ملخص
العلاقة بين الصين وروسيا تخفي توتراً خلف التحالف الظاهري. تاريخ من الشكوك العرقية والسياسية يشكل عائقاً، إذ تخشى الصين من الهيمنة الروسية. على رغم الدعم المتبادل، الصين لن تضحي بازدهارها من أجل مغامرات بوتين الحربية.
لا يمكن أبداً للدب والتنين أن يكونا أصدقاء. هذا درس سمعه الرئيس شي جينبينغ منذ صغره. وذلك يشرح لماذا قد تتحول الشراكة "اللامتناهية" التي ينتهجها الرئيس الصيني مع روسيا إلى عبء لا متناهٍ بالنسبة إلى الكرملين.
فيما كنت أجري أبحاثاً لكتابة سيرة ذاتية جديدة عن الرئيس شي، وقعت بالصدفة على وثيقة أميركية رفعت السرية عنها. تكشف عن أن الشخص الذي كان بمثابة المعلم والمرشد للرئيس شي خلال عمله في أول وظيفة شغلها في قلب القطاع العسكري الصيني، كانت معادية لروسيا بشكل شرس. فقد كان يقول للعاملين معه ألا يثقوا بموسكو أبداً.
اليوم، تبدو الأمور على ما خير ما يرام. يتفاخر الزعيمان المستبدان بتحالفهما على مدى أكثر من عامين حتى الآن. من الواضح أن الرئيس بوتين كان قد لمح لـ"صديقه" بأنه كان على وشك اجتياح أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. ومنذ ذلك التاريخ، وقف الرئيس شي إلى جانب بوتين، يدعو لإحلال السلام من جهة، ويرسل في الوقت نفسه التكنولوجيا الدفاعية إلى روسيا مقابل شحنات من النفط والغاز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالتأكيد، يتمنى الرجلان سقوط الديمقراطية في الفوضى والتشرذم؟ وهما ينظران إلى النظام العالمي الذي يقوده الغرب باعتباره متغطرساً وضعيفاً ومهيأً لإطاحة به.
لكن خلف هذا الاحترام السطحي المهني المتبادل يرقد انقسام عميق في مسائل التاريخ والعرق والقوة. وفيما نحن على اطلاع على ماضي بوتين المهني الذي أمضاه عاملاً في جهاز الاستخبارات السوفياتي "كي جي بي"، إلا أن قلة من الناس تعرف أن الرئيس شي جينبينغ كان قد نشأ على كراهية الاتحاد السوفياتي والخوف منه.
الوثيقة التي أتحدث عنها هي عبارة عن رسالة دبلوماسية إلى البيت الأبيض، وهي تفصل كيف أن المرشد الذي كان الرئيس شي يعمل معه وهو المسؤول الدفاعي العسكري الصيني الكبير جينغ بياو قدم للأميركيين "أشمل معلومات حصلنا عليها حتى اللحظة عن الانقسام الروسي الصيني [الذي حصل في عهد الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف]".
كان الرئيس شي يعمل في تلك الفترة سكرتيراً خاصاً مبتدئاً - أو ما يعرف بـ"ميشو" mishu - لدى جينغ بياو. كان ذلك أول عمل له بعد تخرجه. وقد حصل على الوظيفة بسبب شبكة علاقات عائلته (والده كان عضواً مخضرماً في الحزب). وكان لدوره فيها امتياز يسمح له بالتعامل مع وثائق سرية وحمل حقائب معلمه ونقل إليه المعلومات الموثوقة من مراقبته.
وكان شي يكسب راتباً صغيراً جداً، ولكنه نجح في الفوز بثقة العاملين في السلطة. وراقب كل شيء خلال فترة تحول جذري شهدتها السياسة الصينية نحو الغرب. وتلك الفترة نجحت في فتح الأبواب أمام نمو اقتصادي صيني مذهل نجح في تحويلها إلى قوة عالمية عظمى. ولكن ذلك تحديداً ما لم تكن روسيا راغبة في حدوثه.
وتسرد الوثيقة الدبلوماسية كيف أن مدير عمل شي زار البيت الأبيض بتاريخ 28 مايو (أيار) 1980، والتقى الرئيس الأميركي في حينه جيمي كارتر، ثم التقى على مأدبة غذاء وزير الخارجية الأميركي إيدموند موسكي.
وشرح جينغ لوزير الخارجية الأميركي كيف أن صديق الصين الوحيد في الكرملين كان ستالين نفسه. لكن وبعد موته، بدأ السوفيات يطالبون بالحصول على حق بسط نفوذهم في معظم المناطق الشمالية الصينية. وكان السوفيات يريدون نشر القوات العسكرية الروسية على الأراضي الصينية، وأن يقوموا في قيادة أسطول بحري مشترك، وبناء وسائل اتصال بعيدة المدى.
والأسوأ من كل ذلك بحسب قول جينغ، كان الروس يودون أن يبقوا على الصين دولة فقيرة وغير متطورة كي تلعب دور مخزن الغذاء لدول الكتلة الاشتراكية. وقالوا إن الصين ليست في حاجة لتطوير قدراتها الصناعية لأن الاتحاد السوفياتي يمنحها كل الآلات التي تحتاج إليها. وإن بلده، كما أضاف، "كانت ستظل دائماً مجتمعاً زراعياً وإلى الأبد دولة تابعة للاتحاد السوفياتي".
ونحن واثقون من دقة هذه المعلومات هذه لأن وزير الخارجية موسكي هو من كتبها بنفسه.
ولسنا بصدد المبالغة لو قلنا إن تاريخ العالم كان ليكون مختلفاً، لو قبل الصينيون بتلك النصيحة الأخوية من روسيا. ولكنهم لم يفعلوا ذلك– وبالنتيجة ورث الرئيس شي اليوم هذا الاقتصاد الضخم والقوة العسكرية.
وفيما كان شي الشاب يشارك في الاجتماعات، كان يستمع إلى رؤسائه وهم يشتكون من مظالم قديمة. الخرائط على الحيطان كانت تظهر الأراضي التي سلخت عن الصين من خلال معاهدة تعود للقرن الـ19، والتي قدمت بموجبها المنطقة الواقعة ما بعد نهر التنين الأسود إلى القيصر الروسي. وتلك المناطق هي اليوم محافظات روسية على ساحل المحيط الهادئ، حيث يقع مرفأ فلاديفوستوك الروسي الحيوي.
وفيما أعاد البريطانيون هونغ كونغ إلى الصين فإنه ليس هناك أدنى فرصة كي يقوم الرئيس بوتين، أو أي من الزعماء الروس الآخرين بالتراجع عما يطلق عليه الصينيون حتى اليوم بأنها "معاهدة غير متوازنة".
والحقيقة أن اجتياح الرئيس بوتين لأوكرانيا يشكل جريمة صارخة بحق القانون الدولي لدرجة أنه يضرب مبدأ السيادة الأساس للصين. ففي النهاية، تعترف حكومة بكين رسمياً بدولة أوكرانيا وحكومة الرئيس زيلينسكي كحاكم شرعي للبلاد. بينما لا يعترف بوتين بذلك.
إن ذلك التناقض الصارخ، لا يمكنه الصمود لفترة طويلة. ويبدو أن الصين كانت قد أسهمت في ردع الرئيس بوتين عن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في بدايات الحرب. إن سياستها تقديم مساعدات "غير محدودة" مقيدة بشكل صارم بسبب العقوبات. ومن المفارقات أن روسيا نفسها قد تحولت إلى دولة تابعة اقتصادياً للصين.
ثم هناك ذلك الإرث من الارتياب. إن وزير الخارجية الذي كان الرئيس شي جينبينغ قد اختاره بنفسه تشين غانغ، فقد منصبه بعد فضيحة تتعلق بالجنس والتجسس، وبعد معلومة من موسكو تفيد بأنه جرى اختراقه من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي أي". فالكل يتجسس على الجميع.
هل أن الرئيس شي جينبينغ الذي سمع طوال سنوات نشأته أن روسيا دولة متنمرة وبربرية، على وشك التضحية بعقود من سنوات الازدهار السلمي من خلال المراهنة بكل شيء من أجل حرب الرئيس بوتين؟ لا أعتقد ذلك.
*مايكل شيريدان صحافي عمل مراسلاً أجنبياً لزمن طويل ومحرر الشؤون الدبلوماسية في "اندبندنت"، ومؤلف كتاب" الإمبراطور الأحمر الصادر عن دار "هيدلاين للنشر"، وثمنه 25 جنيهاً استرلينياً
© The Independent