ملخص
على رغم أن التعديل بدا مفاجئاً خصوصاً أنه يأتي عشية الانتخابات الرئاسية، إلا أن رئاسة الجمهورية في تونس لم تذكر تفاصيله وأسبابه ما أثار سيلاً من التكهنات والتوقعات في شأن هذا التطور
بينما بدأ العد التنازلي لانطلاق الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل أماط الرئيس التونسي قيس سعيد اللثام عن تعديل وزاري واسع شمل 19 وزيراً بعد أيام من إقالة رئيس الوزراء أحمد الحشاني واستبدال كمال المدوري به.
ويأتي هذا التعديل الوزاري الذي شمل حقائب سيادية على غرار الخارجية والدفاع قبل أيام من انطلاق الحملات الدعائية التي من المفترض أن تبدأ في منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل.
ويسعى الرئيس قيس سعيد إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، وانحصر السباق في الانتخابات بينه ومرشحين آخرين هما الأمين العام لـ"حركة الشعب" زهير المغزاوي والأمين العام لحركة "عازمون" العياشي الزمال.
رسائل سياسية
وعلى رغم أن التعديل بدا مفاجئاً خصوصاً أنه يأتي عشية الانتخابات الرئاسية فإن رئاسة الجمهورية في تونس لم تذكر تفاصيله وأسبابه، وهو ما أثار سيلاً من التكهنات والتوقعات في شأن هذا التطور.
ويأتي التعديل الحكومي في وقت تشهد فيه تونس استياءً بسبب أزمات انقطاع الكهرباء والمياه في عديد من المناطق، ناهيك باستمرار فقدان عديد من المواد الأساسية وارتفاع الأسعار في الأسواق.
وقال الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي إن "التعديل الحكومي فرض عديداً من القراءات التي أملاها الزمن الانتخابي في الواقع، لأن توقيت التعديل مثير، وكل قراءة مرتبطة بالجهة التي تقدمها، لكن من الواضح أن الرئيس قيس سعيد أراد من خلال هذا التعديل توجيه رسائل سياسية بامتياز".
وأوضح القاسمي في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" أن "هذه الرسائل، إما موجهة إلى الداخل والمقصود به الموالاة التي كثرت شكواها في الفترة الماضية بسبب عديد من الأزمات أو إلى الناخب التونسي الذي بدأ يتحسس عديد من الأزمات هو الآخر منها الاقتصادية أو تدهور القدرة الشرائية وقلة عديد من المواد الأساسية". وشدد على أن "التعديل قد يكون مرتبطاً أيضاً بالفترة الانتخابية لأن الرئيس قيس سعيد عليه أن يقدم بعض العناوين الكبرى خلال حملته الرئاسية التي سيستند عليها، وأن يحدد نقاطاً أنجزها ونقاطاً أخرى سيعمل عليها في حال إعادة انتخابه".
واستنتج القاسمي أن "التعديل الوزاري هو صلاحية حصرية للرئيس قيس سعيد عملاً بنص الدستور للعام 2022، هذا التعديل حمل دلالات برسائل سياسية واضحة بالنظر إلى توقيته".
وقيس سعيد أستاذ قانون دستوري متقاعد نجح في الوصول إلى دفة الحكم في عام 2019 على رغم أنه لا يملك ماكينة حزبية خلفه، مما أثار زلزالاً سياسياً في تونس، لكن الحدث السياسي الأهم هو ذلك الذي شهدته البلاد في الـ25 من يوليو (تموز) 2021 عندما أطاح الرجل النخبة التي حكمت منذ 2011 بتفعيله المادة 80 من الدستور السابق وحل البرلمان والحكومة المنتخبين في خطوة اعتبرتها المعارضة نوعاً من "الانقلاب"، لكنه قال إنها "خطوة لتصحيح مسار انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"تعديل أكثر من ضروري"
وقبل نحو أسبوعين أقال الرئيس قيس سعيد رئيس الوزراء أحمد الحشاني بعد ساعات من ظهوره في مقاطع فيديو يقدم فيها حصيلة عمل فريقه الحكومي وعين خلفاً له رئيس الوزراء الحالي كمال المدوري.
واعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن "التعديل كان أكثر من ضروري، لكنه تأخر قليلاً، وما يمكن تأكيده هو أن الإداريين دائماً ما تكون رؤيتهم محدودة وينتظرون الأوامر، لكن ينبغي عليهم أن يتحرروا من الانتظار ويبادروا في سياق السياسات العمومية لتونس".
وتابع الخرايفي، "في الحقيقة هناك ملاحظة بخصوص الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية أمس، وأنا لاحظت في فقرة أن هناك نضجاً نوعياً من حيث التواصل، ومن حيث إنه للمرة الأولى يتم تعليل التعديل الوزاري، إضافة إلى ذلك هناك توسع، وقد أجاب رئيس الجمهورية عن أسئلة مفترضة، وهي أجوبة استباقية لأسئلة ستطرح لمدة أسبوع وأكثر حول التعديل".
ورأى أنه "بالنسبة إلى توقيت التعديل في علاقة بالانتخابات الرئاسية القادمة في الحقيقة هنا ينبغي التمييز بين مسارين: المسار الانتخابي والمسار الحكومي أو مسار الدولة مثلما سماه رئيس الجمهورية لأنهما مساران منفصلان، بالتالي لا علاقة للتحوير بالانتخابات الرئاسية". ولفت إلى أن "هناك رأيين، الرأي الأول يقر بالجمع بين المسارين، والرأي الثاني يقر بانفصالها، وفي الحقيقة فإن الرأي الذي يجمع بين المسارين يهدف إلى اعتبار أن هذه الحكومة ستكون لخدمة الحملة الانتخابية وأنا لا أعتقد ذلك ولا أذهب في هذا الرأي، وإنما هناك فصل تام بين الدولة والمسار الانتخابي، ولا أعتقد أن الوزراء الجدد سيكونون أعضاءً في الحملة الانتخابية، والحقيقة أن رئيس الجمهورية وقف على تعطل حقيقي وفعلي لعديد من الوزارات التي غير وزراءها".
المشكلة ليست في الوزراء
أخيراً، لم يتردد الرئيس قيس سعيد في توجيه انتقادات حادة إلى مسؤولين في خضم أزمات متفاقمة تشهدها البلاد، وفي مقطع فيديو نشرته الرئاسة على هامش أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية قال سعيد إن "التعديل من أجل الأمن القومي قبل أي اعتبار".
واتهم الرئيس قيس سعيد ما سماها "المنظومة" بالتحرك "من وراء الستار واحتواء عدد من الوزراء السابقين والنجاح في هذا الأمر وتحول الوضع إلى صراع بين نظام دستوري جديد ومنظومة سابقة".
وقال الباحث السياسي التونسي سامي بن غازي إن "المشكلة ليست في الوزراء وتغييرهم، بل في الخيارات التي يتم الاستقرار عليها، والوزراء الجدد لا يعرف الشارع الإنجازات التي حققوها حتى يتم تعيينهم في مناصب كهذه".
وأردف ابن غازي في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" أن "هناك غموضاً يحيط بأسباب التعديل وما إذا كانت هناك مشكلة في التصورات والتخطيط والتنفيذ من قبل الوزراء السابقين، مما جعل الرئيس يقوم بتغييرهم، والغريب هو زمن التغيير مع اقتراب الانتخابات الرئاسية". وأفاد بأن "الرئيس يبدو أنه يرى أن الانتخابات محطة عادية جداً، بينما هي محطة مهمة، وقد تقود إلى تغيير في رأس السلطة التنفيذية، لذلك يمكن القول إن هذا التعديل إما متأخر جداً، وإما مستعجل".