Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كانت أميركا تعلم مسبقا بهجوم عام 1984 على سفارتها لدى لبنان؟

تنشر "اندبندنت عربية" معلومات رفعت السرية عنها قبل أعوام تؤكد أن واشنطن كانت تدرك الخطر الكبير باستهداف مرفقها في عوكر

في 20 سبتبمر 1984 تعرض مرفق السفارة الأميركية في عوكر لتفجيرأسفر عن مقتل وإصابة عشرات (اندبندنت عربية)

ملخص

تكشف وثائق أميركية سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي" تفاصيل ما حدث في استهداف ملحق السفارة الأميركية في عوكر خلال الـ20 من سبتمبر 1984، وكيف كانت هذه الوكالة بأجواء أن تحضيراً يجري لعمل أمني جديد ضد مرافق أميركية في لبنان. وتنشر "اندبندنت عربية" هذه المعلومات التي رفعت واشنطن عنها السرية بين عامي 2008 و2019 والتي كانت تصنف بأنها "سرية جداً".

حين كانت الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990) على أشدها وفيها تصارعت أطراف لبنانية وخارجية في مناطق مختلفة، شكلت المصالح والشخصيات الأجنبية بنك أهداف سعت مجموعات مسلحة إلى الوصول إليه وضربه، فاختطف عشرات بين أميركيين وأوروبيين وإسرائيليين، وحتى شخصيات إيرانية في لبنان، وفجرت مقار وبعثات أجنبية في مراحل متعددة.

تأخذ حادثة استهداف قوات مشاة البحرية الأميركية المارينز في الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1983 الحيز الأكبر ربما من العمليات الدموية التي استهدفت المراكز الأميركية في لبنان حينها، لعل مرد ذلك إلى العدد الكبير الذي سقط في هذا الاستهداف الذي فاق 200 شخص، وقبلها بأشهر قليلة استهدفت السفارة الأميركية في بيروت وتحديداً في الـ18 من أبريل (نيسان) 1983 فوقع عشرات بين قتلى وجرحى.

وبعد الحادثتين الكبيرتين بنحو سنة حصل استهداف آخر للمقر الأميركي الرئيس في لبنان.

ما حدث في ذلك اليوم لا يأخذ كثيراً من الاهتمام وحتى في عملية البحث عنه عبر الإنترنت قلة من الكتابات تتطرق إليه، لكن النقطة المفصلية فيه أن واشنطن كانت شبه متيقنة من حدوثه، لكنها لم تتحرك لإيقافه أو التخفيف من أضراره، في الإصابات البشرية بالتحديد.

ماذا حصل قبل 40 عاماً؟

في تمام الساعة 11:44 من قبل ظهر يوم الـ20 من سبتمبر (أيلول) عام 1984 نفذت جماعة مسلحة تتهم بأنها تنتمي لـ"حزب الله"، الذي كان في أوج بداياته وبدعم من إيران في تلك الفترة، هجوماً بشاحنة مفخخة استهدف مرفق سفارة أميركا في منطقة عوكر شرق العاصمة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات.

المستهدف هو ملحق للسفارة لأن واشنطن كانت نقلت بعد استهداف أبريل 1983 سفارتها من غرب بيروت، حيث نفوذ الحزب والفلسطينيين، إلى عوكر التي اعتبرت منطقة آمنة بالنسبة إلى الأميركيين.

التقارير قدرت أن الشاحنة كانت محملة بنحو 1400 كليوغرام من المتفجرات، وقادها السائق باتجاه مبنى السفارة المكون من ستة طوابق الذي كان قيد التجهيز أمنياً، وقبل أن تصل إلى مدخل المبنى الدبلوماسي أطلق حارس شخصي للسفير البريطاني وحراس السفارة اللبنانيين النار على السائق الذي فقد السيطرة على الشاحنة، مما أدى إلى انفجارها، فقتل 24 شخصاً، من ضمنهم شخصيات أمنية أميركية كبيرة ولبنانيون والمهاجم نفسه، وجرح نحو 100 شخص، من ضمنهم السفيران الأميركي ريغينالد بارثولوميو والبريطاني ديفيد ميرز.

وبعد ساعات أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم جماعة "الجهاد الإسلامية اللبنانية" مسؤوليتها عن الهجوم، فيما تقول الحكومة الأميركية إن الحزب نفذ بنفسه الهجوم، لكن تحت اسم هذه الجماعة، وبدعم من إيران.

 

هل كانت أميركا على علم بهذا الهجوم مسبقاً؟

تكشف وثائق أميركية سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" عن تفاصيل ما حدث حينها، وكيف كانت هذه الوكالة بأجواء أن تحضيراً يجري لعمل أمني جديد ضد مرافق أميركية في لبنان، وتنشر "اندبندنت عربية" هذه المعلومات التي رفعت واشنطن عنها السرية بين عامي 2008 و2019، التي كانت تصنف بأنها "سرية جداً".

جاء في الوثيقة الأولى، التي أرسلت في الـ21 من سبتمبر 1984، أي بعد يوم واحد من وقوع الاستهداف، مخطط جغرافي يظهر أين يقع المبنى المستهدف في عوكر وموقعه نسبة إلى بيروت الكبرى ونقاط استراتيجية.

وأتى في نص هذه الوثيقة أنه من المعتقد أن "الجهاد الإسلامي" هو اسم مستعار "تستخدمه مجموعات شيعية متطرفة في لبنان تلقى دعماً وتوجيهاً من عناصر في إيران، ويسعى الإرهابيون إلى إخراج الموظفين الأميركيين من لبنان وتأسيس دولة إسلامية أصولية هناك".

ويضيف معدو هذه الوثيقة أن هذا الاستهداف "لن يكون الهجوم الأخير على أهداف أميركية في لبنان، وأطلق تهديدان إضافيان ضد المصالح الأميركية في هذا البلد منذ استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الأمن بالأمم المتحدة ضد قرار ينتقد الممارسات الإسرائيلية في جنوب لبنان".

وفي تلك الفترة كانت منطقة الجنوب والعاصمة بيروت تعيش تبعات الاجتياح الإسرائيلي الذي بدأ في يونيو (حزيران) 1982 واستمر أشهراً عدة، قبل أن ينتهي بخروج منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات من البلاد.

بالعودة في النص السري الأميركي تكشف وكالة الاستخبارات الأميركية عن أن إيران تملك صلات واسعة مع الشيعة المتطرفين في لبنان، إلى جانب "أمل"، المنظمة الشيعية الرئيسة، كما وصفتها، فيما تشير تقارير كثيرة إلى أن طهران وفرت تدريباً عسكرياً ومالاً للشيعة المتطرفين من خلال الحرس الثوري الإيراني المتمركز في وادي البقاع شرق البلاد.

دمشق بين التنسيق والاعتراض على النشاطات العسكرية

يضيف التقرير الأميركي السري أن أنشطة الشيعة اللبنانيين المتطرفين تنسق من خلال السفارة الإيرانية في دمشق، ويضيف "لكن سوريا غاضبة من الأنشطة الموجهة إيرانياً في لبنان وتعوق الجهود السورية لتحقيق الاستقرار هناك، فيما سيعرض التفجير جهود المصالحة التي ترعاها سوريا في لبنان إلى مزيد من الضغوط، ونتيجة لهذا قد تقرر سوريا اتخاذ إجراءات صارمة أكثر ضد الشيعة المتطرفين في المناطق الخاضعة إلى سيطرتها".

كما يأتي تعليق في الوثيقة يؤكد أن "وقوع الهجوم في منطقة يسيطر عليها المسيحيون، حيث كانت الحوادث الإرهابية نادرة، أن الجماعات المعادية للولايات المتحدة قادرة على شن هجمات في أي مكان في لبنان. لن تردع الإجراءات الأمنية الصارمة محاولات مستقبلية كهذه أو تضمن نجاة الأهداف من الأضرار الناجمة عن تفجيرات انتحارية، ويقال إن هجوم الأمس تسبب في أضرار جسيمة في المباني التي تبعد مسافة 400 متر عن موقع الانفجار".

 

وثيقة تكشف عن أن أميركا كانت على علم

في سياق متصل وبعد أقل من أسبوعين على استهداف الملحق الأميركي، يؤكد تقرير سري وجهته اللجنة الدائمة للاستخبارات إلى مجلس النواب الأميركي في الثالث من أكتوبر عام 1984 بعد طلب رئيس المجلس توماس أونيل جونيور أن تقوم اللجنة بالتدقيق في أداء الاستخبارات في ما يتعلق بهجوم عوكر.

يبدأ هذا التقرير السري نصه بالإشارة إلى أن الهجوم المذكور أتى كثالث هجوم خلال 18 شهراً استهدف مرافق أمنية أميركية مهمة في لبنان، وهو أتى بعد أسابيع قليلة من نقل مبنى السفارة من غرب بيروت إلى المنطقة المستهدفة، فيما كانت التحضيرات الأمنية للملحق الجديد غير مكتملة وقت الانتقال، ولم تكن مكتملة وقت التفجير.

يتناول هذا التقرير السري أداء الاستخبارات في ما يتعلق بالوقائع والحقائق المذكورة في الهجوم، علماً أن أمن مرافق السفارة ليس من وظيفة الاستخبارات بل هو مسؤولية وزارة الخارجية الأميركية.

وركزت مراجعة اللجنة لأداء الاستخبارات على عدة مسائل، ومنها ما المعلومات الاستخباراتية التي جمعت وأنتجت في شأن الهجوم على السفارة أو أية تهديدات أخرى للسفارة، ومدى كفاءة الجهود الاستخباراتية لجمع وتحليل مثل هذه المواد، والمساهمات الاستخباراتية المتعلقة بقرارات أخرى مثل اختيار موقع ملحق السفارة وسحب مفرزة مشاة البحرية من غرب بيروت والدرجة التي تم بها أخذ التقييمات الاستخباراتية في عين الاعتبار عند اتخاذ القرارات الأمنية الحاسمة؟

وخلص التقرير بعد تدقيق اللجنة بجميع التقارير التي قدمتها وكالات الاستخبارات الأميركية إلى وزارة الخارجية والسفارة لدى بيروت إلى أنه كانت هناك في وقت سابق تقارير أميركية تحذر من وقوع هجوم إرهابي محتمل.

ويتوقف عند الحادثتين السابقتين ويذكر التقرير أنه "تلاحظ اللجنة أنه بصرف النظر عن التقارير الاستخباراتية، فإن الحوادث الإرهابية السابقة في بيروت الموجهة ضد أفراد أميركيين - تفجير السفارة الأميركية وثكنات مشاة البحرية - أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح في المرتين باستخدام مركبات محملة بالمتفجرات، إلى الحد الذي يجعل من المنطقي فيه أن نستنتج أن طاقم العمل الأميركي ومنشآت الولايات المتحدة قد تشكل أهدافاً مستقبلية محتملة للإرهابيين. ومن المنطقي أيضاً أن نستنتج أن الإرهابيين سيستمرون في استخدام السيارات والمركبات المفخخة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقارير موثوقة قبل شهرين من الاستهداف

في الإطار نفسه، تقول اللجنة في تقريرها إن هناك تقارير موثوقة وردت خلال الشهرين السابقين للتفجير تفيد بأن جماعات إرهابية، وبخاصة جماعات شيعية ذات صلة بإيران كانت تخطط لشن هجمات ضد مسؤولين أميركيين ومقرات ومنشآت أميركية. ولم تكن هذه التقارير محددة أبداً في ما يتعلق بالزمان أو المكان ولكنها قدمت تحذيراً كافياً من احتمال وقوع هجمات، وبخاصة في ضوء الوضع العام في بيروت. ولهذا كان من المفترض أن تعمل هذه التقارير على تعزيز وزيادة مخاوف جميع المسؤولين الأميركيين المعنيين بضمان سلامة موظفي السفارة الأميركية لدى بيروت.

وتكشف اللجنة أن التنبيهات الاستخباراتية قد أرسلت إلى مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع وإلى السفارة من قبل كل من وزارة الخارجية ووكالة استخبارات الدفاع.

وسلطت التنبيهات الصادرة عن وزارة الخارجية ووكالة استخبارات الدفاع، الضوء على تهديدين خلال شهر سبتمبر من الممكن وقوعهما ضد أفراد أميركيين في بيروت.

ويتابع التقرير السري الأميركي "في وزارة الخارجية لا بد أن تتم الموافقة على التنبيهات الاستخباراتية من قبل مكتب الأمن ومكتب الاستخبارات والتحليل، وكان من المفترض أن يلفت استخدام آلية التنبيه الانتباه المباشر لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية والسفارة بما في ذلك ضباط الأمن إلى مثل هذه التهديدات المحتملة".

 

التهديد في عوكر كان مرتفعاً للغاية

وكشفت اللجنة أن فريق الأمن التابع لوكالة استخبارات الدفاع الذي زار بيروت بين الـ14 والـ18 من يوليو (تموز) 1984 لتقييم أمن مرافق مكتب الملحق العسكري الجديد، وجد أن التهديد الذي يواجه مرافق السفارة الأميركية الجديدة في كل من شرق وغرب بيروت مرتفع للغاية.

ويضيف النص أنه تم إبلاغ هذا التقييم إلى مسؤولي الأمن في السفارة خلال الـ18 من يوليو قبل مغادرة الفريق الأمني ​​لبنان، وإلى وزارة الخارجية عند عودته إلى الولايات المتحدة. ويشير مسؤولو وكالة استخبارات الدفاع أن مسؤولي وزارة الخارجية لم يعترضوا على تقييم وكالة استخبارات الدفاع. فضلاً عن ذلك، يشير تقييم وكالة استخبارات الدفاع إلى نقاط ضعف أخرى في مختلف مرافق السفارة في شرق وغرب بيروت، وشوركت تلك المعلومات مع مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية. وتتعلق إحدى نقاط الضعف المحتملة هذه في موثوقية أو صدقية قوة الحرس المحلي التي جُندت.

وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أنه من الممكن الاستفادة بصورة أفضل من المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالإرهاب. وعلى رغم أن مسؤولي وزارة الخارجية أكدوا للجنة أن المعلومات الاستخباراتية كانت عاملاً في اتخاذ القرارات الأمنية، فإن اللجنة تشعر بالأسف لأن المساهمات الاستخباراتية لم تحظَ بقدر أكبر من الاهتمام، في ضوء الطبيعة الواضحة والقابلة للتهديد في بيروت.

ويختم التقرير السري بتحليل مفاده بأنه ينبغي على المسؤولين عن الأمن في المنشآت الأميركية في بيروت - سواء في واشنطن أو في مسرح الأحداث - أن يكونوا في حال تأهب قصوى، وأن يتخذوا كل الاحتياطات الممكنة لإحباط مثل هذا الهجوم عند وقوعه. وعلى وجه الخصوص، ترى اللجنة أن احتمال وقوع هجوم آخر بالسيارات المفخخة كان واضحاً للغاية بحيث لا يوجد تفسير منطقي لعدم وجود تدابير أمنية فعالة في ملحق السفارة.

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق