ملخص
عدد من الأطباء حذر من المشكلات الصحية التي يعانيها الأطفال حديثو الولادة نتيجة نقص الرعاية وانقطاع الأدوية، فضلاً عن الارتفاع الملحوظ لحالات أمراض سوء التغذية والوفيات الناجمة عنها في ولايات سودانية عدة، بما فيها داخل معسكرات إيواء النازحين الفارين من الحرب.
حال من القلق والخوف تراود الأسر السودانية في ظل تزايد أخطار الموت المحقق للأطفال حديثي الولادة نظراً إلى تفاقم الأزمات، لا سيما في المناطق التي تشهد نزاعاً مسلحاً، فضلاً عن تأثر بعض الولايات بمشكلات انهيار القطاع الصحي وندرة الأدوية وحاجات اليافعين الرئيسة في الصيدليات.
ويعاني الأطفال حديثو الولادة من عدم توفر وسائل الرعاية الطبية خصوصاً لقاحات التطعيم والحضانات للصغار الخدج، إلى جانب أزمة العلاج والحليب البديل، وكذلك سوء التغذية بسبب عدم تناول الأمهات المكملات الغذائية أثناء فترة الحمل، علاوة على شح الفيتامينات الخاصة بالحوامل.
حالات وفاة
إزاء هذا الوضع، خصصت مستشفيات عدة مراكز لأطفال حديثي الولادة يعانون سوء التغذية وبعضهم يتعرض للموت نتيجة نفاد وسائل الرعاية وانقطاع الكهرباء بمستشفيات الولادة وغرف العناية المكثفة، ونقص الأوكسجين في حضانات الخدج.
أماني حسين أحد النازحين من ولاية الجزيرة قالت، إنها "وصلت إلى مدينة سنار في الأول من مايو (أيار) الماضي مع زوجها هرباً من الحرب، وقبل شهر خضعت لعملية ولادة، لكنها لم تستطع إرضاع طفلها بسبب معاناتها سوء التغذية جراء قلة الطعام، والأوضاع النفسية الصعبة نتيجة النزوح المستمر، مما اضطرها إلى فطمه مبكراً".
وأضافت، "حاولت اللجوء للحليب المجفف، لكن انقطاعه من الصيدليات والأسواق بصورة كاملة وغياب البدائل الأخرى تسبب بإصابة الطفل بسوء التغذية والجفاف وتدهورت حاله الصحية".
وأوضحت أنهم "سارعوا بنقله إلى مدينة كسلا شرق الخرطوم، وأجرى فحوص طبية في المستشفى، وتبين أنه يعاني جفافاً ونقص في المناعة، ومُنح جرعات عدة، وبعد أسبوع بات لا يستجيب للعلاج وفارق الحياة".
وتابعت النازحة السودانية "هناك كثير من الأسر نفدت مدخراتها المالية، وفشلت في علاج الأطفال حديثي الولادة، لا سيما في المستشفى الذي كنت أوجد فيه، ونتيجة لهذه الأوضاع حدثت وفيات عدة وسط اليافعين والرضع".
نفاد المعينات
في العاصمة الخرطوم، تفاقمت معاناة الأطفال حديثي الولادة بصورة كبيرة نظراً لتوقف عمل المستشفيات وإغلاق الصيدليات.
نجوى الرحيمة التي تقطن ضاحية الجريف شرق، تشعر بالقلق الشديد على حياة طفلتها التي تعاني سوء التغذية الحاد وسط ظروف معقدة لأسرتها التي عجزت عن نقلها إلى المستشفى، تقول إن "الأزمة ليست في نقص الطعام فقط، بل وفي عدم توفر الحليب المناسب لحالها الصحية".
وأشارت إلى أنها "تجولت في الصيدليات على قلتها، ولاحظت أنها فارغة الأرفف، ومن المؤكد أن كل شيء نفد، فالحرب طال أمدها، والأدوية لا تصل أحياء الخرطوم بسبب تصاعد وتيرة المعارك، فضلاً عن أخطار التنقل خشية تعرض الأطباء والصيادلة للاعتقال والتوقيف، بالتالي نحن نعيش كوارث لا حصر لها".
ولفتت الرحيمة إلى أن "عدم تناول الأمهات للمكملات الغذائية أثناء فترة الحمل أدى إلى تفشي حالات سوء التغذية وسط الأطفال حديثي الولادة، مما يزيد من الأمراض التي يعانيها الصغار بسبب انهيار جهاز المناعة، في وقت يحتاجون إلى تناول مضادات حيوية قوية وهي غير متوفرة، وأسهم هذا الوضع في حدوث وفيات كثيرة".
