Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف باتت مخيمات سوريا بعد 14 عاما على الحرب؟

عادات وتقاليد بالية حملها اللاجئون معهم فاقمت المعاناة على رأسها الإنجاب المتواتر والبلوغ القسري والزواج المبكر

في الداخل السوري كما خارجه أفضت الحرب إلى انتشار واسع ومهول في تعداد المخيمات ونوعيتها وأخطارها (اندبندنت عربية)

ملخص

صار الشعب السوري شعوباً، واحد في الخليج، وآخر في أوروبا، وثالث صامد في الداخل بين خيام ومنازل، ورابع لاجئ في مخيمات الأردن وتركيا ولبنان، في أسوأ الأحوال والظروف الإنسانية التي عرفها التاريخ الحديث.

طالما أجمعت دراسات متعددة على أن السوريين من أكثر الشعوب ثقافة وغرقاً في الأدب والفن والفكر، لكنهم متأخرين اكتشفوا أن حصيلة ما كان يلزمهم من الأدب ليدركوا أي هول يعيشونه ونصف شعبهم "المثقف" صار طريداً شريداً مهاجراً هو مقولة محمود درويش "وأنت تعود للبيت، بيتك، فكر بغيرك لا تنس شعب الخيام. وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكر بغيرك، ثمة من لم يجد حيزاً للمنام".

صار الشعب السوري شعوباً، واحد في الخليج، وآخر في أوروبا، وثالث صامد في الداخل بين خيام ومنازل، ورابع لاجئ في مخيمات الأردن وتركيا ولبنان في أسوأ الأحوال والظروف الإنسانية التي عرفها التاريخ الحديث، مضاف إليها التنصل المتتالي من الأمم المتحدة لدورها في إسنادهم، وآخر ذلك التنصل كان خفض موازنة المعونات الدورية منذ مطلع العام الحالي لتزداد معاناة "شعب الخيام"، ويزاد الاتجار السياسي الدولي - الإقليمي بهم بوصفهم ورقة تفاوضية يرميها كل طرف أمام الآخر في كل مناسبة.

في الداخل كما الخارج

في الداخل السوري كما خارجه أفضت الحرب إلى انتشار واسع ومهول في تعداد المخيمات ونوعيتها وساكنيها وحتى أخطارها الأمنية المحتملة، كتلك التي صارت مخيمات لعائلات قتلى "داعش"، وهذا بحث منفصل على رغم أنه ملفت لناحية تنامي تعداد سكانه المضطرد بصورة تسترعي التنبه.

بطبيعة الحال، وبحكم الأمر الواقع الميداني فإنه يكاد يكون مستحيلاً التنقل بين الأراضي السورية، والتحرك من مناطق الحكومة إلى خارجها، حتى ولو كان الأمر مرتبطاً بمهمة صحافية، ويبدو العكس صحيحاً أيضاً.

في مناطق الحكومة عدا عن المخيمات الفلسطينية الكبرى في كل مدينة، فإن مخيمات الحرب السورية قليلة جداً، بعضها استحدث لظروف معينة وقت معارك اللاذقية (2013) ثم أزيل لاحقاً، وكذا في مناطق أخرى كحلب، لتبقى مخيمات قليلة وصغيرة التعداد نسبياً، ذلك أن الحكومة تستطيع بمواردها الإنشائية الثابتة وبدعم من جهات مختلفة تدارك هذا الأمر، كما نجحت عقب زلزال فبراير (شباط) 2023، وكما نجحت في تحويل سكان مخيمات متفرقة في مراحل متنوعة إلى مساكن نظامية، لكن تلك المخيمات المتبقية، إن كان يسكنها 10 أشخاص أو ألف أو مليون، تتشابه في المعاناة والاحتياجات والقهر وحلم السقف مع الجدران الأربعة.

تتشابه كل المخيمات، فجميعها ذاق فصولاً مريرة من تغريبة شنيعة حملت ساكنيها من بيوتهم الآمنة ورمتهم على الحدود وفي البوادي، مستظلين ومحتمين بشوادر منصوبة على أوتاد يمنون أنفسهم بأنها مجرد "ملاذ موقت" مهما طال الزمن.

