ملخص
أنتجت الحرب على غزة سبلاً جديدة ومهناً غريبة لكسب مبلغ مالي يكفي شراء الطعام فقط
أمام بوابة مدرسة تحولت إلى مركز إيواء نازحين، تشعل فاطمة النار في الكرتون والحطب، وتضع قدر ماء صغيراً تعمل السيدة على تسخين المياه لبيعها للنازحين للاستحمام.
تسخين المياه
تبيع فاطمة كل 20 ليتراً من المياه الساخنة مقابل ثلاثة دولارات فقط، تقول السيدة "أتحمل نقل المياه من مسافة كيلومتر فلا مصدر مياه منتظماً في مدرسة الإيواء، ثم اشتري الحطب والكرتون، وبعدها أشعل النار وأبدأ بتسخين المياه".
لم يكن تسخين المياه مهنة في غزة قبل الحرب، لكن ظروف النزوح وانعدام الدخل وعدم توافر غاز الطهي ولا المياه في مراكز الإيواء، كلها أسباب دفعت فاطمة إلى عمل لا يحتاج إلى رأس مال كبير ويدر عليها دخلاً تعيل فيه عائلاتها.
التفكير
قبل الحرب كانت فاطمة امرأة عاملة في مصنع لتقطيع وتغليف البطاطا، وتحصل على دخل يختلف بين يوم وآخر بحسب عملها، لكن بسبب القتال العسكري وجدت نفسها عاطلة من العمل.
ليست هذه المهنة الغريبة الوحيدة التي ظهرت في غزة بسبب الحرب، بل خلقت الظروف الصعبة سوقاً جديدة لحرف غير معهودة في القطاع.
مهنة الانتظار
أمام ماكينة سحب الأموال، كان خالد ينتظر في طابور طويل يصطف فيه مئات الأفراد ينتظرون دورهم للوقوف أمام الصراف الآلي، وبعد ثلاث ساعات من الانتظار، اقترب دور الرجل بسحب المال.
من بعيد اقترب منه أحد الأشخاص وهمس في أذنه ثم حل مكانه، يقول خالد "أنا أمتهن الانتظار في الطابور لمصلحة بعض المواطنين مقابل مبلغ من المال، أمس وقفت في طابور فيه 1000 شخص لاستلام الطحين لمدة خمس ساعات، وتقاضيت مقابل ذلك 15 دولاراً".
يعرف خالد ألا مهنة في العالم اسمها "الانتظار" لكنه يوضح أن عمله متعب ولكنه لا يحتاج لرأس مال.
في غزة أزمة على الصراف الآلي بسبب إغلاق البنوك أبوابها وتعطل معظم أجهزة سحب الأموال وضعف شبكة الإنترنت، إضافة لتكدس المواطنين في منطقة دير البلح وسط القطاع حيث يوجد صراف واحد فقط.
اقتصاد الحرب
بسبب الحرب انهار اقتصاد غزة بالكامل، إذ توقفت المصانع والشركات والمؤسسات والوزارات عن العمل، وبقي فقط قطاع التجارة يعمل ويقتصر على المعونات الإنسانية التي تصل إلى القطاع والمفترض أنها توزع مجاناً وغير مخصصة للبيع.
ومع انهيار الاقتصاد في غزة، ظهر اقتصاد مواز في القطاع، يقول عن ذلك أستاذ العلوم الاقتصادية مازن العجلة "إنه اقتصاد من أجل البقاء، لقد نشأت مهن جديدة هدفها توفير المال لشراء الطعام فقط".
ويضيف العجلة "طالت الحرب فأنتجت سبلاً جديدة لمحاولات كسب المال، لم تكن تخطر على بال من قبل، بهذه الجملة يمكن تلخيص المشهد في القطاع، وهو ما ولد اقتصاد الحرب".
ويوضح أن بروز مهن جديدة في الحرب يعد أمراً طبيعياً لأن المواطنين يعيشون ظروفاً طارئة، لكن تلك الأعمال لا تؤثر في مؤشرات الاقتصاد إلا سلباً.
يلفت أستاذ العلوم الاقتصادية إلى أن الذين يعملون في حرف كهذه هم غالباً من العمال الذين كانوا يعملون بالمياومة أو أصحاب الحرف وانقطع رزقهم بفعل الحرب وشح المواد الخام فيضطرون لانتزاع لقمة العيش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صانع المراحيض الشرقية
ومن المهن الجديدة التي ظهرت "صانع المراحيض العربية"، وهذه إحدى الحرف الصعبة التي تحتاج مهارة خاصة وقوة بدنية، ويعمل فيها رائد جبر الذي يقول "هذا العمل يحتاج إلى أدوات كثيرة ومكلفة مالياً للنازحين".
يحفر رائد حفرة يسميها "بئراً" بطول متر واحد تقريباً، ويغطيه بلوح معدني أو بأي جسم صلب ثم يصله بأنبوب بمرحاض شرقي، وينتهي الأمر من دون تمديدات مياه أو صرف صحي.
بسبب نقص الوقود في غزة اختفت أغلب وسائل النقل مثل السيارات، وظهرت وسائل النقل الجماعي ومنها الشاحنات، لتظهر معها مهنة "مناداة الركاب"، وفيها ينهمك أسامة في مناداة للمارة داعياً إياهم للصعود إلى متن الشاحنة لنقلهم إلى وجهاتهم.
يقول أسامة "اضطرار الركاب للتنقل بواسطة وسائل نقل مرهقة ومكشوفة للشمس والأتربة، كالشاحنات والعربات التي تجرها الحيوانات أو حتى في حقائب السيارات، دفعني للعمل في مهنة مناداة الركاب ومنها أحصل يومياً على 30 دولاراً".
بائع الأفلام
ومن المهن المستحدثة التي ظهرت في الحرب بيع الأفلام والمسلسلات، وهذا ما عمل عليه الشاب رزق الذي وضع جهاز الحاسوب في وسط الشارع وكتب على ورقة أن سعر الفيلم أو حلقة المسلسل الواحدة 30 سنتاً من الدولار، وبات ينتقل بين مخيمات النازحين في سبيل تحصيل قوت يومه.
يقول رزق "في البداية كنت متردداً، ولكن ظروف الحرب عصفت بنا، وكان الخيار إما الإقدام على العمل في بيع الأفلام أو ترك العائلة من دون طعام، الفكرة لاقت رواجاً خصوصاً مع انقطاع خدمات الإنترنت عن معظم مناطق قطاع غزة".
تقطيع الفواكه وتصليح الولاعات
في ظل ندرة الفواكه وغلاء أسعارها، ظهرت مهنة بيع قطع البطيخ والأناناس، فيشتري نادر بطيخة سعر الكيلوغرام الواحد منها ثلاثة دولارات ويقطعها إلى شرائح صغيرة، ويبيع الواحدة منها بنحو 30 سنتاً.
يقول "نتيجة الإغلاق المتواصل للمعابر، وعدم قدرة المواطنين على شراء بطيخة كاملة نتيجة الأزمة المالية المتفاقمة، والتي ألقت بظلالها على القدرة الشرائية والاستهلاكية، جربت بيع قطع البطيخ والأناناس ووجدت تشجيعاً من قبل النازحين".
دفع انقطاع الولاعات إلى امتهان بلال تصليحها، في مهنة تعتبر الأغرب على مستوى المهن المستحدثة خلال الحرب، بخاصة وأن الولاعات كانت تباع بأسعار زهيدة للغاية، تصل إلى حد أربع ولاعات بـ30 سنتاً، فيما ارتفع سعر الولاعة الواحدة ليصل إلى 19 دولاراً.
ويقول بلال الذي يجلس أمام طاولة مليئة بعشرات الولاعات وقطع الغيار الخاصة بها "ارتفاع ثمن الولاعات دفع المواطنين إلى إصلاح التالف منها أو تعبئتها بالغاز بدلاً من رميها كما جرت العادة، يمكن إصلاحها وتعبئتها بمبلغ يصل إلى نصف الثمن الذي تباع أي ولاعة جديدة".