ملخص
يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقره لندن، مجموع القوات الأجنبية التي تعمل تحت أمرة طهران في سوريا بـ15 ألف مقاتل أجنبي وصلت عام 2013، بينما تنتشر 55 قاعدة عسكرية إضافة إلى 515 نقطة عسكرية تنتشر في دير الزور والبوكمال والميادين شرق سوريا وبادية حمص ومحيط العاصمة.
ارتفعت وتيرة الضربات الإسرائيلية على سوريا حدة وعدداً، حقيقة لا بد من التوقف عندها منذ اندلاع "هجوم حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وقتها تلقت الفصائل الموالية لإيران ضربات واسعة النطاق على امتداد قواعدها المنتشرة في سوريا شرقاً وجنوباً، لكن قصف تل أبيب لمركز بحوث علمية قبل أيام يوحي باندفاع إسرائيل وذهابها باتجاه انتقاء الأهداف النوعية البالغة الحساسية في المجال الميداني.
ضربات إسرائيلية رافقها حديث عن عمليات إيرانية في مركز البحوث العلمية في ريف حماة وسط سوريا، إذ تلمح تقارير إلى اعتقاد أن المركز بداخله مصنع للصواريخ الدقيقة تحت الأرض. لكن طهران سارعت إلى نفي الأنباء المتداولة حول وقوع شخصيتين إيرانيتين بيد القوات الإسرائيلية ضمن عملية إنزال عسكرية برية.
ونفى مصدر إيراني أمني في تصريحات صحافية لوكالة تسنيم، الأنباء المتداولة ووصفها بأنها "مجرد أكاذيب". وأضاف "لم تكن هناك أية قوات إيرانية موجودة في هذا الموقع (مصياف) وهي منطقة تتبع للجيش السوري النظامي وكل ما يثار عن ضربة للقوات الإيرانية هناك هي غير صحيحة".
غارة غير عادية
موقع "أكسيوس" الأميركي نشر نقلاً عن ثلاثة مصادر معلومات عن تنفيذ وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي عملية إنزال غير عادية في سوريا بهدف تدمير مصنع تحت الأرض متخصص بتصنيع الصواريخ الدقيقة. وتزعم تل أبيب أن طهران عملت على إنشاء المصنع منذ عام 2018، إذ تشعر إسرائيل بتهديد أمني في ظل إمكانية إرسال إيران الصواريخ الدقيقة التوجيه بصورة مباشرة إلى "حزب الله" اللبناني والفصائل الموالية لها على الحدود مع إسرائيل.
وفي حين لم يصدر أي تعليق من الحكومة الإسرائيلية حيال الضربة على مركز البحوث، أو حتى عملية الإنزال الجوي المزعومة، نفت السفارة الإيرانية لدى دمشق سقوط أي من المستشارين الإيرانيين ووصفت ما يتداول بالادعاءات الكاذبة.
لا أجوبة
وبعيداً من الجدل الذي يدور حول صحة وجود قوات إيرانية في مركز البحوث من عدمه أرخت الضربات بثقلها على السكان المحليين المكلومين، وأثارت في نفوسهم أسئلة تدور عن مستويات الرد الإيراني ومن الحلفاء على ليلة قضاها الناس مذعورين، وأزهقت معها أرواح مدنيين، وقاست معها المدينة تدمير البنية التحتية وتخريبها.
لكن إلى الآن لا أجوبة تسعف ما يحدث من انكباب إسرائيل على معاقل وقواعد ونقاط إيرانية في سوريا، خصوصاً أن الرد يقتصر على الإدانة فقط. ويربط مراقبون محايدون عودة الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، بعودة النشاط الإيراني مجدداً بعد التخفي، والابتعاد من أي نشاطات منذ خسائر بشرية لحقت بعناصر تتبع للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في شرق سوريا حين قصفت الولايات المتحدة مواقع في العراق وسوريا رداً على مقتل ثلاثة جنود أميركيين على الحدود السورية-الأردنية في فبراير (شباط) الماضي، وتبنت فصائل عراقية موالية لإيران هذه العملية.
ويرى الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، نظير الكندوري في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه ليس لإيران حدود في استمرارها في لعبة التخفي من القصف الإسرائيلي لأهداف تابعة لها سواء على أراضيها أو الدول التي تتمتع فيها بنفوذ عسكري وسياسي مثل العراق أو سوريا أو لبنان وحتى اليمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويفسر الكندوري ذلك بأن إيران لا تعبأ كثيراً بالخسائر البشرية التي تلحق بمواليها، والتي غالباً ما تكون بين صفوف الميليشيات الموالية لها، وإذا ما سقط بعض مواطنيها فالثمن مقبول مقارنة بالأهداف التي تريد تحقيقها على مستوى بسط نفوذها على مساحة واسعة من الشرق الأوسط والظهور بمظهر الدولة الإقليمية الكبرى في المنطقة.
ويرى الباحث السياسي أن "إيران نجحت في إستراتيجيتها هذه، وحققت نجاحات كبيرة مع خسائر لا تكاد تذكر، فلننظر كيف نجحت في برنامجها النووي وأصبحت على مسافة بضع خطوات من امتلاك القنبلة النووية، على رغم كل جهود إسرائيل ومن ورائها الدول الغربية لتعطيل هذا البرنامج، أما الأمر الثاني، فهو توسعها في بلدان عربية واكتسابها نفوذاً طاغياً فيها حتى بدأت تتحكم باقتصاد دولة نفطية عظيمة مثل العراق، وتتحكم بأمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب من خلال ميليشيات الحوثي، وتسيطر على جزء مهم من أمن شرق المتوسط من خلال (حزب الله) والنظام السوري"، على حد قوله.
قواعد تحت الضوء
إزاء ذلك يتوقع مراقبون بخفض إيران عدد مستشاريها العسكريين بعد الكلف العالية التي تكبدها نشاطها في سوريا وبخاصة أن الداخل الإيراني يتساءل عن جدوى العمليات ونهايتها ومقدرات البلاد التي تذهب إلى الحرب السورية وبخاصة مع وصول رئيس جديد لإيران يحمل معه بحسب ما أعلن نية بالانفتاح على الجميع.
في وقت تتوزع الفصائل الإيرانية على خريطة انتشار تتبدل في شرق سوريا وجنوبها، وسط معلومات عن أماكن توزعها وقياداتها، وأبرز الشخصيات الرئيسة والمفصلية بها. ويقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقره لندن، مجموع القوات الأجنبية التي تعمل تحت أمرة طهران في سوريا بـ15 ألف مقاتل أجنبي وصلت عام 2013، بينما تنتشر 55 قاعدة عسكرية إضافة إلى 515 نقطة عسكرية تنتشر في دير الزور والبوكمال والميادين في شرق سوريا وبادية حمص ومحيط العاصمة.
ولعل هذا ما يفسر ضرب قيادات في الصف الأول واغتيالهم بطريقة مباشرة وبصواريخ موجهة باجتماعات داخل العاصمة دمشق وضمن أحياء سكنية هم قادة أمنيون في فيلق القدس، إضافة إلى الضربة الكبيرة التي جاءت في قلب مقر دبلوماسي متاخم للسفارة الإيرانية لدى دمشق وذهب بها خمسة من القادة الكبار بينهم محمد رضا زاهدي خلال اجتماع في غاية الأهمية عدا عن تسخير تقنيات عالية تعتمد على برامج الذكاء الاصطناعي في سرعة تنفيذ عملية الاغتيال.
وعلى رغم الاتهامات الإيرانية من كون "ظهرها مكشوفاً في سوريا" دلالة على الاختراقات الأمنية، والمعلومات المسربة لم تمنع كل أساليبها بتغيير تحركات جنودها وقادتها من تلقي مزيد من الهجمات القاسية. وقال المتخصص في شؤون السياسة الخارجية الإيرانية سعد الشارع إن تغيير الأسلوب التكتيكي بالتحرك واستقدام مقاتلين أجانب باكستانيين وأفغانيين ومحليين، مضيفاً "على رغم فقدان الحرس الثوري الثقة بالمقاتلين السوريين بعد كثير من الاختراقات يجد نفسه مضطراً إلى الاعتماد على المقاتلين السوريين لمعرفتهم بتضاريس كل منطقة".
وتشي معلومات متطابقة من مصادر ميدانية إلى إجراء الحرس الثوري تبديلات واسعة واظب عليها منذ أشهر، وبالذات مع اندلاع حرب غزة حاول خلالها سحب الشخصيات الإيرانية المهمة من كبار الضباط، واستقدام قادة من عدة جنسيات لبنانية وعراقية وإيرانية، لقيادة فصائل ذات أهمية كبيرة على الأرض وتنتشر في ريفي دمشق وحلب وفي شرق البلاد منها أبو فضل العباس والفاطميون وزينبيون وغيرهم.
فتح جبهة جديدة
في هذه الأثناء تشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى معلومات تفيد بوصول مجموعة من الناشطين بحركة الحوثي من العراق إلى جنوب سوريا بغرض فتح جبهة إطلاق جديدة باستخدام مسيرات باتجاه إسرائيل من سوريا، وسيتمركزون في هضبة الجولان.
ويستبعد مراقبون حدوث هذا التطور ميدانياً لأن دمشق تسعى إلى "تبريد" الجبهة الجنوبية وليست بصدد فتح النار من جهة الجولان وبخاصة أنها مع روسيا تحاول ترتيب الشمال السوري الذي يبدو شديد التعقيد في ظل وجود الفصائل الإسلامية المتشددة التي تسيطر على مساحات في إدلب علاوة على ردع تنامي التيار الانفصالي من جهة المكون الكردي الذي يسعى إلى الانفصال وإقامة نظام خاص ومستقل، وأخيراً الانشغال بمسار التقارب التركي الذي تقوده موسكو.
ويعتقد الباحث الكندوري، أن كل ما تقوم به إسرائيل من مقاربة عسكرية للحد من تغول إيران بالمنطقة ستنتهي بالفشل، لأن إيران تعمل بعقيدة دينية طائفية تستطيع من خلالها تجنيد جزء من أبناء المنطقة ليكونوا جنوداً لها ولمشاريعها.
وفي ما يتعلق بتأخر رد إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، ومدى ارتباط ذلك بانكشاف قواعد طهران العسكرية في سوريا، اعتبر الكندور أن "النظام الإيراني بطبيعة الحال هو نظام براغماتي لا تكون ردود فعله بناءً على مشاعر الانتقام أو الثأر للكرامة الوطنية".