ملخص
زادت إيران بسبب هذه الحرب نفوذها على فصائل فلسطينية وأمسكت بالموقع اللبناني وأدارت الميليشيات العراقية واليمنية في جبهة موحدة.
تمعن إسرائيل في توسيع حربها ضد الفلسطينيين وهدفها منذ الـ27 من أغسطس (آب) الماضي، الضفة الغربية المحتلة. وفي هذه الحرب ترفع القيادة الإسرائيلية مجدداً راية قتال التدخل الإيراني، فتتناغم القيادة الإيرانية مع هذا الطرح وتغذيه بما تيسر من بيانات وتصريحات، فيما يدفع الفلسطينيون الثمن من أرواحهم وممتلكاتهم.
قبل أن يتحدث الإيرانيون عن الضفة وقبل الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على شمالها وجنوبها، كان الاحتلال يدفع الفلسطينيين دفعاً نحو المواجهة الشاملة. فعلى رغم أن المنطقة تخضع من حيث المبدأ للسلطة الوطنية الفلسطينية بمقتضى "اتفاقات أوسلو"، عملت حكومة الاحتلال دائماً لإضعاف هذه السلطة عبر محاصرتها مالياً وسياسياً وعسكرياً وصولاً إلى حد إلغائها.
خلال ذلك سعى الاحتلال إلى توسيع الاستيطان وقضم الأراضي، وسيطر المستوطنون على نحو 40 في المئة من أراضي الضفة عموماً، وترتفع نسبة الأراضي المسيطر عليها في المنطقة "ج" التي تحوي غالبية الموارد الطبيعية إلى 68 في المئة (معطيات نشرتها جريدة "الأيام" الفلسطينية)، وتجاوز عدد المستوطنين الـ720 ألفاً، فيما يتحدث الإسرائيليون عن 600 ألف، يحاولون ترهيب أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني بالاستيلاء على أراضيهم وبتهديدهم بالترحيل إلى خارج بلادهم.
لم ينضم فلسطينيو الضفة إلى المعركة التي شنتها حركة "حماس" في غزة، وبقوا نسبياً بعيدين من مشاهد الدمار الدموي في القطاع، لكن سياسة الاحتلال كانت تجرهم إلى الحرب الشاملة التي تريدها "حماس" ويرعاها الإيرانيون.
في إسرائيل نفسها كان هناك من يحذر من لعبة بنيامين نتنياهو وقادة الاستيطان في الضفة.
خلال الفترة الأخيرة، تقول "يديعوت أحرونوت"، نُشرت "ثلاث وثائق مشوقة ومهمة حول ما يجري" في الضفة، الأولى خطاب اعتزال قائد المنطقة الوسطى اللواء يهودا فوكس، والثانية كتاب رئيس الـ"شاباك" روني بار حول الأعمال الخطيرة لوزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير وغيره، والأخيرة كانت خلاصة قائد المنطقة الوسطى اللواء آفي بلوط للتحقيق في أعمال شغب يهودية في قرية جيت" الفلسطينية.
هذه الوثائق مضافة إلى بيان مشترك مشابه وقعه رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس الـ"شاباك" والمفتش العام السابق للشرطة، اتفقت على القول والتحذير من "شبكة منظمات إرهاب يهودية" تخطط وتعمل لإرهاب الفلسطينيين بهدف "طردهم من أماكن عيشهم وسكنهم بغية السيطرة عليها والاستيطان فيها وضمها إلى إسرائيل".
ويحذر إسرائيليون من "خطر على وجود دولة إسرائيل" يمثله المستوطنون ورعاتهم، لكن تل أبيب تعمل في اتجاه آخر، فهي ترعى وتحمي أعمال هؤلاء وتزعم أن كل عمل اعتراضي أو مقاوم لأفعالهم إنما هو من ترتيب إيراني، وصولاً إلى تقديم تحليلات ومعلومات عن طرق تزويد طهران لمقاتلين في الضفة بالسلاح والذخائر عبر سوريا والأردن ولبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ زمن طويل تستسيغ إيران الروايات الإسرائيلية عن تدخلها في الضفة. في المبدأ تسعى الدول إلى إخفاء دعمها لمنظمات تعمل في بقاع أخرى حتى لو كانت متعاطفة معها أو تتولى إنشاءها. لكن إيران في حالة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كانت مصرة على الدوام على استعراض عضلاتها بما يوفر لإسرائيل مزيداً من الذرائع لتغطية أهدافها الفعلية.
المرشد الإيراني علي خامنئي أطلق فتوى جاء فيها "اعتقادنا بأن الضفة يجب أن تسلح مثل غزة"، مكرراً دعوة حرفية بهذا الخصوص أطلقها عام 2014، وهو نفسه قال لإسماعيل هنية قبل اغتياله في طهران أن "زوال إسرائيل وعد إلهي. لتنطلق دولة فلسطين من البحر إلى النهر".
وعندما أصدر خامنئي فتواه المعلنة بـ"تسليح الضفة" لم يبخل ممثلوه في تعميم الفكرة، فقال قائد الحرس الثوري حسين سلامي عندما سئل عن توجيهات المرشد "طبعاً هذا هو الواقع الآن. ومثلما تسلحت غزة يمكن أن تتسلح الضفة بالطريقة نفسها وهذه العملية تجري حالياً"، وكان ذلك قبل أن تصل غزة إلى ما وصلت إليه الآن، وبالتأكيد لا يريد فلسطينيو الضفة تكرار المأساة، لا بسبب خطاب إيراني متشاوف، ولا نتيجة مشروع استيطاني إسرائيلي يجد وقوده في رواية توراتية من جهة، وفي أخرى فارسية لا مسؤولة من جهة أخرى.
كتبت وكالة الأنباء الألمانية تقريراً لافتاً عن معارك الضفة خلال الأسبوعين الماضيين تحت عنوان "الضفة... جبهة حرب جديدة يشعلها اليأس وتؤججها إيران"، وحمّل التقرير المسؤولية الأولى للحكومة الإسرائيلية وسياستها الاستيطانية، لكنه لم يغفل دور إيران التي تكرر في الضفة ما دفعت إليه أو أسهمت فيه في غزة.
لقد ضبط الفلسطينيون أنفسهم طويلاً في هذه المنطقة المحتلة، ودافعهم إلى ذلك رفضهم أن تتحول مدنهم وقراهم إلى غزة ثانية، واعتقاد قسم كبير منهم بأن الحرب في صورتها الحالية إنما تخدم مصالح إيران إن كانت في غزة أو في لبنان واليمن وفي الضفة بطبيعة الحال.
وفي الواقع هي كذلك، فلقد زادت إيران بسبب هذه الحرب نفوذها على فصائل فلسطينية وأمسكت بالموقع اللبناني وأدارت الميليشيات العراقية واليمنية في جبهة موحدة، إلا أن دورها القيادي في هذه الجبهة بات عرضة للتشكيك بعد ابتعادها من المشاركة الفعلية في المعركة وعدم ردها على ضربات مباشرة تعرضت لها كان آخرها اغتيال إسماعيل هنية وهو في ضيافتها.
هددت طهران بالرد الساحق لكنها لم تفعل شيئاً منذ ما يقارب شهراً ونصف الشهر، وفي البداية برّر النظام تأخير رده بالقول إنه يعطي فرصة لمفاوضات غزة، وقياساً إلى هذا التبرير لن يكون مفاجئاً الاستماع إلى مسؤولين إيرانيين يقولون إن معركة الضفة هي الرد الإيراني على اغتيال هنية!.