أصدرت المحكمة الابتدائية في العاصمة المغربية الرباط، حكماً بسجن الصحافية هاجر الريسوني لعام واحد، بعد إدانتها بتهمة إقامة علاقة غير شرعية نتج عنها حمل تم إجهاضه بشكل غير قانوني، وواكب إعلان الحكم موجة استياء في صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان الذين اعتبروه قاسيا، وتم بدافع سياسي لإسكات الأصوات المعارضة للسلطة، ودعوا الحكومة إلى احترام الحريات الفردية، والبرلمان إلى إجراء تعديلات على القانون الجنائي، تحترم الحريات الشخصية.
حكم جائر؟
وتلقى العديد من الحقوقيين باستغراب الحكم القضائي على هاجر، واعتبروه ظالما وتعسفيا تم خلاله التدخل في الحرية الشخصية لمواطنة مغربية، وعبرت فوزية عسولي، رئيسة فيدرالية الرابطة الديموقراطية لحقوق الإنسان عن عدم استيعابها لهذه العقوبة القاسية، متسائلة عن فحوى الرسالة السياسية التي يراد إرسالها إلى كل من احتشد لمساندة الصحافية.
محاكمة سياسية؟
يعتبر بعض المراقبين، أن القضية توبعت بقضية سياسية تهدف إلى تكميم الأفواه وعودة محاكم التفتيش، ويقول الصحافي المغربي خالد الجامعي في رسالة مفتوحة موجهة إلى هاجر الريسوني، "حين أدانوك سيدتي، فإنهم أرادوا إدانتنا، مواطنين ومواطنات، وتخويفنا وترهيبنا، وتكميم أفواهنا، وتحويلنا إلى قطيع لا يفكر إلا بتفكيرهم، ولا يؤتمر إلا بأوامرهم، لتكريس شبح الرعب وترسيخ مذلة الخنوع ...".
وأضاف "حين أدانوك سيدتي، جاءوا بالدليل القاطع والحجة البينة التي تفقأ الأعين على أن خطاباتهم الطويلة وثرثراتهم المستفيضة حول حقوق الإنسان وحرية التعبير وحقوق المرأة، ما هي إلا مهازل وخدع ومناورات...".
خروقات الخبرة الطبية
من جانبه كشف البروفسور هشام بنيعيش، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي ابن رشد بالدار البيضاء، عن خروق كثيرة شهدها الكشف الطبي الذي أجري قسرا على الصحافية هاجر الريسوني، بطلب من النيابة العامة، أثناء وضعها رهن الاعتقال الاحتياطي.
وأكد بنعيش، أن الطبيب الذي أنجز الكشف ملزم باتخاذ عدد من الإجراءات التي يضمنها القانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب، التي من دونها يصبح الكشف باطلاً، وأولها اطلاع الشخص الخاضع للكشف قبل إجرائه على الغرض منها والإطار القانوني الذي يمارس فيه، ومن ثم أخذ الموافقة منه.
وتساءل بنعيش، "هل أبلغ الطبيب هاجر بالمهمة المنوطة به والحقوق التي تتمتع بها هي في هذا الصدد؟ وهل أبلغها بحقها في رفض الخضوع لهذه الخبرة والإجابة عن الأسئلة أثناء مقابلته معها؟"، مضيفا "أن هذه الموافقة لم تتم من طرف الريسوني التي كانت رهن الاعتقال، كما لم يفعل محاميها".
وخلص البروفسور إلى "أن عدم وجود موافقة صريحة من قبل الريسوني على إجراء الكشف يجعل التقرير الطبي باطلا"، متسائلا عما "إذا كان لقضاة مرحلة الاستئناف الجرأة في معالجة هذه الخروق، والتعبير عن نصرتهم لاستقلالية القضاء.
تقنين الإجهاض
ثمة خلافات بين بعض الأحزاب، حول مناقشة البرلمان لمشروع تعديل القانون الجنائي الجارية حاليا، والمتعلقة بالحريات الفردية، أهمها مسألة تقنين الإجهاض. واقترحت الحكومة سابقاً، مشروع قانون قبل أعوام ينص على "إتاحة الحق في الإجهاض للمرأة في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، والحالات التي تكون فيها الحامل مصابة بمرض من الأمراض المعتبرة في حكم الخلل العقلي، وحالات ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادةـ أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، وعندما يشكل الحمل خطراً على حياة الأم أو على صحتها".
وتشهد مناقشات تعديل القانون الجنائي، تمسك حزب العدالة والتنمية الحاكم بضرورة عدم توسيع الحالات الموجبة للإجهاض، في حين يطالب حزب الاتحاد الاشتراكي، المشارك في الائتلاف الحكومي، برفع التجريم على عملية الإجهاض وجعلها متاحة في جميع الحالات.
في المقابل، يعتبر النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديموقراطي عمر بلافريج، أن التعديلات التي تتعلق بالقانون الجنائي، تشكل فرصة لضمان الحريات الفردية، كون المواطن الراشد، هو مواطن حقيقي وليس قاصراً، وأن المنطق الذي سيتحكم في التعديلات سيكون بخلفية الثقة الكاملة في الراشدين، وقناعة تامة بضرورة حماية القاصرين.
ضرورة احترام الحريات الشخصية
زادت قضية الصحافية هاجر الريسوني من حدة المطالبة بضرورة احترام الحريات الفردية التي انطلقت منذ سنوات، التي تعتبر أن جسم الفرد ملك له ويجب رفع وصاية أي طرف عليه.
ويعتبر الناشط الحقوقي أحمد عصيد، "أنه من الواجب أولا الاعتراف بالفرد، وأن الأزمة تكمن في كوننا نذوّب الفرد في الجماعة وفي قيمها، والدليل على هذا ما يتعلق بجسد المرأة".
ويتساءل عصيد عن عدم اعتبار القانون الجنائي، جسم المرأة ملكاً لها، بل ملك للرجل، وأنه موجود لإنجاب الأطفال للرجل وإشباع متعته، وأنه في المجمل موجود لخدمته، معتبراً أن هذا كله اتجاه خاطئ لأنه لا يعترف أن المرأة فرد مواطن.
ويضيف الناشط الحقوقي "أن المسألة الثانية التي يجب أن نحققها، هي ما يتعلق بمعنى الحرية الموجود في النظام التربوي وفي الوعي الجماعي الخاطئ للمغاربة، فالاعتقاد السائد هو أنك حر في حدود اعتقاد تقاليد الجماعة، بينما المفهوم الحقيقي هو أنك حر طالما أنك لا تتعدى على حرية الآخرين، وهذا مفهوم يجب إعادة بنائه من داخل المنظومة التربوية، وفي الإرشاد اليومي للمواطنين، وفي وسائل الإعلام، وفي العمل المدني لتوعية الناس بأن الأحرار لا يظلوا كذلك حين يلبون تقاليدَ، يمكن أن تكون بالية ومتجاوزة، بل هم كذلك لأنهم بشر في حرية منذ الولادة".