ملخص
يقول الاقتصادي والأكاديمي الأميركي ميلتون فريدمان في كتابه "الرأسمالية والحرية" إن التهديد الداخلي يأتي من رجال ذوي نوايا حسنة وإرادة طيبة يرغبون في إصلاحنا، على غرار بيل غيتس وإيلون ماسك.
خلال الأعوام الأربعة الماضية انتقلت أنظار البشرية بشكل مكثف للتركيز على جدية الأخطار الطبيعية، كالأوبئة والتبدلات المناخية ونواتجها، رافقها ظهور الذكاء الاصطناعي على الساحة العامة، الذي حمل معه طروحات عدة تحذر من تهديد وجودي حتمي ومباشر للحضارة البشرية بكاملها، وصعد معها على الواجهة اسمان بارزان، بيل غيتس وإيلون ماسك، اللذان بدا وكأنهما يحملان هم مستقبل البشرية على أكتافهما، فيؤرقهما الحال الذي وصل إليه الكوكب ويعملان جاهدين على إنقاذنا، نحن الذين أسرفنا على أنفسنا.
ينطلق الرجلان من نوايا إنسانية شاملة الكوكب ككل، فالأول يتحدث عن محاولاته إنقاذ العالم من كارثة مناخية وحفظ الطاقة النظيفة، والثاني لا يضيع الوقت في التحدث، بل يبتكر حلاً ويباشر العمل على تنفيذه على قدم وساق، فإيلون ماسك يجهز لنا كوكباً آخر صالحاً للسكن.
ولكن في حين يطرح الرجلان نفسيهما كمخلصين للبشرية، يشكك كثيرون في مدى صدق نواياهما، بخاصة أن التاريخ مليء بالأسباب التي تجعلنا لا نثق بأصحاب النوايا الحسنة، كما تكثر في القصص المصورة والأفلام، الصور النمطية الشائعة للرجل الخارق المستعد للتضحية برفاهية عدد من البشر من أجل تحقيق هدف يصفه بالنبيل.
ويوضح الاقتصادي والأكاديمي الأميركي ميلتون فريدمان في كتابه "الرأسمالية والحرية"، أن التهديد الداخلي يأتي من رجال ذوي نوايا حسنة وإرادة طيبة يرغبون في إصلاحنا، ولعل هذا ما يجعل مقارنة سريعة وواجبة بين رجلين يصرخان عالياً "نريد إنقاذ الكوكب!".
غيتس... الصحة والمناخ
تطرح قصة بيل غيتس (ويليام هنري غيتس الثالث) في كتب علم نفس المال والاقتصاد على أنها القصة الأبرز لوقوف قوة الحظ إلى جانب الجهد، فالأمر لا يتعلق بالجهد الفردي فحسب، بل إن بيل غيتس حظي بفرصة نادرة للدراسة في مدرسة كان احتمال التعلم فيها واحد في المليون. واحد من كل مليون طالب حالفه الحظ للالتحاق بمدرسة ليكسايد، واحدة من المدارس القليلة في العالم التي كانت تملك جهاز كومبيوتر آنذاك، وحتى أية مدرسة امتلكت جهاز كومبيوتر لم يكن في مستوى نظيره الذي تمكن بيل غيتس من العمل عليه في صف الثامن!
ومن هناك بدأت رحلة بيل غيتس التكنولوجية وصولاً إلى تأسيس شركة "مايكروسوفت" مع بول ألن، التي بدأت هيمنتها على صناعة أجهزة الكمبيوتر الصغيرة الناشئة عام 1980. وبعد ست سنوات أصبح غيتس مليارديراً في عمر 38 سنة. وفي غضون عقد من الزمان أصبح أغنى فرد في العالم، لكن في عام 2008 تخلى غيتس عن الإشراف اليومي على "مايكروسوفت" من أجل تكريس مزيد من الوقت للأعمال الخيرية، وإن بقي رئيساً للشركة حتى عام 2014، لينصب تركيزه بعدها على قضايا تغير المناخ والصحة العالمية، ولكن بحسب "وول ستريت جورنال" ترك غيتس مجلس إدارة الشركة، وسط تحقيق في علاقة جنسية وصفت بغير اللائقة مع موظفة في الشركة.
وسرق الرجل ذو 68 سنة الأنظار خلال جائحة كورونا، وطرح نفسه متخصصاً في قضايا العلاج واللقاحات، وخاض مع مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية أنتوني فاوتشي مناقشات منتظمة عنوانها إنهاء الوباء، وبادرت مؤسسته بطرح برنامج لتسريع تطوير الأدوية والعقاقير بغرض علاج المرضى.
وفي حين خرجت أصوات تتساءل عن مدى أهلية غيتس للخوض في قضية كهذه، كانت سبقتها أصوات أخرى تطرح التساؤل ذاته بخصوص قضايا المناخ والاحترار العالمي، وهو ما لم يفت غيتس الذي افتتح كتابه "كيف نتجنب كارثة مناخية؟"، مبرراً لماذا يؤلف مبتكر برمجيات كمبيوتر مشهور عالمياً وثري بشكل لا يمكن تصوره ولا يتمتع بمؤهلات محددة في علم تغير المناخ كتاباً حول هذا الموضوع المزعج والمترامي الأطراف، ليأتي جوابه أن المشروع نشأ من عمل مؤسسته الخيرية في الدول النامية، بما في ذلك معالجة "عوز الطاقة"، وإدراكاً منه أن هذه المجتمعات لا تستطيع تحقيق أهداف تحسين تعليمها وصحتها واقتصادها أثناء حرق الأخشاب والشموع للطهي أو التدفئة أو القراءة، في ربط واضح بين استهلاك الطاقة والاحتباس الحراري العالمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين تنتشر الأخبار عن أعمال مؤسسة غيتس الخيرية، يقول كثيرون إن هذه التبرعات تصب في جيبه ثانية بشكل أو بآخر، وإن مؤسسته هذه مجرد واجهة للتغطية على أعماله المشينة بحق البشرية، ومن بينها المشاركة في خلق "كذبة كورونا"، إذ يشير منظرو المؤامرة بأصابع الاتهام إلى بيل غيتس وشركاته ويعتبرونه مفتاح فك شيفرات الكوارث التي يواجهها العالم اليوم، ولم ينقطع مناهضو اللقاحات عن اتهام غيتس بأنه جزء من "مؤامرة كوفيد" وبأنه يسعى إلى إجبار مواطني جنوب أفريقيا على الخضوع لاختبارات كورونا المبكرة والخضوع إلى اللقاحات، التي يعتبروها مخططاً لها مسبقاً.
ومن هنا يطالب غيتس اليوم من مجتمع التكنولوجيا بالعودة لجذوره في عالم ريادة الأعمال، انطلاقاً من فكرة أن رواد الأعمال الناجحين يخدمون البشرية ويثرونها.
ماسك... الفضاء وعلم الأعصاب
أما إيلون ماسك فإلى جانب عمله الدؤوب لاستيطان المريخ في غضون العقود القليلة المقبلة، وتحويل صفة "سكان الأرض" التي يحملها البشر إلى "سكان كواكب أخرى"، وهاجسه الدائم لحماية الوعي البشري من تهديد الذكاء الاصطناعي، يحمل على عاتقه اليوم مع شركته "نيورالينك" حلاً بالغ الأهمية للمصابين وخدمة لا تقدر بثمن للمصابين بالضرر الدماغي والأمراض العصبية الحركية.
تقوم هذه الخدمة على تحول الدماغ البشري إلى مؤشر ولوحة مفاتيح حاسوبية، أي يكتب الشخص ويعطي أوامره للحاسوب بواسطة أفكاره فقط، ويقول ماسك إن هذه التكنولوجيا قد تنقذ الجنس البشر، وهي ليست إلا خطوة أولى في قائمة مهمات "نيورالينك"، إذ يخطط الرجل لتغيير شكل علاقة البشر وتواصلهم مع الحاسوب إلى الأبد.
أما بالنسبة إلى العمل الخيري، يشاطر ماسك مواطنه غيتس العمل من خلال المؤسسة التي تحمل اسمه، وكذلك يتحدث بعضهم عن أن ما تقدمه المؤسسة من تبرعات لمقاطعة كاميرون، موطن موقع إطلاق "سبيس إكس". هذه التبرعات تلت هطول أمطار غزيرة من المعدن الناتج من سقوط صواريخ "سبيس إكس"، فقبل مارس (آذار) 2021 لم يكن هناك أي تبرعات للمقاطعة، ولكن على النقيض من بيل غيتس، الذي ينشر ثروته في محاولة تحسين الرعاية الصحية في مختلف أنحاء أفريقيا، كانت أعمال ماسك الخيرية عشوائية وتخدم مصالحه الشخصية إلى حد كبير، وهو ما أهله للحصول على مساعدة وتخفيضات ضريبية هائلة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
ووجد تحليل للصحيفة أن نحو نصف التبرعات التي قدمتها مؤسسة ماسك في عامي 2021 و2022 كانت متعلقة أصلاً بماسك أو أحد موظفيه أو إحدى شركاته، وأن من بين التبرعات التي قدمتها المؤسسة 55 مليون دولار لمساعدة أحد كبار عملاء "سبيس إكس" على الوفاء بتعهد خيري، وملايين أخرى ذهبت إلى مقاطعة كاميرون بعد انفجار صاروخ، كما كانت هناك تبرعات لمدرستين مرتبطتين ارتباطاً وثيقاً بأعماله، واحدة تقع داخل مجمع "سبيس إكس"، والأخرى تقع بجوار قسم فرعي جديد لموظفي ماسك. لكن لا يفوت ماسك ليعلن في كل مناسبة اعتقاده أن مشاريعه الهادفة إلى الربح ستغير العالم إلى الأفضل أكثر بكثير من أي مشروع خيري.
وفي النهاية لا تحظى قصة الرجلين بتصديق عام، بل هناك مجموعات عدة تشكك في كيفية تكوين ثرواتهما وفي مدى استقلالية رحلتيهما في عالم الأعمال، وتذهب إحدى الروايات إلى أنهما مجرد واجهة لا أكثر لثلة متخفية تكتب مستقبل البشرية.