Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق يسقط في شباك توظيف "التنصت" سياسيا

التسريبات الصوتية طاولت مكتب رئيس الوزراء وضباطاً وشخصيات حزبية وأيادي الاتهام تشير إلى الذكاء الاصطناعي

التنصت وصل أيضاً إلى مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني (الحكومة العراقية)

ملخص

قضية التسريبات الصوتية الخاصة بنوري المالكي لم تكن الأخيرة، فالتسريبات الصوتية بهدف الابتزاز السياسي عادت لتبرز من جديد، وهذه المرة من مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ففي أغسطس (آب) الماضي اُعتقل أعضاء في شبكة تنصت وتزوير تعمل داخل مكتب السوداني ضمّت موظفين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي.

في يوليو (تموز) 2022 بث المدون والصحافي العراقي علي فاضل مجموعة ملفات صوتية مسربة لرئيس الوزراء السابق ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ضمن جلسة مدتها ساعة جمعت المالكي بعدد من قيادات وأعضاء ميليشيات "لواء أئمة البقيع".

التسريبات الصوتية التي بثها علي فاضل على حسابه الشخصي في موقع "إكس" تطرقت إلى ملفات خطيرة تتعلق بعمل المالكي على تشكيل ميليشيات جديدة لحمايته، وعداوته لمقتدى الصدر وتهديده بضربه في معقله بحي الحنانة في النجف، وهي التسريبات الصوتية التي أنكرها المالكي وقال إنها "مفبركة"، حيث وصف فيها ألوية وفصائل الحشد الشعبي بـ"أمة الجبناء"، معترفاً بأن أعداداً كبيرة من هؤلاء المقاتلين غير موجودين ووصفهم بعبارة "الفضائيين"، وأن مرتباتهم تذهب إلى خزائن الأحزاب.

وعلى رغم أن فريق "التقنية من أجل السلام" وهو فريق عراقي فني متخصص في الأمن الرقمي وكشف المعلومات المضللة والخاطئة أكد صحة التسريبات المنسوبة لنوري المالكي، لكن القضاء العراقي كان له رأي آخر، فبعد أن أعلن مجلس القضاء الأعلى فتح التحقيق بشأن التسريبات الصوتية وبعد مثول المالكي أمام محكمة تحقيق الكرخ الثالثة، أخلي سبيله بكفالة، بل أن القضية اختفت بعد وصولها للقضاء العراقي. ولم تظهر أي تفاصيل حولها ولم يظهر للعلن ماذا كشفت التحقيقات الخاصة بها مع أنها كانت تتضمن ملفات خطيرة.

تنصت وتسريبات صوتية في مكتب رئيس الوزراء

قضية التسريبات الصوتية الخاصة بنوري المالكي لم تكن الأخيرة، فالتسريبات الصوتية بهدف الابتزاز السياسي عادت لتبرز من جديد، وهذه المرة من مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ففي أغسطس (آب) الماضي اُعتقل أعضاء في شبكة تنصت وتزوير تعمل داخل مكتب السوداني ضمّت موظفين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي.

الشبكة التي بدأت أعمالها أواخر العام الماضي، كانت تقوم بالتجسس والتنصت على كبار المسؤولين بهدف ابتزازهم، وتفيد التقارير بأن أجهزة الأمن قبضت على سبعة من المشتبَه فيهم، ومنهم محمد جوحي معاون مدير عام الدائرة الإدارية في مكتب رئيس الوزراء وآخر برتبة ضباط في جهاز الاستخبارات العراقي، وفي حوزة الشبكة أكثر من 200 تسجيل صوتي لمكالمات مختلفة وبصمات صوتية ورسائل نصية.

وقالت مصادر صحافية إن زعيمين بارزين في الإطار التنسيقي من ضحايا عملية التنصت التي قامت بها الشبكة وكذلك النائب مصطفى سند الذي قال إن "الشبكة كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة، ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسهم رقم هاتفي)، إذ تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية، وصناعة أخبار مزيفة، وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".

ولم تصدر الحكومة توضيحاً حول هذه الشبكة بل اكتفى المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وأصدر بياناً في 20 أغسطس الماضي "وجّه بتشكيل لجنة تحقيقية بحقّ أحد الموظفين العاملين في مكتب رئيس مجلس الوزراء لتبنّيه منشوراً مُسيئاً لبعض المسؤولين وعدد من السادة أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق. ويؤكد مكتب رئيس مجلس الوزراء عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كلّ الإجراءات القانونية بهذا الصدد".

تقنيات شبكات التنصت

هناك من يطرح تساؤلاً حول إمكانية امتلاك العراق لشبكات للتنصت، فكيف تتم عملية مراقبة وتسجيل المكالمات الهاتفية لتستخدم بعدها للابتزاز، أو تقرر الجهات التي تملك شبكة التنصت أن تظهر الملفات الصوتية التي استحوذت عليها للعلن وتحارب الخصوم سياسياً مباشرة.

 

 

في هذا السياق يوضح ضابط الاستخبارات العراقي السابق سالم الجميلي لـ"اندبندنت عربية" أن العراق يمتلك أجهزة ومنظومات فنية استخباراتية متطورة تهدف إلى تنفيذ عمليات تنصت ومراقبة تُستخدم من قِبَل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لغرض جمع المعلومات ومراقبة التهديدات الأمنية، بخاصة في ظل التحديات الأمنية المستمرة التي تواجه البلد، مثل مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة والمخدرات والجرائم المنظمة.

ويكمل الجميلي "يمتلك العراق عدداً من المنظومات التجسسية المنفردة في كل من جهاز الاستخبارات والأمن الوطني والاستخبارات ومنظومة أمن الحشد، وربما بعض الفصائل المسلحة تمتلك منظومات تجسسية أقل تطوراً".

ويوضح الضابط العراقي أن هذه المنظومات من المفترض ألا تستخدم إلا في ظروف محددة وبموجب قواعد صارمة وصلاحيات على أعلى المستويات الإدارية والقضائية، لأن استخدامها لأغراض سياسية أو شخصية يشكل خرقاً للدستور وللحريات العامة.

ويرى الجميلي أن هذه الجهات الأمنية من المحتمل أن تكون اخترقت وأصبحت تحت هيمنة جهات سياسية "على رغم محاولة الحكومات المتعاقبة بعد 2003 إبعاد الأجهزة الأمنية عن تأثير الجهات السياسية الفاعلة، ولكن برزت في الآونة الأخيرة قناعة لدى المراقبين للشأن السياسي أن الأجهزة الاستخبارية والأمنية اخْترقت بعناصر احتلت مواقع مهمة تنتمي إلى جهات سياسية وتخضع لطلباتها".

تسريبات أخرى

ظهر رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون متحدثاً في مؤتمر صحافي عقد في أربيل قائلاً بلهجة غلب عليها الصراخ "إن هيئة النزاهة مستضعفة"، ووجه حنون الاتهامات لبعض القضاة والسياسيين بالتستر على سرقة القرن، ولم تمض أيام على عقد المؤتمر حتى ظهرت تسريبات صوتية للقاضي حيدر حنون ورد فيها عبارات عن تلقي رشى وتلاعب بعائدية أراض، الأمر الذي نفاه حنون قائلاً إن هذه التسريبات (كذب وافتراء).

هذه التسريبات دفعت مجلس القضاء لمطالبة محكمة تحقيق الكرخ الثالثة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون وإجراء التحقيق بخصوص التسجيلات الصوتية المنسوبة إليه.

القضاء العراقي والملفات الصوتية

يوضح الأكاديمي والباحث القانوني الدكتور أسامة شهاب حمد الجعفري أن قانون أصول المحاكمات الجنائية حدد في مادته (213) أدلة الإثبات الجنائي بشكل حصري وهي الإقرار والشهادة وتقرير الخبراء والكشوف الرسمية والقرائن، ومن ثم فإن الملف الصوتي أو التسجيل الصوتي لا يعد دليل إثبات منصوصاً عليه على نحو صريح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن عدم النص الصريح على اعتبار التسجيلات الصوتية دليل إثبات لا يعني أن القضاء العراقي يهملها كلياً، وهذا ما يؤكده الجعفري قائلاً "في الواقع العملي وفي سوح القضاء العراقي فإن التسجيل الصوتي يعده قرينة قابلة لإثبات العكس، لذا عندما ينكر من ينسب إليه الصوت فإن القضاء يرسله إلى الفحص الفني للتأكد من مدى صحته، فإن تأكد من خلال التقارير الفنية الصادرة عن المختصين في الأدلة الجنائية أن التسجيل الصوتي صحيح وأنه يعود للمتهم فإن القاضي الجنائي يمكن له أن يؤسس حكمه القضائي وفقاً للتسجيل الصوتي".

الذكاء الاصطناعي

مع كل تسريب صوتي يظهر للعلن ويتم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي يرافقه إنكار لحقيقة التسجيل الصوتي وأنه مختلق ومحض كذب، ومنهم من يوجه الاتهامات إلى برامج الذكاء الاصطناعي التي باتت قادرة على تكوين ملفات صوتية تتطابق مع أصوات الأشخاص الحقيقية، وحول إمكانية تطابق الأصوات يوضح المتخصص في الذكاء الاصطناعي سعيد الكلباني بأنه يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن ينتج أصواتاً مطابقة للحقيقة لحد كبير. فالعملية تأخذ اثنين من الأساليب الأول، هو تقليد الأصوات Voice Cloning وفيه يتم استخدم ثوان من مقطع صوتي بشري وتتعلم منه الخوارزميات ليتم بعد ذلك تحويل نص إلى صوت مطابق للصوت البشري الحقيقي، وهذا التزييف يكون في أغلب الحالات بأن تظهر شخصية معينة وتنطق بكلمات لم يقلها الشخص ولكن تظهر بصوته، أما الأسلوب الثاني يتم بإنشاء أصوات عامة لا تتطابق مع أي صوت بشري أو في حالات ضيقة تتشابه مع صوت شخص ما من دون قصد وهذا يكون نتيجة تدريب الآلة على مجموعة من الأصوات.

إمكانية كشف التزيف

ويرى الكلباني أن كشف الدول أو المؤسسات والأفراد تقليد الأصوات أو ما يعرف بالتزييف العميق الصوتي Audio Deep fake ممكناً على رغم صعوبة الكشف وتعقيده من دون ذكاء اصطناعي مضاد أو أدوات متقدمة، فمن الممكن كشف التزيف باستخدام خوارزميات متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وذلك بتحليل الأنماط الصوتية الصغيرة التي قد لا تكون ملاحظة للأذن البشرية معتمدة في ذلك على تفاصيل غير طبيعية في الترددات الصوتية للمقاطع المزيفة. والذكاء الاصطناعي المضاد من خلال الخوارزميات المدربة على كشف التزييف الصوتي عن طريق مقارنة الأنماط في التسجيلات مع قواعد بيانات تتضمن أمثلة صوتية.

ويختم الكلباني ويقول "في مستوى متقدم من عمليات الكشف يمكن أن تلجأ المؤسسات إلى ما يعرف بالتحقق البيومتري الصوتي الذي يتم بالتركيز على خصائص فريدة في صوت الشخص مثل ترددات الصوت، ودرجة الصوت، والإيقاع، والنغمة وغيرها، ثم مقارنتها أو البحث عنها في المقاطع المزيفة المنسوبة للشخص".

الحكومة فقدت الثقة بنفسها

يوضح المحلل السياسي العباس الدوري أن ظهور التسريبات الصوتية بين فترة وأخرى يؤثر في الأداء الحكومي ويخلق عدم ثقة بين المسؤولين، الدوري يرى أن الشعب العراقي يعد موضوع التسريبات موضوعاً ثانوياً بالنسبة له ولا يؤثر في ثقته بالحكومة من عدمها، فالشعب يعتمد على ثقته بالحكومة بناءً على قضايا تتمحور حول تحسين الخدمات وفرض الأمن والبناء والإعمار.

ويوضح الدوري أن الحكومة هي التي فَقَدَت الثقة بنفسها من خلال التسريبات، إذ أصبحت أغلب الأحزاب السياسية والقادة السياسيين لا يثقون بالحكومة، بالتالي فقدت الدعم السياسي الذي كانت قد تلقته في بداية تشكيلها.

هل تنهار الحكومة

ويرى المحلل السياسي أنه من الممكن أن تنهار الحكومة بسبب موضوع التسريبات الصوتية أو في حال إثبات وجود منظومات تنصت، إذ قد تلجأ الأحزاب والكتل السياسية وعلى رأسهم قادة الكتل لا سيما في الإطار التنسيقي إلى التوّقف عن دعم الحكومة سياسياً والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة كما يشاع عنها حالياً، وقد تؤدي إلى سحب الثقة إذا ما أصّرت بعض الكتل وبعض القادة السياسيين.

غياب المساءلة

وخلافاً لرأي العباس الدوري يرى الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية إياد العنبر أن إسقاط الحكومة بسبب فضيحة فساد أو تسريبات بات من المستحيل حدوثه، فالوضع الراهن بات قائماً على الصفقات والتوافقات والمنظومة السياسية باتت لا تتأثر مع وجود الفضائح التي تستخدم لتسقيط الخصوم، "بنية النظام السياسي أصبحت تعتمد على التراضي وتمرير الفضائح ثم تغيب المساءلة لأن البرلمان معطل والادعاء العام لا يأخذ دوره، فتبقى هذه التسريبات في مساحة التداول الإعلامي والسياسي أكثر من كونها قضية يترتب عليها انهيار الحكومة".

أخطر مراحل النظام السياسي

يرى إياد العنبر أن قضية التنصت وضعت الكثير من علامات الاستفهام حول الحكومة وعلاقتها بالشركاء، فهل هم شركاء سياسيون أم هم باحثون عن التسقيط السياسي؟

 

 

وأضاف "لو نبحث عن الغاية من وجود شبكة التنصت ستكون بالتأكيد غاية غير مشروعة وتسعى لتحقيق مصلحة خاصة وتمارس الابتزاز السياسي، وهي مرحلة خطرة بل هي أخطر مراحل النظام السياسي".

القانون العراقي والتنصت

وتنص المادة 40 من الدستور العراقي على "حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والإلكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورةٍ قانونيةٍ وأمنية، وبقرارٍ قضائي".

وعليه فإن التنصت كما يوضحه الأكاديمي والباحث القانوني الدكتور أسامة شهاب حمد الجعفري يجب أن يكون بقرار قضائي، والقاضي يملك سلطة ضيقة ومحدد بحدود الضرورة القانونية، فالتنصت من دون أمر قضائي يعد جريمة قد يرتكبها موظف عام أو يرتكبها مواطن عادي.

ويتابع "إذا ارتكبها موظف عام فإن عقوبتها السجن لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس بموجب المادة (328) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، أما إذا ارتكبها مواطن عادي فأنها تعد صورة من صور الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد، فتكون العقوبة الحبس لا تزيد على سنة والغرامة بموجب المادة (438) من قانون العقوبات العراقي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير