ملخص
الأميركيون من أصل لاتيني يفوق عددهم الأميركيين من أصل أفريقي، وتقول إحصاءات أخيرة إنه بالوصول إلى منتصف القرن الـ21، أي عام 2050، ربما سيعادل عددهم أعداد البيض "الأنغلوساكسون"، وهذا ما يتسبب في الخوف والهلع للرجل الأبيض خوفاً من أن يصبح أقلية في الزمن القريب.
في الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري أظهرت استطلاعات رأي أجرتها وكالة "رويترز-إبسوس" أن المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية كامالا هاريس نجحت في تحييد ميزة المرشح الجمهوري دونالد ترمب في الاقتصاد بين الناخبين من أصل إسباني أو "اللاتينوس"، لافتة إلى أن تقدمها بواقع 13 نقطة مئوية داخل تلك المجموعة يعكس حقيقة أنهم يفضلون بشدة نهجها في التعامل مع الرعاية الصحية وتغير المناخ.
وفيما يتعلق بالقضايا الأخيرة يفضل "اللاتينوس" نهج نائبة الرئيس الديمقراطية هاريس على نهج الرئيس الجمهوري السابق ترمب بهامش واسع يبلغ 18 نقطة مئوية للرعاية الصحية و23 نقطة مئوية لتغير المناخ.
الاستطلاع المتقدم يضعنا أمام تساؤلات جوهرية عدة عن تلك الكتلة التصويتية التي تبلغ اليوم نحو 36 مليون ناخب، كلهم جاءوا من المنطقة التي تشكل الخلفية الجغرافية للولايات المتحدة الأميركية، أي من دول القارة الأميركية الجنوبية أو اللاتينية، وقد فاق عددهم الأميركيين من أصل أفريقي، بل أكثر من ذلك فإن الإحصاءات الأميركية الأخيرة تقول إنه بالوصول إلى منتصف القرن الـ21، أي عام 2050، ربما سيعادل عددهم أعداد البيض "الأنغلوساكسون"، وهذا ما يتسبب في الخوف والهلع للرجل الأبيض، خوفاً من أن يضحى أقلية في الزمن القريب.
على أن التساؤل الرئيس محور هذه القراءة إلى أي حد بات حضور "اللاتينوس" مرجحاً لكفة مرشح من المرشحين في سباق الرئاسة بين هاريس وترمب؟ ثم ما التوجهات الرئيسة لهم بمعنى لهم ولاءاتهم ديمقراطية أم جمهورية؟ أم أنها متغيرة ما يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بتوجهات أصواتهم؟
وفي كل الأحوال تبقى هناك قضايا بعينها تقود دفة اقتراعهم، وغالباً ما تتصل بالقضايا الداخلية وعلى رأسها الاقتصاد الشغل الشاغل للقادمين بحثاً عن حياة أفضل، ناهيك بصورية الهجرة والآلية التي يتعاطى بها كل مرشح مع فكرة الطرق غير الشرعية للوصول إلى الداخل الأميركي، فيما تتضاءل أهمية السياسات الخارجية الأميركية بالنسبة لهم في برنامج أي مرشح.
كتلة شابة متنامية ومعقدة
كيف لنا أن نوصف واقع حال هذه الكتلة التصويتية وأعدادها ومآلاتها؟
أفضل تعبير يمكن أن يحوي كتلة "الهسبانيك" أو "اللاتينوس" في الداخل الأميركي هو تعبير نائب رئيس الأبحاث في منتدى السياسة اللاتينية بواشنطن نورين سوجرو، والذي يعدها "كتلة شابة ومتنامية، لكن معقدة في الوقت نفسه".
لقد بات "اللاتينوس" أهم مجموعة عرقية في الداخل الأميركي تحظى باهتمام متزايد بسبب قدرتها على التأثير في الأصوات ونتائج الانتخابات في كل مكان، وليس فقط في الولايات الأميركية المتأرجحة.