 

 

لكنهم اعتادوا على الوضع فما عادوا يشتكون منه حين لم تعد أحاديث المخيمات وساكنيها مثيرة ودسمة لوسائل الإعلام وموائد البازار السياسي من تراشق التهم حيال أولئك المصلوبين فقراً وحاجة، بعد أن حرموا من الماء النظيف ونسوا وسائل التدفئة وقبلوا بأغطية المعونة الرقيقة ونيران الحطب بديلاً عنها.

وعلى ذكر المعونات فهذه مناسبة للحديث عن كيفية بيعها في أسواق المدن ضمن سلسلة فساد كبرى تتشارك فيها قوى السيطرة مع التجار والمنظمات الأممية التي تعرف طريقها إلى أمسيات السهر أكثر من خيام العطاش، وهذا بحد ذاته لم يعد تهمة، بل بات من باب مضيعة الوقت محاولة إثباته، إذ اجتاح الفساد تلك المنظمات الإغاثية العاملة في سوريا، فصار التوظيف فيها بالمال أو العلاقات.

يكفي الاطلاع على آلاف الصورة المتوافرة على الإنترنت لتلك المخيمات للمس التشابه الرهيب بينها في كل أحوالها وظروفها، وقد تشرح تلك الصورة في كثير من الأحيان نفسها بنفسها، فهناك مشاهد الناس وصورهم والقهر البادي من تقاسيم وجوههم، وكذلك منظر الأطفال الذين يسهل استنتاج كم سيحتاجون إليه من ضغط وتقويم ورعاية علمية وصحية واجتماعية ليندمجوا في مجتمع جديد بعيداً من الخيام، وأولئك الكبار العاجزون عن إحداث تغيير، المستسلمون لكونهم ضحية حرب ضروس ضاعت فيها سنين طويلة من أعمارهم، وتحتهم أولادهم كبروا ويكبرون من دون أدنى مقومات المجتمع الحضري.

لكن الأكيد أن عقداً ونصف عقد من السنين مرا ومعهما دمر جيل من ملايين الذين هاجروا وهجروا، ليصيروا منسيين بعد أن كانوا ذراع الضغط الطولى في نصف العقد الأول من الحرب في الأقل.

مخيم للهاربين من مخيم

في المثلث الضيق بين ريف دمشق وتدمر وسط سوريا ثمة مخيم استحدثته السلطات السورية ورعته الأمم المتحدة، ويعنى بالدرجة الأولى باستقبال العائدين أو الهاربين من منطقة التنف على الحدود السورية – العراقية - الأردنية، إذ تسيطر القوات الأميركية عبر قاعدتها العسكرية وتدعم فصيلاً عسكرياً معارضاً هناك.

يعتبر هذا المخيم واحداً من مخيمات قليلة نشطة في مناطق الحكومة، وفيه جرى استقبال عائدين كثر من شرق البلاد، أشخاص يحكون قصصاً لعودتهم بعد ضمانات بعدم التعرض لهم، هم الذين لم ينخرطوا فعلياً بأعمال عسكرية، عادت عشرات الأسر لتجد نفسها في مخيم جديد عوضاً عن المخيم القديم.

