ملخص
من شأن خفض أسعار الفائدة أن يقلص كلفة الاقتراض، وهو ما قد يؤدي إلى رفع الطلب على النفط من خلال دعم النمو الاقتصادي
تراجعت أسعار النفط بشكل طفيف، إذ أثرت المخاوف في شأن ضعف الطلب الصيني سلباً في معنويات السوق، فيما ينصب التركيز على اجتماع مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في شأن السياسة النقدية، الذي من المقرر أن يختتم غداً الأربعاء.
وحدت من تراجع الأسعار توقعات انخفاض مخزونات الخام في الولايات المتحدة والمخاوف في شأن الإنتاج الأميركي في أعقاب الإعصار فرنسين، وانخفضت العقود الآجلة لخام "برنت" لنوفمبر (تشرين الثاني) المقبل 48 سنتاً أو 0.66 في المئة إلى 72.27 دولار للبرميل، وتراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل 37 سنتاً أو 0.53 في المئة إلى 69.72 دولار للبرميل.
الإعصار والمخاوف
وقال كبير محللي الاستثمار في شركة "إكس أم للسمسرة في عقود النفط" شارالامبوس بيسوروس، إن "أسعار النفط تشهد انتعاشاً منذ الأربعاء الماضي، ربما بسبب مخاوف من الإمدادات بعد الإعصار فرنسين الذي اجتاح خليج المكسيك بالولايات المتحدة، فضلاً عن توقعات بانخفاض مخزونات الخام الأميركية".
ومع ذلك قال إن "الأسعار تتراجع اليوم ربما لأن المستثمرين يرون أن التطورات المذكورة أعلاه قد تكون عوامل موقتة، وأن القلق في شأن انخفاض الطلب العالمي، لا سيما من الصين، قد يضغط على الأسعار".
وأظهرت بيانات حكومية السبت الماضي أن إنتاج مصافي النفط في الصين انخفض للشهر الخامس على التوالي في أغسطس (آب) الماضي، وسط تراجع الطلب على الوقود وضعف هوامش التصدير.
ووفقاً لما ذكره مكتب السلامة وإنفاذ الاشتراطات البيئية الأميركي أمس الإثنين، فإن العقود الآجلة لـ"برنت" والخام الأميركي سجلا ارتفاعاً عند التسوية في الجلسة السابقة مع استمرار تقييد الإنتاج وتوقف أكثر من 12 في المئة من إنتاج الخام و16 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي في خليج المكسيك بالولايات المتحدة بسبب الإعصار "فرنسين".
ومن المتوقع أن يبدأ "المركزي الأميركي" في تيسير السياسة النقدية غداً الأربعاء، إذ أظهرت العقود الآجلة لصناديق البنك أن الأسواق تتوقع الآن احتمالاً بنسبة 69 في المئة خفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس.
أسعار الفائدة
وقال كبير المحللين لدى "بانوم ليبيرم" آشلي كيلتي إن "من المتوقع أن يخفض المركزي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات هذا الأسبوع، لكن البيانات الاقتصادية التي صدرت في الآونة الأخيرة والتصريحات المتشددة التي أدلى بها أعضاء الاحتياط الاتحادي دفعت المستثمرين إلى الاعتقاد بأن البنك سيخفض أسعار الفائدة بشكل كبير".
ومن شأن خفض أسعار الفائدة أن يقلص كلفة الاقتراض، وهو ما قد يؤدي إلى رفع الطلب على النفط من خلال دعم النمو الاقتصادي.
ويترقب المستثمرون أيضاً انخفاضاً متوقعاً في مخزونات الخام الأميركية، التي رجح استطلاع لوكالة "رويترز" تراجعها بنحو 200 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في الـ13 من سبتمبر (أيلول) المقبل.
الأسعار ستتجه للصعود
على صعيد آخر وبحسب محللين فإنه على رغم التراجع الكبير الذي تشهده شهده النفط الشهر الماضي، فإن الأسعار قد تتجه نحو الارتفاع في وقت تتوقع فيه إدارة معلومات الطاقة الأميركية ارتفاع الخام بمؤشرات قد تعود بسعر "برنت" إلى ما بين 85 و90 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام، وفقاً لمؤشرات الاضطراب الحالي في السوق، واستمرار التوتر في المنطقة، وتراجع طلب الصين.
في الوقت ذاته تشير توقعات إلى أن الاستهلاك العالمي للنفط، سيزيد في قطاع للوقود السائل بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً في عام 2024 و1.6 مليون برميل يومياً في العام المقبل، وتقول مصادر أميركية إن معظم الانخفاض في الاستهلاك النفطي سيحدث في الصين، التي تعاني تباطؤ النمو الاقتصادي الذي يخفض تلقائياً استهلاك الديزل لدى الشركات.
"أوبك" تؤكد: العالم بحاجة إلى النفط
إلى ذلك يرى الأمين العام لمنظمة "أوبك" هيثم الغيص أنه لا يمكن للعالم أن يعمل من دون النفط والمنتجات المرتبطة به، لأنه بالنسبة إلى المستهلكين يوفر النفط الخام البنزين والديزل ومجموعة من أنواع الوقود الأخرى للنقل، ويمكن من تطوير البلاستيك والأدوية والإمدادات الطبية وغير ذلك كثير.
وبحسب مقالة الغيص المنشورة الثلاثاء على موقع "أوبك" الإلكتروني، فإن أهمية النفط للمنتجين تتمثل في العائدات المستمدة من هذا المورد الطبيعي، كونها حيوية لاقتصاداتهم وسكانهم.
وتابع الغيص، "الرواية التي نسمعها غالباً هي أن كل زيادة في الأسعار ترفع كلفة الوقود، مما يجلب عائدات متزايدة لمنتجي النفط، على حساب المستهلكين. يمكن أن تؤدي هذه الرواية إلى توجيه أصابع الاتهام وإثارة المستهلكين ضد المنتجين، بدلاً من الاعتراف بأن الجميع هم أصحاب مصلحة في صناعة الطاقة، ولديهم احتياجات ومخاوف مشروعة، علاوة على ذلك فإن هذه الرواية لا تتفق مع الحقائق".
وقال الأمين العام لـ"أوبك" في مقالته، "من المهم أن ندرك أن السعر الذي يدفعه المستهلكون عند المضخة يجري تحديده من خلال عدد من العوامل: سعر النفط الخام، وكلفة التكرير والنقل والتسويق، وهوامش شركات النفط والضرائب، إن تحليل هذه المسألة يوفر بعض الأفكار والأرقام المستنيرة".
الدول المستهلكة الأكثر استفادة من خلال الضرائب
وذكر الغيص أن الإيرادات يمكن توليدها بالفعل، لكن التحليل يظهر أن الدول المستهلكة الرئيسة للنفط تكسبها في المقام الأول من خلال الضرائب، وأضاف "على سبيل المثال تكسب اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عائدات أكبر بكثير من بيع المنتجات النفطية بالتجزئة، مقارنة بالدول الأعضاء في منظمة أوبك من البيع الأصلي للنفط".
ومن عام 2019 إلى عام 2023، كسبت اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في المتوسط نحو 1.915 تريليون دولار سنوياً أكثر (على أساس متوسط الأسعار المرجحة) من مبيعات المنتجات البترولية بالتجزئة مقارنة بالدول الأعضاء في منظمة "أوبك" من عائدات النفط، ويعزى قدر كبير من أسعار التجزئة النهائية للمنتجات البترولية إلى الضرائب، وفق ما ذكره الغيص.
وتابع الأمين العام، "في الواقع خلال عام 2023 زادت حصة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المتوسطة من إجمالي الضريبة على سعر التجزئة النهائي على أساس سنوي وبلغت نحو 44 في المئة، وبالنسبة إلى بعض البلدان كانت أكثر من ذلك. وعلى مدار العام في عدد من الدول الأوروبية، مثلت الضرائب أكثر من 50 في المئة من سعر التجزئة النهائي".
وتؤكد هيئة مسؤولية الموازنة في المملكة المتحدة على أهمية هذا المصدر من الإيرادات، إذ تقول "تفرض رسوم الوقود على مشتريات البنزين والديزل ومجموعة متنوعة من أنواع الوقود الأخرى، وهي تمثل مصدراً مهماً للإيرادات للحكومة. وفي عامي 2023 و2024 نتوقع أن تبلغ رسوم الوقود 24.7 مليار جنيه استرليني (32.60 مليار دولار)، وهذا يمثل 2.2 في المئة من إجمالي الإيرادات ويعادل 850 جنيهاً استرلينياً (1121 دولار) لكل أسرة و0.9 في المئة من الدخل الوطني"، بحسب مقالة الغيص.
السعر الأصلي للنفط
وأفاد الغيص بأنه بالنسبة إلى عدد من المستهلكين، يمكن أن تكون الضرائب عاملاً أكثر أهمية من السعر الأصلي للنفط الخام، في الشعور بأية ضائقة في جيوبهم عند المضخة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى حكومات البلدان المستهلكة، فإن هذه الإيرادات هي عموماً ربح غير متوقع، إذ سيستمر تلقيه من بيع المنتجات النفطية في أراضيها، أما بالنسبة إلى الدول المنتجة من ناحية أخرى فيجري إعادة استثمار جزء كبير من إيراداتها في القطاع لمشاريع الاستكشاف والإنتاج والنقل، حتى تتمكن من تلبية احتياجات العالم من النفط بشكل مستمر.
البلدان المنتجة
وبعبارة أخرى يرى الغيص أن البلدان المنتجة، التي تواجه في كثير من الأحيان تحديات اجتماعية واقتصادية وبنية أساسية وغيرها، لا تتمتع بالحرية في إنفاق كل عائداتها على هذه الاحتياجات وغيرها، إذ يتعين عليها إعادة استثمار جزء من عائداتها في الصناعة، من أجل تأمين الإمدادات الحالية والمستقبلية للمستهلكين.
وقال الغيص "من الواضح أن من حق الدول والحكومات السيادي أن تطور أنظمتها الضريبية الخاصة، لكن حينما يكون هناك حديث عن المخاوف في شأن تأثير أسعار المضخات المرتفعة في الدخل المتاح للسكان، فمن المهم أن نتذكر أن كثيراً من هذا يأتي من الضرائب المتدفقة إلى وزارات المالية في جميع أنحاء العالم".
وأضاف هيثم الغيص أن ما تؤكده مستويات الضرائب هذه هو أن إمكانات توليد الإيرادات من النفط ومنتجاته معترف بها من المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وعلاوة على ذلك تستخدم حكومات المنتجين والمستهلكين هذه العائدات للاستثمار في الخدمات العامة وتقديم الخدمات لشعوبها، مضيفاً "إن فكرة تحريض المستهلكين ضد المنتجين هي في أدنى حد، وتشويه الواقع الذي يوحد المجموعتين أكثر مما يفرق بينهما".
واختتم الغيص مقالته قائلاً، "تسعى بعض الحكومات في الوقت نفسه إلى الاستفادة من إمكانات توليد الإيرادات من النفط، في حين تسعى إلى التخلص التدريجي من النفط، إلى جانب دعم الطاقات الأخرى. وفي الدعوة إلى هذا النهج، يتعين على الحكومات أن تأخذ في الاعتبار مسألة كيفية تعويض العائدات المفقودة نتيجة للضرائب المفروضة على النفط، فهل من الضروري فرض مستويات ضريبية مماثلة على مصادر الطاقة الأخرى؟".