ولعل الحقيقة الديموغرافية المؤكدة هي أنها المجموعة الأسرع نمواً، فهم متنوعون عرقياً ويميلون إلى أن يكونوا شباباً ومواليد الولايات المتحدة.
تبدو هذه النقطة تحديداً مهمة للغاية، ذلك أن الذين يولدون ويشبون على الأراضي الأميركية يتسمون بثقافة أميركية كاملة، وإن احتفظوا بكثير من تراثهم الأبوي المرتبط بالجغرافيا والتاريخ.
أما البيانات الوطنية حول الناخبين اللاتينيين، فهي حقاً مذهلة، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، سيكون 36.2 مليون لاتيني مؤهلين للتصويت، بزيادة قدرها 153 في المئة عن انتخابات عام 2000، وفي كل 30 ثانية يبلغ لاتيني في الولايات المتحدة 18 سنة ويصبح مؤهلاً للتصويت، وهو ما يعني 900 ألف ناخب مؤهل جديد سنوياً، وهو نمط من المتوقع أن يستمر في المستقبل المنظور.
ومن نافلة القول إذاً إن اللاتينيين يشكلون فئة سكانية شابة أصغر سناً من المجموعات العرقية الأخرى، وأصغر سناً من إجمالي سكان الولايات المتحدة، ومع حلول العام الحالي أضحى ثلث الناخبين اللاتينيين المؤهلين تراوح أعمارهم ما بين 19 و29 سنة، وهذا يتناقض بصورة حادة مع نسبة 21 في المئة من إجمال الناخبين المؤهلين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، والأمر الأكثر أهمية هو أن ثلثي الناخبين اللاتينيين المؤهلين تقل أعمارهم عن 59 سنة.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة يمثل الناخبون المؤهلون الذين تقل أعمارهم عن 50 سنة ما يزيد قليلاً على نصف إجمال الناخبين. ومع ذلك، كان إقبال الناخبين اللاتينيين منخفضاً، ففي عام 2020 شارك نحو 54 في المئة من الناخبين اللاتينيين المؤهلين في التصويت، أي أقل بـ17 نقطة مئوية من إقبال البيض وأقل بـ9 نقاط مئوية من إقبال الأميركيين من أصل أفريقي.
وفي حين يبذل قدر كبير من الاهتمام والجهد من أجل تسجيل اللاتينيين، فإن كلا الحزبين الرئيسين وجميع المرشحين يواجهون تحدي الوصول إليهم وتحفيزهم على التصويت.
لمن ولاءات الكتلة اللاتينية؟ أهي للديمقراطيين أم للجمهوريين بناءً على خبرات الانتخابات الرئاسية في العقود الثلاثة الأخيرة؟
الصوت اللاتيني هو الحاسم
ربما ينبغي قبل الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة البحث في جزئية عامة، وهي أهمية الصوت اللاتيني بوصفه الصوت الحاسم في العملية الانتخابية، إذ تسعى الحملات والمرشحون الجمهوريون والديمقراطيون في عديد من الولايات الرئيسة إلى استقطاب اللاتينيين الذين قد يدلون بأصوات حاسمة في عدد من السباقات والولايات.
هنا تقول كلاريسا مارتينيز، وهي نائبة رئيس مبادرة التصويت اللاتيني "يونيدوس" لوكالة "رويترز" إن التصويت اللاتيني سيكون مؤثراً في جميع أنحاء البلاد حيث تضخم عدد الناخبين المؤهلين على مدى السنوات الخمس الماضية.
وتضيف مارتينيز "نحن حالياً ثاني أكبر مجموعة في الولايات المتحدة، إذ أن واحداً من كل خمسة أشخاص في أميركا تقريباً من أصل إسباني، ونحن ننظر إلى ذلك من زوايا مختلفة، إذ أصبح اللاتينيون الآن ثاني أكبر مجموعة من الأميركيين في سن التصويت ويعلبون دوراً متزايد الأهمية ومحدداً في المشهد السياسي لدينا".
وبحسب مركز "بيو للأبحاث"، فقد ارتفع عدد الناخبين المؤهلين من أصل إسباني بمقدار 7.4 مليون منذ عام 2018.
هل الشباب "اللاتينوس" باتوا بالفعل وقود أي معركة انتخابية رئاسية أميركية وبنسبة قد تتساوى مع البيض؟
عند مدير الأبحاث في معهد السياسات اللاتينية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس روديرجو دومينجيز فإن هذا النمو يرجع في المقام الأول إلى العدد المتزايد من الشباب اللاتينيين الذين يبلغون الـ18 من العمر في كل عام. ويضيف "إن عديداً من القضايا التي يهتم بها الناخبون اللاتينيون مثل السيطرة على الأسلحة والوصول إلى موافقات على تشريع قوانين تتيح الإجهاض، تتوافق مع الأميركيين الآخرين".
ولعل الولايات المتأرجحة بنوع خاص، تمثل فيها الكتلة اللاتينية أهمية خاصة، والتاريخ القريب يقطع بذلك، فقد شارك اللاتينيون بأعداد قياسية في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، إذ أدلى أكثر من 11.8 مليون لاتيني بأصواتهم من ولايات متعددة، بما في ذلك أريزونا ونيفادا ونيوجيرسي وكارولاينا الشمالية، وفقاً للرابطة الوطنية للمسؤولين اللاتينيين المنتخبين والمعينين.
وعلى رغم أن الأماكن التي تضم تقليدياً أعداداً كبيرة من السكان من أصل إسباني مثل كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا تعد ولايات رئيسة للتصويت اللاتيني، فإن الجمهوريين والديمقراطيين في نوفمبر المقبل، يراقبون بدقة بالغة توجهات هذه الأصوات في ولايات مثل نيفادا وأريزونا، إذ يمثل صوتهم هناك فارقاً في وصول مرشح بعينه إلى البيت الأبيض وحرمان الآخر.
هل هي إذاً الحقبة اللاتينية التصويتية إن جاز التعبير؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك، لكن من محددات ومعايير واضحة بعينها، وإن تنوعت بناءً على المكان الذين يعيشون فيه وأعمارهم، وتبعاً لأفكارهم السياسية.
على سبيل المثال، لديك أميركيون من أصل لاتيني من كاليفورنيا وتكساس والجنوب الغربي بصورة أساسية، ليبراليون للغاية إلى معتدلون في معظم القضايا الاجتماعية، وربما محافظون في بعض القضايا مثل الجيش والشرطة والدين، لكن في أماكن أخرى مثل ولاية فلوريدا، تجد هناك جالية كوبية أميركية كبيرة، تدرك تمام الإدراك أحوال الديكتاتوريات الشيوعية في فنزويلا ونيكاراغوا أو كوبا نفسها، بحسب المنظور الأميركي، وهم عادة أكثر ميلاً إلى التوجه الجمهوري بسبب تجارب أخرى عاشوها، وربما هناك أجيال دفعت ثمناً باهظاً من حياتها وحياة ذويها هناك.
لم يعد "اللاتينوس" مهاجرين تقتصر نظرتهم اليوم على المنظور الاقتصادي وإن كان من الأهمية بمكان، لكنهم باتوا يتطلعون لأن يكونوا رقماً صعباً في مسارات ومساقات أميركا السياسية في المدى الزمني القريب قبل المتوسط، وذلك إيماناً منهم بالتغيرات الديموغرافية الجارية على صعيد الإمبراطورية الأميركية.
تصويت للديمقراطيين أم للجمهوريين
عودة إلى السؤال قبل الفقرة السابقة، ومحاولة فهم الاتجاهات التصويتية للكتلة اللاتينية، وهنا نجد البروفسور غابي سانشيز الأستاذ بجامعة نيومكسيكو، يشير إلى أن العلاقة الناجحة بين اللاتينيين الشباب المؤهلين والحزبين السياسيين الأميركيين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي "آخذة في التطور"، ويوضح بصورة جلية ما يواجهه كلا الحزبين وجميع المرشحين، ويشير إلى أنه في 2022 صوت 68 في المئة من الناخبين اللاتينيين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة لمصلحة مرشحين على بطاقة الحزب الديمقراطي. غير أنه وقبل أسابيع معدودات من انتخابات نوفمبر المقبل، فإن 37 في المئة من هؤلاء الناخبين الشباب "اللاتينوس" يفيدون أن الديمقراطيين لا يهتمون كثيراً بالمجتمع اللاتيني، ويعتقد أكثر من ثلثهم نحو 37 في المئة أن الجمهوريين يهتمون كثيراً باللاتينيين والقضايا التي تهمهم.
هل يعني ذلك أن أصوات اللاتينوس منقسمة وليست كتلة واحدة قادرة على الحسم بين كامالا هاريس ودونالد ترمب؟
المؤكد أن العدد المتزايد من الناخبين الشباب من أصل لاتيني المؤهلين للتصويت يتطلب من كلا الحزبين السياسيين التركيز على التوجهات السياسية لهؤلاء الأشخاص وعلاقتهم بكل حزب، وينبغي أن يكون هذا من أولويات الجميع قبل الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، ولكن لا بد أن يكون أيضاً من أولوياتهم بعد عام 2024.
عطفاً على ذلك فإن النمو العددي للسكان اللاتينيين والعدد المتزايد من الناخبين اللاتينيين المؤهلين، وحقيقة أن أياً من الحزبين لم ينجح في اكتساب ثقة أو ولاء هذه الكتلة التصويتية الحاسمة، يعني أن كلا الحزبين وجميع المرشحين في كل ولاية، وبخاصة الولايات التي تضم عدداً كبيراً من السكان اللاتينيين في حاجة إلى التحدث عن أولويات السكان اللاتينيين المتنوعين.
في هذا السياق يمكن القطع بأن الناخبين من أصل لاتيني هم من يملكون مفاتيح نتائج الانتخابات البلدية والإقليمية والولاتية والكونغرسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أنه كان من المتصور ذات يوم، بل وحتى من المسلم به، أن دعم اللاتينيين للديمقراطيين كان رهاناً أكيداً، فإن مراجعة سريعة لأنماط التصويت تظهر أن هذا الافتراض الذي كان راسخاً في السابق أصبح غير صالح.
في كتابه "القرن اللاتيني: كيف تعمل أكبر أقلية في أميركا على تحويل الديمقراطية"، يزعم مايد مدريد أن "اللاتينيين موجودون حقاً كمجتمع متعدد الأعراق وطموح من الطبقة العاملة، وأي حزب قادر على جمع كل هذا معاً من المرجح أن يكون الحزب المهيمن للجيل القادم، ولقد ابتعدت الطبقة العاملة عن الحزب الديمقراطي لأكثر من عقد من الزمان، والآن ناخبو الطبقة العاملة والطبقة العاملة تتحول بسرعة كبيرة إلى غير بيضاء، إن لاتينية أميركا هي لاتينية القوة العاملة من ذوي الياقات الزرقاء غير الحاصلين على تعليم جامعي".
ومع تحول اللاتينيين إلى كتلة تصويتية اقتصادية أكثر من كونهم كتلة تصويتية عنصرية، أصبح الجمهوريون هم المستفيدين من أسرع شريحة من الناخبين نمواً.
