ملخص
يشكل قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي حجر الزاوية في الاقتصاد الوطني، ويسهم بنسبة 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف نحو 20 في المئة من القوى العاملة.
استخدمت إسرائيل خلال حربيها في قطاع غزة وجنوب لبنان أنواعاً جديدة من الأسلحة والذخائر والمسيرات والطائرات من دون طيار من نوع "هيرون"، والطائرات الحربية الشبحية التي لا تكشفها الرادارات وتطير بسرعات أضعاف سرعة الصوت، وتحمل أنواعاً حديثة ومتطورة من الصواريخ والقذائف، وعلى رأسها طائرات F-35 الأميركية.
وفي حال استثنينا الهجوم السيبراني الذي وقع يومي الـ 17 والـ 18 من سبتمبر (أيلول) الجاري من إطار التطور التكنولوجي غير المسبوق الذي وصلت إليه الأجهزة العسكرية الإسرائيلية، فإن أسلحة الحروب التقليدية الإسرائيلية تطورت بدورها بشكل كبير فاجأ المراقبين وأطراف النزاع.
وكان الهجوم السيبراني قد أدى إلى تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يحملها عناصر عسكرية ومدنية في "حزب الله" اللبناني، فسقط عشرات القتلى وما يقارب 3 آلاف جريح لبناني، واعتبرت هذه العملية غير مسبوقة في العالم وتؤسس لنوع جديد من المعارك الحربية والاستخباراتية في الحروب السيبرانية.
وجاءت العملية ضمن نوع من العمليات المصنفة "تحت الحزام" بسبب الضرر الكبير الذي نتج منها وبسبب عدم توقعها، ولأنها تخالف القواعد المعتادة والمتوافق عليها في العمليات العسكرية، وفي المواثيق والقوانين الدولية التي ترعى شؤون الحروب.
الأسلحة المتطورة والتدميرية
استخدم الجيش الإسرائيلي أسلحة جديدة وفتاكة في حروبه مع "حزب الله" في الشمال، ومع حركة "حماس" في الجنوب، وقد أظهرت هذه الأسلحة ما وصلت إليه الصناعات العسكرية الإسرائيلية من تطور تقني كبير، وأدت إلى سقوط أعداد هائلة من المدنيين مع تدمير قرى وبلدات ومدن عن بكرة أبيها في الجنوب اللبناني وقطاع غزة.
ونقلت مجلة "972 مغازين" الإلكترونية وموقع "لوكال كول" Local Cal الإسرائيليان عن مسؤولين عسكريين ومخابراتيين إسرائيليين مضمون الخطة الإستراتيجية لترويع المدنيين من خلال قصف المرافق المدنية الأساس، وهذه الإستراتيجية، على حد تعبير أحد ضباط المخابرات السابقين، تحولت إلى "آلة للاغتيالات الجماعية" مع التركيز على المناطق السكنية والمدارس والبنوك والمباني الحكومية التي تعد جميعها أهدافاً حيوية مهمة.
ويقول الكاتب والباحث الإسرائيلي يوفال أبراهام إن الحرب الحالية شهدت توسعاً كبيراً في قصف أهداف ليست ذات طابع عسكري مميز، ووفقاً لمصادر استخباراتية فإن تطبيق هذا الأسلوب في غزة يهدف أساساً إلى إلحاق الأذى بالمجتمع المدني الفلسطيني "لإحداث صدمة" تؤدي إلى ضغط المدنيين على "حماس".
وبرز التوظيف المتطور للذكاء الاصطناعي في الحرب من خلال تحليل بيانات المراقبة التي يقوم على أساسها برنامج الذكاء الاصطناعي بإنشاء قوائم بالأهداف التي يجب ضربها، مما أسهم في ارتفاع عدد القتلى المدنيين، وفي أحيان أخرى قرر هذا البرنامج إطلاق النار على سيارات لجمعيات إنسانية أجنبية تعمل في غزة اعتبرها سيارات تحمل مسلحين مستهدفين.
وكانت الطائرات من دون طيار أو الـ "درون" عنصراً محورياً في الحرب، وتعد إسرائيل قوة مهيمنة في تكنولوجيا المسيرات وتستحوذ على أكثر من 60 في المئة من صادرات هذه المسيرات في جميع أنحاء العالم، وقد استخدم الجيش الإسرائيلي منذ انطلاق الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 المسيرات بشكل رئيس في العمليات العسكرية التي أدت إلى وقوع خسائر هائلة في أرواح المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية على نطاق واسع، في ما اعتبرته محكمة العدل الدولية جرائم حرب وصنفت بعض العمليات الحربية في غزة على أنها إبادة جماعية.
وقد طورت تقنية التعرف على الوجوه مع توسع إسرائيل في هجومها العسكري، وزُود الجنود الإسرائيليون الذين دخلوا غزة بكاميرات مجهزة بهذه التكنولوجيا، وقد استخدمت أيضاً في عمليات الاغتيالات الكثيفة لعناصر قيادية في "حزب الله" على جبهة جنوب لبنان.
ميادين لتجريب السلاح
اعتبر بعض المعلقين والمحللين في شؤون الأسلحة والحروب أن إسرائيل تستخدم ميادين حروبها كحقول تجارب لأسلحتها الجديدة، سواء للاختبار التشغيلي أو للعرض التجاري أمام المشترين من الحكومات والدول التي تشاهد هذه الحرب مباشرة عبر الشاشات، وعلى سبيل المثال لقيت مسيرات "هيرميس" من شركة "إلبيت سيستمز" ومسيرات "هيرون إيتان" من الصناعات الجوية الإسرائيلية المجهزة بصواريخ "سبايك" ذاتية التوجيه تجاوباً إيجابياً من المشترين، وقد استخدمت هذه المسيرات على نطاق واسع في الحرب على غزة وعمليات اغتيال قيادات "حزب الله" في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، مع العلم أن صادرات الأسلحة الإسرائيلية تشكل نحو 25 في المئة من إجمال الصادرات الصناعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الفترة بين عامي 2014 و2018 احتلت إسرائيل المرتبة الثامنة بين أكبر موردي الأسلحة على مستوى العالم، وارتفعت الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى مستويات غير مسبوقة لتصل إيراداتها إلى 11.3 مليار دولار عام 2021 و12.5 مليار دولار عام 2022.
ووفقاً للمتخصصين العسكريين فقد استخدمت إسرائيل أسلحة كيماوية وأخرى ذات خليط كيماوي شديدة الانفجار وقنابل ارتجاجية من دون صوت وقذائف الفسفور الأبيض، ومعظمها سقط وسط المدنيين ومن دون إنذار.
ويشير المتخصصون إلى أن إسرائيل استخدمت أنواعاً جديدة من الذخيرة التي تلقى من الطائرات الحربية، ومنها قنبلة متعددة الأغراض وحرة الإسقاط وغير موجهة وبأوزان مختلفة تبدأ من 150 كيلوغراماً وتصل إلى طن، وتحوي مادة "التروتونال" التي هي خليط من TNT و25 في المئة من الألومنيوم ليرفع درجة الحرارة عند الانفجار ويحدث لهباً كبيراً. ورصد استخدام القنابل المجنحة من نوع (GPU39) وهي قنابل موجهة بدقة، وأطلقت بشكل أساس من طائرات (F-15) و(F-16) و(F-35) وأحدثت انفجارات قوية جداً وصل تدميرها لمساحة 200 متر في محيط مكان سقوطها.
أما القنابل الملقاة على الطرق والبنى التحتية فكانت قنابل ذات قوة انفجارية تفوق 907 كيلوغرامات، ولها قدرة على إحداث حفرة انفجارية ضخمة جداً، وتستطيع خرق الأرض حتى عمق أربعة أمتار، وهناك نوع من الصواريخ سميت بالارتجاجية، وهي ما جعل سكان قطاع غزة وبعض البلدات في جنوب لبنان يشعرون بارتجاجات تشبه هزات أرضية صغيرة نتجت من هذه القنابل التي ألقتها الطائرات لتخترق سطح الأرض إلى عمق 15 متراً ثم تنفجر وتحدث هذا الارتجاج الكبير الذي يشعر به السكان.
واستخدم الجيش الإسرائيلي خلال حربيه في قطاع غزة وجنوب لبنان أنواعاً من صواريخ جو- أرض أطلقتها الطائرات المروحية والطائرات من دون طيار لشن ضربات دقيقة، واستخدمت قنابل موجهة بالليزر من نوع (GBU-12 Paveway II) و(GBU-24 Paveway III) وطائرات من نوع (F-35) و(Lightning I)، وهي طائرة حربية مقاتلة شبحية تتميز بالأجهزة الإلكترونية والتقنيات المتقدمة وقدرات تمنع التقاطها بواسطة الرادارات. واستخدم طائرات من دون طيار من نوع "هيرون" (Heron TP) ذات المدى الطويل في الطيران والقدرة على الوصول إلى ارتفاع كبيرة، وتستخدم للمراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة، وهي قادرة على حمل مجموعة متنوعة من الذخائر وأجهزة الاستشعار.
محور للتطوير التقني
في إسرائيل لا يعد الجيش مجرد كيان دفاعي فقط بل هو كيان عام وشامل يتصرف ويعمل بصفته مؤسسة محورية للتكامل والتكافل الاجتماعي، وتتداخل أدواره مع أجهزة التعليم والقضاء والإعلام وتقديم المبادرات الاقتصادية واستيعاب المهاجرين اليهود، ويقول الباحث الإسرائيلي باروخ كيمرلينغ إن الجيش يمثل "المبدأ التنظيمي المركزي" الذي يتوغل عبر النسيج المجتمعي ويشكل الهويات والقيم الجماعية، ويرتبط التطور التقني للسلاح الإسرائيلي المستخدم في الحرب الأخيرة بقدرة المؤسسات الحكومية الإسرائيلية، وعلى رأسها الجيش والأجهزة المخابراتية، والمستثمرون الكبار الذين مهدوا منذ عام 1948 الطريق لتطوير وتصنيع الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المدني والعسكري، مع التركيز على الابتكارات الأمنية الخاصة.
وفي تحقيق نشر بمجلة "الدراسات الفلسطينية" يقول الباحث الفلسطيني ومستشار السياسات في شبكة السياسات الفلسطينية طارق دعنا إنه "في إسرائيل تتشابك بعمق النزعة العسكرية والتعليم والأوساط الأكاديمية، إذ تعمل المؤسسات التعليمية على تعزيز المعرفة العسكرية في سن باكرة لطلابها، وتشارك الجامعات على نحو نشيط في تطوير التكنولوجيا العسكرية ورعاية المواهب التي توجه إلى قطاع الدفاع، وهذا ما تجسده برامج النخبة مثل برنامجي 'تلبيوت' و'هفاتسالوت' من خلال تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة لتولي أدوار في مؤسسات التكنولوجيا العسكرية والأمنية، ويشكل قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي حجر الزاوية في الاقتصاد الوطني ويسهم بـ 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف نحو 20 في المئة من القوى العاملة".
وتعتبر الرعاية العسكرية الأميركية سبباً رئيساً في قوة قطاع التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، فخلال الفترة ما بين عامي 1949 و2022 قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل أكثر من 200 مليار دولار من المساعدات العسكرية، تصرف من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF) والمشاريع التعاونية التي تمولها وزارة الدفاع الأميركية.