Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء ألمودوفار ينتظرن الموت في "الغرفة المجاورة"

المخرج الإسباني يتحدى سلطة السينما الأميركية بجمالياته البصرية

صداقة بانتظار الموت في "الغرفة المجاورة" لألمودوفار (ملف الفيلم)

ملخص

حقق المخرج الإسباني بدرو ألمودوفار خلال الأسابيع الأخيرة إنجازاً على مقدار من الأهمية بنيله جائزة "الأسد الذهبي" عن فيلمه "الغرفة المجاورة"، في الدورة الأخيرة من مهرجان البندقية السينمائي.

لعل التكريم الدولي الذي حظي به المخرج ألمودوفار في مهرجان البندقية يعد بمثابة اعتراف دولي كان يطمح إليه منذ فترة طويلة، وبخاصة بعد مشاركاته السابقة في مهرجان "كان"، إذ لم يظفر بـ"السعفة الذهبية" على رغم محاولاته المتكررة لاقتناصها. ومع أنه نال في الماضي جوائز عن أفلام مثل "كل شيء عن أمي" فإن "الأسد الذهبي" هي أرفعها شأناً في مسيرة بدأها خلال السبعينيات من القرن الماضي. صحيح أن جديده لا ينزل تحت المستوى الذي عودنا عليه صاحب "العناقات الكسيرة"، إلا أن هناك أسباباً عدة تجعلنا نعتقد أن الجائزة تأتي بمثابة تكريم عن مجمل مسيرته، لا عن فيلمه هذا تحديداً. 

يتناول "الغرفة المجاورة" فكرة الموت الرحيم الذي قد يلجأ إليه البعض عندما تصبح الحياة مستحيلة. ويحكي عنه من خلال قصة سيدة مصابة بالسرطان (تيلدا سوينتون في ثاني تعاون لها مع المخرج) تقرر إنهاء حياتها بطريقة هادئة تكشف تصالحاً مع الذات. وتخطط لذلك برفقة صديقتها (جوليان مور) التي تريدها إلى جانبها في لحظاتها الأخيرة، قبل الانتقال إلى العالم الآخر. هذه السيدة فقدت الرغبة في الحياة بعدما أدركت أن لا أمل من شفائها وهي لا تريد أن تعاني أوجاع الجسد.

 

يؤفلم ألمودوفار هذه الفكرة الحساسة بطرف أصابعه وبدقة ساعاتي وبأسلوب بعيد من البكائيات والوعظ، رافضاً السقوط في الدراما المباشرة أو مناقشة الموضوع باعتباره "قضية". وهذا ما يميز الفيلم عن عديد من الأعمال التي تطرقت إلى مواضيع مثيرة للجدال، ولكن كمن يحمل ملفاً يجب الإحاطة بكل جوانبه دفعة واحدة. واهتمام ألمودوفار الضمني بالمسألة التي يطرحها لا يمنعه من الاعتناء بالجماليات البصرية والشخصيات المعقدة والأفكار الملتبسة. أما الموت فيتعامل معه باعتباره بداية أخرى لا نهاية، مركزاً على اللحظات الحميمية التي تتولد بين الصديقتين والحوار الفلسفي الذي يدور بينهما، ليتحول العمل تدريجاً إلى نص عن الصداقة وربما أشياء أخرى قد يراها كل مشاهد من منظوره الخاص.

"الغرفة المجاورة" نقلة نوعية في مسيرة ألمودوفار فهو أول فيلم ينجزه خارج إسبانيا وبلغة إنجليزية، مما يشكل تجربة جديدة ومختلفة عن أفلامه السابقة، وبخاصة على مستوى الثقافة الجديدة التي يتعامل معها والبقعة الجغرافية التي يموضع فيها الأحداث. باختصار، لقد عرض المخرج نفسه لتفاعلات ثقافية أميركية وهي تختلف عن الأوروبية عموماً، ونجح إلى حد كبير في تخطي كل العقبات المرتبطة بها، منصهراً فيها تماماً. ومع ذلك، وعلى رغم جمالياته ومضمونه الجريء والعميق والأعمال الفنية المتقنة، يثير الفيلم تساؤلات حول ما إذا كان يمكن اعتباره واحداً من أعظم إنجازات ألمودوفار.

المخرج المجدد

 

بصرياً، يحافظ ألمودوفار على أسلوبه المجدد والخاص الذي يسهل تحديده والذي يركز على تفاصيل الأماكن والألوان القوية والكادرات المشغولة بعناية. إنه نمط جمالي يحاكي العين. أما الغرفة المجاورة التي تحمل عنوان الفيلم فهي عنصر رمزي يتعلق بالمكان الذي ينتظر فيه الموت، لكنه لا يأخذ الدور المحوري الذي قد يتوقعه البعض. وبدلاً من ذلك تُظهر القصة نزعة المخرج إلى الأبعاد العاطفية والعلاقات الشخصية، أكثر من تركيزه على التصورات النمطية للموت الذي سيأتي كتحصيل حاصل من ضمن القصة.

أحد أبرز محاور الفيلم هو العلاقة بين الشخصيتين سوينتون ومور. ألمودوفار المعروف بتعامله الحساس مع الممثلات يبرز هذه العلاقة على نحو يعكس عمق تفكيره تجاه النساء ودورهن في تولي السرد. وهذا الاهتمام الواضح تجلى في أعماله السابقة لكنه يحمله هنا إلى مرتبة أخرى من خلال تعامله مع موضوع الموت والغياب بأقل مقدار من الميلودراما والعواطف، تلك العواطف التي يبدو أنها أصبحت من ماضيه. ويجب القول إن الأفلام التي ينجزها المخرجون في شبابهم تختلف حتماً عن أفلامهم وهم في منتصف الـ70. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يخلو الفيلم من نقاط ضعف على غرار بعض القصص الثانوية المتداخلة مع الحبكة الرئيسة التي تشكو خللاً واضحاً، مثل الإشارات إلى تغطية سوينتون التي تعمل صحافية، لحرب العراق إذ تبدو غير متوافقة مع السياق العام ولا تقول شيئاً بل لا تشكل أية إضافة، بل تمدنا بشعور من الزيف. أما صديقتها التي من المفترض أنها كاتبة فهي الأخرى لا تجعلنا نقتنع بأنها فعلاً تتعاطى هذه المهنة. كما أن التركيز على العلاقات الأسرية، مثل علاقة سوينتون بابنتها التي لم تعرف والدها، أضاف تعقيداً من دون أن يكون بالضرورة الجزء الأقوى في تسلسل الأحداث، على رغم تفهمنا أن هذا كله من شأنه أن يبني ملامح الشخصية ويرسم مسارها داخل تجربتها الحياتية. 

لا شك أن ألمودوفار لم يبع نفسه إلى الأميركيين في أولى تجاربه الطويلة خلف الأطلسي، لكنه على رغم إعجاب لجنة البندقية برئاسة الممثلة إيزابيل أوبير به لا يشكل ذروة ألمودوفارية. وهناك عديد من العناصر التي تعوق انتقال الفيلم إلى التحفة الفنية. وتبقى أن مشاهدته متعة، أقله بسبب المعالجة الهادئة والمبهجة لموضوع ثقيل كالموت الذي يتحول تدريجاً إلى فيلم عن الحياة. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما