Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرفا النزاع السوداني أمام اختبار الجدية

كثرت التساؤلات حول مدى جدية طرفي القتال في التعاطي مع تلك الجهود وهل بإمكانهما اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ البلاد من شبح هذه الحرب المدمرة

الحل الأمثل يتطلب جهداً إضافياً لإجبار طرفي الصراع السوداني على الجلوس إلى طاولة التفاوض (أ ف ب)

ملخص

إيقاف الحرب السودانية يتطلب العمل على الصعيدين المحلي والخارجي

في وقت أبدى قائدا الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان و"الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" انفتاحمهما على الحلول السلمية للحرب الجارية في البلاد منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، استجابة لدعوة الرئيس الأميركي جو بايدن لهما إلى العودة لطاولة المفاوضات حفاظاً على أرواح المدنيين جراء القتال وتدهور الأوضاع الإنسانية، كثرت التساؤلات حول مدى جدية طرفي القتال في التعاطي مع جهود الحل السلمي، وهل بإمكانهما اتخاذ خطوات عملية لإنقاذ البلاد من شبح هذه الحرب المدمرة؟.

تلاقي مصالح

قال عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية "تقدم" صالح عمار إن "دعوة الرئيس جو بايدن لطرفي الحرب في السودان مرحب بها ونرجو أن تكون متبوعة بكل أدوات الضغط المتاحة للولايات المتحدة من أجل إيقاف المأساة الإنسانية الأكبر في العالم حالياً. صحيح أن تحرك واشنطن له علاقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالفعل سعى الديمقراطيون إلى تسجيل نجاح في الملف السوداني لاستقطاب أصوات بعض الناخبين الأميركيين، لكن هذا يتلاقى مع مصالح وحوجة السودانيين إلى أي صيغة لوقف إطلاق النار وتحسين الوضع الإنساني".

وأضاف عمار "لكن في تقديري أن إيقاف الحرب السودانية يتطلب العمل على الصعيدين المحلي والخارجي، فمحلياً يجب على كل القوى المنحازة للسلام التحرك لمحاصرة الحرب وأطرافها وإدانتها، وهي نقطة جوهرية ومهمة لأنه في حال عدم محاصرة السودانيين أنفسهم هذه الحرب قد يتعذر حينها الوصول إلى سلام مهما بذل العالم من جهود، وخارجياً لا بد من منع دول الإقليم سواء الأفريقية أو العربية من تقديم أي مساعدات لطرفي الحرب، فضلاً عن الضغط المباشر على الطرفين (الجيش والدعم السريع) من قبل المؤسسات الدولية على رأسها مجلس الأمن"، معتبراً أنه إذا تم كل ذلك "فستكون هناك خطوات أسرع للحل السلمي نظراً إلى انقطاع الدعم المحلي والخارجي للطرفين المتحاربين".

وحض على ضرورة مخاطبة مصالح جميع الأطراف الداعمة للحرب، خصوصاً دول الإقليم ودول الخارج بحيث يتم إقناعها بأن مصالحها تكون في وقت السلام أكثر من وقت الحرب.

وبيّن عمار أنه "من الواضح أن هناك أطرافاً خفية ومؤثرة في الجيش و’الدعم السريع‘ تعمل بكل ما لها من قوة من أجل استمرار الحرب وتحويلها إلى حرب أهلية واسعة وزيادة عدد الضحايا، بالتالي إذا لم تتم مواجهة هذه الجهات بشجاعة تامة فمن المؤكد أن الحرب ستتسع".

قاسم مشترك

وأوضح عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان وجدي صالح من جهته أن "الحل الأمثل لأزمة البلاد في ظل هذا الواقع المعقد الذي أفرزته الحرب، يتطلب منا جهداً إضافياً لإحداث اختراق للمشهد الحالي وإجبار طرفي الصراع على الجلوس إلى طاولة التفاوض لإنهاء معاناة الشعب السوداني والحفاظ على وحدة ترابه وشعبه في ضوء هذه الأخطار التي تهدده والتي فتحت لها الحرب الطريق لتتمدد".

وتابع أنه "على الصعيد الدولي لا بد من فهم كيف تتحرك القوى الدولية النافذة والمجتمع الدولي، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أصبح المنطق السائد دولياً هو منطق القوة فقط وملء الفراغ، بالتالي باتت المصالح هي التي تحكم العلاقات الدولية وليس قيم الحق والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذه أصبحت مجرد شعارات تتخفى من خلفها القوى الدولية النافذة لتمرير أجندتها والحفاظ على مصالحها".

وقال "كان الفيلسوف الأميركي المناهض للإمبريالية العالمية نعوم شومنسكي أشار في كتابه ’من يحكم العالم‘ إلى أن أميركا تريد أن يستقر العالم وفق رؤيتها، أي إذا كان هناك نظام ديكتاتوري يقمع شعبه والشعب صامت تعتبر ذلك استقراراً وتقوم بدعمه، وفي الاتجاه ذاته ذكر وزير خارجية واشنطن السابق هنري كيسنجر في أحد تصريحاته أن بلاده لا تقوم بحل أي مشكلة، لكن متى ما تفجرت أي أزمة في دولة ما فإنهم ينظرون إليها ويراقبونها ومتى ما كانت هناك حلول تتماشى مع المصالح الأميركية فإنها تدعمها، أما إذا كانت الحلول المطروحة لا تحقق مصالحها فإنها لا تتدخل وتستمر الأزمة إلى أن تطرح الحلول التي تحقق مصالحها وتدفع بها، وهذا يثبته واقعاً موقفها من الحرب الدائرة في غزة حالياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزاد صالح "في نظري أن القاسم المشترك بين طرفي الصراع هو القضاء على انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام عمر البشير، وتلتقي معهما بعض القوى الإقليمية والدولية التي هددت الانتفاضة مصالحها بطرق مختلفة، لكن ظلت حركة المجتمع المدني والسياسي في السودان قوية جداً على رغم الانقسامات، والدليل على ذلك استمرار روح الانتفاضة لخمسة أعوام متواصلة على رغم المؤامرات التي تحاك ضدها ابتداء من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش في يوليو (تموز) 2019 مروراً بانقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021".

وأردف "في اعتقادي لا سبيل لوقف هذه الحرب سوى الإرادة الوطنية الموحدة وتجريد أطرافها من أي سند شعبي وعدم الاعتراف بأي نتائج تفرضها علينا هذه الحرب، مما لا يتأتى إلا باصطفاف القوى السياسية والمدنية (قوى الانتفاضة) في جبهة واحدة وبرؤية وأهداف واضحة تعبر عنها أو خلق صيغة تنسيقية تحقق الهدف ذاته في ما بينها حتى يتم الضغط على أطراف الحرب لإيقافها على أن يساند المجتمعان الدولي والإقليمي هذه الجهود".

ورأى أن "الدعوة الأميركية مجرد دعاية إعلامية تستهدف قوى داخلية من أعضاء المجتمع الأميركي المؤمنة بقيم الحرية والسلام والديمقراطية وهي نسبة مقدرة من الناخبين، وقوى خارجية وهي قوانا السودانية حتى تسترخي وتنتظر نتائج هذه التصريحات باعتبارها طريقاً سريعاً وسهلاً، لكنه يؤخر استنهاض الحركة الجماهيرية والإرادة الشعبية لتتمدد الحرب أكثر وتزداد تعقيداً بما يحقق مصالح القوى الدولية".

ولفت صالح إلى أن الشعب السوداني سئم من مثل هذه التصريحات المتكررة لأنه يعلم أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد إيقاف الحرب لأوقفتها بما تمتلك من قوة هي وحلفاؤها من أدوات ضغط حقيقية تجبر أطراف الحرب على إيقافها ودعم الإرادة الوطنية الداخلية الغالبة التي تعمل من أجل ذلك، بالتالي فإن الحديث عن حث طرفي الصراع على الاتجاه للمفاوضات لن يضيف شيئاً لواقع الحرب الراهن في البلاد، كما لا يمكن أن يشكل التهديد المتكرر بفرض عقوبات ضغطاً حقيقياً على أطراف هذا الصراع.

دعوة أميركية

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن دعا طرفي النزاع في السودان إلى استئناف المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب المستمرة بينهما التي خلفت عشرات آلاف القتلى ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة، مشيراً إلى أن هجمات قوات "الدعم السريع" تلحق أضراراً بصورة غير متناسبة بالمدنيين السودانيين، ودعا الجيش إلى وقف القصف "العشوائي" الذي يدمر حياة المدنيين والبنية التحتية.

وقال بايدن في بيان أول من أمس الثلاثاء بعيد أيام من تجدد المعارك العنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في إقليم دارفور، إن "الولايات المتحدة ستواصل إجراء تقييمات في شأن مزاعم الفظائع والعقوبات الإضافية المحتملة"، معرباً عن أسفه لأن هذا الحصار تحول في الفترة الأخيرة إلى "هجوم مكثف"، مشيراً إلى الفظائع التي تعرض لها المدنيون منذ بداية النزاع.

وحذر الرئيس الأميركي من أن هذه الحرب خلقت "واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم"، لافتاً  خصوصاً إلى نزوح ما يقارب "10 ملايين شخص" ومبيناً أن المساعدات الأميركية للمدنيين السودانيين بلغت 1.6 مليار دولار خلال عامين.

وأضاف "فلنكن واضحين، الولايات المتحدة لن تتخلى عن التزامها تجاه شعب السودان الذي يستحق الحرية والسلام والعدالة، وندعو جميع أطراف الصراع إلى إنهاء العنف"، مشدداً على أنه "يتعين على الطرفين السماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع مناطق البلاد".

ترحيب سوداني

ورداً على دعوة الرئيس بايدن، أكد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أمس الأربعاء أن الحكومة تظل "منفتحة أمام كل الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة".

وقال في بيان "نحن على استعداد للعمل مع جميع الشركاء الدوليين سعياً إلى التوصل لحل سلمي يخفف من معاناة شعبنا، ويضع السودان على الطريق نحو الأمن والاستقرار وسيادة القانون والتداول الديمقراطي للسلطة".

وفي وقت لاحق حذا قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو حذوه، معبراً عن الموقف نفسه في وقت مبكر من اليوم الخميس.

وقال دقلو على منصة "إكس"، "نجدد التزامنا بمفاوضات وقف إطلاق النار، إذ إننا نؤمن بأن طريق السلام يكمن في الحوار وليس في العنف العشوائي، وسنواصل الانتظام في عمليات السلام لضمان مستقبل خالٍ من الخوف والمعاناة لجميع المدنيين السودانيين".

وبدأت الولايات المتحدة في الـ14 من أغسطس (آب) الماضي محادثات في سويسرا لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية والتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وانتهت المحادثات بعد نحو 10 أيام من دون التوصل إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار، لكن الطرفين المتحاربين التزما ضمان وصول آمن ومن دون عوائق للمساعدات الإنسانية عبر ممرين رئيسين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير