Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لم يدافع الآباء السياسيون للعراق عن ديمقراطيتهم المنتهكة؟

تهالك الحكم في البلاد تحت ضغط الطائفية والعشائرية والمحاصصة والفساد والميليشيات

يرى مراقبون أنه لا يمكن اختصار الديمقراطية بالانتخابات وحدها (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون للشأن العراقي أن النتائج التي أسفرت عنها ممارسات الالتفاف على الديمقراطية بتدخل المؤسسة الدينية والتدخل في كتابة الدستور، كلها أدت إلى أن الشعب أضحى يشكك في معنى الديمقراطية، ويعتقد أنها سبب كل مشكلاته.

لا تزال الشعارات تتحكم في المشهد العراقي، وسمة التغاير في المواقف هي الثبات، وفوضى المفاهيم ودلالتها هي السائدة، بين طبقات المجتمع الذي يغلب عليه شكلياً التدين بمنطق الطائفة والعرق والمذهب في مجمل الحوارات المجتمعية الدائرة التي يتصارع فيها المدني العلماني مع الديني المتشدد، والمتحزب للأسلمة السياسية التي تُفرض على المجتمع بتأثير المرجعيات الدينية في النجف التي لا تؤمن بولاية الفقيه، وقمّ التي تتمسك بولاية الفقيه، وانشطار وعي الغالبية الشيعية (60 في المئة) من عموم المجتمع العراقي الذي يقلد مرجعية النجف، في مقابل أتباع الميليشيات الموالية لإيران، عقيدة وتنظيم وعيون ترنو شرق البلاد خارج البوابة الشرقية.

دستور عام 2005

لكن دستور البلاد الذي أقر عام 2005 عوّم تلك المفاهيم، في كونه دستوراً مدنياً، يدعو إلى دولة تستمد تشريعاتها من الدين، يقر في مفتتح مواده الدستورية بأن العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني "ديمقراطي"، وكرر ذلك في المادة الثانية من الدستور: "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساس الواردة في هذا الدستور"، لكن ظلت تلك المقررات حبراً على ورق، كما يجمع كثير من المفكرين والمتابعين للشأن العراقي على مدى الـ 20 عاماً الماضية، كرسها الواقع المرير الذي تشكل خلال تلك الحقبة، وأسقط ورقة التوت عن تلك المثل والمفاهيم حين ضُرب الدستور عرض الحائط، وتلاشت فورة الحماسة عنه، وتحاصص القوم على المناصب والمكاسب، وأشيع بينهم إثرة الحديث عن النواصب والروافض؟ وصار الدستور إرثاً لم يدافع عنه حتى الآباء السياسيون الذين أسهموا بمؤازرة الأميركيين بقيام النظام الحالي، غير أنهم هاجموا الدستور وأسقطوا مسوغات إقراره مراراً وتكراراً.


​​​​​​​جمهورية برلمانية

"سياسة العراق تجري في إطار جمهورية برلمانية ديمقراطية فيدرالية ممثلة" كما هو معلن، وهو نظام التعددية الحزبية حيث تمارس السلطة التنفيذية من قبل رئيس حكومة يدير مجلس الوزراء، فضلاً عن رئيس العراق، والسلطة التشريعية في مجلس النواب الاتحادي.
رئيس وزراء العراق هو الذي يحمل أكثر من السلطة التنفيذية ويعين مجلس الوزراء، وتعمل الحكومة التي تعاون رئيسها على وضع السياسات واتخاذ القرارات، ويناط برئيس الحكومة مهمة القائد العام للقوات المسلحة.

لكن الذاكرة السياسية العراقية ليست بعيدة من الانقلابات العسكرية الدموية التي أنتجت العهد الجمهوري عام 1958، ولم تؤشر على نظام الحكم في العراق بأن الديمقراطية متجذرة فيه، وهذا ما يدركه كل الحكام الذين أدعوا بأنهم "ديمقراطيون" حين وضعوا نصب أعينهم مشاهد الدبابات والمدرعات التي تطوق القصور الملكية، ومن ثم الرئاسة ومبنى الإذاعة والتلفزيون لتذيع البيان رقم (1).
ولكن هل تمكن النظام الجديد بعد عام 2003، بعدما فرض الأميركيون ضرورة إقرار دستور عام 2005، من محو تلك الصورة التي طُبع فيها العراق جراء حكم العسكر؟ ليعتاد الشعب وقواه التداول السلمي للسلطة، وإبعاد شبح الانقلابات المتكررة باللجوء إلى المعايير الدستورية التي تقر نظام السلطات الثلاث المستقلة؟ وقبيل الإجابة التي تم معاينتها من مفكرين عراقيين تخصصوا في العمل السياسي ومراقبة المسار الديمقراطي، فلا بد من معرفة طبيعة آليات النظام السياسي الذي يحكم البلاد.

بنية النظام السياسي

يتكون النظام السياسي العراقي من السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب، ووفقاً للدستور، فإن العراق جمهورية ديمقراطية تمثيلية برلمانية اتحادية، ونظام متعدد الأحزاب حيث يمارس السلطة التنفيذية رئيس مجلس الوزراء الذي يعينه مجلس الوزراء.

أما السلطة القضائية الاتحادية فتتألف من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة النقض وجهاز الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي ينظمها القانون.

الهيئات المستقلة

كما أقر الدستور انبثاق سبع هيئات مستقلة وهي "المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ولجنة النزاهة وهي لجان مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب والبنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات وديوان الوقف السني وديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف المسيحي ومؤسسة الشهداء التابعة لمجلس الوزراء ومجلس الخدمة العامة الاتحادي الذي ينظم شؤون الوظيفة العامة الاتحادية".

لكن كل هذه الأجهزة التي ينفق عليها المليارات لم تفعل العمل الديمقراطي الرصين الذي يجعل الشعب متيقناً من قيام تجربة ديمقراطية حقيقية.

غياب المشروع

ويرى الباحث رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر أن "السؤال الأهم هل كان هناك مشروع ديمقراطي أساساً للعراق؟ لأن المشروع يعني أنه هناك خطة متكاملة وفق جدول زمني لإنشاء شيء معين، وهي الديمقراطية، وهل كانت هذا الحال في العراق؟ أم كانت هناك خطة لإسقاط النظام وتقسيم السلطة؟ إن العملية الديمقراطية في العراق ولدت ميتة لأنها ولدت من رحم المحاصصة وبنيت على أساسها، فالدستور العراقي الذي هو العقد الأساس بني وفي عقل من كتبه وأشرف عليه، سواء كان عراقياً أو أميركياً، أن الديمقراطية تعني توزيع السلطة على مكونات المجتمع العراقي، في وقت أن الديمقراطية لا تعني ذلك بل خلق أرضية صالحة ليحكم الشعب نفسه بنفسه ويتداول السلطة بحسب إرادته".

تأسيس خاطئ

وتابع داغر "كان التأسيس خاطئاً، ثم جاءت الممارسات لتثبت ذلك ولتجعل العراقيين يكفرون بالديمقراطية، وأول ما انتهجه السياسيون كان أن كل رؤساء الوزارات في العراق بعد عام 2003، لم يأتوا بناء على نتائج الانتخابات، وإنهم جاءوا بناء على "توافقات"، وحلت التوافقات محل صندوق الانتخابات، بل بالعكس في مرتين مهمتين عام 2010 فازت قائمة إياد علاوي، وفي عام 2021 فازت قائمة مقتدى الصدر بالغالبية الواضحة، وجرى الالتفاف عليها وتسليم مهمة تشكيل الحكومة لغيرها، وتلقى الشعب درساً مهماً مفاده أن صوته لا أهمية له، فضلاً طبعاً عن عمليات التزوير، وذلك بعدما كان العراقيون مقبلون على النظام الديمقراطي، بدليل أن الذين شاركوا في الاستفتاء العام، كانت نسبتهم عالية جداً تخطت الـ 75 في المئة، كما بلغت نسبة المشاركين في أول انتخابات تشريعية جرت عام 2010 نحو 68 في المئة، وهذا دليل أن الشعب كان يريد الديمقراطية".

تدخل المؤسسة الدينية

ومضى الباحث منقذ داغر بالقول إن "النتائج التي أسفرت عنها ممارسات الالتفاف على الديمقراطية بتدخل المؤسسة الدينية والتدخل في كتابة الدستور، كلها أدت إلى أن الشعب أضحى يشكك في معنى الديمقراطية ويعتقد أنها سبب كل مشكلاته، في حين أن الحقيقة هي أن الطبقة السياسية وراء مشكلاته وليس الديمقراطية التي لها أسس كثيرة، منها النظام الاقتصادي الذي يجب أن يتحول من نظام تسيطر عليه الدولة إلى نظام السوق المفتوح، إضافة إلى كيفية معاملة كل فئات الشعب، من طريقة توزيع السلطة إلى آخرها، وهناك أكثر من 12 نقطة تخص الديمقراطية، تم تخطيها كلها، واُعتبر  صندوق الانتخابات الممثل الوحيد للديمقراطية، في حين أن صندوق الانتخابات هو الثمرة النهائية للديمقراطية، ولا بد من ذكر الحد من التدخل الديني وتأثير الميليشيات لتكون عندك دولة مدنية، وهذه كلها من أسس الديمقراطية، ومن دونها لا يمكن أن يقوم نظام ديمقراطي".


استيراد الديمقراطية

ولمدير المركز العراقي السفير والباحث غاري فيصل رأي في جوهر العملية الديمقراطية في العراق، إذ يقول إنه "بعد عام 2003 عندما احتلت الولايات المتحدة العراق طرحت دستور عام 2005، وهو في جوهره الفلسفي الدستوري، نظام يذهب إلى الليبرالية والتعددية في السياسية، يؤمن بتداول سلمي للسلطة وبالانتخابات، وبحرية التعبير عن الرأي، وحقوق المرأة والطفل، ومسألة الفيدرالية أيضاً التي تشكل قاعدة مهمة للإدارة الذاتية كنموذج جديد على صعيد الأنظمة السياسية العربية، لكن الإشكال الذي واجه هذا النظام هو أنه جاء من الخارج، وأذكر وقتها تصريح الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بوضوح اعتراضاً على إستراتيجية احتلال العراق لنشر الديمقراطية، فقال إن "الديمقراطية لا يمكن أن تنتقل عبر الحرب ولا يمكن أن تكون الحرب أداة من الأدوات الأساس لنقل الديمقراطية، لأن قضية الديمقراطية في الأساس تتعلق بالثقافة السياسية، ولا تزال الثقافة السياسية في بلدان ذات طبيعة متناقضة مع الثقافة الغربية في حال مواجهة مع هذه الثقافة".

وتابع فيصل، "أيضاً للأسف بعد الحرب العالمية الثانية خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الـ 20، وعبر التحالف مع الاتحاد السوفياتي في مصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن، إضافة إلى الجزائر والسودان أيضاً، كانت هذه الدول العربية منحازة نسبياً إلى النموذج السوفياتي الاشتراكي، ولكن ليس بالمعنى الفلسفي للاشتراكية، على العكس كانت الأنظمة لا تذهب إلى بناء دولة مؤسسات والفصل بين السلطات، بل هي دولة الحزب الواحد، دولة شمولية استبدادية، وإذاً من بعد الحرب العالمية الثانية وحتى عام 2003 الأنظمة السياسية العربية ومن بينها النظام العراقي كانت ذات طابع شمولي يتعلق بالحزب الواحد، وبالتالي تفتقد إلى الرؤية أو الثقافة الديمقراطية".

فرض النموذج الديمقراطي

ويمضي الباحث غازي فيصل بالقول في توصيف الثقافة السائدة قبيل الحرب في العراق وفرض الطراز الديمقراطي عليه، "لهذا السبب فإن مجتمعاتنا العربية دخلت القرن الـ 21 وهي لا تمتلك ثقافة سياسية لديمقراطية ليبرالية اقتصادية سياسية اجتماعية، ولهذا السبب كان هناك فشل ذريع على صعيد "الربيع العربي"، سواء في الجزائر أو ليبيا أو السودان واليمن وفي سوريا ولبنان وكذلك في العراق، حيث لا يمكن حتى يومنا هذا الحديث عن ديمقراطية طالما أن الديمقراطية الاجتماعية لا تزال منقوصة، والديمقراطية السياسية ليست ديمقراطية الذهاب للانتخابات بل ديمقراطية الفصل بين السلطات والتعددية السياسية والتداول السلمي السلطة".

احتكار السلطة

في العراق اليوم هناك احتكار للسلطة من قبل الأحزاب الدينية الدعوية التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وجوهر ثقافتها يرتكز على "الحاكمية" وبناء نظام شمولي سيكون في النهاية بالتأكيد استبدادياً، ومن دون وجود ديمقراطية وحرية اقتصادية وعدالة في توزيع الثروات لا يمكن الحديث عن ديمقراطية التي هي ليست قضية شكلية، بقدر ما هي ذات طبيعة متعددة الجوانب تذهب نحو بناء مجتمع متوازن يتمتع بالحق في الحياة والحرية والسكن اللائق والكرامة والتعليم والصحة، وإذا انتفت هذه الحقوق في أي نظام فهو بالتأكيد ليس ديمقراطياً، وعندما يتحول المجتمع المتنوع إلى مجتمع أحادي الثقافة أو الدين أو المذهب يذهب إلى نموذج استبدادي غير ديمقراطي على الإطلاق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


دويلات منزوعة السيادة

كذلك يرى مدير مركز حلول للدراسات في بغداد الباحث مازن الشمري أن "ديمقراطية الاحتلال الأميركي للعراق لم تنتج غير ما توفر لها من نتاج في مؤتمر لندن لأحزاب المعارضة العراقية برعاية السفير الأميركي زلماي خليل زاده، وهذا النتاج الذي طبق في تشكيل مجلس الحكم ثم كتابة مسودة قانون التغيير الأساس، والذي اعتمد في صياغة الدستور النافذ على فكرة مركزية في تكوين ثلاث دويلات منزوعة السيادة، كردية وشيعية وسنيّة، تتحد فيدرالياً في حكومة اتحادية، والأكراد رحبوا بها لترسيخ نموذج إقليم كردستان، والشيعة أيضاً إذ فتح لهم ذلك السيطرة على سلطة الحكومة الاتحادية، ولا سيما الأموال، فيما رفض السنّة بداية ثم انصهروا في ما عُرف بسنة إيران في العملية السياسية، وهكذا نجح تاجر السجاد الإيراني في توظيف المغامرة الأميركية لمصلحته بعنوان ديمقراطي عريض".

دولة عميقة للأحزاب

وتابع الشمري قائلاً إنه "بعد عقدين ونيف لم تتغير طبيعة النظام الجديد عما كانت عليه سياسة الاحتلال العثماني والصفوي للعراق، طوال ما عرف بالقرون الأربعة المظلمة، إذ بقيت حال الإقطاع وتحولت من الإقطاع الزراعي إلى الإقطاع السياسي بعناوين ديمقراطية، فيما أوجدت دولة عميقة للأحزاب ودول موازية للمال المنهوب والسلاح المنفلت، وأبسط صورة للمقارنة هي سرقة القرن (سرقة الأمانات الضريبية) التي لم تؤثر في السياسات العامة للحكومة، كذلك حكاية التنصت في أعلى مراكز الجهاز الحكومي لم تؤثر، بل إن تصريحات بعض قادة العملية السياسية تذهب إلى أولوية الحفاظ على ديمومة استقرار العملية السياسية وإن مرت بسرقة القرن وحكاية التنصت".

واعتبر المتحدث ذاته أن "كل ذلك يؤكد أن هيكل الدولة لا يدار بثقافة وتطبيقات معايير الديمقراطية بنموذجها الواضح في الدول المستقرة، بل مجرد حال شكلية لإظهار العملية السياسية بمسميات ديمقراطية ما دام أن الشعب ونخبه والكفاءات تصمت خوفاً من السلاح المنفلت تحت عناوين مقدسة".


المظهر الباقي للديمقراطية

‫ويذهب المتخصص في العلوم السياسية النائب العراقي ظافر العاني إلى القول إن "الديمقراطية لم تأت للعراق عبر التطور طبيعي فكري وإنساني واجتماعي في المجتمع، وإنما نزلت على العراقيين مع الصواريخ الأميركية، فلم تكن هناك أرضية مناسبة لنبتة الديمقراطية في العراق، ولم يكن لها مقدمات في المجتمع العراقي، وما زاد الطين بلة هي الممارسات، فكيف يمكن أن تعمل ديمقراطية من غير ديمقراطيين أو من دون أحزاب ديمقراطية؟ ومن دون مجتمع يعد ديمقراطية في سلوكه اليومي؟ الأكيد أنها ستتعثر، والمظهر الوحيد الباقي الآن من الديمقراطية هو إجراء انتخابات كل أربعة أعوام، وذلك فقط لمنح الشرعية للنظام السياسي على رغم ما يشوب الانتخابات من تزوير وفساد مالي ومشاركة الميليشيات والتجاوز على قانون الانتخابات نفسه، عبر تغيير مستمر للنظام الانتخابي كل أربعة أعوام، والموجود في العراق لا علاقة له بالديمقراطية".

بنية النظام

ولفت النائب العاني أن "النظام في العراق مبني على المحاصصة وعلى العائلات السياسية والعشائرية والطائفية، فكيف يمكن أن يكون هذا البناء متسقاً مع الممارسة الديمقراطية والفكر الديمقراطي؟ وحتى الأميركيين عندما جاءوا إلى العراق لم يكن هدفهم إرساء الديمقراطية، وصحيح أنه كان الهدف المعلن الذي قلق منه النظامان في إيران وسوريا، على اعتبار أنهما كانا مرشحين ليكونا حقل التجربة اللاحق للعراق، فعملا على إفشال أي نموذج سياسي ديمقراطي في العراق لأنهما اعتبراه تهديداً لهما".

الأحزاب الحاكمة

‏وأكد العاني أن "الأحزاب الحاكمة بالعراق تحول دون إشاعة الجو الديمقراطي بسبب إشاعة التناحر الطائفي في البلاد، ففي العراق عندما تقول هذا حزب إسلامي ينبغي تسأل بعدها شيعي أو سني؟ ولذلك فإن التمذهب والتخندق الطائفي والإثني والعشائري أفكار لا تنسجم مع فكرة الديمقراطية القائمة على العدالة والمساواة والمواطنة، والآن حتى النظام الانتخابي يتماهى بشكل كبير مع التكوين العشاري والإثني في العراق، والتصويت يتم على هذا الأساس، لا على أساس الفكرة السياسية والبرنامج والتجربة، إذ شهد العراق في الماضي تجارب أكثر نضجاً من تجربة الديمقراطية الحالية، فقد كانت الأحزاب سابقاً سواء اليسارية أو اليمنية أو القومية تحدد الانتماء إليها على أساس البرنامج والفكر السياسي، وكانت تضم مختلف الفئات الاجتماعية، أما اليوم لا توجد مثل هذه البرامج فمعظم أحزابنا قائمة على زعيم معين أو على عائلة وإرث ديني أو على رجل مال، ففي الدورة الرابعة للبرلمان شهدنا فيها رجال البنوك صاروا نواباً، والآن نشهد أن رجال الأعمال وأصحاب الجامعات هم قادة الأحزاب السياسية، وفي الغرب يُحبذ للسياسي كي ينجح أن يكون رجل مال واقتصاد أو عنده ملكية مالية، أما في العراق فمن يريد أن يحصل على ملكية مالية يجب أن يكون سياسياً".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات