ملخص
يبلغ اليوم عدد جنود الجيش الأميركي النشطين 445 ألف جندي، أي أقل بنحو 41 ألف جندي عن عام 2021، وهو أصغر عدد منذ عام 1940. وعلى رغم أن أزمة التجنيد قديمة في الولايات المتحدة فإن هناك من يلقي اللوم أخيراً على تأثير الأفكار السيارية في تشكيل نظرة سلبية تجاه الجيش لدى الأجيال الشابة إضافة إلى عوامل صحية واجتماعية.
في مرافق الجامعات الأميركية والإنترنت، لم يعد غريباً أن ترى الإعلانات الموجهة للطلاب لحثهم على الانضمام للخدمة العسكرية، مقابل مزايا يقدمها الجيش مثل التكفل برسوم الدراسة الجامعية. وفيما تعد مساعي المؤسسات لتوظيف الطلاب عبر المعارض وورش العمل في الجامعات طبيعية إلا أن هذه الجهود من الجيش الأميركي تحديداً تكشف عن أزمة تجنيد تتفاقم منذ عقود وعلى نحو قد يهدد قدرات الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الجيوسياسية التي تواجه البلاد سواء من الصين وروسيا أو حتى المنظمات الإرهابية.
وباستثناء سلاح مشاة البحرية وقوة الفضاء، فشلت الفروع الرئيسة الثلاث من الجيش وهي القوات البرية والجوية والبحرية في تحقيق مستهدفات التجنيد للعام الماضي، هذا على رغم كل الجهود المبذولة لجذب الشباب، ومنها تخفيف السياسات المشددة تجاه الوشوم وسوابق المخدرات، وتقديم حوافز مالية تصل إلى 140 ألف دولار.
وواجه الجيش صعوبة في استقطاب الشباب إبان جائحة كورونا وإغلاق المدارس والجامعات إلا أن هذا السبب لم يعد كافياً لتفسير قلة أعداد المنضمين. وقبل الجائحة، بلغ عدد الأميركيين المؤهلين للخدمة العسكرية الذين تراوح أعمارهم بين 17 و24 سنة أقل من ثلاثة من كل 10 أشخاص. وتضاءلت هذه النسبة بصورة أكبر في ما بعد. ويقدر "البنتاغون" أن 23 في المئة فقط من الشباب الأميركي مؤهلون للخدمة العسكرية.
وعلى رغم أن أزمة التجنيد قديمة في الولايات المتحدة فإن هناك من يلقي اللوم أخيراً على تأثير الأفكار السيارية في تشكيل نظرة سلبية تجاه الجيش لدى الأجيال الشابة، لكن هناك أسباباً أخرى جعلت الغالبية العظمى من الشباب غير مؤهلين للخدمة العسكرية وهي تفشي السمنة ومشكلات اللياقة البدنية والصحة العقلية وتعاطي المخدرات.
الفشل بالأرقام
في 2023، فشلت القوات الجوية في تحقيق مستهدف التجنيد للمرة الأولى منذ عام 1999، أما المكون الاحتياط ففشل في تحقيق هدفه بنحو 30 في المئة. والأمر كذلك بالنسبة إلى الحرس الوطني الجوي الذي فشل في إشغال نحو 40 في المئة من الوظائف الشاغرة. أما احتياط القوات البرية فسجل عجزاً في التوظيف بنحو 36 في المئة.
كما فشل الحرس الوطني التابع للقوات البرية بفارق ضئيل هو خمسة في المئة عن هدفه الأساسي، وهو أحد المكونات العسكرية المتزايدة أهمية في الأعوام الأخيرة على الصعيد الوطني إذ ساعد في الاستجابة لعدد من الكوارث الطبيعية، ولجائحة كورونا، كما لعب دوراً في مكافحة أعمال الشغب التي صاحبت احتجاجات مقتل جورج فلويد وفوضى السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 في الكابيتول.
ويبلغ اليوم عدد جنود الجيش النشطين 445 ألف جندي، أي أقل بنحو 41 ألف جندي عن عام 2021، وهو أصغر عدد منذ عام 1940.
أميركا ليست مستعدة
وحذر موقع "فوكس" الأميركي من تفاقم أزمة التجنيد واعتبرها تهديداً للأمن القومي الأميركي يفوق خطره الحروب المهيمنة على عناوين الأخبار حالياً، مشيراً إلى أن الدرس الذي يمكن أن تستفيد منه القيادة الأميركية من النزاعات في أوروبا والشرق الأوسط هو أن تعبئة القوات لا تزال مركزية في أي حرب وأن التطورات التقنية لم تغير تلك الحقيقة. وقال الموقع، "إذا فشلت الولايات المتحدة في إصلاح التجنيد العسكري، فإنها ستخاطر بخسارة حرب القوى العظمى مما سيسفر عن عواقب هائلة تمس الشعب الأميركي".
ومنبع الخطر ليس من الانخفاض في عدد الجنود النشطين فحسب إذ إن القوات الاحتياطية شهدت انخفاضاً في عدد المنضمين مما قد يعوق جهود التعبئة في حال نشوب حرب كبرى أو إعلان حالة طوارئ وطنية كما فعلت إسرائيل وروسيا في حربيهما المستمرة. وقوات الاحتياط مكونة من أفراد الخدمة العسكرية السابقين أو أفراد اختيروا في القوات ويمكن استدعاؤهم عند الحاجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واليوم، يوجد نحو 264 ألف فرد قوات الاحتياط في مختلف فروع الجيش. أما قوات الاحتياط البرية فتقلصت من 700 ألف في عام 1973 إلى 76 ألفاً في عام 2023، ولذلك فقوات الاحتياط الأميركية اليوم غير قادرة على تعويض الضحايا في المعارك الأولية في حرب كبيرة.
وعلى رغم تدهور مستويات اللياقة البدنية لدى فئة الشباب المستهدفة فلا يزال الجيش يفرض سياسات قبول صارمة، وبدءاً من 2022 أصبح الجيش قادراً على الوصول إلى السجل الصحي للمتقدمين، مما يتعارض مع الأسلوب السابق بتخيير المجندين بين الإفصاح من عدمه عن الإصابات الرياضية التي مضى عليها أعوام أو استخدام جهاز الاستنشاق أو تلقي استشارة نفسية.
آراء الشباب
أحد العوامل المؤثرة هي أن القليل من الشباب ينضمون للجيش لدوافع وطنية، إذا كشف استطلاع أجراه مكتب تحليلات الأفراد التابع لوزارة الدفاع في عام 2022 عن أن 24 في المئة فقط من الأميركيين الذين تراوح أعمارهم ما بين 16 و21 سنة قالوا إنهم سينضمون إلى الجيش بدافع من الشعور بالفخر أو الشرف. وأوضح الاستطلاع أن 10 في المئة يفكرون بجدية في الالتحاق بالخدمة العسكرية لعوامل مادية مثل الراتب ومساعدات التعليم الجامعي وفرص السفر والفوائد الصحية واكتساب المهارات المهنية وهي الأسباب الخمسة الأولى للتفكير في الخدمة العسكرية.
وكشفت استطلاعات رسمية تعود لعام 2022 للأميركيين الذين تراوح أعمارهم بين 16 و28 سنة أن السببين الرئيسين لعدم تفكيرهم بالانضمام للجيش هما الخوف من الموت والقلق في شأن اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وتعول وزارة الدفاع على "الجيل زد" وهم المولودون بين عامي 1997 و2012، باعتبارهم مستقبل القوات الأميركية لكن التحدي يكمن في كيفية جذبهم، وتغيير الانطباعات السلبية عن الجيش، إذ إن 35 في المئة فقط من الأميركيين الذين تراوح أعمارهم ما بين 16 و21 سنة يملكون انطباعاً إيجابياً عن الجيش بحلول 2022، أي أقل بـ11 في المئة مقارنة بإحصاءات 2018.
وقال نائب وكيل وزارة الدفاع آشيش فازيراني، إن عدد البالغين الأميركيين الذين أظهروا قدراً كبيراً من الثقة في الجيش كمؤسسة بلغ 75 في المئة، ولكن بحلول عام 2022، انخفضت هذه النسبة إلى 64 في المئة.
أزمة المواليد
وتتزامن أزمة التجنيد مع انخفاض المواليد إذ أفاد تقرير المركز الوطني الأميركي للإحصاءات الصحية أنه سجل 3.59 مليون ولادة فقط في الولايات المتحدة في 2023، أدنى مستوى منذ 1979. ومن المتوقع أن يبلغ عدد الأميركيين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً ذروته في عام 2025 عند 9.4 مليون، قبل أن ينخفض إلى نحو 8 ملايين بحلول عام 2029، وهو ما يفاقم مصاعب التجنيد.
وعلى رغم عدم وجود أي محاولات جادة لإعادة التجنيد الإجباري الذي أوقف في 1973 فإن الفشل في التجنيد بالتوازي مع التهديدات الجيوسياسية قد يدفع به إلى الواجهة مجدداً. وحتى الآن اقتصرت الحلول على تقديم حوافز إضافية، وأقرت القوات الجوية سياسات لتسهيل إجراءات الحصول على الجنسية الأميركية ومنحها للمجندين غير المواطنين أثناء التدريب العسكري، وتقديم حوافز مالية لأفراد القوات الجوية المتقاعدين أو الذين خدموا لفترة معينة في حال عودتهم لقوات الاحتياط، وإعادة برنامج سداد قروض الكلية المجندين، والسماح ببعض الوشوم على اليدين والرقبة، وإتاحة فرصة إعادة الاختبار لبعض المجندين الذين ثبت تعاطيهم للحشيش.