توضح أم محمد، وهي واحدة من أولئك العائدين لـ"اندبندنت عربية"، أنهم جاؤوا يقصدون منطقة أكثر أماناً، هاربين من مخيم محاصر كان الجوع والعطش يتسيدان فيه مشهد كل صباح ومساء. تقول المرأة الخمسينية "كنا من بين آلاف العوائل المحاصرة في مخيم الركبان، وكانت المؤونة تقطع عنا لأسابيع، والجميع يتصارع حولنا، وكل طرف يبتز الآخر بنا، بعد أن رفض الأردن إدخالنا إلى أراضيه فعلقنا هناك، وصارت المنطقة مخيماً قبل أن نقرر تركها والتوجه نحو مدينة تدمر، ومنها إلى مخيمنا الجديد، وبطبيعة الحال فهو يراعي الشروط الإنسانية أكثر من المخيمات الأخرى، ربما لأنه بعيد من الصراع وأي عمل عسكري وما شابه ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقع مخيم "الركبان" قرب القاعدة الأميركية في التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن ضمن الأراضي السورية في ما يعرف باسم منطقة الـ"55 كم" الأمنية، وهي منطقة بذات الامتداد الجغرافي لاسمها، وأنشأها التحالف الدولي في زمن باكر من عمر الحرب السورية بقيادة الولايات المتحدة بهدف مكافحة الإرهاب، وكان ذلك عام 2014 لتتقاسم السيطرة على جواره في وقت لاحق كل من أميركا والقوات السورية من جهة والأردن والعراق من جهة أراضيهما، وهناك شكلت المنطقة المعزولة مع الوقت ملاذاً للهاربين من جحيم الحرب المستعرة على امتداد الخريطة.

إحصاءات متعددة تفيد بأن ساكني المخيم اليوم يبلغ تعدادهم نحو 8 آلاف، هبوطاً من 90 ألفاً أواسط عام 2016، إذ تراجعت أعدادهم بشكل كبير بسبب العيش في ظروف تفتقد أبسط الشروط الإنسانية من الطبابة إلى الطعام مروراً بمختلف الامتهانات غير المعقولة لساكني الصحراء المنسية الذين هربوا إلى هناك قصد الدخول إلى الأردن الذي رفض فعلقوا بين سندان الجوع ومطرقة الذل.

تولت الأمم المتحدة في مرحلة لاحقة وبالتنسيق مع الأميركيين والقوات السورية عودة آلاف العالقين هناك لمدن الداخل السوري أو المناطق الأخرى، وكانت ذروة العودة عام 2019 بالاشتراك والتنسيق مع الهلال الأحمر السوري، وكانت تلك العودة هرباً من جحيم لا يتصوره عقل ولا عاقل.

موارد المخيم المحاصر

يترأس أحد النازحين من آل الخالدي المجلس المحلي للمخيم، ويوضح لأشخاص التقاهم في وقت سابق وأطلعوا "اندبندنت عربية" بدورهم على مجريات اللقاء، أن موارد المخيم اليوم تقوم على تهريب الأموال إليهم عبر وسطاء يتمكنون من خرق السياج حولهم من جهة، ومصادر أخرى تتمثل بالمدخول الذي يأتيهم عبر نحو 500 إلى 800 شاب من المخيم يعملون مع الأميركيين في قاعدة التنف في مقابل مرتبات شهرية أدناها 300 وأعلاها 750 دولاراً، وهو ما يسهم نوعاً ما في تحريك أي شيء في مواجهة العجز المطلق للساكنين.

تمكنت "اندبندنت عربية" من إجراء اتصالات عبر وسطاء في البادية مع بعض ساكني المخيم، من بينهم أبو ياسر البارودي وهو والد لتسعة أطفال، الذي يوضح أنه لا يستطيع العودة لمناطق الحكومة لأنه مطلوب في قضايا أمنية مرتبطة بتبعيته سابقاً لـ"تنظيم جهادي"، معتقداً أن سبيل الخلاص الوحيد هو قبول دخوله إلى الأردن أو العراق، أو نقله إلى مناطق سيطرة الأكراد شمال شرقي سوريا، وإن كان الاحتمالان مستحيلين، موضحاً أن حاله يتطابق مع كثر آخرين.

 

 

ويضيف "نعيش ظروفاً أقرب للحيوانية من عالم الإنسان، نحن منذ زمن طويل لا نعرف إلا طعم الخبز وحده، ونعاني في الحصول على أبسط الأشياء، وفي خيمتنا ننام أنا وزوجتي وأولادنا على متجانبين لكي تتسع لنا أرض الخيمة، ومع كل يوم يمر تضيق سبل الحياة بنا، إذ ننام كالمساجين الذين لا تتسع لهم الزنازين، فتكون أرجل بعضنا عند رؤوس الآخرين، وفي الشتاء نحتضن بعضنا بعضاً لنحظى بشيء من الدفء في مواجهة برودة البادية القاسية".

نجحت أم عمر وهي أم لـ10 أولاد في مغادرة مخيم "الركبان" نحو مدينة تدمر ومنه إلى ريف دمشق، وما كانت لتستطيع فعل ذلك لولا وفاة زوجها عام 2019 إثر إصابته بمرض رئوي كان يمكن – بحسبها - علاجه بسهولة لو أن طبيباً واحداً عاين الزوج، لتقرر لاحقاً أن تنجو بنفسها ومن معها في رحلة شاقة تولت فيها الجهات المتخصصة تيسير إتمامها.

أم عمر النازحة من مخيم الرقة إلى "الركبان" والمنحدرة أصلاً من مدينة حمص طافت البلاد بمدنها ومخيماتها، وأنجبت جل أطفالها في الحرب. "اندبندنت عربية" التقتها فتحدثت عن حالها السابق ومعيشتها وأولادها في ظروف قاهرة بقولها إن "عدم الإنجاب يتعارض مع الشريعة والأعراف، ولم يكن حولنا عائلة لديها أقل من ستة أو سبعة أطفال، هذا هو شكل حياتنا العام وتربيتنا وموروثاتنا المتناقلة من جيل لجيل بمعزل عن الحرب، لذا كان أبو عمر متمسكاً بفكرة أن نستمر بالإنجاب، لكن ذلك كان يضعني أنا في مأزق أكثر منه، فابنتي الأولى التي وصلت إلى سن البلوغ في المخيم، هي التي أنجبتها قبل الحرب، كنت عاجزة عن شرح الأمر لها في ظل غياب التوعية المدرسية والمجتمعية العامة، وكان عجزي الأكبر في تأمين ما يلزمها شهرياً من محارم نسائية، فلم يكن هناك من حل سوى استخدام القماش الذي يمكن إعادة غسله، وفي أحيان أخرى كان يجري استخدام قطع كرتونية أو أكياس نايلون، وحينها كان لا بد من تزويجها كما جرت العادة، وطبعاً فإن شروط النظافة الصحية كانت منعدمة".

ناجية بثمن باهظ

في السياق قالت مؤسسة "foundation global one"، وهي منظمة غير ربحية مقرها الأمم المتحدة، إن 60 في المئة من اللاجئات السوريات عموماً لم يكن لديهن إمكان الوصول إلى المنتجات الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية، وأكثر من نصف النساء اللاتي قوبلن في إطار إعداد البحث يعانين مشكلات صحية غالباً تترك من دون علاج.

بشرى عيرور، ناجية أخرى من أحد مخيمات الرقة نحو ريف حلب ووالدة لثمانية أطفال، تشرح لـ"اندبندنت عربية" أنهم كانوا يكافحون عاماً تلو الآخر لكي لا يموتوا، واصفة حياتهم داخل المخيم بالصراع من أجل البقاء في ظل شح كل شيء من الغذاء إلى المرافق الصحية والطبية والتعليمية والمياه النظيفة، والكارثة الأقسى تبدأ مع حلول كل شتاء.

تقول "في الشتاء كنا نغرق في الوحل والطين والبرد من دون دورات مياه وأدوية ومستلزمات نسائية وغذائية وغيرها، وكان علينا أن ننتظر المعونات التي تأتي على فترات متباعدة ولا تكفي شيئاً، وغالبها غير صالح للاستخدام وخصوصاً الفوط النسائية، وأنا مع بنتي الكبيرتين كنا نحتاج إلى ذلك الأمر، وزاد الاحتياج حين باتت ابنتنا الثالثة على عتبات البلوغ السريع".

 

 

وتكمل السيدة أنهم كانوا يوزعون صندوق المعونة بحيث يكفيهم لأكبر قدر ممكن من الوقت، فيما يخرج الصبية من أولادها لجمع الحطب وأعواد القش لإضرام النيران في محاولة للبحث عن الدفء، وأولوية الإطعام دائماً ما تكون للأصغر من الأولاد فالأكبر. مع من أطفالها الصغار وتحت سوء الظروف الصحية جف حليبها كما تشرح، ولأن الحصول على حليب صحي مستحيل لم يكن أمامها سوى أن تعطيه لمرضعة في المخيم تتكفل بالأمر، لكن الأمر لم يكن مجانياً بل كان باهظ الثمن، إذ كلفها ذلك غطائي معونة وصندوق مساعدات و"فانوس" إضاءة توزعه الأمم المتحدة.

تحدثت بشرى عن دفعها ابنتها الثالثة للبلوغ القسري، وهي حال تتبعها آلاف العائلات النازحة لدفع بناتهن للبلوغ قبل الأوان عبر تناول أدوية هرمونية إلى جانب ممارسة التعنيف عليهن بضربهن بالأيدي والأحزمة والعصي على ظهورهن للغرض ذاته، والهدف العام هو تزويجهن سريعاً، وعموماً فإن ظاهرة زواج القاصرات منتشرة في سوريا قبل الحرب واشتدت بعدها.

بشرى، التي أمن زوجها تلك الحبوب لابنتهم، طلب منها أن تضرب الفتاة الصغيرة كل يوم حتى تدخل في مرحلة الدورة الشهرية، وما إن حصل ذلك التسريع القسري حتى زوجوا الابنة داخل المخيم. رفضت بشرى بشكل قاطع تواصلنا المباشر مع ابنتها التي حصلت الطلاق في وقت لاحق إثر إجهاضها مرتين، وهو أمر غير مقبول في طبقات اجتماعية معينة، لتكتفي بالإجابة عن ابنتها "ألحقت بنا عاراً، وصار تزويجها من جديد مستحيلاً".

"الهول" أو الجحيم القادم

بعد الهزيمة الميدانية النهائية التي مني بها تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، خلال مارس (آذار) 2019، إثر سنوات من القتال في مواجهة القوات العراقية والسورية والروسية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ومعه قوات "قسد" الكردية السورية، تمكنت الأخيرة من احتجاز نحو 10 آلاف مقاتل من التنظيم في سجونها شمال شرقي سوريا، 8 آلاف منهم من السوريين، وألفان يتبعون دولاً أخرى تعدادها يفوق 70 دولة، وهي التي أتى "المجاهدون" منها لنصرة إخوانهم في إقامة "الخلافة".

إلى ذلك احتجزت القوات الكردية أيضاً عوائل التنظيم في مخيم مستحدث أطلق عليه اسم "الهول" ضمن مناطق سيطرتهم شرق مدينة الحسكة (45 كيلومتراً) أقصى شمال شرقي سوريا، وفي ذروة نشاطه الاستيعابي عام 2019 كان "الهول" يحتضن نحو 70 ألفاً، أما اليوم فيوجد بداخله 50 ألفاً، 90 في المئة منهم من نساء وأطفال التنظيم، وجل الأطفال دون سن الخامسة، بحسب معهد "واشنطن" لسياسة الشرق الأدنى.

 

 

ترى الأمم المتحدة وجوب استعادة الدول لرعاياها المحتجزين ومحاسبة المتورطين منهم في أعمال إرهابية وإعادة دمج البقية في مجتمعاتهم، لكن معظم الدول تتباطأ في التنفيذ، فحتى أواسط 2023 لم يعد سوى 6500 من حملة الجنسية العراقية لبلدهم، و2700 من رعايا الدول الأخرى.

يعتقد معهد "واشنطن" في دراسة بحثية حول المخيم أن إطالة أمد إعادة ساكنيه لأوطانهم سيخلق جملة أزمات مركبة، أولها اضطرار "قسد" إلى إجراء محاكمات للمحتجزين لديها خارج القانون الدولي العام، وثانياً مسار التطبيع العربي مع دمشق قد يتيح لها في نهاية المطاف أن تتولى إدارة المناطق الشرقية ومحاسبة أولئك المحتجزين ودفع أميركا للانسحاب من المنطقة، وثالثاً أن بقايا التنظيم يعتبر هذه المخيمات والسجون ذخيرته ونواة قيامه المحتمل مستقبلاً، ورابعاً ما يتعلق بصرف النظر عن مستقبل ومصير هؤلاء المعتقلين في حال نشوب الحرب بين العدويين تركيا و"قسد"، وخامساً وقوع كارثة طبيعية غير متوقعة تغير الأحوال.

أخطار نساء الخلافة

الخطر الأكبر الكامن داخل المخيم هو أن نساءه يعتنقن أشد أفكار التنظيم تطرفاً، حتى إن قسماً كبيراً منهن أنشأن ما يعرف بـ"وحدات المحاسبة" التي تتولى قتل النسوة الأخريات اللاتي يفكرن بالابتعاد عن عقيدة وتفكير التنظيم، وكذلك سجل مقتل عدد من موظفي المنظمات والوكالات الدولية والمسعفين خلال دخولهم إلى المخيم، بحسب مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي. في حين أن "قسد" تكتفي بمراقبة بواباته الرئيسة، وتقوم بتسيير دوريات بين وقت وآخر.

مؤسسة "كارنيجي" حذرت في أكثر من دراسة من أخطار المخيم وأفكار ساكنيه ونية التنظيم الاستناد إليه خصوصاً مع تكرار محاولات من داخله التواصل مع العالم الخارجي أو الهرب، فضلاً عن تمكن المقيمين فيه من استحداث شبكات مالية وتعبوية وبنيوية على رغم حصار "قسد" للمخيم القريب من الحدود العراقية، والعجز الدولي عن اتخاذ قرار في شأنه.

في ملف اللجوء ثمة معادلة محكمة التعقيد والغرابة تقود دائماً نحو سؤال جوهري: كيف يتكاثف الإنجاب في المخيمات تحت تلك الظروف شديدة الضغط والحرمان؟

 

 

يعود الأمر لليأس مرفقاً بأفكار غير سوية تتعلق بمفهوم الإنجاب، وما هو ممكن وما هو غير ممكن، وهل سيحظى هؤلاء الأطفال بحياة سعيدة؟ ولربما يكفي استعراض هذه الأرقام لتبيان فداحة حجم الكارثة، فحتى عام 2018 كان يولد يومياً ما بين 12 و15 طفلاً في مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين في الأردن، وكانت الحوامل آنذاك نحو 2750 بحسب مصادر طبية، وفي تصريح سابق لرئيسة العيادة الصحية للإنجاب في المخيم فإن عدد الحوامل الوافدات يومياً للعيادة أكثر من 100، وفي تركيا حتى عام 2018 ولد 318 ألف طفل في المخيمات بحسب اللجنة الفرعية التابعة للجنة حقوق الإنسان في البرلمان التركي.

في لبنان التي تقدر الأمم المتحدة عدد اللاجئين فيها بمليونين وبضع مئات، بينما تقدر الحكومة اللبنانية تعدادهم بمليون ونصف مليون، أنجب أولئك اللاجئون أكثر من 200 ألف طفل بحسب مصادر أممية خلال سنوات الحرب، 80 في المئة منهم غير مسجلين وبلا وثائق، بحسب الهلال الأحمر السوري.

ومن جملة أسباب التوسع في إنجاب الأولاد مقولات مثل "الإجهاض حرام، والشرع أمرنا بالإكثار، والولد سند، والولد عزوة، وهكذا تحافظ عشيرتنا على حجمها، والثأر، والانتقام، وجنود المستقبل، وتكليف شرعي، ومن لا ولد له لا آخرة له، إلخ"، ولم ينس كثر منهم أن يشيروا إلى أن الفتاة تجلب العار ما لم تتزوج صغيرة فتكفي أهلها شر نضوجها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات