ملخص
أعلنت موسكو أن مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا في أوكرانيا هي جزء من روسيا دستورياً بعد احتلالها بالقوة
تعزز روسيا سيطرتها على المناطق التي احتلتها حديثاً في أوكرانيا من خلال افتتاح فروع لأكبر بنوكها الحكومية في مدن مثل ماريوبول. وشجع الكرملين الشركات على دخول المناطق الأوكرانية التي جرى الاستيلاء عليها بالقوة خلال بداية هجومها الواسع النطاق على أوكرانيا في 2022.
وفي حين أن عديداً من العلامات التجارية لا تزال تتجنب تلك المناطق خوفاً من العقوبات الغربية والأخطار المرتبطة بالعمل في منطقة حرب، فيما بدأ أكبر بنكين حكوميين في روسيا، "سبيربانك" و"ف تي بي" في الاستجابة لهذه الدعوة.
وأخبر "سبيربانك الروسي"، الذي خضع للعقوبات الغربية في عام 2022، صحيفة "فايننشال تايمز" أنه افتتح 130 ماكينة صراف آلي و48 فرعاً في ما تصفه موسكو بـ"المناطق الجديدة" في شرق وجنوب أوكرانيا، بما في ذلك فروع كاملة الخدمات. وقال البنك إن "’سبيربانك‘ خدم بالفعل ما يقارب 70 ألف شخص ويخطط لتوسيع أعماله هناك".
وهذا العام أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشركات الحكومية الروسية أنه لا يوجد "ما يخشاه" من إقامة أعمال في المناطق المحتلة، وقال لقادة القطاع المالي الروسي "يجب عليكم البدء بالذهاب إلى هذه الأراضي بحماس أكبر والبدء بالعمل هناك، فكل ما كنتم تخشونه - العقوبات - حدثت بالفعل، فما الذي يمكن أن تخشوه بعد ذلك؟".
وأعلنت موسكو أن مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا في أوكرانيا هي جزء من روسيا دستورياً بعد احتلالها بالقوة، لكنها لا تسيطر بالكامل على جميع الأراضي التي ادعت ملكيتها وتواصل محاولة الاستيلاء على مزيد من المناطق التي يعترف دولياً بأنها أوكرانية بالقوة. وفي هذه الأثناء شنت أوكرانيا هجوماً مفاجئاً على منطقة كورسك الروسية الشهر الماضي، مستولية على مساحات واسعة من الأراضي بينما يسعى كلا الجانبين إلى تعظيم مكاسبهما الإقليمية قبيل أي محادثات سلام.
"روسسة" المناطق الأوكرانية
وأعرب عديد من السياسيين وناشطي حقوق الإنسان والأوكرانيين الذين أجبروا على الفرار من المناطق المحتلة من قبل روسيا عن استنكارهم الانتهاكات التي تحدث، بما في ذلك التعذيب والاحتجاز التعسفي، التي تقع من دون أي تدقيق في "المناطق الجديدة".
وأشاروا إلى عديد من الطرق التي تسعى موسكو من خلالها إلى "روسسة" المناطق، بما في ذلك تغيير الكتب الدراسية وإزالة المعالم الأوكرانية وإدخال البنوك الكبرى. وتشمل فروع بنك "سبيربانك" الجديدة نصف دزينة من "المكاتب المتنقلة" في ماريوبول، المدينة التي دمرتها القوات الروسية في الأشهر الأولى من الحرب، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الناس.
في حين أن بنك "في تي بي الروسي" الذي خضع أيضاً للعقوبات منذ عام 2022، أعلن أنه سيبدأ في تقديم خدماته للعملاء في فروع مادية في ماريوبول بحلول نهاية العام. وتم تصوير رئيسه، أندريه كوستين، وهو يقص شريط الافتتاح في فرع أول في مدينة لوغانسك الأوكرانية المحتلة في يوليو (تموز) الماضي. وذكرت وكالة "تاس" الحكومية أن كوستين قال "هذا ليس مجرد مكتب جديد، فهذه مرحلة أخرى مهمة في عملية دمج المنطقة في اقتصاد البلاد". حتى وقت قريب كانت الشركات الروسية الكبيرة، بما في ذلك تجار التجزئة والبنوك، مترددة في العمل علناً في مناطق مثل شبه جزيرة القرم ومناطق دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، التي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014. وعاد "سبيربانك" أيضاً إلى القرم، إذ فتح مكتبه الأول هناك العام الماضي بعدما أوقف عملياته في عام 2014 حينما ضمت موسكو شبه الجزيرة.
فرض عقوبات غربية
وفي السابق كانت الخدمات المصرفية في شبه جزيرة القرم تقدم من قبل مقرضين نشروا خصيصاً للمهام التي قد تؤدي إلى فرض عقوبات غربية، مثل "برومسفيزبنك" الذي كان أول من دخل الأراضي المحتلة حديثاً، وهو يدير الآن ما يقارب 400 مكتب في منطقتي دونيتسك ولوغانسك.
الشركات روسية والعودة لأوكرانيا
وبدأت بعض الشركات الاستهلاكية في الظهور في المناطق الأوكرانية المحتلة، لكن معظم سلاسل البيع بالتجزئة الروسية والعلامات التجارية ذات الشهرة لا تزال مترددة في دخول هذه السوق. وأوضح شخص في قطاع التجزئة الروسي "الشركات العاقلة لن تذهب إلى هناك، الأمر لا يستحق المخاطرة"، إذ إن القوة الشرائية في هذه المناطق منخفضة، مع بقاء معظم السكان من المتقاعدين والعمال الحكوميين، إضافة إلى الأخطار العالية، وحتى في القرم، التي تعد وضعاً مختلفاً، دخل عدد قليل جداً من الشركات السوق.
وتواجه الشركات الروسية التي تعمل علناً في المناطق المحتلة في أوكرانيا خطر التعرض للعقوبات الغربية، ففي مارس (آذار) الماضي، أعلن وزير التجارة والصناعة الروسي دينيس مانتوروف أن الأسواق الإلكترونية الروسية ستبدأ العمل في هذه المناطق، وذكر رئيس منطقة دونيتسك المعين من قبل روسيا، دينيس بوشيلين، أن "أوزون" و"وايلدبيري" هما البديلان الرئيسان لـ"أمازون" في روسيا، فيما سارعت الشركتان إلى نفي ذلك، مشيرتين إلى نقص في المرافق اللوجيستية والنقل.
خدمات غير رسمية
في حين يعتمد السكان في المناطق المحتلة على خدمات توصيل غير رسمية، إذ يجرى طلب السلع إلى عناوين في جنوب روسيا، ومن ثم يقوم رواد محليون بنقل الطرود إلى المناطق المحتلة، ويجرى تنسيق هذه التجارة عبر تطبيق "تيليغرام"، إذ يدفع العملاء زيادة تصل إلى 15 في المئة للتسليم.
ومع ذلك، أطلق "برومسفيزبنك" (PSB) هذا الصيف منصته التجارية "برومسفيزبنك ماركت" ""PSB Market التي تعمل فقط في المناطق المحتلة، وتبيع منتجات غربية مثل هواتف "آيفون" وأحذية "أديداس" وفرش الأسنان الكهربائية "أورال-بي"، إلا أن المنصة تبدو غير متطورة مقارنة بـ"أوزون" و"وايلدبيري"، كما أن الأسعار تبدو أعلى بصورة ملحوظة، خصوصاً في مجال التكنولوجيا الاستهلاكية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد فتح الفروع في المناطق المحتلة وسيلة لعرض الولاء الوطني للعلامات التجارية الروسية، إذ أعلنت سلسلة المطاعم "بلاك ستار برغر"، التي يشارك في ملكيتها مغني الراب الموالي للكرملين تيماتي، في يونيو (حزيران) الماضي أنها ستفتح فروعاً في ماريوبول وفي منطقة خيرسون. ووفقاً لبيانات مصلحة الضرائب الروسية، جرى تسجيل أكثر من 2500 شركة في "المناطق الجديدة" في عام 2023، يعتقد أنها تتكون من مزيج من الشركات الجديدة والشركات التي أعيد تسجيلها أو الاستيلاء عليها.
ووجد كثير من الأوكرانيين الذين فروا من الاحتلال أن متاجرهم جرى الاستيلاء عليها ونقلها إلى ملاك جدد محليين أو وافدين روس، ومنذ عام 2023 أصبح "فيرست ريبوبوليكان سوبرماركت" أكثر مزودي البقالة وضوحاً في المناطق المحتلة، إذ يدير أكثر من 70 متجراً في منطقة دونيتسك.
وقبل الهجوم الروسي على أوكرانيا، كانت سلسلة "فيرست ريبوبوليكان سوبرماركت" مملوكة لمتاجر التجزئة الأوكرانية "أي تي بي-ماركت". واليوم تظهر بيانات السجل التجاري الروسي أن السلسلة مملوكة لناتاليا زخارتشينكو، أرملة ألكسندر زخارتشينكو، الزعيم السابق لما يسمى "جمهورية دونيتسك الشعبية" الذي قتل في انفجار عام 2018.
ويشير المراقبون الأوكرانيون الذين يتابعون التطورات في المناطق المحتلة إلى أن قطاع التجزئة والأعمال في المنطقة بصورة عامة يشبه إلى حد كبير الفوضى الاقتصادية التي سادت في التسعينيات في دول ما بعد الاتحاد السوفياتي. وصرح الصحافي الاستقصائي من منطقة خيرسون، أوليغ باتورين، لمنصة "كريم ريالي" الإعلامية قائلاً "كل شيء يبدو فوضوياً للغاية، إذ أعادت قوة الاحتلال كل شيء إلى مستوى ما قبل 35 عاماً".