ملخص
غالباً ما تعلن إسرائيل استهدافها مستودعات ذخائر وأسلحة تابعة إلى "حزب الله" في منطقة البقاع بالعمق اللبناني، أو مجمعات يستخدمها نظام الدفاع الجوي التابع لـ"حزب الله"، و"يشكل تهديداً لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي"، وأن حسن نصرالله وأعوانه "يعملون من داخل البنية التحتية المدنية ويستغل السكان المدنيين اللبنانيين".
عادت الجبهة الجنوبية في لبنان إلى الاحتدام في الأيام الأخيرة، وارتفعت حدة الغارات الإسرائيلية الشرسة بصورة لافتة، على رغم أن أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله كان أعلن في الـ25 من أغسطس (آب) الماضي نجاح عملية الرد على اغتيال الرجل الثاني في التنظيم فؤاد شكر قائلاً إن "عملية اليوم انتهت، وإن كانت النتيجة مرضية نعتقد أن الرد على استهداف الضاحية واغتيال القائد فؤاد شكر انتهى"، مضيفاً أنه يمكن للبنان أن يرتاح و"خلي الناس يريحوا أعصابهم".
لكن يبدو أن إسرائيل تسير على موجة أخرى ولن تهدأ غاراتها على الجنوب الذي تحولت بعض بلداته إلى مهجورة بالكامل، عدا عن الدمار الهائل الذي لحق ببلدات وقرى حدودية سويت تماماً بالأرض، قبل تنفيذ بنك أهداف كانت قد وضعته منذ فتح نصرالله الجبهة الجنوبية باعتبارها جبهة إسناد للحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وفي السياق ارتفعت حدة الغارات الإسرائيلية التي استهدفت منطقة البقاع شرق لبنان أيضاً، وذلك بعد معادلات كان قد أرساها الجيش الإسرائيلي منذ مارس (آذار) الماضي، حين أعلن على لسان المتحدث باسمه دانيال هاغاري، أن "عمق لبنان يتحول إلى منطقة حرب، و’حزب الله‘ بدأ يخاطر".
وغالباً ما تعلن إسرائيل استهدافها مستودعات ذخائر وأسلحة تابعة للحزب في منطقة البقاع في العمق اللبناني، أو مجمعات يستخدمها نظام الدفاع الجوي التابع لـ"حزب الله"، وهي وفقاً لبياناتها "تشكل تهديداً لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي"، معلنة أكثر من مرة أن "حزب الله" يعمل من داخل البنية التحتية المدنية ويستغل السكان المدنيين اللبنانيين".
وكانت مصادر "حزب الله" أكدت في الـ19 من أغسطس الماضي استهداف مخازن أسلحة تابعة له، وذلك بعد غارة استهدفت مخازن للأسلحة تقع في منطقة سكنية مأهولة في قلب البقاع، ووفقاً للإعلام المقرب منه أن "هناك عدداً من المخازن في منطقة البقاع التي يتم تمويهها على صورة منشآت اقتصادية، وما استهدف هو مخزن صواريخ غير دقيقة ولا يمكن اعتباره من الأصول الإستراتيجية للحزب".
التكتيك البشري
منذ بدء المعارك قبل نحو عام، تزعم إسرائيل أن "حزب الله" يخزن أسلحته بين المدنيين، وهي تسعى إلى ضرب مواقع تعتقد أنها تُستخدم من قبل الحزب إياه لتخزين أو نقل أسلحة أو تجهيزات عسكرية تهدد أمنها.
وفي هذا الإطار، تحدثت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن موضوع تخزين الحزب للأسلحة الخطرة وبخاصة الصواريخ ومنصات إطلاقها في أماكن تعرض حياة المدنيين للخطر، بحسب تحليل للمواقع الجغرافية ورصد أماكن وجود هذه الأسلحة، ونقلت الصحيفة عن المحلل الجغرافي بين تسيون مالكاليس، قوله إنه تم تحديد موقع إحدى القاذفات على مسافة 620 متراً من قاعدة تابعة لـ"اليونيفيل"، وذلك في تحليل بعنوان "هكذا يعرض تخزين "حزب الله" للأسلحة المدنيين للخطر، بحسب متخصص تحديد المواقع الجغرافية".
وغالباً ما يعلن الجيش الإسرائيلي استهداف مواقع ومخازن أسلحة تابعة للحزب موجودة داخل مناطق مدنية وسكنية في الجنوب اللبناني، وغيرها من المناطق، كغطاء لمواقعه العسكرية، وهو ما تسميه إسرائيل "التكتيك البشري"، إذ يعتقد أن الحزب يضع أسلحته أو مراكز قيادته قرب أو داخل أماكن مأهولة للمدنيين، مثل المدارس أو المنازل، بهدف حماية هذه المواقع من الغارات الجوية، لكن "حزب الله" نفى مراراً هذه المزاعم، مؤكداً أن استهداف المناطق المدنية من قبل إسرائيل يعد انتهاكاً صارخاً للسيادة اللبنانية ويهدد حياة المدنيين.
ويعتبر المجتمع الدولي أن هذا النوع من الغارات يضع المدنيين في خطر ويزيد احتمال التصعيد العسكري، كما أن هذه العمليات تزيد الانتقادات ضد إسرائيل، إذ يُتهم جيشها بعدم التمييز الكافي بين الأهداف العسكرية والمدنية، مما يثير المخاوف حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني.
اتهامات متكررة
في سبتمبر (أيلول) 2020 وبعد فترة وجيزة من تفجير مرفأ العاصمة بيروت في الرابع من أغسطس من ذلك العام، اتهم نتنياهو "حزب الله" بامتلاك "مصنع أسلحة سري" قرب مطار بيروت، ما قد يتسبب بـ"مأساة جديدة" إذا انفجر، على حد تعبيره، وذلك وفي خطاب ألقاه من القدس الغربية في ذلك الوقت، وبُث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وعرض خريطة لـ"مصنع أسلحة سري" في الضاحية الجنوبية لبيروت قرب مطار العاصمة اللبنانية على قوله، لافتاً إلى أن هذا المكان يقع على بعد 50 متراً من محطة وقود وشركة غاز.
وقال نتنياهو موجهاً حديثه للشعب اللبناني "إن إسرائيل لا تضمر لكم أي سوء بل إيران من تفعل ذلك وتعرض أرواحكم للخطر، وعلى المجتمع الدولي أن يصر على توقف ’حزب الله‘ عن استعمال اللبنانيين دروعاً بشرية"، ووفقاً لاتهامات إسرائيل فإن "الحزب" يقوم بتحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة في منشآت مختلفة في أنحاء عدة من لبنان.
وكشف الجيش الإسرائيلي بعد ذلك الخطاب وعلى لسان المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، النقاب عن ثلاثة مواقع لإنتاج مواد تستخدم في مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يديره "حزب الله" في "مناطق سكنية لبنانية مكتظة".
وبحسب أدرعي فإن الانفجارات التي شهدتها الساحة اللبنانية أخيراً (في ذلك الوقت)، بما في ذلك الانفجار الذي وقع في مستودع الأسلحة في بلدة عين قانا جنوب لبنان (في الـ22 من سبتمبر 2020)، هي دليل قاطع على استخدام "حزب الله" لمواطني لبنان دروعاً بشرية، لكن "حزب الله" نفى ذلك وعلى لسان نصرالله، والذي اتهم نتنياهو بتحريض اللبنانيين ضد الحزب، وقال إنه سيسمح للإعلاميين بزيارة المنشأة التي تحدث عنها نتنياهو للتأكد من عدم صحة كلامه.
هذه المساجلة عادت وظهرت في يونيو (حزيران) الماضي، بعد تقرير نشرته صحيفة "التلغراف" البريطانية، الذي أشار إلى أن "حزب الله" يخزن كميات هائلة من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات الإيرانية في المطار.
وتحدث التقرير عن أن المطار يضم صواريخ "غير موجهة" إيرانية الصنع، وصواريخ فاتح-110 قصيرة المدى، وصواريخ باليستية متنقلة، وصواريخ أم-600 بمدى بين 150 و200 ميل، فضلا ًعن أسلحة أخرى، لكن الحكومة اللبنانية نفت ذلك وعلى لسان وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، الذي اعتبر أن "ما يتعرض له المطار، بدأ منذ عشرات الأعوام، وهو دائماً وجهة يتم من خلالها تشويه سمعة لبنان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أخطار في أماكن نفوذ الحزب
وغالباً ما تظهر الصور أو الفيديوهات الملتقطة من هواتف سكان تتعرض مناطقهم لغارات إسرائيلية قريبة من أماكن سكنهم، وهي أهداف تقول إسرائيل إنها تضم مستودعات لتخزين الوسائل القتالية التابعة لـ"حزب الله"، وهذا ما يسلط الضوء على الأخطار التي يعيشها المدنيون في لبنان، وبخاصة في أماكن نفوذ الحزب، وشهدت تلك المناطق في البقاع والجنوب وعند استهداف مستودع أسلحة أخذت تتطاير منه الصواريخ باتجاه القرى والبلدات المجاورة مثل بلدة الخرايب الجنوبية حيث سجل سقوط إصابات في صفوف المدنيين نتيجة ذلك، فيما انتشرت فيديوهات الانفجارات التي استمرت لفترة طويلة بعد القصف.
ووثق تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنذ عام 2006 بعنوان "مدنيون تحت الهجوم" انتهاكات جسيمة كثيرة لقوانين الحرب كان "حزب الله" مسؤولاً عنها أثناء نزاعه مع إسرائيل، فقد أطلق مقاتلوه عشوائياً آلاف الصواريخ على إسرائيل فقتلوا 43 مدنياً (إضافة إلى 12 جندياً)، كما عرض "حزب الله" مدنيين لبنانيين للخطر عبر امتناعه عن اتخاذ جميع الاحتياطات المعقولة لتفادي إطلاق الصواريخ من المناطق المأهولة وتجنب الاختلاط بالمدنيين اللبنانيين، وكذلك عبر تخزين الأسلحة والذخائر في المناطق المأهولة.
وأطلق مقاتلو "حزب الله" الصواريخ على نحوٍ شبه يومي من أماكن قريبة من مراكز مراقبي الأمم المتحدة بجنوب لبنان، وهو عمل من أعمال "اتخاذ الدروع البشرية"، جزئياً في الأقل، وقد عرض هذا جنود "اليونيفيل" للخطر لأنه اجتذب النيران الانتقامية الإسرائيلية لتصيب مواقع الأمم المتحدة القريبة.
ويورد التقرير التفاصيل لكل من هذه الانتهاكات، ولكنه في الوقت عينه يقول إنه "لم نجد دليلاً على أن انتشار قوات (حزب الله) في لبنان مثل انتهاكاً متكرراً أو واسعاً لقوانين الحرب على النحو الذي تزعمه إسرائيل دائماً، بل وجدنا أدلة قوية تشير إلى أنه كان يخزن معظم صواريخه في أعشاش ومراكز تخزين أسلحة تقع في حقول ووديان غير مأهولة، وعلى نحو مماثل، ومع أننا وجدنا أن مقاتلي ’حزب الله‘ أطلقوا صواريخهم من القرى في بعض الحالات، وربما قاموا باتخاذ الدروع البشرية، وهي جريمة حرب، وذلك عندما قاموا قصداً وتكراراً بإطلاق الصواريخ من مقربة من مراكز الأمم المتحدة ويحتمل أن يكون هذا بنية ثني إسرائيل عن الرد بالقصف، فإننا لم نجد دليلاً على أن ’حزب الله‘ أطلق صواريخه من مناطق مأهولة".
ويعتبر تخزين الأسلحة في مناطق مأهولة بالسكان انتهاكاً للقوانين الدولية، وبخاصة إذا كانت هذه الأنشطة تعرض المدنيين لخطر مباشر أو تستخدمهم دروعاً بشرية، وتعد حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، ويحظر ذلك القانون لا سيما اتفاقات جنيف لعام 1949، والمحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب، وتحذر عدد من القوانين الدولية استخدام الدروع البشرية وتعريض المدنيين لخطر في النزاعات المسلحة، بما في ذلك استخدامهم غطاء لحماية الأهداف العسكرية.
هل ينتهك "حزب الله" القوانين الدولية الإنسانية؟
يقول الصحافي والمحلل السياسي محمد حمية في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه "ليس هناك منصات صواريخ في المناطق السكنية في الجنوب والبقاعين الغربي والأوسط ولا في أية منطقة مأهولة بالسكان في لبنان، وهذا مجرد اتهام إسرائيلي لتبرير استهداف المدنيين للضغط على المقاومة، والشواهد كثيرة على الادعاءات الإسرائيلية نذكر منها ادعاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بوجود منصات صواريخ لـ’حزب الله‘ في ملعب العهد القريب من مطار بيروت وجاءت الجولة الدبلوماسية التي نظمتها العلاقات الإعلامية في الحزب بحضور وسائل إعلام محلية وعربية وأجنبية لتدحض ذلك".
وأشار المحلل السياسي إلى أنه يجب عكس السؤال ليصبح لماذا يصمت العالم ويتجمد العمل بالقانون الدولي وتنهار المنظومة الأممية برمتها عندما تكون إسرائيل شريكة في الحرب؟ ولماذا لا يطبق هذا القانون على إسرائيل التي داست عليه ومزق مندوبها في الأمم المتحدة ميثاق الأمم المتحدة على الملأ؟.
ويتابع حمية أن "نصب صواريخ وأسلحة في المناطق السكنية يُناقض السرية التي تعد من أهم مبادئ عمل المقاومة، خصوصاً أن ’حزب الله‘ يملك مساحات جغرافية هائلة ومتنوعة التضاريس من الجبال والأودية والغابات المغطاة بالأشجار تحوي في باطنها مئات الأنفاق وما (عماد 4) إلا دليلاً على ذلك، كما يملك مدى حيوياً شاسعاً من الجنوب إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية (القلمون ويبرود والقصير) باتجاه العمق السوري مروراً بالحدود السورية–العراقية وصولاً إلى إيران، لذا فإن المساحات ليست ضيقة لكي يحتاج إلى إخفاء أسلحته وصواريخه في القرى والبلدات الجنوبية أو البقاعية".
تفجير مرفأ بيروت "جرس إنذار"
الإعلامي هادي مراد اعتبر في المقابل خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إلى أنه "ليس بالإمكان جرد تحليل دقيق حول مدى قانونية تصرفات ’حزب الله‘، وبخاصة من دون أدلة ملموسة، ومع ذلك، هناك حادثة واحدة تثير القلق وتدفع إلى اليقين بأن ’حزب الله‘ يهدد أمن اللبنانيين ويعرضهم لخطر جسيم، وهي حادثة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 التي كانت بمثابة جرس إنذار لنا جميعاً، إذ أظهرت كيف يمكن لتخزين المواد الخطرة في مناطق غير آمنة أن يؤدي إلى كارثة مدمرة، وأن هذه الحادثة تبرز مدى أهمية السلامة والالتزام بالقوانين الدولية عند التعامل مع المواد الخطرة".
ويتابع الإعلامي اللبناني أنه "وإضافة إلى ذلك، هناك تقارير تشير إلى وجود خنادق ومخازن للأسلحة في مناطق سكنية في الجنوب والبقاع، مما يزيد حدة القلق، كما أن تخزين الأسلحة في مناطق مأهولة بالسكان يتعارض مع مبادئ السلامة العامة ويعرض حياة المدنيين للخطر"، ويضيف أنه "بصفتي شيعياً لبنانياً معتدلاً، أرى أن هذا التصرف لا يعكس اهتماماً حقيقياً بأمن الشعب اللبناني ولا يأخذ في الحسبان أرواح الأبرياء".
المقاومة حريصة على بيئتها وأهلها
لكن في المقابل يرى المحلل السياسي محمد حمية "أن حرص المقاومة على أهلها وبيئتها يمنعها من تعريضهم للخطر، لأن جوهر عمل المقاومة وقدراتها وإمكاناتها البشرية والتسليحية هو الدفاع عن اللبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً، وأيضاً عن البقاعيين خلال حرب الجرود مع الإرهاب، بعدما تخلت الدولة والمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية عن مهمة الدفاع والحماية لعقود مضت، فكيف بمن يقوم بهذه المهمة الجليلة أن يعرض أهالي الجنوب للخطر؟ علماً أن المقاومين جزء لا يتجزأ من أهالي الجنوب والبقاع، فهل المقاومون يعرضون أهلهم لخطر الصواريخ والسلاح؟ مع الإشارة الى أن المقاومة في لبنان احترمت القانون الدولي وقانون الحرب تحديداً بتفادي استهداف المدنيين المستوطنين في إسرائيل والبنى التحتية طيلة حرب طوفان الأقصى مع أنها قادرة على ذلك، على رغم قيام إسرائيل بقصف المدنيين والصحافيين عمداً في لبنان".
خطر مستمر
الإعلامي هادي مراد يخالف وجهة النظر تلك ويقول "نحن نعيش في دائرة خطر مستمر، حيث يمكن أن تتعرض حياتنا للخطر في أية لحظة، وعلينا أن نكون واعين للأخطار التي قد تنجم عن هذا الوضع وأن نطالب بتطبيق القوانين الدولية لضمان سلامة جميع المواطنين، لأن تجاهل هذه القوانين قد يؤدي إلى نتائج كارثية، وقد آن الأوان لتحمل المسؤولية والعمل بجدية من أجل حماية المجتمع اللبناني وضمان أمنه وسلامته".