Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تراثنا بين الشتم والتقديس

فرض السردية التي سادت منذ قرون هو السبب في مراوحة العقل العربي مكانه

التاريخ علم كبقية العلوم الحديثة التي تخضع للمنهج العلمي بالفهم والتحليل، وليس قصصاً وسرداً يسرده الحكواتي جيلاً بعد جيل (مواقع التواصل)

ملخص

كيف يمكن لعاقل أن يرى التاريخ وردياً بلا خطايا؟ وكيف لسوي أن يعيش أحداثاً مرت عليها قرون ولم يكن أحد شهودها ناهيك عن أن يكون أحد المشاركين فيها؟

لا يمكن لأمة أن تتعلم وتستفيد من تراثها وتاريخها ما لم تكُن قادرة على دراسته ومراجعته ومناقشته ونقده بكل حرية وأمان من عدم التعرض للتكفير والتهديد والوعيد من قبل المتطرفين والحكومات التي تداريهم وتستخدمهم لقمع مخالفيها بحجة الحفاظ على الدين ودفاعاً عن "تراث الأمة وحمايته من التشويه". هذه معادلة بسيطة اكتشفتها شعوب استطاعت أن تتصالح مع ماضيها، وأن تعيش حاضرها وتخطط لمستقبلها.

كتب رجال الدين تراثنا وتاريخنا، ثم أضفى فريق منهم قدسية على ما كتبوه، وجادل الفريق الآخر بضرورة تصحيحه وإعادة كتابته بطريقته وبحسب فهمه وتأويله. الفريقان مختلفان منذ ظهورهما في نهايات القرن الأول للهجرة، وما زالا يعيشان ذلك الخلاف والصراع على حق الخلافة في القرن الـ21، وسيبقيان في صراعهما إلى الأبد ما لم يستقوا فريقاً ثالثاً يحكّم العقل ويفرض حرية التفكير وعقلانية التفسير، ويخضع أحداث التاريخ للتحليل العلمي المتجرد من عواطف الانحياز إلى أطراف في قريش تصارعت على السلطة قبل 14 قرناً من الزمان. لا بد من نصرة فريق العقل والحكمة والتفكير العلمي والتحليل النقدي، ليزيح الفريقين عن سكة المراجعة والفائدة من التراث والتاريخ بأحداثه.

صوّر فريق ديني التاريخ كلوحة مزهرية جميلة، وقدم شخوصه وسياسييه على أنهم ملائكة لا يخطئون ومعصومون منزهون، بالتالي أضفى قدسية تحرم مراجعة مواقفهم وقراراتهم وسياساتهم، بينما يلطم فريق آخر على أحداث ومآسٍ جرت في الزمن الغابر، ويريد الانتقام ممن شاركوا في تلك الأحداث الجلل بشتم من شاركوا فيها على رغم موتهم ورحيلهم عن الدنيا منذ قرون، وعلى رغم استحالة إعادة الموتى وتغيير مجرى التاريخ الذي انتهت أحداثه بلا رجعة.

كيف يمكن لعاقل أن يرى التاريخ وردياً بلا خطايا؟ وكيف لسويٍّ أن يعيش أحداثاً مرت عليها قرون ولم يكن أحد شهودها ناهيك عن أن يكون أحد المشاركين فيها؟.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كتب تاريخنا رجال الدين بطريقة سردية تتكرر عبر المنابر منذ قرون، قصص وروايات ورثوها كابراً عن كابر، ويعيدون سردها وطرحها وإعادتها كما وردت على لسان بشر عاشوا قبلهم بقرون عدة. ولا يستطيع من له فكر أن يتساءل اليوم أو أن يشكك في هذه الروايات أو بآدمية رواتها!، بل عليه التسليم بها وتلقيها من دون تساؤل أو تشكيك، فلقد فرض رواتها قدسية عليها وعلى من رواها، ومن يتساءل فقد تجاوز المحظور، ومن يراجع فقد دخل في عش الدبور ومصيره الويل والثبور وعاقبة الأمور.

أكتب هذه السطور ونحن نشهد تراشقاً على وسائل الإعلام المختلفة بين نفس الفريقين اللذين شقا الأمة وشتتا جموعها وتسببا في فرقتها قبل قرون طويلة مضت، ما سر أو نفع أن تعظم شخصية ماتت قبل قرون؟ وما ضر أن تشتم شخوصاً رحلوا قبل قرون؟. أشعر بالشفقة على هذا الفريق وذاك، وبالحزن لاستسلام الأمة لهؤلاء الرواة الذين سلاحهم التكفير لمن يجرؤ على التفكير. "تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تُسألون عما كانوا يعملون" (قرآن كريم).

إن مفتاح العقل العربي لانبثاقه نحو التحليل والنقد العلمي، هو بقدرته وحقه وحريته في مراجعة التراث الذي فرضه رجال الدين فرضاً، وفرضوا تقديسه وتحريم التساؤل حوله، بل إن أساسات انطلاق العقل العربي هي بتثبيت حرية التحليل والمقارنة والتساؤل بالمناهج العلمية الدراسية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بقراءة التاريخ والنهل من التراث الهائل لهذه الأمة. إن فرض السردية التي سادت منذ قرون هو السبب في مراوحة العقل العربي مكانه، وفرض التسليم بما يُملى عليه من إحدى مدرستي سرد التراث التي أضفت القدسية على رواتها ورجالاتها.

إن التاريخ علم كبقية العلوم الحديثة التي تخضع للمنهج العلمي بالفهم والتحليل، وليس قصصاً وسرداً يسرده الحكواتي جيلاً بعد جيل، وما لم نحرر التاريخ من السرد الروائي إلى العلم التحليلي النقدي، فسنبقى نراوح بأحداث التاريخ كما يصفها ويصورها لنا أصحاب مدرسة الرواة وسرد التاريخ.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء