ملخص
أغنى رجل في العالم يراقب الأرض ببضعة آلاف من أقمار "ستارلينك" الاصطناعية. وينافسه تحالف "وان ويب" الأوروبي الذي لا يملك سوى حفنة مئات من تلك الأقمار. ويبدي نشطاء حقوق الإنسان قلقاً بالغاً من قوة خاصة على غاربها بلا حسيب أو رقيب.
صبيحة الخميس الماضي، حلق صاروخ معاد استعماله للمرة الـ15 في الفضاء، منطلقاً من قاعدة "كاب كانفرال" في مهمة غدت روتينية إلى حد أن ذلك الحدث لم تغطه سوى وسائل إعلام محلية في ولاية فلوريدا. وإنها المرة الـ89 التي تطلق فيها شركة "سبايس إكس" صاروخاً ليحلق في مدار حول الأرض في عام 2024، وذلك أقل بسبع مرات من الرقم القياسي لعدد مرات إطلاق الصواريخ الذي حققته الشركة نفسها في عام 2023. وحمل ذلك الصاروخ 21 قمراً اصطناعياً كي تلحق بشبكة "ستارلينك"، مما رفع العدد الكلي للعدد الذي تملكه تلك الشركة من منظومة أقمار الإنترنت، إلى ما يربو على 7 آلاف.
وبعد وقت قصير من عودة صاروخ "فالكون 9" إلى الأرض، دون إيلون ماسك، رئيس شركة "سبايس إكس" في صفحته على منصة "إكس" للتدوينات القصيرة، "أضحت ’ستارلينك‘ تشكل الآن نحو ثلثي كل الأقمار الاصطناعية النشطة التي تدور حول الأرض".
وبالفعل، إنه إنجاز لا يصدق لشركة لم تستغرق سوى خمسة أعوام كي تنجزه. في المقابل، أثار الإنجاز نفسه قلقاً جدياً لدى مشرعين ومجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان ومجموعة من رواد الفضاء. وحينما حظر تطبيق منصة "إكس" في البرازيل قبل ذلك بأسبوع، تخيل أغنى رجل في العالم أنه يستطيع الالتفاف عليه من الفضاء عبر بث تلك المنصة من شبكة "ستارلينك". وادعى ماسك أن الخطوة الفضائية رفعت لواء حرية التعبير، ووصف القاضي البرازيلي الذي أصدر الحكم بأنه "طاغية شرير" و"ديكتاتور".
وفي خاتمة المطاف، رضخت "ستارلينك" للأمر القضائي، لكن تلك المعطيات أظهرت مدى القوة التي يستطيع ماسك توظيفها عبر هيمنته شبه الاحتكارية على المدار الأرضي المنخفض [يراوح ما بين 200 كيلومتر و2000 كيلومتر فوق الكوكب الأزرق].
وفي حديث مع "اندبندنت"، أشارت باولا برناردي، المستشارة في مجموعة مقرها مدينة "ساو باولو" وتعنى بالسياسة الواجب اتباعها حيال الإنترنت، إلى أنه "ثمة مصادر للقلق، على وجه الخصوص في ما يتعلق بالسيادة الوطنية. ومثلاً، من المقلق أن يستطيع واحد بمفرده أن يقرر وقف خدمة تصل إلى مئات الآلاف من الأشخاص".
وتعمل برناردي مع "مجتمع الإنترنت" Internet Society وهي مجموعة ناشطة لا تسعى إلى الربح وتهدف إلى جعل الإنترنت قوة تعمل للصالح العام. ولاحظت برناردي أن "ستارلينك" تعد قوة "ثورية" تسعى للصالح العام بواسطة قدرتها على ربط الناس بواسطة طرق جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إضافة ثلاثة أقمار اصطناعية لشبكة "ستارلينك" يومياً كمعدل وسطي منذ إطلاق "سبايس إكس" أول مهمة فضائية في عام 2019، أضحت الشركة الآن صاحبة أكثر من عن 6300 قمر اصطناعي نشط تدور حول الأرض، مع مئات أخرى غير نشطة أو خارجة عن مداراتها. وتخطط تلك الشركة الخاصة لزيادة منظومتها إلى 42 ألف قمر اصطناعي خلال السنوات المقبلة، مما يحمل إمكانية تحولها إلى أضخم مزود لخدمة الإنترنت في العالم.
وفعلياً، تتوفر "ستارلينك" في أكثر من 100 بلد بعد توسعها أخيراً إلى بوتسوانا وغانا وكينيا. وفي بداياتها، سعت "ستارلينك" إلى الوصول إلى الناس في مناطق نائية، لكنها لم تحز سوى جمهور عالمي متواضع الحجم لا يزيد على 3 ملايين مستخدم، يدفع كل منهم اشتراكاً شهرياً بـ300 دولار لكل طبق لاقط لقاء الحصول على اتصال مع شبكة عالية السرعة تعمل بالحزم العريضة النطاق.
ومع مواصلة توسع تلك المنظومة الفضائية، قد يؤدي التحسن في السرعة والانخفاض في الكلف إلى جعل "ستارلينك" منافساً لمقدمي خدمة الإنترنت التقليديين، فيما سيعمل الجيل القادم من الأقمار الاصطناعية على تقديم اتصالات مع شبكات الجيل الرابع للخليوي.
وتتوقع الشركة إطلاق شبكة "ستارلينك" في عشرات من البلدان الأخرى خلال الأشهر الـ12 شهراً المقبلة، على رغم عدم وصولها إلى أسواق محورية عدة بسبب القيود التجارية أو الرقابة الصارمة على الإنترنت فيها. وتشمل قائمة تلك البلدان أفغانستان والصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا وسوريا، على رغم أن كثيراً في تلك البلدان استطاعوا إيجاد سبل للوصول إلى "ستارلينك" عبر أجهزة مهربة.
وتدبر ناشطون إيرانيون أمر تهريب عشرات من تلك الأجهزة سراً في 2022، كي يتفادوا الانقطاعات المتكررة في الاتصال مع الإنترنت والرقابة الثقيلة المفروضة عليها، وعلى خلاف ادعاء السلطات الرسمية بأنهم "يسببون الانحراف في الأخلاق والثقافة".
وفي دراسة نهضت بها مجموعة "مجتمع الإنترنت"، وجد أن أنظمة أقمار الإنترنت الاصطناعية قد تصبح مفيدة في أوضاع على غرار الاستجابة للكوارث والمناطق المعرضة لانقطاع الاتصال مع الإنترنت فيها. وفي الدراسة، كتب البحاثة أن "ستارلينك" شقت طريقاً لـ"تجسير الفجوة الرقمية وزيادة أعداد المتصلين بالإنترنت". في المقابل، حذر أولئك البحاثة من الأخطار المتعلقة بغياب المنافسة في الاتصال فضائياً مع الإنترنت.
وكذلك، ليست صناعة الأقمار الاصطناعية "منيعة حيال الهواجس في شأن قوة السوق والتمركز الاقتصادي المنتشرين عبر قطاعات التكنولوجيا كلها". ولاحظت الدراسة نفسها أن ذلك قد يحدث "اختناقات في نقاط السيطرة" ضمن تلك الصناعة. وكذلك ألقى البحاثة أنفسهم الضوء على غياب القوانين التنظيمية المترافق مع الافتقاد إلى أي كيان دولي مخصص للإشراف على توزيع حصص المنافذ الفضائية المخصصة للأقمار الاصطناعية. ويعني ذلك أن "ستارلينك" قد تفرض احتكاراً على أفضل الفضاءات في المدارات حول الأرض، "مما يجعل كل من سيدخل لاحقاً إلى ذلك المجال، يواجه نقص الخيارات الملائمة أو انعدامها".
ويتمثل المنافس الرئيس لـ"ستارلينك" بشركة "وان ويب" OneWeb المدعومة من مؤسسة "يوتلسات" Eutelsat الفرنسية التي تمتلك عشر ما لدى "سبايس إكس" من الأقمار الاصطناعية. وكذلك تركز "وان ويب" على المستثمرين من المستخدمين، فيما تخدم "ستارلينك" كل شخص من الحكومات إلى الأشخاص الذي يعيشون في البرية الموحشة [في حضن الطبيعة وفي منأى عن الحضارة].
[شهد عام 2023، ولادة مؤسسة أوروبية متخصصة في أقمار الإنترنت الاصطناعية بفضل اندماج "يوتلسات" الفرنسية و"وان ويب" البريطانية. وسمي الاندماج "يوتلسات وان ويب" التي امتلكت آنذاك 618 قمراً اصطناعياً].
وهنالك آخرون يخططون لإطلاق منافسين لـ"ستارلينك" تشمل صفوفهم الشخص الأغنى الثاني عالمياً، جيف بيزوس. وقد وضع رئيس "أمازون" Amazon و"بلو أوريجن" Blue Origin، أسس "مشروع كيبور" Project Kuiper في 2019، السنة نفسها التي أطلقت فيها "سبايس إكس" أوائل الأقمار الاصطناعية لشبكة "ستارلينك"، لكنه لم يطلق حتى الآن سوى قمرين اصطناعيين اختباريين. وفي المقابل، نهضت "سبايس إكس" بنصف عمليات إطلاق الصواريخ الفضائية في العالم.
ويدرك ماسك جيداً القوة التي يمسك بمقاليدها جراء هذه المعطيات، خصوصاً حينما تضاف إليها شركاته الأخرى. وفي أبريل (نيسان) 2023، كتب تغريدة ورد فيها "بين ’تيسلا‘ و’ستارلينك‘ و’تويتر‘، لربما صرت أملك نصف المعلومات الاقتصادية التي تسري في الوقت الحي المباشر، وقد اجتمعت في رأس شخص واحد في سبق من نوعه".
وقد ينشأ خطر وجودي على الإنترنت الذي نعرفه الآن، بسبب حيازة شخص بمفرده القدرة على الوصول إلى كل تلك المعلومات، مضافاً إليها السيطرة على أوسع شبكة أقمار اصطناعية في العالم. وفي المقابل، أدى ذلك الوضع إلى تقديم خطوط إنقاذ في لحظات حرجة على غرار ما حدث حينما هاجمت روسيا شبكات الاتصالات في أوكرانيا خلال غزوها عام 2022. لقد قدمت "ستارلينك" وسيلة حيوية في المحافظة على الاتصالات في أوكرانيا. وفي العام الماضي، أبلغ وزير الرقميات في أوكرانيا، ميخائيلو فيدروف، صحيفة "نيويورك تايمز" أن عدد الأرواح التي أسهمت "ستارلينك" في إنقاذها "قد يقاس بالآلاف".
وسواء استخدمت "ستارلينك" كقوة تعمل لمصلحة الخير أو تسبب الأذى للعالم، فذلك أمر يعود التمييز فيه إلى ماسك، لكن نفوذه في الفضاء بات أمراً لا رجعة فيه. ويعود ذلك إلى الحجم الضخم لشبكة "ستارلينك"، مما حرك مخاوف لدى رواد فضاء، من أنه قد يبطئ بشكل أساسي الاكتشافات العلمية، لذا سيكون وقعه مدمراً على فرص فهمنا للكون.
ووفق ما نقله إلى "اندبندنت" السكرتير العام لـ"الاتحاد الدولي لعلوم الفضاء"، بيارو بنفينوتي. وبحسب ذلك الأخير فإن "القضية الأساسية تكمن في ضخامتها [ستارلينك] المتزايدة التي تصعب بشدة إمكانية تجنب تأثيراتها في الصور الكونية. إذا وصل العدد الكلي للأقمار الاصطناعية التي تحلق في مدار منخفض إلى ما يربو على 100 ألف، فستنعدم فاعلية كل الإجراءات الرامية إلى تخفيف تأثيراتها على غرار القدرة على توقع أمكنة الأقمار الاصطناعية كلها من أي مركز مراقبة على الأرض، بدقة عالية. وسيمثل ذلك السيناريو الأسوأ".
© The Independent