Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبور غزة من ركام المباني

"الحرب الإسرائيلية الحالية هي الأصعب إذ لم تمر علينا فترة دموية بهذا الجنون"

تعاني وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أزمة حادة في توافر مساحات كافية لتخصيصها كمقابر في غزة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

تعد فترة الحرب الأصعب على الحانوتية حياة وفيها اضطرت إلى تحويل ركام المنازل المدمرة لقبور

مع شروق الشمس حملت حياة أبو حطب حفاراً ولبست إسدال الصلاة وانطلقت لعملها، في الطريق كانت السيدة تمشي مهرولة، وتشاهد مناظر البيوت المدمرة في شوارع غزة، تضرب كفاً بكف وتقول في خاطرها "جميع ضحايا هذه المنازل حفرت لهم قبوراً".

وصلت حياة إلى مقبرة عامة، وبسرعة بدأت تضرب الحفار اليدوي في الأرض وتزيل الرمال، وتعطي تعليماتها إلى أبنائها الذين يساعدونها في مهنة "الحانوتي" وتطلب منهم أن يعملوا بعناية واهتمام أثناء تجهيز القبور.

 

مهنة الحانوتي

تواصل حياة حفر الأرض، باجتهاد تعمل في إزالة التراب بطريقة بدائية، وكأنها "مهندسة" تنظر إلى الحفرة التي جهزتها، تفحص طولها وعرضها، تقول "يبدو أن القبر يحتاج إلى تعديل، نحتاج إلى حفر إضافي من ناحية الطول، لكن العرض مناسب".

منذ أعوام طويلة تعمل حياة في تدشين القبور، وتتقن مهنة الحانوتي بحرفية عالية، لكنها في فترة الحرب على غزة تغير عليها عملها وبات شاقاً ويحتاج إلى جهد مضاعف جداً، تقول عن بدايات عملها "لعائلتي باع طويل في حفر القبور، وأنا قررت مساعدتهم في هذه الحرفة". وتضيف "الحرب الإسرائيلية الحالية هي الأصعب، لم تمر علينا فترة دموية بهذا الجنون  فلا يمر يوم من دون دفن ضحايا بالعشرات".

بينما كانت حياة تتحدث عن الضحايا، سمعت صوت عويل نساء من بعيد وخطوات ثقيلة تقترب، عندها نادت بصوت عال على أحد أبنائها "هناك جنازة لأحد ضحايا الحرب، بسرعة تعال وساعد من بحاجة".

 

لا تحضر حياة مراسم دفن الموتى، ويقتصر عملها على حفر القبور وبنائها، وتعمل في مهنة الحانوتي يومياً منذ شروق الشمس وحتى غروبها من دون توقف. توضح السيدة أن أعداد ضحايا الحرب في تزايد كبير مع استمرار القتال، و"هناك حاجة ملحة إلى بناء وتجهيز قبور بصورة يومية".

لا تمر ساعة من دون أن تفتح حياة قبراً جديداً، تكمل حديثها "هذه حرب مجنونة لقد شاركت في دفن نحو 7 آلاف ضحية من بينهم نساء وأطفال ومواليد ورضع وعائلات بأكملها تحولت لأشلاء، في اليوم أجهز 30 قبراً، لكثرة عدد القتلى".

قبور من أنقاض المنازل

مهمة بناء القبر ليست سهلة، فالعملية طويلة ومعقدة، إذ بعد حفر القبر تأتي عملية البناء، وتحتاج حياة إلى أسمنت وحجارة باطون، وهذه المستلزمات غير متوافرة في غزة بسبب توقف معامل الطوب، ولذلك تستغل أنقاض المنازل وركام المباني.

تضطر حياة في وسط النهار إلى قيادة عربة يجرها حمار، وتقودها حيث أماكن القصف والركام، ومن هناك تجلب حجارة وأسياخاً حديدية إلى المدافن، بعدها تبدأ في تكسير الطوب بيديها.

 

تشرح "نقوم بتكسير الركام إلى أحجار صغيرة، لأن الأسمنت غال جداً لندرته في القطاع، ونتيجة عدم وجود مواد بناء يمكن استخدامها في تجهيز القبور بالصورة المناسبة بسبب إغلاق المعابر ومنع إسرائيل من إدخالها، ومنها نجهز مستلزمات القبور".

تضطر حياة إلى حفر قبور من دون بناء، أي حفرة في الرمال فقط، نظراً إلى عدم وجود مستلزمات البناء، إذ بلغ سعر 20 كيلوغراماً من الأسمنت بحال توتفر نحو 100 دولار، وأدى ذلك إلى ارتفاع كلفة بناء القبر نحو الضعف، مما جعل عدداً من العائلات عاجزة عن توفير مقبرة لدفن موتاها.

اليوم يبلغ سعر القبر 180 دولاراً، أما قبل الحرب فكان سعره 70 دولاراً فقط، وهذا جعل كثيراً من ذوي الضحايا يطلبون من حفاري القبور بناء طبقات فوق قبور أشخاص ميتين منذ زمن، وتعتقد حياة أن ذلك يوفر مساحة لمزيد من الموتى ويوفر أموالاً لذوي الضحايا.

 

تقول حياة "في بعض الأحيان نبني القبور فوق القبور، لقد جعلنا ذلك نعيش حياة صعبة للغاية وأثر في حالتي النفسية، وكل ذلك سببه ضخامة عدد الضحايا الذين يموتون في اليوم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على غزة".

قبل الحرب كانت غزة تحتاج إلى 9 آلاف متر مربع سنوياً لدفن موتاها، ويكفي الألف متر الواحد لنحو 250 قبراً، وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي تشرف على فتح المقابر ودفن الموتى تعاني أزمة حادة في توافر مساحات كافية من الأراضي لتخصيصها كمقابر.

في فترة الحرب تعمقت الأزمة كثيراً، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "هناك أكثر من 40 ألف ضحية قتلوا على يد إسرائيل، قبل الحرب كان متوسط الموتى اليومي في غزة 50 شخصاً، وزيادة عدد الموتى خلق واقعاً صعباً في توافر مقابر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف "حرب الإبادة الجماعية فرضت على سكان غزة خيارات قاسية كثيرة، ومنها الدفن في قبور عشوائية، في الشوارع وساحات المدارس والمستشفيات وجرى فتح مقابر جماعية".

يلفت الثوابتة إلى أن الجيش استهدف نحو 60 مقبرة بهدمها وتجريفها، ونبش أكثر من 1500 قبر، وتعذر وصول المواطنين لمقابر في مناطق خطرة قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي وأماكن توغل القوات البرية، لذلك كان اللجوء إلى خيارات بديلة مؤلمة كالدفن الجماعي وبناء قبور متلاصقة باستخدام حجارة ومخلفات من المنازل والمباني المدمرة.

المزيد من تقارير