ملخص
يمتلك السودان ستة خزانات وسدود على نهر النيل، والنيلين الأزرق والأبيض وعطبرة شيدت لأغراض الري وتخزين المياه التوليد الكهربائي.
فما مناعة هذه السدود؟
أثارت كارثة انهيار سد "خور أربعات" المورد الرئيس لمياه الشرب لمدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر والعاصمة الإدارية الموقتة للسودان حالة من المخاوف الجدية على مصير عديد من السدود والخزانات السودانية في ظل موجة الأمطار والسيول العنيفة وغير المسبوقة التي تضرب البلاد، وانقطاع الصيانة الدورية عنها بسبب تداعيات الحرب المندلعة فيها بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي.
فما حقيقة التهديدات والمخاوف والأخطار التي تتعرض لها الخزانات والسدود السودانية، بخاصة تلك التي تقع في مناطق عمليات حربية نشطة أو تحت سيطرة قوات "الدعم السريع"، وعلى ضوء توقع مزيد من الأمطار والفيضانات؟
كارثة "أربعات"
وتسبب انهيار سد "أربعات" في وقت مبكر أمس الإثنين في فيضانات وسيول مدمرة جرفت في طريقها أكثر من 25 من القرى في محيط السد، وأودت بحياة العشرات في وقت تواجه فيه السلطات المحلية بالولاية صعوبات كبيرة في الوصول إلى عديد من العالقين والمفقودين ممن لجأوا إلى سفوح الجبال المجاورة الخطرة.
ويعد "خور أربعات" المصدر الرئيس لمياه الشرب لمدينة بورتسودان، منذ إنشائها في بداية القرن الماضي، واكتمل تشييد السد عام 2003 بسعة بلغت بعد عمليات توسيع عدة نحو 25 مليون متر مكعب، قبل أن تنخفض إلى نحو ما بين 10 ملايين و15 مليون متر مكعب، بسبب مشكلات التشغيل والطمي المتراكم ببوابات السد.
فيضانات طوكر
وفي ولاية البحر الأحمر نفسها تسببت الأمطار الغزيرة في فيضان "خور بركة" الموسمي وغمرت مياهه مئات المنازل بمحلية طوكر جنوب مدينة بورتسودان، وتسببت السيول والأمطار في انهيار جزئي لعدد من الجسور وعزل مناطق جنوب طوكر عن بقية ولاية البحر الأحمر.
ووقف الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش، مساء اليوم نفسه، على حجم الأضرار والخسائر التي تعرض لها المواطنون في "خور أربعات" وطوكر المنكوبة، مؤكداً وقوف الدولة مع المتضررين وتقديم كل ما من شأنه تخفيف وطأة الكارثة عليهم.
وشارك البرهان في مراسم تشييع الضحايا، واطلع على حجم الأضرار التي تعرضت لها المناطق المتأثرة، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالطرق والجسور والكباري في المنطقة.
تحذيرات متتابعة
وأطلقت إدارة الخزانات بوزارة الري والموارد المائية تحذيراً من ارتفاع متوقع في مناسيب الأنهار بجميع الأحباس على النيلين الأزرق والأبيض إلى جانب النيل الرئيس ونهر عطبرة، مطالبة المواطنين بأخذ الحيطة والحذر للحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم.
وعلى نحو مماثل، توقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية توالي هطول الأمطار الغزيرة المصحوبة بالرياح والعواصف في عدد من ولايات البلاد.
من جانبه حذر تجمع البيئيين السودانيين من خطورة الآثار البيئية المتوقعة من انهيار سد "أربعات" ما يتطلب نداء عاجلاً للمنظمات الدولية للمساعدة في إعادة تشييد السد بأسرع ما يمكن وتلافي الأخطاء الفنية التي صاحبت إنشاء تشغيل بوابات السد.
انهيارات متوقعة
في السياق توقع وكيل الري والموارد المائية السابق أحمد آدم أن تتعرض حفائر وسدود عديدة أخرى في ولايات دارفور وكردفان لأضرار مشابهة نتيجة توقف عمليات الصيانة الدورية السنوية عنها لمدة عامين متتاليين بسبب الحرب. وأوضح آدم أن صدمات التغيير المناخي في دول عدة شملت كذلك السودان، إذ كان موسم الأمطار هذا العام غير مسبوق بمناطق لم تتعود عليها من قبل، بخاصة في مناطق أبو حمد وتنقاسي وحلفا أقصى شمال السودان، وكذلك ولاية البحر الأحمر شرق البلاد التي كانت أمطارها شتوية، ولم تكن تعرف الأمطار الصيفية، فضلاً عن العواصف المصاحبة لها كما حدث خلال هذا الأسبوع وأدى إلى انهيار جزئي لسد "أربعات" الذي يعد ماعون التخزين الأساس لمياه شرب مدينة بورتسودان.
غياب الإشراف
وفي ما يخص الخزانات والسدود الرئيسة بالبلاد أوضح آدم أن كل الخزانات في السودان ما زالت تحت إشراف إدارة وزارة الري ما عدا خزان "جبل أولياء"، وقد أسهم الملء الخامس لـ"سد النهضة" في تقليل وارد المياه من الهضبة الإثيوبية لـ"سد مروي" عبر النيل الأزرق الذي يعد المصدر الرئيس أثناء فترة الفيضان.
وشرح وكيل الري السابق "نلاحظ أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة كانت هناك معدلات أمطار عالية في الهضبة الاستوائية كما هي الحال في إثيوبيا هذا العام، وأدت تلك المعدلات العالية إلى تصريفات تعادل ضعف الوارد السنوي من النيل الأبيض"، وهذا الواقع بحسب الوكيل السابق، "يجعل هناك خطورة فعلية على خزان جبل أولياء على النيل الأبيض، لأنه حتى الآن ليس هناك إشراف من الوزارة على عملية تشغيله وما زال الوضع غير واضح بالنسبة لدرجة الخطورة"، معرباً عن أمله أن يمر هذا العام بسلام كما حدث في العام الماضي.
وفي مقارنة بين إيرادات النيلين الأزرق والأبيض هذا العام قال آدم "غالباً ما يكون إيراد النيل الأبيض خلال فترة الفيضان في حدود 100 إلى 150 مليون متر مكعب، بينما يتفاوت إيراد النيل الأزرق بين 500 إلى 700 مليون متر مكعب في اليوم الواحد خلال الفترة نفسها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معضلة جبل أولياء
من جانبه نفى مدير مياه النيل بوزارة الري والموارد المائية السودانية عبدالرحمن صغيرون أن تكون هناك مخاوف أو خطورة من فيضان النيل الأزرق والخزانات الموجودة عليه "الروصيرص" و"سنار"، إذ لا يزيد حتى الآن على ما بين 10 و15 في المئة من متوسط إيراده المعتاد مقارنة مع مثل هذا الوقت من العام الماضي، نتيجة لإسهام الملء الخامس لـ"سد النهضة" في تقليل واردات المياه من الهضبة الإثيوبية.
أما بالنسبة إلى النيل الأبيض، بحسب صغيرون، فعلى رغم أن إيراده في ازدياد مستمر، لكن الخطورة الحقيقية تكمن في عدم وجود مشغلين بخزان جبل الأولياء وتعامل "الدعم السريع" مع الخزان كجسر وليس كخزان يحتاج إلى موازنات وعمليات تشغيل تواكب متغيرات وارد المياه.
وحذر مدير مياه النيل بوزارة الري والموارد المائية من أن الخطورة الأكبر هذا العام ستكون على السدود والخزانات بالولايات نتيجة الأمطار الداخلية وفيضانات الأودية أكثر من أخطار الفيضانات النيلية.
أخطار مقبلة
وفي شأن معضلة توقف تشغيل خزان "جبل أولياء" وما قد يترتب على عدم حلها من أخطار، أوضح صغيرون أنه منذ أن تم إجبار مهندسي وعمال الخزان على مغادرته في مطلع الأسبوع الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، ظلت فتحة أبواب تصريف المياه بالخزان ثابتة منذ ذلك التاريخ من دون أي تغيير، مما يعني توقف عمل موازنات ملء وتفريغ الخزان، مشيراً إلى أن هذا الوضع تزامن مع إيراد غير مسبوق للنيل الأبيض لم يشهده منذ 2021 بزيادة نحو 60 في المئة عن المتوسط المعهود. وشرح مدير مياه النيل أن تزامن غياب عمليات التشغيل وفتحة التصريف الثابتة مع زيادة الإيرادات سيؤثران في السكان والمناطق أمام السد على امتداد مناطق "جبل أولياء" والجبلين، أما في حال زيادة إيرادات المياه بدرجة تفوق قدرة الفتحات الحالية على تمريرها فقد تؤثر المياه على سلامة الخزان نفسه. وتابع "غياب عمليات التشغيل يؤثر أيضاً في الزراعة أمام الخزان نتيجة عدم توفير المناسيب المناسبة، علاوة على أن ما خلف الخزان سيتأثر بتغير كميات المياه ومناسيبها عن المعتاد في مثل هذا الوقت".
وبخصوص مدى تأثير الوضع في خزان "جبل أولياء" على "سد مروي" شمال السودان، قال صغيرون "لحسن الحظ، فإن الملء الخامس لسد النهضة أدى إلى تقليل المياه الواردة من النيل الأزرق الذي يعد المصدر الرئيس للمياه أثناء فترة الفيضان".
قلق ومخاوف
من جانبه أوضح المتخصص في مجال الري مصطفى حسين أن انهيار "سد أربعات" يثير القلق، ومن المؤسف أن بعض السدود لا يقع أمر تشغيلها لوزارة الري والموارد المائية الأم، لكنها تتبع للولايات، ووقع كثير من الحوادث المماثلة في ولايات مختلفة بسبب عدم المتابعة وإجراء الصيانة الدورية الضرورية لتفادي مثل هذه الأضرار، وأشار حسين إلى أن بعض البنى التحتية في الولايات يجب أن توفر لها الكوادر المؤهلة والتمويل الكافي للقيام بإدارتها وتشغيلها على الوجه الأكمل، "مما يتطلب الفصل في التشريعات الخاصة بالمنشآت الحيوية ليكون بعضها تابعاً للأقاليم وتحديد البعض الآخر التابع للمركز".
الرصد والتحوطات
وأشار المتخصص في الري والمياه إلى الأهمية القصوى لإجراءات الرصد والقياس والتنبؤ بوارد المياه من المصادر العليا، إلى جانب عمليات التفتيش الدورية المستمرة من خلال تركيب أجهزة الإنذار المبكر بما يمكن من وضع الاحتياطات اللازمة للتعامل مع مثل تلك الأخطار. وأوضح حسين أن الخزانات والسدود الكبيرة التابعة لوزارة الري والموارد المائية ما زالت تعمل بكفاءة عالية وتحت المراقبة والإشراف والمتابعة، ويتم إجراء اللازم في حال الفيضانات وفق توقعات الوارد من المياه.
ويشهد السودان منذ بداية فصل الخريف الحالي سيولاً وأمطاراً بلغت معدلاتها نحو 200 ملليمتر في بعض مناطق شرق وشمال البلاد، أدت إلى فيضانات وسيول عارمة ضربت ولايات البحر الأحمر نهر النيل الشمالية والجزيرة وسنار القضارف والنيل الأبيض وعدداً من ولايات دارفور، كما اجتاح "نهر القاش" عديداً من القرى بولاية كسلا.
وأودت الأمطار والسيول التي ضربت 16 ولاية بحياة العشرات معظمهم بالولاية الشمالية وإصابة المئات، وتضرر مئات آلاف الأشخاص.
خزانات وسدود
ويمتلك السودان ستة خزانات وسدود على نهر النيل، والنيلين الأزرق والأبيض وعطبرة شيدت لأغراض الري وتخزين المياه التوليد الكهربائي. ويعد خزان "سنار" الكهرومائي على النيل الأزرق أقدم سد في السودان 1930، وخزان "جبل الأولياء" الحجري على النيل الأبيض 1937 بطاقة تخزينية نحو 3.5 مليار متر مكعب، و"سد خشم القربة" الخرساني على نهر عطبرة 1964 بسعة تخزينية نحو 1.3 مليار متر مكعب، إلى جانب مجمع السدين الترابيين في أعالي نهري عطبرة وستيت الموسميين.
ويعد "سد مروي" الأحدث على نهر النيل بشمال السودان، وهو سد كهرومائي خرساني اكتمل بناؤه في 2009 وينتج نحو 1250 ميغاواط من الكهرباء، إضافة إلى عشرات السدود الصغيرة لاستيعاب وتخزين مياه السيول والفيضانات موزعة على مختلف ولايات البلاد.