ملخص
كشفت وثائق رفعت عنها السرية أن مارغريت تاتشر وافقت على تسريب معلومات ذات حساسية حول عميل مزعوم داخل جهاز الاستخبارات البريطاني (أم آي 5) وهو ما يتناقض مع شهادة مساعدها أرمسترونغ تحت القسم، كما أدى إلى تضليل البرلمان في شأن القضية
كشفت وثائق رفعت عنها السرية أخيراً عن فضيحة تورطت فيها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر وسكرتير مجلس وزرائها روبرت أرمسترونغ والمتعلقة بالجدل الذي دار حول جاسوس سوفياتي مزعوم في صفوف جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني، والمعروف اختصاراً بـ"أم آي 5" MI5.
وتكشف الوثائق بحسب تقرير نشر في "تايمز" البريطانية أن تاتشر وافقت على استراتيجية لتسريب معلومات حساسة عن جاسوس سوفياتي محتمل وهو السير روجر هوليس إلى الصحافي تشابمان بينتشر القريب من المحافظين في الدوائر الحاكمة، وهو ما يتناقض مع نفي أرمسترونغ السابق تحت القسم.
وتعود الفضيحة إلى أوائل الثمانينيات عندما ظهرت مزاعم حول السير روجر هوليس الذي شغل منصب المدير العام لجهاز "أم آي 5" بين عامي 1956 و1965. وتشير الاتهامات التي سلط الضوء عليها للمرة الأولى كتاب تشابمان بينتشر بعنوان "تجارتهم خيانة" Their Trade is Treachery خلال عام 1981، إلى أن هوليس ربما كان عميلاً سوفياتياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونالت القضية اهتماماً إضافياً بسبب كتاب آخر بعنوان "صائد الجواسيس" سبايكاتشر Spycatcher وضعه لاحقاً بيتر رايت الضابط السابق في "أم آي 5"، الذي قدم رواية مثيرة للجدل ومفصلة عن العمليات الداخلية لجهاز "أم آي 5"، وقضية هوليس.
لكن الحكومة البريطانية سعت إلى عرقلة نشر كتاب رايت والذي كان مقرراً خلال منتصف الثمانينيات وحصلت على أوامر قضائية لمنع نشره في المملكة المتحدة وأستراليا، وكلف أرمسترونغ بتمثيل الحكومة في المحاكم الأسترالية، وخلال الإجراءات استجوب مالكولم تورنبول محامي رايت ورئيس وزراء أسترالي مستقبلي أرمسترونغ. وسأل تورنبول أرمسترونغ عن سبب سماح الحكومة بكتاب بينتشر وسعيها إلى منع كتاب رايت. ورفض أرمسترونغ فكرة أن الحكومة تلاعبت بالوضع لمصلحة بينتشر ووصفها بأنها "نظرية مؤامرة بارعة" و"غير صحيحة تماماً".
ومع ذلك، تكشف الوثائق التي رفعت السرية عنها أخيراً أن شهادة أرمسترونغ كانت كاذبة. وفي مذكرة مؤرخة خلال الـ10 من يونيو (حزيران) 1980 ذكر أرمسترونغ أن أحد أقرانه من حزب المحافظين أبلغه أن بينتشر إلى جانب صحافيين آخرين يبحثون ويحققون في قضية هوليس، وأشار أرمسترونغ إلى أن بينتشر قد يقدم وجهة نظر متناسبة مع رأي الحكومة إذا جرى التواصل معه بصورة مسبقة.
ووجهت موافقة تاتشر المكتوبة بخط اليد على المذكرة أرمسترونغ إلى التواصل مع اللورد رولينسون حليف حزب المحافظين لتزويد بينتشر بالمعلومات التي من شأنها أن تعزز تحقيقه. وتظهر المذكرات اللاحقة أن أرمسترونغ وتاتشر تآمرا لمساعدة بينتشر بينما نفيا في العلن قيامهما بذلك.
وعلق ديفيد هوبر الذي مثل رايت في محاكمة "صائد الجواسيس" بأن تصريحات أرمسترونغ المضللة تشكل شهادة زور. وتشير مستندات إضافية إلى أن تاتشر ضللت البرلمان في شأن التحقيقات التي أجراها سير بورك تريند بإيعاز من الحكومة حول هوليس وزعمت أنها توصلت إلى براءة هوليس بصورة قاطعة.
في واقع الأمر كان تريند أكثر غموضاً. فتقريره يظل سرياً، ولكن الملخص الذي رفعت السرية عنه والذي كتبه أرمسترونغ خلال فبراير (شباط) 1981 يعترف بأن تريند وجد هوليس غير مذنب بالعمالة للاتحاد السوفياتي بأرجحية نسبية قيمها عند مستوى 80 إلى 20".
وقال المؤرخ تيم تيت الذي طالب بنشر الملفات المتعلقة بالقضية للاستفادة منها في كتابه "القبض على جاسوس"، والذي صدر أول من أمس الخميس إن تاتشر كذبت. وأضاف "كانت هناك احتمالات بنسبة 20 في المئة أن يكون هوليس عميلاً سوفياتياً - وهو أمر خطر عندما تكون رئيساً لجهاز (أم آي 5)، أليس كذلك؟".
كما تسلط الوثائق الضوء على دور بينتشر واحتمال استخدامه من قبل "أم آي 5" لنشر معلومات خاضعة للرقابة والتضليل. وعلى رغم نهجه المثير للجدل ظل بينتشر مقرباً من الأجهزة الأمنية وعين لاحقاً حتى في لجان تابعة لوزارة الدفاع.
وتؤكد هذه الكشوفات مدى الخداع الحاصل في التعامل مع قضية هوليس ومحاكمة كتاب "صائد الجواسيس"، كما أنها تثير تساؤلات حول نزاهة الإجراءات الحكومية والإجراءات القضائية في ذلك الوقت، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الفهم التاريخي للأحداث ودور المساءلة.