وأشارت الوحدة إلى أن الضفة الغربية تضم 2600 موقع أثري وتاريخي، يعد عديد منها "الأهم في تاريخ وثقافة أرض إسرائيل، وحتى في الثقافة العالمية وهي حجر الزاوية في تاريخ جميع الأديان".
وبحسب الوحدة فإن من أبرز تلك المواقع "خربة قمران"، إذ مخطوطات البحر الميت، ومدينة شيلو "المركز الديني الأول لشعب إسرائيل"، وسبسطية "عاصمة مملكة إسرائيل"، وموقع النبي صموئيل، ومغارة المكفيلة (المسجد الإبراهيمي).
وعارض الفلسطينيون مشروع القانون، واعتبروه محاولة لضم الضفة الغربية، إذ تقع المواقع في معظم أنحاء أراضي الضفة.
وشدد طوافشة على أن مشروع القرار "يخالف اتفاقية لاهاي لعام 1954 في شأن حماية الملكية الثقافية أثناء النزاع المسلح، واتفاقية عام 1970 في شأن التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية لعام 1970".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذيرات إسرائيلية
واعتبر مسؤولون إسرائيليون في مجال الآثار مشروع القانون "خطأ لا يجب تمريره، لأنه سيؤدي إلى مقاطعة عالمية لإسرائيل بخاصة المؤسسات المتخصصة بالآثار".
وقال رئيس مجلس الآثار الإسرائيلي غاي شتيفل إن تمرير مشروع القرار "سيتسبب في إبعاد إسرائيل عن الأبحاث وصناديق الأبحاث الأوروبية، وعن العضوية في منظمات مهنية وهيئات تحرير ومجلات".
واعتبر شتيفل أن المشروع "يسعى إلى تقويض أسس الآثار والتراث... فالحديث لا يدور فقط عن الآثار اليهودية، بل يدور عن الجشع لأشياء تمثل تراثاً عالمياً متعدد الثقافات، وهي للبشرية كلها، مما جعل أرض إسرائيل متميزة ومهمة جداً".
ووصف المسؤول في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية وائل حمامرة "المحاولات الإسرائيلية لإيجاد رابط مع تلك المواقع بأنها تبرير غير علمي وعرقي، ففلسطين تضم معالم تاريخية من جميع الحقب التاريخية، وهي جزء من تاريخ الشعب الفلسطيني وتعدديته الحضارية".
وبحسب مدير المواقع الأثرية بشمال الضفة الغربية بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية، ضرغام الفارس، فإن إسرائيل تستخدم الآثار "وسيلة لتكريس الاحتلال وإعطائه نوعاً من الشرعية الدينية والتاريخية".
وأشار ضرغام إلى أن "التنقيب الأثري ومحاولة الربط بين تلك الآثار والنصوص التوراتية بدأ منذ القرن الـ19، إلا أننا لاحظنا خلال السنتين الماضيتين تسارعاً في إجراءات الاحتلال للتهويد والضم".
ووفق ضرغام فإن تلك الإجراءات "ليست سوى انعكاس وتنفيذ لسياسة الاحتلال الرامية إلى إحباط قيام دولة فلسطينية".
وحول وجود آثار يهودية في الضفة، أوضح ضرغام أن "الفلسطينيين بمختلف أديانهم هم الوريث الشرعي والطبيعي لتاريخ وحضارات فلسطين على مر العصور، وبأنهم امتداد للسكان الأصليين، وانعكاس للتنوع الحضاري والثقافي والعرقي".
وتابع ضرغام أن "الفلسطينيين اختلطوا بشعوب وحضارات أخرى مثل باقي الشعوب، وحين نتحدث عن ثورات اليهود، سواء الثورة ضد اليونان أو الثورتين ضد الرومان الأولى والثانية، فنحن نتحدث عن أجدادنا السكان الأصليين الذين كانوا يهوداً وثاروا ضد الاحتلالين اليوناني والروماني". وأضاف "عن الحديث عن اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونية من مختلف أنحاء العالم، فنحن نتحدث عن غرباء احتلوا فلسطين ولا يربطهم بها أي رابط تاريخي أو عرقي وإنما هو رابط ديني يعطيهم الحق بالسياحة الدينية وليس الاحتلال".
كما أشار الباحث التاريخي أحمد الحرباوي إلى أن "محاولات التنقيب عن الآثار في الضفة الغربية بدأت منذ بداية القرن الـ20 على أيدي مستشرقين بهدف إيجاد روابط توراتية مع فلسطين".
وذكر بأن "اتفاق الخليل" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل نص على توفير الشرطة الفلسطينية الحماية للمواقع الأثرية في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وتسهيل زيارة اليهود لها.