Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدمة "أربعات" السودانية تذكر بمأساة درنة الليبية

كشف انهيار السد عن واقع مأسوي شرق البلاد حيث عشرات الجثث التي جرفتها السيول واختفاء أسر فرت إلى الجبال

ملخص

ما بين لهيب المعارك وهجمة الأمطار والسيول والفيضانات تتضاعف معاناة السودانيين سواء في مناطق القتال الساخنة أم بالولايات الآمنة التي ضربتها الكوارث الطبيعية، في ظل أزمة إنسانية متصاعدة ومجاعة ماثلة تهدد حياة ملايين من الناس.

مع انقشاع ساعات الصدمة، وفي اليوم التالي لكارثة انهيار سد "خور أربعات"، بدأ يتكشف حجم المأساة والفاجعة الكبيرة التي تعرضت لها المناطق والقرى في محيط السد الواقع على مسافة 40 كيلو متراً شمال مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية الموقتة، وحاضرة ولاية البحر الأحمر شرق السودان، التي حولها انهيار السد الفجائي إلى ركام طيني وجرفها داخل البحر، كما خلفت السيول التي دهمت منطقة طوكر دماراً هائلاً في الممتلكات والمباني بالمنقطة.

مشاهد كارثية

مشاهد كارثية يرويها شهود عيان ومتطوعون وناشطون، تكشف عن محو قرى بكاملها من الأرض وتحولها إلى ركام من الطين والطمي، وكيف عاش الناس لحظات مفاجأة السيول العارمة لهم أعقاب انهيار السد.

 يصف شهود عيان، تلك اللحظات بأنها كانت كابوساً مرعباً نتيجة مباغتة المياه للقرى بشكل غير متوقع، مما اضطر مئات من المواطنين إلى صعود قمم الجبال لتكمل المياه حصارها لهم هناك، إذ ما زال كثير من العالقين والمفقودين، بجانب تلاشي عشرات القرى بشكل كامل واختفائها بين عشية وضحاها نتيجة عنف التيار وكثافة المياه المحملة بالطمي لم تتمكن معها منازل القرويين في منطقة اتسمت بالبساطة والفقر من الصمود طويلاً.

وتسببت السيول والأمطار في تضرر أكثر من 25 قرية بشكل كامل من قرى منطقة أربعات الغربية، بجانب أضرار كبيرة في محلية طوكر التي تسببت مياه  فيضان خور "بركة" الموسمي في انهيار كامل لبعض المباني والمرافق الخدمية فيها.

جثث على الطرقات

يصف الناشط المجتمعي وشاهد العيان هاشم أدروب المشاهد المرعبة لعشرات الجثث العابرة التي جرفتها السيول وسط عجز وذهول وصدمة الناس وتعالي صرخات الأطفال والنساء، في كارثة ومأساة لم يسبق لها أن شهدت المنطقة مثيلاً لها منذ عشرات السنين الماضية.

أوضح أدروب بأن الوضع في محيط قرى خور أربعات وطوكر والأوليب في حاجة إلى نفرة دولية وحالة الطوارئ على المستوى القومي وتوفير فرق متخصصة للإنقاذ والإجلاء فرق الإجلاء من خارج البلاد، وتوفير المخيمات للنازحين بسبب السيول.

يضيف أن الكارثة الإنسانية كانت ولا تزال تستدعي إعلان حالة الطوارئ وفقاً للناشطين في المجال الإنساني، لكن الحكومة لا تزال تتعامل مع الأزمة من خلال ردود الأفعال بحسب روايات المواطنين في القرى المنكوبة.

الهرب إلى العراء

يتابع هربت آلاف الأسر المتضررة مع بدء انهيار المنازل إلى العراء، لأن مستوى المياه في عدد من القرى المنكوبة كان مرتفعاً جداً عن الأرض بنحو أربعة أو خمسة أمتار مع تيار قوى جرف معه الأثاث والممتلكات وحتى الحيوانات والبشر، بجانب تدميرها الجسور الصغيرة بالكامل وجرفها بعيداً.

تقول المواطنة درية الحسن، من منطقة طوكر، إنه في لحظات وصول السيول الأولى إلى المنطقة علت الصرخات وأصوات الاستغاثات من الكبار والصغار طلباً للمساعدة والإنقاذ من شدة فوران المياه المتدفقة.

تتابع موسى أنه في لحظات قليلة انهار عدد كبير من المنازل الطينية، لقد كان أكثر شيء مرعب صادفته في حياتي، فالمنطقة لم تكن تعرف مثل هذه الأمطار والسيول.

 

اختفاء أسر

ويقول شاهد العيان حسن محمد عثمان إنه كان من الذين حالفهم الحظ بالنجاة على يد مجموعة من المتطوعين اللذين شكلوا جداراً لالتقاط المحاصرين بالمياه ممن جرفهم تيار السيول لحظة انهيار السد، "لكنني افتقدت اثنين من رفاقي بعد أن جرفتهم المياه بعيداً وأظنهم لاذوا بسفوح الجبال المحيطة، وأخشى عليهم من العقارب والثعابين المنتشرة بكثافة هناك".

يتابع عثمان "رأيت فرقاً من الهلال الأحمر تبحث عن أسر كاملة اختفت ولا يعرف مكانها منذ يومين، بعد اجتياح السيول للمنطقة أتمنى أن يكونوا بخير وأخشى أن يكون مصيرهم الغرق".

يصف عثمان الوضع بأنه كان انهياراً كاملاً للمنطقة، وأن تيار المياه العنيف جرف البشر والمنازل والحيوانات، وأن غرق بعض المواطنين أمام أعين عائلاتهم اضطر كثيرون إلى الصعود للجبال لتفادي الغرق أو جرف المياه المحملة بكميات كبيرة من الطمي، مبيناً أنه رأى متطوعين اضطروا إلى استخدام القوارب لتوصيل المساعدات إلى المتضررين، لكن لا يزال هناك عدد من الأشخاص العالقين في الجبال ويحتاجون إلى مروحيات لإنقاذهم.

مخاطرة إنسانية

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لشخص يسبح وسط مياه السيول في مخاطرة كبيرة زعم أنه مدير مستشفى طوكر، الذي لم يجد بداً من العبور سباحة وسط وحل ومياه السيول بغرض الوصول إلى المستشفى لتفقد أوضاع المرضى هناك بعد انهيار السد والسيول التي تسبب فيها.

وكشف الناشط إمام الدين هاشم بامكار عن ارتفاع عدد الضحايا جراء انهيار سد أربعات إلى نحو 100 شخص، مناشداً المنظمات الوطنية والعالمية للانضمام إلى جهود جمعية الهلال الأحمر التي تعمل وسط المتضررين ويقدم منسوبوها الوجبات ومياه الشرب لعدد من المتضررين.

وشكا بامكار عدم التزام السلطات باستقدام طائرة مروحية "هيلوكوبتر" لإجلاء الذين ما زالوا عالقين في الجبال، كما لم تصل إلى المنطقة المنكوبة أية آليات سوى واحدة لكنها تفتقر إلى الوقود اللازم، منتقداً ما وصفه بالموقف السلبي إلى سلطات المركزية والولائية، وغياب أجهزة الإنقاذ الرسمية المتخصصة عن واقع المعاناة التي يعيشها سكان المناطق المنكوبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عالقون ومفقودون

من جانبه أوضح سفير النوايا الحسنة لدى الهلال الأحمر سيدي دوشكا أن البحث عن المفقودين ما زال مستمراً نظراً إلى عددهم الكبير، فيما تتابع بعض المنظمات وعلى رأسها الهلال الأحمر السوداني جهودها الإنسانية تجاه المتضررين، بتوزيع الخيام والمواد الغذائية لبعض الناس، مشيراً إلى لجوء المتطوعين إلى توصيل الإغاثة عبر آلية حفر "بوكلن" بسبب صعوبة الطريق، مشيراً إلى أنه ما زالت هناك بعض المناطق يصعب الوصول إليها في الوقت الراهن.

ناشد دوشكا المنظمات الخيرية السودانية بالوقوف مع المنكوبين في المناطق المتضررة بأربعات وطوكر والشمالية، وكل مناطق السودان.

وتسبب انهيار سد مياه أربعات في ولاية البحر الأحمر، جراء السيول والأمطار المتواصلة طوال الأيام الماضية، في كارثة إنسانية جديدة في السودان، إذ بلغت الوفيات عشرات، وحتى الآن يصعب الحصول على العدد الكلي للضحايا لتعذر دخول فرق الإنقاذ إلى المنطقة، إذ مسحت المياه المحملة بالطمي عدداً من القرى عن وجه الأرض، ولجأ المواطنون إلى الجبال للنجاة بأرواحهم. وقال شهود عيان إن عشرات الجثث جرفتها المياه بعضها ملقى على برك المياه وقارعة الطريق، في وقت سجلت فيه حالات لمفقودين معظمهن من النساء.

"درنة" السودان

بدورها شبهت الصحافية المتخصصة في شؤون شرق السودان عازة أيرا ما حدث في مناطق القنب والتوليب في محيط السد المنهار بما حدث في درنة الليبية، حيث اجتاحت المياه القرى والمناطق المجاورة وجرفتها داخل مياه البحر الأحمر.

وأشارت ايرا، في منشور على حسابها في "فيسبوك"، إلى عدم  توفر إحصاءات دقيقة بالمتوفين والمفقودين وأن عددهم غير واضح حتى الآن، بخلاف عمليات التبليغ الفردي من أهالي القرى المنكوبة وشهود عيان من الناجين.

وصف المنشور الاستجابة الرسمية بأنها لم تكن بحجم الكارثة، معتبرة أن ما حدث كان أكبر من قدرة حكومة الولاية، لافتة الوقت نفسه إلى أنه من المهم إعلان "أربعات" منطقة كوارث طبيعية لإنقاذ وإجلاء الناجين والعالقين أعلى الجبال إلى مراكز آمنة وتوفير مستلزمات الإيواء والغذاء لهم.

تفاعل سياسي

سياسياً طالب حزب الأمة القومي، مؤسسات الدولة بسرعة العمل على البحث عن المفقودين جراء السيول وإغاثة المتضررين جراء السيول في البحر الأحمر.

وناشد بيان للحزب المنظمات الدولية والوطنية التعجيل بتقديم الأولوية لإنقاذ المتضررين، داعياً منسوبيه والمواطنين كافة بالتكاتف والعمل على تخفيف معاناة المتأثرين.

 

وقالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" أنها تتابع بقلق كبير الآثار الكارثية للسيول والفيضانات في أنحاء واسعة من السودان خصوصاً بالولايات الشمالية ونهر النيل والجنينة بجانب ما حدث في شرق السودان، بعد انهيار جزء كبير من سد أربعات، مما أدى إلى أضرار بالغة في الأرواح والممتلكات.

ودعا بكري الجاك، المتحدث باسم التنسيقية، المنظمات الدولية والمحلية إلى المسارعة في إغاثة المناطق المتضررة، مع استصحاب خطورة الوضع بعد إعلان الجهات الصحية عن انتشار وباء الكوليرا، مما يزيد مخاوف تفاقم الأوضاع الكارثية بشكل أكبر بسبب تزامن كارثة السيول مع انتشار وباء الكوليرا.

وطالبت "تقدم" السلطات بتمليك المعلومات الكاملة حول أسباب هذه الكارثة الإنسانية خصوصاً ما حدث في سد أربعات، والإفصاح ما إذا كان هذا الأمر نتيجة لعوامل طبيعية أو بشرية وتحديد أوجه القصور والمسؤوليات سواء أكانت ذات طابع إداري أم جنائي واتخاذ الخطوات اللازمة.

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان زار محلية طوكر أول من أمس الإثنين، ووجه بتكوين لجنة من الأهالي لرفع المطالب مباشرة إلى مكتبه.

الشمالية مجدداً

في خضم سلسلة الكوارث الطبيعية المتلاحقة على السودانيين هذا العام، اجتاحت الأمطار والسيول مجدداً أمس الثلاثاء مدناً وقرى بالولاية الشمالية في السودان، مما أدى إلى انهيار مئات الأبنية وغرق مساحات زراعية واسعة وقطع طرق وجسور عدة، وأعلنت السلطات هناك تعطيل الدراسة بالولاية الشمالية بمراحلها كافة إلى حين إشعار آخر.

وما بين لهيب المعارك وهجمة الأمطار والسيول والفيضانات تتضاعف معاناة السودانيين سواء في مناطق القتال الساخنة أم بالولايات الآمنة التي ضربتها الكوارث الطبيعية، في ظل أزمة إنسانية متصاعدة ومجاعة ماثلة تهدد حياة ملايين من الناس، ومع استمرار الأمطار الغزيرة والسيول توقعت وحدة الإنذار المبكر بالهيئة العامة للإرصاد الجوية أمس الثلاثاء هطول مزيد من الأمطار الغزيرة المصحوبة بالعواصف الرعدية والرياح العنيفة.

وبلغ عدد ضحايا السيول والفيضانات التي تشهدها البلاد منذ أسابيع نحو 132 شخصاً، فيما بلغ عدد المنازل المتضررة جراء السيول والفيضانات 23892 منزلاً، منها 12420 منزلاً تهدمت كلياً، و11472 بشكل جزئي، وذلك في 16 ولاية من ولايات البلاد الـ18، وفق تقارير رسمية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات