Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خريف النمو يخيم على اقتصاد الصين

تأثير الجائحة وأزمة العقارات والحرب التجارية عوامل تدفع بكين نحو عقد ضائع

حققت بكين نمواً 4.7 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2024 (اندبندنت عربية)

ملخص

التحولات الاستهلاكية صدمت كثيراً من العلامات التجارية التي كانت تراهن على الصين، فعلامات تجارية مثل "بوربري" و"غوتشي" و"إستي لودر"، أبرز الأسماء الفاخرة التي تأثرت أرباحها بسبب تراجع الطلب الصيني

يعتقد المدير العام لشركة "وينغ سانغ إليكتريكال" المصنعة لمجففات ومكواة الشعر هيربرت لون بأن الإغلاق جعل المستهلكين الصينيين أكثر حرصاً.

وأوضح أن "العادات تغيرت منذ أن أجبرت سياسة الصين الصفرية تجاه ’كوفيد‘ الملايين على البقاء في المنزل"، قائلاً "أرى سلوك المستهلكين يتغير، بما في ذلك تقليص الإنفاق على السلع الفاخرة غير الضرورية".

وتتخذ شركة "وينغ سانغ إليكتريكال" من شنتشن، المركز التكنولوجي المتقدم في الصين الذي يربط هونغ كونغ بالبر الرئيس، مقراً لها.

وقال لون إن "الحياة هنا عادت لطبيعتها منذ الوباء، على رغم أن المتسوقين يتجهون بصورة متزايدة بعيداً من السلع الغربية"، مشيراً إلى أنه "في الماضي، كانت العلامات التجارية الفاخرة، خصوصاً الأجنبية منها، تحقق نجاحاً في الصين"، مستدركاً أنه "منذ الوباء أرى تحولاً نحو العلامات التجارية المحلية التي تقدم قيمة أفضل مقابل المال".

وتابع لون أنه "في مجال عملي، كنا نرى في السابق رغبة كبيرة في علامات تجارية مثل المكنسات الكهربائية ومجففات الشعر من ’دايسون‘، والآن تقدم العلامات التجارية المحلية أسعاراً لا تذكر مقارنة بنظيرتها الأجنبية، والأمر نفسه ينطبق على مستحضرات التجميل".

التحولات صدمت العلامات التجارية العالمية

التحولات الاستهلاكية صدمت كثيراً من العلامات التجارية التي كانت تراهن على الصين، فعلامات تجارية مثل "بوربري" و"غوتشي" و"إستي لودر"، أبرز الأسماء الفاخرة التي تأثرت أرباحها بسبب تراجع الطلب الصيني.

لكن الابتعاد من العلامات التجارية الغربية لا يمثل سوى قمة جبل الجليد في التغيرات التي تحدث في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فالنمو يتباطأ والمال أصبح شحيحاً والتوترات التجارية تتصاعد.

وحققت بكين نمواً 4.7 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2024، وهو أقل من نسبة 5.1 في المئة التي توقعها الاقتصاديون، إذ سحب المستثمرون الأجانب رقماً قياسياً قدره 12 مليار جنيه استرليني (15.8 مليار دولار) من البلاد خلال الفترة نفسها، في ضربة للرئيس الصيني شي جينبينغ.

الاندفاع المفرط لمصنع العالم

في حين يخشى بعضهم أن تكون الصين مصنع العالم اليوم، في حال من الاندفاع المفرط، إذ تجبر الأرباح المتناقصة المنتجين على زيادة الإنتاج فحسب للحصول على ما يكفي من الأموال لسداد ديونهم.

وتعتقد الزميلة العليا في مجلس العلاقات الخارجية زونغيوان زوي ليو بأن "الصين معرضة لخطر الوقوع في حلقة مفرغة من انخفاض الأسعار وإغلاق المصانع وفقدان الوظائف، مما سيجعلها تواجه عقداً ضائعاً على غرار اليابان".

وتسجل ليو بيانات الحكومة التي تظهر أن ثلث الشركات المصنعة للسيارات في الصين كانت غير مربحة في مايو (أيار) الماضي، وتراجعت أسعار السيارات بسرعة، فالسيارة الكهربائية المتوسطة التي ينتجها العملاق الصيني "بي واي دي" الآن تكلف أقل بنسبة 20 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

وتراجعت الأسعار عبر الاقتصاد في نهاية 2023 وبدأت بالارتفاع مجدداً منذ فترة قريبة، إذ صعدت 0.5 في المئة في يوليو (تموز) 2024 مقارنة بالعام الماضي.

ويصف معظم الاقتصاديين تدني الأسعار الموقت بأنه بمثابة خفض فاعل للضرائب، ومع ذلك تشير ليو إلى أن الهبوط تزامن مع ضعف في الدخل، إذ قالت "نمو دخل الأسر استقر بصورة أساسية"، مضيفة أنه "إذا قمنا بدمج ذلك مع انهيار سوق العقارات، وحقيقة أن ثروة معظم الناس مرتبطة بمنازلهم، فمن الواضح أن ذلك لم يكُن مفيداً لتحفيز الاستهلاك".

من جانبها، قالت تينا وو الطالبة في مرحلة الدكتوراه البالغة من العمر 27 سنة التي تعيش في بكين، لصحيفة "ذا تلغراف" إن "سوق العمل بعد الجائحة صعبة، إذ يصعب جداً على الشباب العثور على وظائف ذات رواتب جيدة بسبب تأثير الجائحة، بعد أن خفضت شركات عدة الأجور".

ولا تزال وو التي كانت تعمل مصممة في شركة حكومية للعمارة قبل أن تعود إلى الجامعة، متفائلة في شأن المستقبل، مؤكدة أنه "في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام، ستتعافى سوق العمل وتزدهر مرة أخرى".

تراجع ثقة المستهلكين

من جانبه، قال المدير العام في مجموعة أبحاث السوق الصينية بن كافندر للصحيفة ذاتها إنه "من الواضح أن المستهلكين الصينيين بدأوا بتقليص إنفاقهم"، مضيفاً أن "ثقة المستهلكين منخفضة حالياً"، وأشار إلى

أن "هناك كثيراً من الاستياء لأن الحكومة لم تقُم بواجبها لتحسين آفاق العمل أو الرواتب، والناس ما زالوا قلقين جداً في شأن تراجع الوظائف المستقبلية وغياب الانتعاش في سوق الإسكان".

وأردف أن "هذا صحيح، خصوصاً بالنسبة إلى المستهلكين الأصغر سناً، لذا أعتقد بأن الشعور في شنغهاي هو أن الاقتصاد بطيء، وأعرف قلة من أصحاب الأعمال الذين يشعرون بالسعادة في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن كثيرين يحافظون على خياراتهم مفتوحة وقال "الأثرياء الصينيون الذين أعرفهم ما زالوا متمسكين بفكرة إرسال أطفالهم إلى الخارج للتعليم والحصول على بطاقات الإقامة كنوع من التحوط".

وتابع "أشعر بأنه ستمر بضعة أعوام قبل أن تتحسن الأمور بصورة حقيقية"، موضحاً أن "العلامات التجارية الصينية استفادت من الجائحة لتحسين استراتيجياتها في تحديد العلامة التجارية والتسويق، ويمكن أن تكون الآن تنافسية أو أكثر تنافسية من العلامات التجارية الأجنبية في كثير من الفئات".

ومع ذلك، فإن هذا التحول يخفي أيضاً نوعاً جديداً من التوفير، إذ كافحت مبيعات التجزئة لتحقيق نمو، وهي الآن قريبة من أدنى مستوى لها منذ أن خرجت البلاد من الإغلاقات.

وشرح  كافندر  أن "التحول إلى خيارات أقل كلفة لا يزال موضوعاً رئيساً"، مستدركاً "لكن ما نراه في الصين هو أن الفقاعات في النظام، مثل فقاعة العقارات، بدأت تتلاشى".

في حين يقول شي إن المضاربين في الصين اضطروا إلى تعديل أسلوب حياتهم بصورة أكبر، إذ يعتقد أيضاً بأن الاقتصاد في المستقبل سيكون مختلفاً تماماً، قائلاً "المال السهل انتهى ومن دون المال السهل، لن تخرج وتشتري سيارة فيراري".

ما بعد الصين

وتشكل التوترات الدولية مصدر قلق آخر، إذ تعهد المرشح الرئاسي الأميركي والرئيس السابق دونالد ترمب بتصعيد حربه التجارية مع الصين إذا عاد للبيت الأبيض العام المقبل، بينما قالت كامالا هاريس نائبة الرئيس الحالي جو بايدن هذا الأسبوع إنه في حال انتخبت كرئيسة للبلاد، فستضمن أن "أميركا ستفوز في منافسة القرن الـ21 وليس الصين".

وقال هيربرت لون، الموجود حالياً في الولايات المتحدة في رحلة عمل، إن "عدداً من رؤساء الشركات الصينيين لا يزالون قلقين في شأن ما يخبئه المستقبل"، مضيفاً "أرى شركات كانت تصدر إلى أوروبا وأميركا تتحول إلى التركيز على المبيعات المحلية والتصدير إلى دول نامية أخرى".

وتابع أن "القلق في شأن الحروب التجارية المستقبلية جعل كثيراً من المشترين الغربيين مترددين، مما زاد من مشكلات تراجع المبيعات في تلك الأسواق التقليدية"، موضحاً أن "المشترين الذين أتعامل معهم قلقون في شأن التعريفات، لكن ذلك خارج عن سيطرتنا".

ومع ذلك، يريد لون الحفاظ على خياراته مفتوحة، إذ قال "نحن نبحث عن التوسع والنمو خارج الأسواق الغربية التقليدية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أيضاً المخاوف في شأن الفائض في القدرة الإنتاجية تخلق مزيداً من التوترات التجارية، إذ تقلق كثير من الدول بما في ذلك بريطانيا من أن يتم غمرها بسيارات رخيصة لتلبية أهداف صافي الصفر.

وكانت سعت بعض الدول بالفعل إلى حظر ذلك، إذ أعلنت الولايات المتحدة عن تعريفة بنسبة 100 في المئة على السيارات الكهربائية الصينية، إضافة إلى تعريفة 25 في المئة على البطاريات والأجزاء والمعادن الحيوية في محاولة لإبقائها خارج السوق.

وقالت وو "الحياة في بكين عادت لما كانت عليه قبل الجائحة، مشغولة ومزدحمة ومليئة بالطاقة"، مضيفة أنه "في الواقع أنا أنفق الآن أكثر مما كنت أفعل خلال الجائحة، إذ أخرج اليوم أكثر للتسوق وتناول الطعام والأنشطة الاجتماعية، مما زاد من مصاريفي، بينما خلال الجائحة، كنت أمكث في المنزل معظم الوقت، لذا كان إنفاقي أقل بكثير".

عصر المال الرخيص انتهى

وقال كبير الاقتصاديين السابق في "مورغان ستانلي" لمنطقة آسيا آندي شي من جابنه إن "الحياة بالنسبة إلى معظم الناس عادت لطبيعتها، ومع ذلك فإن كثيرين من الذين كانوا يعملون في صناعة تمويل الظل الصينية البالغة قيمتها 2.3 تريليون جنيه استرليني (3 تريليونات دولار)، لا يزالون يعانون".

وأضاف أن "عصر المال الرخيص انتهى"، موضحاً أن "الصناعة التي غذت النمو الائتماني المتفجر خلال الأعوام الأخيرة سهلت تدفق الائتمان إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، واستُثمرت أموال كثيرة في سوق العقارات التي أصبحت الآن في حال صعبة، ولا تزال الجهات التنظيمية تواصل حملتها ضد القطاع".

ويقول شي "كل الأشخاص الذين عملوا في التمويل أرادوا تحقيق الأرباح التي تسمح لهم بالعيش جيداً"، مضيفاً أن "سوق الرفاهية هي مثال جيد على ذلك، إذ يميل المستهلكون إما إلى تخصيص إنفاقهم للعلامات التجارية الفاخرة الأكثر تميزاً أو الانتقال نحو العلامات التجارية المميزة في ملابس الرياضة، وهذا هو السبب جزئياً وراء معاناة علامات مثل غوتشي في الوقت الحالي".

ويعتقد شي بأن هذه بداية لعملية فصل أكبر ستؤدي إلى أن تدفع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أسعاراً أعلى للسلع في المستقبل، إذ إن الصين التي أصبحت أقل اعتماداً على الغرب في التكنولوجيا لدفع التنمية، تتطلع إلى القيام بمزيد من الأعمال في آسيا وأفريقيا وأماكن أخرى.

وقال إن "الولايات المتحدة بصورة خاصة لم تواجه حقيقة أن بقية العالم لم يعُد مضطراً إلى الامتثال لقوانينها بعد الآن".

الصين ومستقبل النمو

وقالت ليو "لا أعتقد بأن مشكلة الصين يمكن حلها في أي وقت قريب، حتى لو كانت الحكومة على استعداد لتنفيذ جميع الإصلاحات اللازمة لتعزيز الاستهلاك وفصل الحكومة عن الصناعة، فالأمر سيستغرق في الأقل عقداً لإعادة تشكيل المؤسسات"، مضيفة أن "السؤال ليس فقط مدى سرعة نمو الاقتصاد، ولكن أيضاً محركات هذا النمو، فالاقتصاد الصيني يقارب الآن 18 تريليون دولار، لذا فإن نسبة ثلاثة في المئة على هذا الأساس لجهة الأرقام المطلقة لا تزال بمثابة نمو كبير".

اقرأ المزيد