Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على هامش التعليم... "مواصلات المدارس" تستنزف الأسر المصرية

ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار حافلات الطلاب بسبب غلاء البنزين والسولار والأهالي يلجأون إلى بدائل أخرى معظمها ليس آمناً

أصبحت تكلفة المشاركة في الباص المدرسي للطلاب عبئاً كبيراً على الأسر (أ ف ب)

ملخص

بعدما عجز عن دفع تكلفة باص المدرسة، قرر ولي الأمر "توصيل أبنائه عبر سيارة أجرة تاكسي يومياً، توفيراً للنفقات". وفي المناطق الشعبية "التروسيكل" و"التوك توك" و"الموتوسيكل" وسيارات "ربع النقل"، الأقل كلفة.

مع بدء العام الدراسي الجديد في مصر، فوجئ أحمد متولي، الموظف بإحدى شركات المقاولات، برسالة عبر هاتفه من المدرسة التي يلتحق بها نجلاه، بزيادة قيمة اشتراك الباص المدرسي خلال العام الحالي، ليجد نفسه أمام عبء مالي إضافي، إلى جانب التزاماته المنزلية الأخرى، إذ أصبح مطالباً بسداد 22 ألف جنيه (453.33 دولار أميركي) رسوماً سنوية عن انتقال ولديه من منزله بحي الزمالك إلى المدرسة الخاصة الواقعة بحي الدقي، بدلاً من 14 ألف جنيه (288 دولاراً أميركياً) نظير اشتراك العام الماضي.

استنزاف موازنة الأسر

حاول الرجل الخمسيني الاستفسار من المدرسة عن أسباب زيادة قيمة الاشتراك، لكنها تذرعت بزيادة أسعار المحروقات وارتفاع كلف التشغيل والوقود، علاوة على زيادة أجور السائقين والمشرفات في باصات النقل المدرسية، مما اضطره إلى البحث عن وسيلة انتقال بديلة للتغلب على ارتفاع كلفة أسعار الحافلة المدرسية.

بعد رحلة طويلة من البحث، وجد متولي ضالته في مشاركة جيرانه المقيمين معه بالعقار والمحيطين به في المنطقة بحي الزمالك في سيارة ملاكي خاصة تعمل تحت مسمى "دورات المدارس"، لتوفر عملية الانتقال لنجليه من المنزل إلى المدرسة ذهاباً وعودة، نظير اشتراك يراوح ما بين 2000 جنيه (41.21 دولار أميركي) و3 آلاف جنيه (61.82 دولار أميركي) للطالب الواحد شهرياً، وتختلف الكلفة وفقاً للمسافة وعدد المحطات.

يقول متولي لـ"اندبندنت عربية"، "تكلفة المشاركة في الباص المدرسي أصبحت تستنزف موازنة الأسرة بأكملها، والأسعار مبالغ فيها وتمثل عبئاً كبيراً". مردفاً "قررت خوض تجربة ذهاب أبنائي بدورة المدارس للمرة الأولى بعد الإنصات لنصيحة أحد زملائي المقربين من أجل توفير نفقات الباص وتقليص أعباء الموازنة، بخاصة أن المدارس أصبحت تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة وترفع الأسعار، بحجة زيادة أسعار البنزين".

وتشير إحصاءات وزارة التربية والتعليم عن العام الدراسي (2023 - 2024) إلى أن أعداد الطلبة سجلت 25 مليوناً و657 ألفاً و984 طالباً، بينما وصل عدد المعلمين إلى 922 ألفاً و628 معلماً، إضافة إلى 61 ألفاً و512 مدرسة حكومية وخاصة، بإجمالي 556 ألفاً و888 فصلاً.

 

حال أحمد شوقي (39 سنة)، الذي يقطن حي حدائق حلوان، ويعمل موظفاً بإحدى شركات الدعاية والإعلان، لا يختلف كثيراً عن متولي، إذ لجأ كذلك إلى المشاركة في سيارات "دورة المدارس" من أجل نقل أبنائه إلى مدرستهم القومية الموجودة بمنطقة ثكنات المعادي.

يحكي شوقي، الذي يعول زوجة وطفلين في المرحلة الابتدائية، أنه فوجئ حينما ذهب للمدرسة للتقديم لنجليه، أنها لا تملك باصاً مدرسياً خاصاً بها، وأن بعض المدرسين بالمدرسة ذاتها ينظمون "دورة مدارس" نظير مبلغ مالي شهري ومقابل ركوب ستة طلاب داخل السيارة، فاتفق مع أحد المدرسين على توصيل أبنائه من المنزل للمدرسة ذهاباً وعودة مقابل 700 جنيه (14.42 دولار أميركي) للطالب الواحد، أي بما يعادل 1400 جنيه (28.85 دولار أميركي) للطفلين.

يكمل شوقي "حاول المدرس رفع كلفة ركوب الطالب الواحد خلال العام الحالي لتصل إلى 1000 جنيه (20.60 دولار أميركي)، لكن جميع أولياء الأمور اعترضوا على هذا الأمر، نظراً إلى قصر المسافة التي لا تتخطى ست محطات، وقررنا بالاتفاق في ما بيننا البحث عن بديل آخر يقوم بتلك المهمة".

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية تعالت صيحات وشكاوى أولياء أمور الطلبة في مختلف المراحل التعليمية، عبر حساباتهم الشخصية على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" من ارتفاع أسعار كلف مواصلات المدارس. واصفين إياه بالاستغلال والجشع من قبل إدارات المدارس، وما يشكله من عبء ضخم عليهم، مطالبين الوزارة بالتدخل في هذا الأمر.

وسيلة انتقال بديلة

تجربة أخرى عاشها أحمد كمال، الذي يقطن بمنطقة حدائق أكتوبر بالجيزة، ويعمل موظفاً بإحدى الشركات العقارية، إذ اضطر إلى خوض رحلة شاقة من أجل البحث عن وسيلة انتقال مناسبة لأبنائه للمدرسة خلال العام الحالي.

يقول كمال، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "اتفقت مع مسؤولي الباص المدرسي على نقل أبنائي الثلاثة من المنزل إلى المدرسة الواقعة على طريق الواحات، وعلى رغم قناعتي بمغالاة المدرسة في أسعار اشتراك الباص فإنني رضخت للموافقة على هذا الأمر للاطمئنان على أبنائي، لكني لاحظت أن هناك إرهاقاً شديداً على الأبناء كونهم يستقلون الباص قبل موعده بساعتين في الصباح الباكر من أجل استكمال جولته على باقي المناطق لنقل الطلاب الآخرين، إذ ينتظرونه في السادسة صباحاً، بينما موعد المدرسة يبدأ في الساعة الثامنة، ويتكرر الأمر عند العودة من المدرسة أيضاً".

كانت المفاجأة، التي تلقاها الشاب الثلاثيني، حينما قررت المدرسة إلغاء اشتراك الباص بزعم أن المنطقة لا يوجد بها كثافة سكانية، ولم تكتمل أعداد الطلاب، وطالبتنا بالبحث عن بدائل أخرى بعد أن حصلت على 700 جنيه (14.42 دولار أميركي) نظير اشتراك الأبناء الثلاثة في الباص، خلال مدة لا تتخطى ثلاثة أيام.

لم يجد كمال وسيلة أمامه سوى القيام بتوصيل أبنائه بسيارته الشخصية قبل الذهاب إلى عمله صباحاً، على أن يعودوا بإحدى السيارات العاملة في مجال النقل الذكي، التي تبين له لاحقاً أن تلك الوسيلة كانت أوفر في الكلفة عن وسائل النقل الأخرى.

 

فيما لجأ محمد هاني (17 سنة) لاستغلال تطبيقات وأبلكيشن النقل الذكي في الذهاب والعودة من المنزل إلى المدرسة للهرب من كلفة المواصلات الباهظة وتقليص الأعباء المالية على أسرته، إذ يقول "كنت معتاداً خلال العامين الماضيين الذهاب يومياً من المنزل الكائن بحي المعادي إلى المدرسة الواقعة في شارع 9 بالمقطم بسيارة تاكسي (أجرة)، نظير 60 جنيهاً (1.24 دولار أميركي)، أي ما يعادل 120 جنيهاً كلفة الذهاب والعودة، مما جعلني أبحث عن وسيلة انتقال بديلة خلال العام الحالي لتوفير تلك النفقات".

بعد محاولات بحث عديدة، استجاب هاني لنصيحة أحد زملائه، بأن يستقل "موتوسيكل" من خلال الاتصال بأحد تطبيقات النقل الذكي، لتصل كلفة المشوار الواحد 30 جنيهاً (0.62 دولار أميركي)، فوجد أنها وسيلة آمنة وأسرع في الوقت وشعر أنها فرصة ذهبية وقرر المواصلة والاستمرار بها بعد أن ساعدته في توفير كثير من النفقات طوال الفترة المدرسية.

فيما لم تجد رشا السيد عبدالسلام، التي تعمل متخصصة جودة وأدمن جروب "مدارس لا ينصح بها"، وسيلة مناسبة لتوصيل أبنائها الأربعة، الذين يدرسون بإحدى المدارس الخاصة بمنطقة المقطم، سوى الاتفاق مع سائق إحدى سيارات السوزوكي "فان" نظير اشتراك شهري لا يتخطى الـ65 جنيهاً (1.34 دولار أميركي) للطالب الواحد أي ما يعادل 260 جنيهاً (5.36 دولار) لأبنائها الأربعة، واستمر هذا الأمر طوال السنوات الأربع الماضية، إلا أنها فوجئت برغبة السائق في مضاعفة قيمة المشاركة خلال العام الحالي بصورة جنونية، ليصل إلى 1500 جنيه (30.91 دولار أميركي) للطالب الواحد.

شعرت السيدة الأربعينية أن الكلفة ستكون باهظة للغاية عليها نظير انتقال أبنائها من حي المعادي إلى المقطم، لا سيما أن راتبها الشهري لا يتخطى 7500 جنيه (154.54 دولار أميركي)، فاضطرت إلى الرضوخ لفكرة توصيلهم بسيارتها الخاصة ذهاباً وعودة من البيت إلى المدرسة لتوفير النفقات.

وفق رشا، فإن الباص المدرسي أصبح أشبه بحلم لكثير من أولياء الأمور، وأسعاره باتت جنونية، وتحول الأمر إلى بيزنس وسبوبة للتحايل على أولياء الأمور. موضحة أنها اضطرت إلى إلغاء فكرة المشاركة بها نهائياً، بسبب مغالاة أسعارها المبالغ فيها، إذ وصلت كلفتها حالياً إلى 15 ألف جنيه (309.08 دولار أميركي) نظير انتقال الطالب الواحد أي ما يعادل 60 ألف جنيه لأبنائها الأربعة (1236.30 دولار أميركي)، معربة عن تعجبها من مغالاة المدرسة في أسعار الحافلات المدرسية العام الحالي، على رغم قصر المسافة والوقت من حي المعادي إلى المقطم.

لا رقابة على المدارس

فيما يرى رئيس جمعية أولياء أمور المدارس الخاصة، محمد صلاح الدين، أنه لا توجد رقابة على المدارس في ما يتعلق بأسعار كلف المواصلات المدرسية.

ويحكى صلاح الدين، الذي يعمل مديراً إدارياً بإحدى الشركات الخاصة ويعول زوجة وثلاثة أبناء أحدهم بالجامعة واثنان في المرحلة الابتدائية، تجربة خاصة مع المدرسة الخاصة التي يلتحق بها أبناؤه، إذ أخطرته بضرورة تسديد 14 ألف جنيه (288.47 دولار أميركي) نظير المشاركة في الباص المدرسي على دفعتين، القسط الأول سداده قبل الـ15 من يونيو (حزيران) الماضي والقسط الثاني مع بدء العام الدراسي، بخلاف مصروفات المدرسة التي بلغت قيمتها 30 ألف جنيه (618.15 دولار) والكتب المدرسية والزي المدرسي.

لم يستطع صلاح الدين تحمل تلك المصروفات المدرسية إلى جانب أعباء المنزل اليومية، فقرر توصيل أبنائه عبر سيارة أجرة تاكسي يومياً، توفيراً للنفقات إذ لا تتخطى كلفة الذهاب من وإلى المدرسة يومياً 50 جنيهاً (1.03 دولار أميركي).

وبرز جلياً خلال الآونة الماضية انتشار عديد من الإعلانات الترويجية عبر منصات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لشركات سياحة خاصة تعمل في مجال نقل طلبة المدارس، إذ تتيح إمكانية نقل الطلبة من المنازل إلى المدارس بأسعار مغرية وزهيدة مع منح مزايا وعروض للتقسيط، بحسب ما ذكرته في منشوراتها.

وأمام مغالاة المدارس في أسعار الحافلات المدرسية ورفع كلفتها شهدت تلك الشركات إقبالاً وتفاعلاً ملحوظاً من قبل أولياء الأمور، الذين وجدوا فيها ضالتهم لنقل أبنائهم والاعتماد عليها وسيلة تنقل لأبنائهم نظراً إلى رخص كلفتها مقارنة بوسائل انتقال أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الشأن، تقول منى علام (اسم مستعار)، تعمل بإحدى شركات السياحة الخاصة التي تقوم بنقل طلاب المدارس، خلال حديثها لـ"اندبندنت عربية"، إن أولياء الأمور يتوافدون على الشركة مع بداية كل عام دراسي من أجل المشاركة في خدمة نقل الطلاب. موضحة أن الشركة تتيح خدمة نقل طلاب المدارس بسيارات ملاكي نظير اشتراك 2000 جنيه (41.21 دولار أميركي) للطالب شهرياً، وتعمل على خطوط ومسارات محددة من حي الدقي إلى الشيخ زايد، وتبدأ دورة المدارس يومياً من الساعة الـ7.30 صباحاً حتى الـ3 عصراً، مشيرة إلى أن التعاقد المبرم بين الشركة وأولياء الأمور قد يكون شهرياً أو سنوياً أو بالترم.

ودفع غلاء المعيشة وتزايد الأعباء على كثير من الأسر المصرية، لا سيما في القرى والنجوع بالمحافظات المختلفة وبعض المناطق الشعبية بأحياء القاهرة والجيزة، على الرضوخ لنقل أبنائهم للمدارس بمواصلات أقل أمناً وأكثر خطورة مثل "التروسيكل" و"التوك توك" و"الموتوسيكل" وسيارات "ربع النقل"، نظراً إلى قلة كلفتها مقارنة بمواصلات أخرى باهظة الكلفة.

"أعلم أن التروسيكل وسيلة انتقال خطرة، وليست آمنة، لكن ليس أمامي بديل آخر"، بتلك الكلمات يشرح محمد يوسف، أحد أهالي قرية المشايعة التابعة لمركز الغنايم بمحافظة أسيوط، معاناته مع المواصلات المدرسية. موضحاً أنه ولي أمر لثلاثة أبناء في المرحلة الابتدائية، ويضطر يومياً إلى نقلهم من المنزل إلى المدرسة عبر التروسيكل الذي يعد وسيلة الانتقال الأكثر شيوعاً وانتشاراً داخل القرية، بسبب قلة كلفته مقارنة بالسيارات الأجرة والسيارات الملاكي الخاصة والحافلات المدرسية، وتختلف قيمة الأجرة حسب المسافة.

كان أكثر ما يؤرق الرجل الستيني هو نقل سائق التروسيكل أكثر من 20 طالباً في المرة الواحدة، فيما يفوق قدرة التروسيكل على استيعاب هذا العدد، مما يمثل خطورة على حياة التلاميذ، وحينما يعترض أولياء الأمور لا يجدون وسيلة انتقال بديلة فيضطرون إلى الموافقة.

"زيادات منطقية بسبب غلاء البنزين والسولار"، هكذا يبرر رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة والأمين العام للاتحاد العربي للتعليم الخاص المستشار بدوي علام، الزيادات الأخيرة في أسعار الحافلات المدرسية، موضحاً أن زيادة أسعار الباصات سنوياً "ترتبط بأمرين، الأول الكلفة الفعلية، والثاني بند يتضمن زيادة 10 في المئة بصورة سنوية، لكن لا يتم إقرار تلك الزيادة إلا بقرار من لجنة التعليم الخاص أو المديرية إذا كانت السيارات مملوكة للمدرسة، أما لو كانت مستأجرة فيكون الأمر وفقاً للعقد المبرم بين المدرسة والشركة المالكة لتلك السيارات"، لافتاً إلى أن قرار المشاركة في الباصات المدرسية "اختياري لا إجباري لأولياء الأمور، ومن حق كل ولي أمر أن يختار الوسيلة التي تلائمه وفقاً لظروفه وإمكاناته المادية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات