Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة أو حرب؟ المهلة تقترب من نهايتها

إيران طرف في مفاوضات غزة مقابل انضباطها وضبطها الأذرع من اليمن إلى لبنان والعراق

رجل يقود دراجته بين القمامة والأنقاض خارج مدرسة تديرها "الأونروا" تُستخدم كمأوى مؤقت للفلسطينيين النازحين، 14 أغسطس 2024 (أ ف ب)

ملخص

لم يعد هامش المناورة كبيراً أمام نتنياهو للتملص من "الإملاءات" الأميركية ولو كانت حسابات بقائه في السلطة أقوى لديه من حسابات الصفقة. كان استئناف مفاوضات الدوحة بالنسبة إليه مخرجاً وفرصة لكسب مزيد من الوقت.

انطلقت عملية التفاوض الأخيرة في الدوحة على وقع عاملين جديدين سيحددان مآلاتها الأخيرة، إما تهدئة أو استمرار الغليان إلى حدود الانفجار الشامل. العاملان يتمثلان في تصعيد إسرائيلي في طهران وبيروت يقابله تهديدات إيرانية متكررة برد لم يحصل من جهة، وحزم أميركي في التحذير من أي تفجير واسع، مرفقاً باستعدادات عسكرية لا سابق لها بهدف الدفاع عن إسرائيل من جهة أخرى.

لغة الوعيد الإيرانية لم تتوقف منذ اغتيال إسماعيل هنية في طهران بعد ساعات على اغتيال المسؤول العسكري لـ"حزب الله" فؤاد شكر في بيروت. المرشد علي خامنئي اعتبر أنه "من واجبنا الثأر لدماء هنية". قائد حرسه الثوري اللواء حسين سلامي أكد لحسن نصرالله أن على المجرمين" أن ينتظروا الغضب المقدس والانتقام الحازم والأكيد من المجاهدين في المقاومة الإسلامية"، وبدوره قال نصرالله، "تجاوزنا مرحلة الإسناد إلى معركة مفتوحة".

بدا الشرق الأوسط مطلع الشهر الجاري على أبواب حرب طاحنة. إيران تهدد ومعها أحزابها وفصائلها وإسرائيل ترد باستعدادات عسكرية شاملة مؤكدة أنها ستخوض حرباً، ربما تجعلها استباقية، من دون انتظار لرد إيراني مفترض. وتعتمد إسرائيل على دعم كامل من جانب الولايات المتحدة ومعها تحالف دولي نشأ فور اندلاع معركة غزة، يعد أن حماية إسرائيل مهمته الأولى.

حركة المصارعين الإقليميين، إيران وإسرائيل، سرعان ما انضبطت تحت السقف الذي ارتأته الإدارة الأميركية التي عملت على منع الانفجار الشامل عبر التركيز على عنصر التفجير المباشر. حددت الإدارة موعداً جديداً لاستئناف مفاوضات الهدنة في القطاع بالتعاون مع الوسيطين المصري والقطري متخطية حادثة الاغتيال في العاصمة الإيرانية والقتل في ضاحية بيروت.

وأفهمت أميركا بنيامين نتنياهو وحكومته بضرورة السير في "خطة بايدن"، لأنها هي التي تحمي إسرائيل، وهي التي ستتولى الدفاع عنها كما فعلت في أبريل (نيسان) الماضي عندما تعرضت لهجوم إيراني بالصواريخ والمسيرات، وأبلغت واشنطن الدولة العبرية صراحة أن زمن القول إنها قادرة وحدها على حماية نفسها وخوض حروبها قد انتهى.

وقدمت في المقابل كل ما ينبغي لإفهام إيران بأن التصعيد ممنوع وسيجري قمعه، وعلى الطرفين عرضت "سردية جديدة"، هدفها التوصل إلى صفقة، تكون وحدها "بديلاً لهجوم تخطط له إيران" سيثير ردوداً لا يعرف مداها.

قالت لإسرائيل إنها ستفرج عن شحنة قنابل جوية دقيقة تزن الواحدة منها طناً، وأقرت تحويل 3.5 مليار دولار للدولة العبرية كجزء من المساعدة الأمنية الخاصة (من أصل 14.1 مليار دولار)، إضافة إلى تحريك الصفقات العسكرية التقليدية من أساس المساعدة الأميركية السنوية والبالغة 20 مليار دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإلى جانب هذه الإغراءات حركت الإدارة الأميركية جيشها وأساطيلها للمرة الثالثة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في أكبر حشد عسكري للمعدات والجنود تجريه أميركا دفاعاً عن أحد حلفائها.

لم يعد هامش المناورة كبيراً أمام نتنياهو للتملص من "الإملاءات" الأميركية ولو كانت حسابات بقائه في السلطة أقوى لديه من حسابات الصفقة. كان استئناف مفاوضات الدوحة بالنسبة إليه مخرجاً وفرصة لكسب مزيد من الوقت.

من جهتها، أخذت إيران المشهد الماثل بعين الاعتبار وأعدت العدة لملاقاة الاستنفار الأميركي والتهديدات الكبرى التي يمثلها. عدم التمييز الإسرائيلي والأميركي بينها وبين أذرعتها جعلها تنضبط وتضبط ردود فعل محاربيها. وهي وجدت في السقف الذي تعرضه الولايات المتحدة عبر صفقة توقف الحرب في غزة ما يمكن أن يلائم خطابها المعلن ويبرر لها انعطافة ستعتمدها الأذرع التابعة كافة، ما يعفيها من رد سترجئه إلى الزمان والمكان المناسبين، ويوفر لها إمكانية الدخول كشريك سياسي في ترسيم صفقة التسوية وربما مستقبل المنطقة.

لم ترد إيران على "الإهانة" التي لحقتها باغتيال هنية على أرضها، وسار أتباعها على خطاها. الحوثي في اليمن هدأ بعد ضربة الحديدة واغتيالي طهران وبيروت وجعل يردد أن "تأخر رد المحور هو مسألة تكتيكية بحتة وبهدف أن يكون الرد مؤثراً". ونصرالله عاد للحديث عن منع إسرائيل من الانتصار في محاولة لاسترجاع نظرية حافظ الأسد عن التوازن الاستراتيجي، وفصائل الحشد العراقي مررت التمديد لقوات التحالف الدولي (الأميركية) في العراق.

استمر خطاب الانتقام الإيراني مواكباً مفاوضات الصفقة من قرب، مساعد وزير الدفاع العميد سعيد شعبانيان قال "ما زلنا لم ننتقم لدماء الشهداء، سليماني وهنية وفؤاد شكر، ونحن نحدد الزمان والمكان للرد" و"قريباً ستبدأ عملية جديدة تجعل العدو يندم على ما فعله".

 رفض "حماس" بقيادة السنوار المشاركة في المفاوضات وشريط الإنفاق الذي وزعه "حزب الله" مرفقاً ببيان السفارة الإيرانية في بيروت عن وجود مدن محفورة تحت الأرض في بلاد فارس، ربما كانا جزءاً من أوراق الضغط الإيرانية لضمان موقع في التفاوض الجاري.

وكان مدروساً في توقيته ليلائم مجرى محادثات العاصمة القطرية التي قيل إنها ما كانت لتنتهي إلى بيان الوسطاء الثلاثة الذي يتحدث عن إيجابيات لو لا ضوء أخضر إيراني جاء بنتيجة اتصال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مع وزير الخارجية الإيرانية علي باقري قني وفيه دعاه إلى "التأني في تنفيذ هجوم على إسرائيل، لأن تقدماً لوحظ في سير المفاوضات".

وأكد قني في جوابه بحسب الإعلام الرسمي الإيراني على "توظيف كافة القدرات لإجبار المعتدين الصهاينة على وقف القتل والجرائم في غزة". كلام قني كان تشجيعاً للمفاوضين وأقرب إلى إعلان مساهمة انخراط في التفاوض منه إلى إبداء مجرد موقف مبدئي.

تمتلك إيران أوراقها الكثيرة في النزاع الملتهب من اليمن إلى غزة ولبنان والعراق، وهي إذ رحبت بحرارة باختيار يحيى السنوار خلفاً لهنية وأكدت امتعاضها مما اعتبرته محاولة تركية لإعادة ترئيس خالد مشعل، ستستعمل هذه الأوراق بما يلائم مصالحها الأساسية في حفظ نظامها وتوسيع مكاسبه الإقليمية. تعزيز منطق الانفجار الشامل كما يفضل نتنياهو، يحشر الملالي في الزاوية ويثير مخاوفهم على مصير نظامهم وعلى مكاسبهم الإقليمية المحققة، وهو ما يرجح اقترابهم من الالتحاق بتسوية تقودها الولايات المتحدة وتعمل لفرضها بقوة التفوق العسكري والسياسي.

من الآن وحتى نهاية هذا الأسبوع، وربما الشهر الجاري ستكون اتضحت المسارات التي ستسلكها الأزمة التي يرزح أطرافها في طهران وواشنطن وإسرائيل تحت ضغط هاجس التغيير المحتمل في انتخابات الرئاسة الأميركية وإمكانية فوز دونالد ترمب المستاء من عدم حسم إسرائيل معاركها بالسرعة اللازمة ومسؤولية خصومه الديمقراطيين عن ذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء