Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشيخوخة في لبنان بلا حماية وشبابه إلى الهجرة

شكل عام 2019 نقطة تحول على مستوى النمو الديموغرافي وصولاً إلى أرقام صادمة

يتجه المجتمع اللبناني نحو الشيخوخة في غياب نظام حماية للفئات الأضعف (اندبندنت عربية)

ملخص

بدأ المجتمع اللبناني يتجه نحو الشيخوخة بفعل انخفاض المواليد وعدم الإقبال على الزواج. وتزداد المخاوف على شريحة كبار السن في ظل غياب مظلة الحماية الاجتماعية في البلاد.

خلال خمسة أعوام، تمكنت الأزمة الاقتصادية من أن تفعل ما لم يفعله 50 عاماً من استراتيجيات تنظيم الأسرة، إذ يشهد لبنان تراجعاً في الإقبال على الزواج وانخفاضاً في المواليد، مقابل ارتفاع مستويات الهجرة الدائمة إلى خارج البلاد، مما يجعل المجتمع أمام قدر محتوم، والانتقال من الفتوة إلى الشيخوخة.

 

تراجع واضح

وشكل عام 2019 نقطة تحول على مستوى النمو الديموغرافي في لبنان وصولاً إلى أرقام صادمة في عام 2023، إذ قاربت الزيادة في بعض الأقضية مستوى الصفر في المئة. وبحسب دراسة أنجزتها "الدولية للمعلومات"، وهي شركة أبحاث ودراسات مقرها بيروت، وصل عدد الولادات إلى قرابة 67 ألف نسمة (66,866)، مقابل ما يزيد على 26 ألف وفاة (26,284)، أي بزيادة 40,582 فرداً. ولاحظت الدراسة اختلاف معدلات الولادات والوفيات بين الأقضية، إذ ترتفع في الأقضية ذات الأكثرية المسلمة، فيما تنخفض في الأقضية ذات الأكثرية المسيحية.

الديموغرافيا في قلب الأزمة

ولاحظت الدراسة تراجعاً كبيراً في الزيادة الديموغرافية مقارنة بمرحلة ما قبل الأزمة، فقد سجل لبنان بين عامي 2016 و2019 زيادة وصلت إلى 354,866 نسمة، مقابل 100,771 وفاة، أي زيادة بمعدل 254,095 إنساناً، أي إن المتوسط السنوي للزيادة كان يوازي 63,523 فرداً، مقارنة بـ40,582 فرداً زيادة في 2023.

الهجرة المتزايدة

ولا تقتصر الأخطار على تراجع خصوبة اللبنانيين بصورة مستمرة وسريعة، فقد سجلت في 2010 ما يزيد على 95 ألف ولادة جديدة، إلى ما دون 63 ألفاً في 2022، لتتجاوزها إلى نسب الهجرة المتصاعدة. فخلال الفترة بين عامي 2019 و2023 غادر لبنان قرابة 450 ألف مواطن معظمهم من الشباب، وسجل عام 2023 وحده، مغادرة 200 ألف مواطن لبناني بلادهم.

ويشير رئيس مركز السكان والتنمية علي فاعور إلى فقدان لبنان 12 في المئة من اللبنانيين المقيمين، وأكثريتهم من الشباب أصحاب الكفاءة، الأمر الذي يشكل خسارة للموارد البشرية اللبنانية، كما يلاحظ تراجعاً في عقود الزواج، مقابل ارتفاع في حالات الطلاق بين عامي 2018 و2023، إذ وصلت معاملات الطلاق 8541 حالة، أي قرابة 28 في المئة من مجمل عقود الزواج في عام 2023، البالغة 30,553 عقد زواج.

اللبنانيون والتراجع المستمر

وتظهر الدراسات السوسيولوجية اتجاه المجتمع نحو الشيخوخة، ويشير الباحث الاجتماعي عبدالحميد عزو وجود عوامل عدة مؤثرة في ولادة التحولات الجذرية ضمن المجتمع اللبناني وهذه الظاهرة المركبة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي وثقافي. ويعتقد أن الأثر الأكبر في شيخوخة المجتمع، إنما يكون لهجرة شريحة الشباب، "كان ملحوظاً خلال الأعوام الماضية، هجرة عائلات بأكملها، إذ يأخذ الأب معه كامل أفراد الأسرة". كما يسلط عزو الضوء على الوضع الاقتصادي الصعب الذي يفرض أعباء باهظة على الشبان والشابات، ويدفعهم إلى الإحجام عن التفكير بالزواج، وكذلك قيام الأبوين بالتفكير العميق في تحديد عدد الأولاد، "يبحث الأهل حالياً عن تأمين حياة الرفاهية لأطفالهم، وتأمين مستوى عال من المعيشة. وأصبح الحديث عن الاهتمام بتنشئة نوعية لا كمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أسهم الانهيار المالي وتراجع القدرة الشرائية للأفراد، وارتفاع سعر صرف الدولار من 1500 ليرة لبنانية إلى 89500 ليرة للدولار الواحد، بمعاناة كبيرة على مستوى تأمين حاجات الأبناء والأطفال سواء المواليد الجدد الذين يحتاجون إلى سلع أساسية مكلفة للتغذية والعناية بهم وبصحتهم، أو حتى الأكبر عمراً الذين تضاعفت كلفة حياتهم ونفقات دراستهم.

ويلاحظ عزو استمرار بعض أوجه التفاوت بين أهل الريف وسكان المدن، لكنه في المقابل، يؤكد "نشأة وعي ثقافي جديد" نحو الحد من الإنجاب، وبروز عوامل مؤثرة وضاغطة على قرار الإنجاب، بدءاً بتراجع واضمحلال قطاع الزراعة، إلى تطور وسائل الاتصال وانتشار الإنترنت، وبرامج تنظيم الأسرة والنسل، واتساع نطاق تعليم المرأة وانتقالها إلى سوق العمل.

تغير ثقافي

ولا يمكن التعاطي مع قرار الإنجاب من زاوية مادية محضة، إذ لا بد من الأخذ بالاعتبار المؤثرات الثقافية. ويلفت عزو إلى تغييرات على المستوى الفكري للأفراد والجماعات، إذ انتشرت الأفكار حول مراجعة قرار الإنجاب في الشرائح كافة، بما فيها تلك الريفية، أكثر مما كانت عليه في السابق. ويؤدي هذا التوجه إلى التأثير في الهرم السكاني، ومع طول أمد العمر المتوقع للسكان وكبار السن، تضيق القاعدة الفتية للهرم، لحساب حصة كبار السن في المجتمع اللبناني. ويقول عزو، "في السابق، كانت النظرة إلى المرأة تتحدد من خلال عدد أطفالها، وتعتبر السيدة التي تنجب أطفالاً كثراً ذات خصوبة مرتفعة، وهي أرقى من تلك التي لا تنجب أو تنجب قلة، فيما كان الرجال يفضلون إنجاب الذكور ويبحثون عنى ذلك بمختلف الطرق المتوافرة بحسب ما يعتقدون من أجل مساعدة والدهم في العمل الزراعي، أما اليوم فتراجع الاهتمام بالزراعة لصالح التعليم الذي يعتبر طريقاً لحياة أفضل". ويتطرق إلى اختلاف النظرة المجتمعية للمرأة المطلقة، "في السابق، كانت النظرة سلبية، أما حاضراً فلم تعد تحمل عاراً على أسرتها، حتى إنهم يسمحون لها بعد ذلك بالعمل أو إكمال دراستها في حال رغبت"، مشدداً على أن "ما يقود المجتمع إلى الشيخوخة ليس ارتفاع معدلات الطلاق وإنما عدم الإنجاب".

الشيخوخة وآثارها الحتمية

ويؤدي تراجع الولادات وهجرة الشباب وعدم الإقبال على الزواج إلى نتيجة حتمية ألا وهي شيخوخة المجتمع، الأمر الذي يؤثر مباشرة على الاقتصاد وبنية قوى الإنتاج وسوق العمل، ويفتح باب البحث عن ضرورة إقامة مظلة حماية اجتماعية لشريحة المتقاعدين. وينبه عزو إلى ضرورة التعاطي مع تأثيرات الشيخوخة انطلاقاً من الوضع اللبناني الراهن، "في المبدأ، تؤثر شيخوخة المجتمع في تراجع القطاعات المنتجة الزراعية والصناعية، وينخفض مستوى الدخل القومي. ولكن، لبنان أصبح لا يعتمد على إنتاجية المقيمين وإنما تحويلات المغتربين من الخارج لتغطية نفقاتهم الصحية وتأمين حاجاتهم الأساسية واليومية". كما يحذر عزو من تأثير الشيخوخة على بنية المجتمع وجمود الحراك الاجتماعي، فهي تنقله إلى سيادة ثقافة مجاراة السلطة القائمة، وعدم الاعتراض على قراراتها. من هنا، يتساءل ما إذا كان لرجال السياسة في لبنان دور في تهجير الشباب والتخلص من نواة التغيير الذي قد يأتي منهم. ويأسف عزو لعدم تنفيذ قانون الشيخوخة في لبنان الموضوع منذ عهد رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب، متحدثاً عن مفاقمة الانهيار المالي معاناة كبار السن ممن هم دون خط الفقر، ومن ليس لديهم معيل خارجي، ويخشى هؤلاء دخول المستشفى أو تلقي علاج لعدم قدرتهم على تأمينه.

ويلاحظ لوكا بيليرانو متخصص حماية اجتماعية رئيس لدى منظمة العمل الدولي محدودية نظام الحماية الاجتماعية في لبنان، ويتضح أن "80 في المئة من السكان فوق 65 عاماً ليس لديهم تقاعد أو تغطية بالرعاية الصحية، بينما لا يغطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سوى 30 في المئة من القوى العاملة. وأيضاً لم يتم حتى الآن تأسيس صندوق توظيف لحماية الذين يفقدون وظائفهم ولا يستطيعون إيجاد وظائف". ومن اللافت أن "لبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة، وواحدة من 16 دولة من أصل 179 دولة في العالم لم تضع بعد برنامج تقاعد يقدم مزايا دورية للعاملين في القطاع الخاص في حالة الشيخوخة والعجز والوفاة"، وعليه، فإن غياب برنامج كهذا يعني غياب الأمن الاقتصادي لسكان لبنان في مرحلة الشيخوخة وفي حالة العجز ووفاة المعيل.

محاولات إصلاحية غير مكتملة

ومنذ بدء الانهيار المالي، لم تقم الحكومة اللبنانية بأي إصلاح جذري لمعالجة معاناة الشيخوخة والآيلين إلى التقاعد، في وقت تدور مختلف المشاريع والاقتراحات ضمن حلقة مفرغة بانتظار حل ما. في أبريل (نيسان) 2023، رفع مدير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى مجلس الإدارة مشروع جديد لنظام خاص يسمح بتحويل تعويض نهاية الخدمة إلى معاش تقاعدي مدى الحياة. في الموازاة، ضمنت وزارة المالية المادة 93 من مشروع الموازنة العامة لعام 2024، تعديلاً لمعالجة تعويضات نهاية الخدمة في الضمان وفق سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانية، فيما سعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان هو 1500 ليرة، وفي السوق الموازية هو 89500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. إلا أن هذه المادة سقطت خلال النقاشات في مجلس النواب، ولم تسلك طريقها للتنفيذ.

وبرزت اقتراحات قوانين عدة لإعادة النظر بتعويضات نهاية الخدمة، لا سيما الاقتراح المقدم من نواب "التغييريين" الستة (إبراهيم منيمنة، فراس حمدان، نجاة صليبا، ملحم خلف، بولا يعقوبيان، وياسين ياسين)، واقتراح للنائب فيصل عمر كرامي. ويرمي الاقتراح الأول إلى احتساب تعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع العام مضروباً بـ40 مرة، وتعويض المتقاعدين مضروباً بـ15 ضعفاً، على أن يطبق من الأول من يناير (كانون الثاني) 2020 لحين إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة. أما اقتراح كرامي فيقوم على إعادة تكوين تعويض نهاية الخدمة للعمال الخاضعين لقانون العمل، أو في المؤسسات العامة الخاضعة لقانون الضمان الاجتماعي، الذين تركوا عملهم بدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ومضاعفة التعويض 30 مرة، مقترحاً دفع الدولة جزءاً من الفروق بعيداً من مالية صندوق الضمان.

المزيد من تحقيقات ومطولات