هل يفيد هذا التحليل بأن ولاءات "اللاتينوس" باتت محسومة لمصلحة الحزب الجمهوري، وعلى رأسه المرشح دونالد ترمب؟ وإذا كان كذلك، فكيف يستقيم المشهد مع العداء البالغ الحدة من جانب ترمب لفكرة المهاجرين الجدد من أميركا اللاتينية، وهو الرجل الذي فكر أول ما فكر في بدايات ولايته الأولى في بناء سور فاصل مع المكسيك، واليوم يهدد بأكبر حملة ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين في تاريخ أميركا؟
تحولات تاريخية لدعم ترمب
في أواخر مايو (أيار) 2024 كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن أصوات الكتلة اللاتينية تتحول نحو دونالد ترمب، على سبيل المثال في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "بوغوف" في الثامن من مايو الماضي، قال 43 في المئة من الأميركيين اللاتينيين إنهم سيصوتون لترمب إذا أجريت الانتخابات الآن.
هل ستكون هذه هي المرة الأولى التي يصوت فيها "اللاتينوس" للجمهوريين؟ أم أن هناك تصويت مشابه جرت به المقادير في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
ربما حدث استثناء وحيد في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1968، عندما اجتذب الجمهوري ريتشارد نيكسون أصواتاً من أصل إسباني أكثر من نائب الرئيس الديمقراطي هيوبرت همفري، وقد ارتبط هذا بالاضطرابات التي شهدتها السياسة الأميركية بسبب تعامل الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته ليندون جونسون مع حرب فيتنام.
كان لدى نيكسون أيضاً استراتيجية لاستهداف الناخبين من أصل إسباني، وضم بعض اللاتينيين البارزين مثل رامونا بانويلوس التي أصبحت وزيرة الخزانة الأميركية إلى حملته، ومع ذلك، لم يصوت عديد من أصحاب الأصول الإسبانية في تلك الانتخابات.
والثابت أن الفجوة بين دعم الرئيس الحالي جو بايدن (قبل أن ينسحب) وترمب بدأت في التقلص بعد فوز الأخير عام 2016، ففي عام 2020 ذهبت 44 في المئة من أصوات الناخبين من أصل إسباني إلى بايدن، و16 في المئة فقط إلى ترمب، بفارق 28 نقطة، ووفقاً لنيات التصويت في استطلاع "بوغوف" لعام 2024 في مايو الماضي، فإن هذه الفجوة تبلغ الآن ست نقاط.
ما الذي جرى للكتلة اللاتينية وأحدث هذا التغير من الديمقراطيين إلى الجمهوريين على النحو المتقدم؟
بحسب عديد من التحليلات الأميركية، يبدو أن هناك تحيزاً ضد شاغلي المناصب في السياسة الأميركية، وهو تحيز مرتبط بالاضطرابات الناجمة عن وباء (كوفيد–19) وأزمة كلف المعيشة والحروب الثقافية، وقد استمر هذا التحيز لبعض الوقت، وألحق الضرر بدونالد ترمب في انتخابات 2020.
لقد زار مندوبو صحيفة "الباييس"، بعض الولايات الرئيسة التي ستحدد نتيجة الانتخابات المقبلة، بما في ذلك تكساس وأريزونا ونيفادا، وكان ذلك في أوائل يونيو (حزيران) الماضي. وكشفت نتيجة تلك الزيارة عن فسيفساء من الأصوات التي تطمس فكرة التصويت اللاتيني الموحد والمتجانس، لقد فقد الحزب الديمقراطي الدعم بين "اللاتينوس"، واليوم أصبحت آراء 36 مليون لاتيني لديهم الحق في التصويت أكثر تنوعاً من أي وقت مضى في الوقت الحالي، بتقدم ترمب قليلاً في استطلاعات الرأي عندما يتعلق الأمر بهذه الفئة السكانية.
وهناك بحسب صحيفة "الباييس"، جمهوريون مدى الحياة، مثل مينيرفا دياز مستشارة الاتصالات التي تركز على حرية الدين والتعبير في ماكلين بولاية تكساس، والتي تعتقد أن إدارة بايدن "تضطهد حريات الناس"، أو هناك مناهضون لترمب، مثل جيرومي بينيا، التي ستصوت للمرة الأولى في لاس فيغاس بولاية نيفادا، والتي تتذكر كيف صرخت أختها عندما انتخب ترمب في الثامن من نوفمبر 2016، خائفة من ترحيل والديها. ثم هناك أولئك الذين يشعرون بخيبة الأمل من كل شيء، بما في ذلك مارا ريفيرا وهي بورتوريكية تبلغ من العمر 53 سنة من نيويورك، والتي كانت تصوت لمصلحة الخيار "الأقل سوءاً"، بما يعني أي شخص غير ترمب.
"اللاتينوس" والجمهوريون.. دعم وشكوك
أحد الأسئلة المثيرة للتفكير والشكوك ضمن كثير جداً من المعطيات هل الدعم اللاتيني للجمهوريين وترمب في نوفمبر المقبل هو أمر محسوم وإلى الأبد؟
الثابت بحسب استطلاعات مركز "بيو" في واشنطن أن هناك شكوكاً في هذا الأمر، أي النمو المتصاعد للوقوف إلى جانب ترمب في وجه كامالا هاريس.
من عينة الخبراء الذي يميلون إلى هذا الاتجاه الأكاديمي في جامعة نيفادا ومؤلف كتاب "اللاتينيون في نيفادا: ملف سياسي واقتصادي واجتماعي 2021"، وعنده أن "الحزب الجمهوري وحملات ترمب الانتخابية تدفع في طريق سردية دعم (اللاتينوس) لترمب، في محاولة لتحويل الأمر إلى نبوءة تحقق ذاتها، لكن استطلاعات الرأي وحتى يونيو الماضي وأواخر يوليو (تموز) 2024، كانت تشير إلى أن بايدن وقبل انسحابه، كان يحتفظ بهامش مريح من الدعم في هذه الدورة، على رغم أن هذا يمكن أن يتغير دائماً.
سوف تتحدد معالم الانتخابات في نوفمبر في ست ولايات، وهنا ستكون المعركة على دعم اللاتينيين صعبة بصورة خاصة، وعلى القائمة أريزونا وميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن، وهي تمثل مجتمعة 77 من 270 صوتاً انتخابياً ضرورياً للوصول إلى البيت الأبيض، وفي كل من هذه الولايات شرع الحزبان في غزو تصويت ليس موحداً ولا محدداً.
في هذا السياق توضح مديرة مركز أبحاث اللاتينيين في جامعة ولاية أريزونا ستيلا راوس قائلة إن "أكبر مغالطة في شأن اللاتينيين هي أنهم يتصرفون ككتلة واحدة".
أما كريستيان راموس، وهو خبير في اتجاهات التصويت اللاتيني في شركة الاستشارات (Autonomy Strategie) فيرى أن "الحفاظ على تصويت المجتمع اللاتيني يشكل تحدياً، وإذا لم يتم الاهتمام به باستمرار، والتحدث إلى المجتمع باستمرار، فقد تتم خسارته".
والمعروف أنه بعد خطاب حالة الاتحاد الأخير، ذاك الذي ألقاه جو بايدن في مارس (آذار) الماضي قررت حملته استثمار 30 مليون دولار في الإعلانات التلفزيونية والإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي للفوز بأصوات الأقليات.
في هذا السياق تعترف جوزفين بينيا ميلينك، وهي مسؤولة الترويج في حملة بايدن، وسط اللاتينيين، "أدرك الحزب أنه في حاجة إلى الاستثمار في اللاتينيين، لأن الدعم انخفض"، وهي من الدومينيكان ومندوبة ديمقراطية في مجلس النواب بولاية ماريلاند، هل سيقدر لكامالا هاريس أن تغير الأوضاع وتبدل الطباع في الأسابيع الثمانية المتبقية، وقبل الوصول إلى الخامس من نوفمبر في أوساط اللاتينيين؟
هاريس هل تضحى جواد اللاتينيين؟
أدى خروج بايدن من السباق الرئاسي وإحلال هاريس محله إلى تنشيط اثنتين من قواعد الدعم الأساس للحزب، وهما النساء المؤديات للاختيار، والأميركيون من أصل أفريقي، إلى جانب ملايين الناخبين الشباب الذين شعروا بالفزع إزاء خيار إجباري للاختيار بين رجلين عجوزين.
هنا قد يبدو المشهد طبيعياً، غير أن عدد الناخبين اللاتينيين المؤهلين في البلاد ومسيرتهم مع هاريس قد تكون قصة أخرى مغايرة.
وفي الثالث من سبتمبر الجاري أظهرت استطلاعات الرأي أن كامالا هاريس نجحت في تحييد كثير من المزايا التي كان ترمب يغزل عليها، والتي تتجاوز الاقتصاد إلى الرعاية الصحية والاعتقاد في صورة إيجاد حلول عاجلة للأزمة الإيكولوجية حول الكرة الأرضية.
تبدو هاريس اليوم متقدمة بنحو 13 نقطة داخل تلك المجموعة العرقية وبالتفصيل، فقد فضل الناخبون من أصل إسباني هاريس في سياسة الرعاية الصحية بنسبة 46 في المئة مقابل 29 في المئة، وفي قضية تغير المناخ بنسبة تقدم 46 في المئة مقابل 23 في المئة، وهي نسبة أكبر من تلك التي كانت تتمتع بها بين الناخبين الأوسع نطاقاً الذين فضلوها أيضاً في هاتين القضيتين.
وفي استطلاع أواخر أغسطس (آب) الماضي شمل 800 ناخب لاتيني يعيشون في سبع ولايات متأرجحة جلب لهاريس والديمقراطيين بعض الأخبار السارة للغاية.
أجرى الاستطلاع خبير استطلاعات الرأي غاري سيجورت نيابة عن لجنة العمل السياسي "سوموس"، ومقرها واشنطن في أعقاب إعلان بايدن المفاجئ مباشرة، ومنح الاستطلاع هاريس تقدماً مثيراً للإعجاب يقترب من 20 نقطة مئوية على ترمب، ومعدلات تأييد عالية بصورة مفاجئة بين الناخبين اللاتينيين في أريزونا ونيفادا، اللتين لديهما أعلى نسبة من الناخبين اللاتينيين المؤهلين بين تلك الولايات المتأرجحة.
وفي الخلاصة، فإن الشأن الوحيد المؤكد في نهاية هذه القراءة، هي أن أصوات الكتلة اللاتينية باتت حاسمة في الحال، وحازمة في استقبال العملية السياسية في الولايات المتحدة، وبقوة متصاعدة ومن غير تراجع، لكن وعلى رغم ذلك، تبقى هذه الكتلة متأرجحة، ويبدو واضحاً أن قدرتها على تنسيق عملها السياسي تشوبها الضبابية بصورة واضحة، وربما تحتاج إلى بناء هياكل مؤسساتية داخل الدولة الأميركية لتنظيم عملها.
هل ستصوت الكتلة اللاتينية لمصلحة هاريس أم ترمب؟
هذا أيضاً تساؤل غير محسوم، وغالب الظن لن تحسمه إلا صناديق الاقتراع، شريطة أن تسير الأمور على ما هي عليه الآن، ومن دون حدوث مفاجآت من نوعية مفاجأة أكتوبر (تشرين الأول) التاريخية، تلك التي تغير من قواعد التصويت في الوقت القيم، أي وقت لا يمكن معه تعديل أو تبديل النتائج، وغالباً ما تكون مفاجآت سياسية داخلية، مثل حادثة كبيرة أو أزمة اقتصادية، وقد تشهد هذه الانتخابات غير المسبوقة بعض أحداث العنف في الطريق، مما يجعل منها واحدة من أخطر انتخابات الرئاسة في طريق الإمبراطورية المتفلتة، فانظر ماذا ترى.