مشكلات صحية
عدد من الأطباء حذر من المشكلات الصحية التي يعانيها الأطفال حديثو الولادة نتيجة نقص الرعاية وانقطاع الأدوية، فضلاً عن الارتفاع الملحوظ لحالات أمراض سوء التغذية والوفيات الناجمة عنها في ولايات سودانية عدة، بما فيها داخل معسكرات إيواء النازحين الفارين من الحرب.
يعد المتخصص في طب الأطفال وليد حامد سليمان أن "توقف الخدمات الصحية الخاصة بحديثي الولادة والرضع ومعاناة الأمهات أثناء فترة الحمل بسبب النزوح المستمر وانعدام الغذاء الجيد أثناء فترة الحمل وعدم تناول الفيتامينات، أسباب أسهمت في تزايد وفيات الأطفال بصورة مقلقة من دون وجود حلول في الأفق لتطاول أمد الحرب وتمددها في مناطق وولايات عدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفاد سليمان بأن "مخزونات الأدوية نفدت بخاصة المكملات الغذائية ولقاحات التطعيم والمضادات الحيوية، إنه وضع سيئ أن تعرف الأسر أن الأطفال قد يموتون لعدم وجود علبة دواء عادية، هذا أمر يعجز الإنسان عن تصديقه".
ويشرح المتخصص في طب الأطفال أن "المشكلة أسوأ مما يتخيل الناس، لأن الحليب العلاجي شبيه بالمضادات الحيوية أو الأدوية، فلكل طفل مريض نوع خاص من الحليب لا ينفع مطلقاً استبداله بصنف آخر".
ألم ومعاناة
في مدينة الدلنج جنوب الخرطوم، قالت شادية عبدالفضيل إنها خضعت لعملية قيصرية وعانت الأمرين بسبب نقص الغذاء بعد تفشي المجاعة في ولاية جنوب كردفان، مما انعكس على وضعها الصحي".
وأضافت شادية، "خضع طفلي للفحوص الطبية وتبين أنه يعاني التهابات شديدة في الرئة، ونتيجة الولادة المبكرة ومرضه صنف الرضيع من الأطفال الخدج، ووضع في حضانات طبية داخل المستشفى لتلقى الرعاية الصحية".
وأوضحت أن "20 طفلاً انقطع عنهم الأوكسجين فسارع الأطباء بنقلهم إلى أقسام أخرى في محاولة للحفاظ على حياتهم، وبات 10 منهم في حال حرجة، ونخشى عليهم من الموت في ظل الأوضاع الحالية".
في هذا الصدد، يقول الطبيب محمد صديق، إن "هناك نقصاً في عدد الحضانات المخصصة للأطفال الخدج بغالبية المستشفيات مقابل ارتفاع كبير في الحالات التي تستقبل، لا سيما بالمناطق التي تشهد نزاعاً مسلحاً، إذ يقتسم كثر منهم الحضانة الواحدة، الأمر الذي يهدد سلامة الأطفال بسبب انتقال العدوى ويؤدي إلى حالات وفيات بينهم".
ويضيف، "نضطر في كثير من الأحيان أن نضع خمسة أطفال خدج جنباً إلى جنب داخل حضانة واحدة، كل منهم مصاب بمرض مختلف، وفي ظل نقص شديد في الكوادر الطبية وفي الحليب، وهذه الإجراءات من الحالات الفريدة والمحزنة التي مرت علينا طوال سنوات عملنا في المجال الصحي".
ويوضح صديق أن "الأدوية الخاصة بالرئتين التي تساعد في تحسين التنفس عند الأطفال الخدج غير متوفرة، وكذلك كثير من المضادات الحيوية الضرورية للعلاج من حالات التجرثم في الدم، مما قد يعرض حياتهم للخطر وغالباً الوفاة".
الوقاية الطبية
تسببت الحرب في السودان بتوقف استيراد حفاضات الأطفال، ومع تطاول أمد الصراع المسلح نفدت معظم المنتجات الصحية، ولجأ كثير من المواطنين إلى منصات التواصل الاجتماعي من أجل البحث عن حفاضات، كما ابتكرت فتيات في بعض المدن طريقة لصناعة الحفاضات محلياً لمواجهة النقص الحاد وارتفاع أسعار الكميات القليلة المتوفرة في الأسواق.
ميادة الطاهر، وهي صاحبة مشغل خياطة صغير في مدينة الأبيض غرب الخرطوم، أشارت إلى أنها "أعادت تدوير بعض ملابس الوقاية الطبية مع إضافة القماش والقطن الطبي لمساعدة الأمهات في ظل نفاد الحفاضات الجاهزة".
ولفتت إلى أن "هناك إقبالاً كبيراً على الحفاضات المحلية التي أثبتت جودتها كبديل طارئ بأسعار مناسبة، لكنها لا تستطيع أن تلبي حاجات السكان كافة".