Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بإمكان السودانيين تجنب انقسام يلوح في الأفق؟

الجيش نجح إلى حد كبير في شل قدرات قوات "الدعم السريع" التي تحولت إلى مجموعات متقطعة تعوق حركة تنقل السلع والخدمات والمواطنين

تراوح أزمة السودان مكانها من دون التوصل إلى حل سلمي ينهي الصراع (أ ف ب)

ملخص

في ظل هذا الواقع المتأزم، كيف بإمكان السودانيين تفادي حال التشظي والانقسام الذي يلوح في الأفق؟

ما زالت أزمة السودان المتفجرة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 تراوح مكانها من دون التوصل إلى حل سلمي ينهي هذا الصراع، الذي أدى إلى مقتل نحو 20 ألف شخص ونزوح أكثر من 11 مليون فرد إلى داخل البلاد وخارجها، على رغم الجهود الحثيثة التي بذلها المجتمعان الدولي والإقليمي لوضع حد لهذا القتال وآخرها مفاوضات جنيف التي عقدت خلال الفترة الممتدة بين الـ14 والـ23 من أغسطس (آب) الماضي برعاية سعودية - أميركية.

لكن في ظل هذا الواقع المتأزم كيف بإمكان السودانيين تفادي حال التشظي والانقسام الذي يلوح في الأفق؟

إجهاض جنيف

يقول عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب "الأمة القومي" عوض جبر الدار "في اعتقادي أن الحرب الدائرة الآن بين الطرفين المتحاربين تحولت إلى أزمة حقيقية في ظل تقاعس القوى السودانية الوطنية في أخذ زمام المبادرة بطرح حلول نابعة من صلب الملعب السوداني. لكن للأسف الشديد بات الشأن السوداني يُدار من المجتمعين الإقليمي والدولي من خلال طرح المبادرات لإنهاء الحرب، وآخرها لقاء جنيف الذي أجهض بسبب عدم حضور وفد الجيش للمفاوضات بسبب التحفظات أو المخاوف التي طرحها".

وتابع جبر الدار "السودان خلال الوقت الحاضر في حوجة لوحدة قواه الوطنية لتسلم زمام المبادرة بتقديم رؤية وطنية تقود إلى حل ينهي الحرب ويوقف حمام الدم الذي راح ضحيته أبناء السودان، مما خلف كارثة إنسانية تمثلت في النزوح واللجوء وفقدان للأرواح والممتلكات ونذر مجاعة تلوح في الأفق. فالناس الآن في حاجة إلى معالجة الأزمة الإنسانية والتي نجح فيها اللقاء الذي استضافته سويسرا بتوصيل المساعدات الإنسانية عبر معابر حدودية اتفق عليها، معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد ومعبر الدبة في شمال البلاد، والأمل في فتح معابر برية وجوية وبحرية كي تصل المساعدات للمستفيدين منها".

وأعرب عن "أمله في أن تكون الخطوة المقبلة نابعة من الجهد السوداني بإعلان مبادرة وطنية لعقد لقاء يجمع الفرقاء السودانيين لإنهاء هذه الحرب، لكن هذه الخطوة تحتاج إلى شجاعة وقوة في إعلاء شأن الوطن بدافع الغيرة الوطنية لوقف نزف الدم بين أبناء الوطن الواحد، عبر مؤتمر مائدة مستديرة برعاية أصحاب المبادرات السابقة من دول الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي وأصدقاء السودان من الدول الصديقة والشقيقة".

وزاد عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب "الأمة القومي"، "في تقديري أنه إذا لم يتدارك السودانيون هذا الخطر الماثل والمهدد للوحدة الوطنية، فإن الطوفان قادم وشبح التقسيم يلوح في الأفق وهنا تكمن الخطورة، خصوصاً أن هناك أصوات نشاذ هنا وهناك تلمح إلى ذلك يصاحبها خطاب كراهية أدى إلى تعميق الفجوة بين مكونات الوطن الواحد".

معركة خاسرة

ومن جانبه، أوضح الباحث في مركز الخرطوم للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني أنه "من المعلوم أن حرب المدن تختلف في طبيعتها عن الحروب الأخرى، فهي تتأثر بكثير من المتغيرات والظروف المختلفة، فمثلاً نجد أن اتساع مدينة الخرطوم جغرافياً تسبب في خلق كثير من التعقيدات بالنسبة إلى الجيش السوداني ما أعاق خططه ومساعيه إلى إلحاق هزيمة بقوات ’الدعم السريع‘ في وقت وجيز حسب التوقعات، في حين نجحت تلك القوات لفترة طويلة في الحفاظ على إمداد بشري من المقاتلين والمعدات العسكرية، إذ شكل نهب الأموال والسيارات والمقتنيات الثمينة من المنازل والبنوك والمتاجر العامة حافزاً لدخول عدد كبير من المغامرين من داخل البلاد وخارجها إلى ميدان المعركة، فضلاً عن نجاحها عبر خطاب قبلي وجهوي في تجييش بعض أبناء القبائل من مدن وبوادي السودان المختلفة وإدخالهم إلى هذه المعركة الخاسرة، كما نجح المتمردون في التخطيط الإعلامي للمعركة وإدارتها بفعل الأموال الضخمة والدعم السخي من بعض دول الإقليم".

وأضاف مدني "لكن على رغم الهجمة الواسعة حتى في التخطيط للحرب وإدارتها منذ اللحظة الأولى فإن الجيش نجح إلى حد كبير في كسر هذه المؤامرة وشل قدرات الميليشيات، التي تحولت إلى مجموعات متقطعة تعوق حركة تنقل السلع والخدمات والمواطنين بين بعض المدن والولايات التي توجد فيها قوات للمتمردين، في بعض النقاط مثل جبل موية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف "بصورة عامة، إن انتشار قوات المتمردين خارج ولاية الخرطوم وسع من دائرة المعركة بالنسبة إلى الجيش وأكسب الميليشيات بعض المقاتلين من أبناء الشوارع والمحرومين واستدعى تغيير الخطط، لكنه في كل الأحوال لم يكن في صالح قوات ’الدعم السريع‘ لضعف القدرات القتالية لمتدربيها الجدد".

وواصل "على رغم الإمكانات الكبيرة والدعم الخارجي المرسوم لقوات المتمردين فإنها لم تعد تشكل تهديداً عسكرياً حقيقياً على وجه الخصوص في العاصمة الخرطوم ووسط السودان، ويمكن أن نطلق على ما يجري على الأرض مشكلة أمنية أكثر منه تحد عسكري، إذ نجح الجيش إلى حد كبير في التطويق المتدرج لتلك الميليشيات وإغلاق بعض منافذ تموينها".

ومضى الباحث في مركز الخرطوم للحوار في تفسيره قائلاً "المرحلة المقبلة ليست في صالح المتمردين لأسباب عدة، أولها أن الجيش يجد دعماً شعبياً كبيراً مما ساعد في تدريب أعداد كبيرة من المواطنين مع إخضاع عناصر شابة تملك قدرات قتالية عالية، لدورات قتالية متخصصة مستلهمة تجارب ميدان المعركة مع كل الاحتمالات المتوقعة. كما أن انضمام المقاتلين السابقين من المفصولين الذين تمت إحالتهم إلى المعاش قبل السن القانونية من منتسبي القوات النظامية (الجيش والأمن والشرطة) كمتطوعين إلى جانب القوات المسلحة شكلوا احتياطاً كبيراً للدفع بهم داخل ميدان المعركة، وبخاصة أنه تم تجهيزهم بصورة لافتة وبكامل عدتهم وعتادهم، فمن الواضح أن الجيش أصبح يملك إمداداً بشرياً كبيراً ومتجدداً، مما يعني أنه عالج بعض نواقصه من السلاح والذخيرة".

ولفت إلى أن هناك لعبة توازنات في العالم والإقليم الأفريقي ستكون لها تداعيات على المنطقة خلال الفترة المقبلة، وبخاصة دول الجوار السوداني المرشحة لمزيد من التوترات من الصعب التنبؤ بمآلاتها.

وبيَّن أنه "من المؤكد أن الميليشيات ستخسر إقليم دارفور لأسباب عدة، أولها أن المدن غير داعمة لهذه الميليشيات لأن جل مواطنيها يتمتعون بوعي كبير ويدركون خطورة ما يجري وخيوط اللعبة الخارجية، لكن أحاط بهم السلاح الثقيل".

وختم مدني "وعليه فإن حل أزمة البلاد سيكون سودانياً - سودانياً كما أن تحرير القرار الوطني أضر بالمجموعات السياسية التي تتبنى الخط المدني وأضعف من فرص تقديم نفسها في المسرح السياسي، مما يشكل لها معضلة تصعُب معالجتها". منوهاً بأن هناك لقاء وطنياً بين المكونات الأهلية والأجيال الجديدة الشابة يُجرى تحت الطاولة يدفعه الوعي بقضية الوطن، بعيداً من مشروع التفتيت الذي تقوده المجموعات المتمردة.

جولة للمبعوث

وفي الأثناء، يواصل المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو جهود بلاده العاجلة لإنهاء الحرب والمجاعة الناجمة عنها في السودان، إذ قام بجولات خارجية.

وبحسب وزارة الخارجية الأميركية فإنه بناء على النجاح الأخير الذي حققته مبادرة "تحالف تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان"، تستمر الأولويات الدبلوماسية في تنسيق الجهود لحث القوات المسلحة السودانية وقوات ’الدعم السريع‘ على توسيع نطاق الوصول الإنساني في السودان، وضمان حماية المدنيين وفقاً للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان حسب الاقتضاء، والتزاماتهم القائمة بموجب إعلان جدة والسعي إلى وقف الأعمال العدائية".

وأشار بيان للخارجية الأميركية إلى أن المبعوث الأميركي سيلتقي خلال هذه الجولة باللاجئين السودانيين وقادة المجتمع المدني في جميع أنحاء المنطقة، إضافة إلى كبار المسؤولين الحكوميين والشركاء المتعددي الأطراف من جامعة الدول العربية والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية.

وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة العمل مع الشركاء الدوليين لتخفيف معاناة الشعب السوداني، والتوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتحاربة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير