ملخص
يتقدم بركة الذي غطى الغبار جلبابه الأسود بفعل ما يثيره الحفر طوال اليوم، فريقاً من 12 عاملاً، يعمل بعضهم على الحفر فيما ينقل آخرون الحجارة لتهيئة المدافن.
في مقبرة السويد في دير البلح بقطاع غزة يضطر الحفارون إلى بناء "قبور فوق قبور" بسبب عدد القتلى الكبير جراء النزاع المتواصل منذ 10 أشهر وتعكف مجموعة منهم على تهيئة حفر مستطيلة متراصة لتؤوي الضحايا المقبلين.
يعمل الحفارون تحت إشراف سعدي حسن بركة البالغ 63 سنة وهو يركز نشاطه الآن في هذه المقبرة الممتدة على نحو 5 هكتارات ونصف الهكتار، بعد أن أضحت مقبرة أنصار (نحو ثلاثة هكتارات ونصف الهكتار) "مليئة بالقتلى".
وتقع المقبرتان في مدينة دير البلح، وسط القطاع المعرض لقصف تشنه إسرائيل منذ أكثر من 10 أشهر، بعد الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 داخل الدولة العبرية.
يقول بركة لوكالة الصحافة الفرنسية "قبل الحرب كنا ندفن حالة أو حالتين أو حتى خمساً في الأسبوع، بينما ندفن اليوم 300 أو 200... شيء لا يتصوره العقل".
ويؤكد أنه لا يتوقف عن العمل "من السادسة صباحاً حتى السادسة مساء كل يوم".
يتقدم بركة الذي غطى الغبار جلبابه الأسود بفعل ما يثيره الحفر طوال اليوم، فريقاً من 12 عاملاً، يعمل بعضهم على الحفر فيما ينقل آخرون الحجارة لتهيئة المدافن. ويتابع بأسى "المقبرة مليئة... أضع قبوراً فوق قبور، ثلاثة قبور بعضها فوق بعض. أصبحنا نبني طوابق للقتلى". ويؤكد "أنا أحفر قبوراً منذ 28 سنة، مرت علينا حروب 2008 و2012 و2014، لكن لم أشهد مثل جرائم هذه الحرب".
لا تنتهي محنته بانتهاء عمله اليومي إذ تلازمه صور الموتى ليلاً طاردة النوم من عينيه. ويؤكد "لا أعرف النوم بسبب مشاهد الأطفال المقطعين والنساء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويروي قائلاً "دفنت 47 امرأة من عائلة الطباطيبي، ضمنهم 16 كن حوامل. أي ذنب اقترفن؟".
اندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم نفذته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1198 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لحصيلة أعدتها وكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وأسفرت الغارات والقصف والهجمات الإسرائيلية في غزة عن مقتل 40005 أشخاص في الأقل، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ"حماس".
منذ بدء الحرب يؤكد بركة أنه دفن "اثنين أو ثلاثة تابعين لحماس"، بينما الباقون "كلهم أطفال ونساء". ويتابع بغضب "إذا كانت لإسرائيل مشكلة مع السنوار ومع هنية، فلماذا يقتلون الأطفال؟". وهو مقتنع "أنهم (الإسرائيليون) يريدون القضاء على الشعب الفلسطيني كله".
ويواصل مساعدو بركة تهيئة حفر جديدة، في المساحات القليلة التي لا تزال شاغرة متصببين عرقاً تحت الشمس، تحيط بهم شواهد قبور بيضاء.
وينقل زملاء لهم شكلوا سلسلة الحجارة الخرسانية، التي تضاعف سعرها بحسب بركة "من شيكل واحد قبل الحرب إلى 12 شيكلاً اليوم" جراء توقف مصانعها عن العمل لغياب الكهرباء والمواد الأولية.
تشهد أكوام الأتربة الطرية على عمليات دفن تمت في الأيام القليلة الماضية، جنازات باتت تقتصر على عمال الحفر.
ويقول بركة "قبل الحرب عندما يموت أي شخص كان يحضر الجنازة نحو 1000" آخرين.
أما اليوم "إذا جاء 30 أو 300 شخص لا يكون معهم سوى 20 شخصاً. شيء مؤسف"، على ما يوضح بينما تضج الأجواء فوقه بطنين المسيرات، كأنما تذكره أن الموت يتربص بغزة.