ملخص
يرى محللون أن الأحداث في منطقة القرن الأفريقي تتحرك بصورة سريعة ومخيفة، مما ينبئ بمواجهات عسكرية بين إثيوبيا والصومال على أقل احتمال، إن لم تنجرف الأحداث لاحقاً إلى مواجهة إقليمية.
أعربت حكومة الصومال عن قلقها إزاء ما وصفته بـ"شحنة غير مرخصة من الأسلحة والذخيرة" يزعم أنها نقلت من إثيوبيا إلى منطقة بونتلاند الصومالية.
وفي بيان صحافي صدر في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2024، ذكرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الصومالية أن "الأدلة الموثقة" تؤكد أن شاحنتين نقلتا أسلحة من إثيوبيا إلى بونتلاند "من دون أي مشاركة دبلوماسية أو تصريح".
ووصفت وزارة الخارجية الصومالية هذه الحادثة بأنها "انتهاك خطر لسيادة الصومال" ولها "تداعيات خطرة على الأمن الوطني والإقليمي".
وبحسب حكومة الصومال فهذه ليست حادثة معزولة، في إشارة إلى تقارير سابقة عن "نقل أسلحة على نحو مماثل إلى منطقة غالمودوغ ونقل كمية أخرى من الأسلحة جواً إلى بايدوا عبر الطائرات". وتقول الحكومة إن هذه الحوادث تثبت "تجاهلاً مستمراً لسيادة الصومال".
يأتي ذلك بعد نقل مصر شحنتي أسلحة إلى مقديشو استعداداً لنقل نحو 10 آلاف من جنودها إلى الصومال في إطار المشاركة في البعثة الأفريقية لحفظ السلام، إضافة إلى تنفيذ اتفاق الدفاع المشترك الموقع بين مقديشو والقاهرة في أغسطس (آب) الماضي أثناء زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود العاصمة المصرية.
وكانت وسائل إعلام صومالية قد ذكرت في وقت سابق معلومات تفيد بسيطرة إثيوبيا على مطارات جنوب الصومال لمنع وصول الطائرات المصرية.
وذكر مصدر إذاعي أن الجيش الإثيوبي سيطر على عدد من المطارات في محافظة غدو بولاية جوبالاند جنوب البلاد، في إطار محاولة لمنع الطائرات العسكرية المصرية من الهبوط في مطارات المنطقة.
كما نقل موقع صومالي أن "الإجراء الإثيوبي جاء في إطار محاولة إيقاف النقل الجوي المحتمل للقوات المصرية إلى المنطقة"، مضيفاً "أن هذه المطارات تعد نقاط الوصول الوحيدة إلى المدن في إقليم غدو، إذ تسيطر ‘حركة الشباب‘ على الطرق الرئيسة الأخرى".
في حين لم يرد أي تأكيد رسمي سواء من مقديشو، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية في إثيوبيا اليوم الثلاثاء أن وزير الخارجية الإثيوبي تايي أستكي سيلاسي عبر عن قلقه من أن تصل الذخيرة التي يتم تزويد الصومال بها إلى أيدي الإرهابيين. وأوضحت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية أن وزير الخارجية عبر عن قلقه من أن إمدادات الذخائر "من قبل قوى خارجية من شأنه أن يفاقم هشاشة الوضع الأمني وقد ينتهي بها الأمر في أيدي الإرهابيين في الصومال".
سباق نحو مواجهة عسكرية
بدوره رأى الكاتب المتخصص في الشأن الصومالي عبدالقادر إسحاق، أن الأحداث في منطقة القرن الأفريقي تتحرك بصورة سريعة ومخيفة، مشيراً إلى أن التطورات الميدانية خلال الأيام الـ20 الماضية تنبئ بخطورة الموقف الذي قد يقود إلى مواجهات عسكرية بين إثيوبيا والصومال على أقل احتمال، إن لم تنجرف الأحداث لاحقاً إلى مواجهة إقليمية، بخاصة بعد يناير (كانون الثاني) 2025، إذ من المقرر أن تنتشر وحدات من الجيش المصري في منتصف الشهر ذاته.
ويضيف إسحاق "في حال عدم تدخل المجتمع الدولي بصورة حاسمة للجم ألسن الصراع القائم، فإن كل المؤشرات تشي بقرب المواجهة المسلحة"، ويتابع "حتى اللحظة لم تتحرك الحكومة الصومالية في مقديشو خارج حدودها، فيما لا تزال إثيوبيا مصرة على بقاء قواتها بعد انتهاء مهمة البعثة العسكرية للاتحاد الأفريقي، وفق قرار مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد. كذلك فإن نقل الأسلحة إلى الجنوب الصومالي من دون إذن الحكومة المركزية يمثل اختراقاً فعلياً للسيادة الصومالية، فضلاً عن دفاعها عن مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع إقليم صوماليلاند".
الرصاصة الأولى
ويقدر الكاتب الصومالي أن التحركات الإثيوبية الأخيرة تطلق الرصاصة الأولى على نعش مفاوضات تركيا، التي سبق أن أعلن عنها رئيس حكومة إثيوبيا آبي أحمد، كمنصة لحل النزاع القائم، في حين أن حكومته تتحرك بصورة سريعة نحو الاستيلاء على بعض مطارات محافظة غدو، فضلاً عن نقل أسلحة محظورة إلى إقليم بونتلاند، التي ترتبط حكومته المحلية بعلاقات متقدمة مع أديس أبابا.
ويشير إسحاق إلى أن خطاب رئيس الوزراء الأخير حول الصومال في برلمان بلاده، يتضمن "تضليلاً واضحاً وتناقضاً ملحوظاً، إذ زعم أن جيش بلاده قد قدم تضحيات كبيرة تقدر بآلاف الأرواح من جنوده حماية للوحدة الصومالية، فعلاوة عن أن الإثيوبيين منذ دخولهم الصومال ضمن قوات حفظ السلام لم يتعد عدد ضحاياهم المئات، فإن إصراره على توقيع اتفاقات مع أقاليم داخلية انفصالية وتوغل قواته في مناطق لا تقع ضمن خطة قوات حفظ السلام الأفريقية، يدل بصورة واضحة على سعي حكومته إلى تفتيت الوحدة الترابية للصومال". ويتساءل بالقول "كيف لحكومة تدعي أنها ضحت من أجل وحدة الصومال أن تتعاطى مع أقاليم انفصالية بعيداً من الحكومة الشرعية للصومال الفيدرالي؟". ويتابع "من المؤكد أن القوات الإثيوبية أسهمت في السابق ضمن مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي، في سبيل تحقيق السلم الإقليمي، من خلال محاربة ’حركة الشباب‘، لكنها تتصرف الآن وكأنها صاحبة السيادة داخل الأراضي الصومالية، لدرجة تدفعها إلى رفض اتفاقات وقعتها الحكومة الصومالية مع نظيرتها المصرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى إسحاق أن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى مجلس الأمن والسلم الأفريقي يتحملان مسؤولية مباشرة في الدفاع عن ميثاقهما الذي ينص على ضرورة احترام وحدة وسيادة الصومال كدولة عضو في المنظمتين الأممية والقارية، وتقع على عاتقهما مسؤولية قانونية وأخلاقية في إدانة التوجه الإثيوبي. ويضيف أن تأجيل الجولة الثالثة من مفاوضات أنقرة بين أديس أبابا ومقديشو يشير بصورة واضحة إلى أن الأمور قد بلغت إلى أقصى درجات التوتر.
ودان صمت المجتمع الدولي أمام الأزمة التي تكبر ككرة الثلج، بخاصة موقف الولايات المتحدة من هذه الأزمة التي تهدد سيادة الصومال.
ويعتقد إسحاق أن واشنطن لم تتخلص بعد من "عقدة الصومال، إذ إنها منيت بهزيمة كبيرة في تسعينيات القرن الماضي، وهي تجربة لا تقل قسوة عن هزيمة فيتنام، حينها سعت وسائل الدعاية الأميركية إلى التقليل من تلك الهزيمة بمحاولة تشكيل سردية مناقضة للواقع، من خلال صناعة عدد من الأفلام الهوليوودية التي تصور انتصارات وهمية للقوات الأميركية في الصومال".
تصدير الأزمة الداخلية
من جهته يرى المحلل السياسي الإثيوبي، محاري سلمون، أن "حكومة مقديشو تطلق ادعاءات متخيلة، سواء بصورة رسمية من خلال وزارة الخارجية أو وسائل الإعلام الممولة من الدولة"، مشيراً إلى أن "سردية احتلال إثيوبيا مطارات جنوب الصومال تعد من قبيل الدعاية السوداء، إذ انغمست مقديشو في حملة دعائية ممنهجة عوض البحث عن حلول حقيقية لأزمات الصومال، وعلى رأس ذلك عدم قدرة الحكومة المركزية على إنهاء الانقسام الصومالي، إذ لا تسيطر على أي إقليم خارج مقديشو، لذا فإنها تحاول عبثاً تدوير الأزمة مع إثيوبيا تحت ذرائع المساس بالسيادة الصومالية، غير الواقعية. فصوماليلاند تعد دولة مستقلة بحكم القانون الدولي وميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي ينص على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، فقد كان هذا الإقليم تحت الاستعمار البريطاني في حين كانت مقديشو تحت الاحتلال الإيطالي، لذا فإن الوحدة الطوعية التي شكلتها الأمة الصومالية في ستينيات القرن الماضي قد انتهى عهدها مع بداية الحرب الأهلية، وبقيت صوماليلاند إقليماً مستقلاً منذ 33 عاماً".
ويرى المحلل الإثيوبي أن "من مصلحة بلاده بقاء الصومال موحداً، لكن الواقع الصومالي الذي تشكل خلال العقود الثلاثة الماضية قد كشف عن عجز الصوماليين عن تشكيل دولة واحدة، مدللاً على ذلك بانعدام كل رمزيات السيادة الموحدة، إذ تتمتع صوماليلاند بعلم وطني وعملة خاصة وتمارس التجارة مع كل دول العالم بصورة مستقلة، فضلاً عن الاتفاقات التي وقعتها مع دول عدة، من دون اعتراض من مقديشو، فلماذا يتم الآن الترويج لخطورة تعاطي أديس أبابا مع هرجيسا في حين يتم غض النظر عن الاتفاقات السابقة لصوماليلاند مع دول أخرى؟".
ورجح أن هذا التوجه يهدف إلى تصدير الأزمة الداخلية من خلال إدانة أديس أبابا تحقيق أهداف الوحدة الصومالية التي فشلت مقديشو في إنجازها خلال ثلاثة عقود ونيف من الزمن.
تسعير الأزمة الإقليمية
ويرى سلمون أن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي لم تقدم أي دليل مادي على نقل إثيوبيا لأسلحة غير مرخصة، وهي جزء من حملة دعائية، بتوجيه من دول إقليمية، تسعى إلى فرض رؤيتها على الصوماليين من خلال تغليب مصالحها الوطنية المرتبطة بمياه النيل، متسائلاً عن أسباب غياب مصر خلال العقود الثلاثة الماضية عن تقديم مبادرات من شأنها إنهاء الحرب الأهلية في الصومال، مستغلة تأثيرها الإقليمي والدولي، بخاصة أن مقديشو عضو في منظمة الجامعة العربية.
ويزعم المحلل الإثيوبي أن الحضور العسكري المصري في الأراضي الصومالية سيضاعف من احتمالات تفجر الصراع الداخلي فضلاً عن تسعير الأزمة الإقليمية، داعياً الحكومة الصومالية في مقديشو إلى الاستماع لأصوات المسيرات السلمية التي شهدتها بعض الأقاليم الصومالية احتجاجاً على "مشروع التدخل العسكري المصري" عوض توجيه الاتهامات ضد إثيوبيا.
وفي السياق يرى سلمون أن القاهرة تواجه تحديات كبيرة في حدودها المشتركة مع غزة والسودان وليبيا، فلماذا تريد توجيه الاهتمام نحو دولة لا ترتبط معها بحدود مشتركة، وعاصمة تقع على بعد 3500 كيلومتر من عاصمتها؟
القرار السيادي
بدوره يرى الكاتب الصومالي عبدالقادر إسحاق أن اتفاق التعاون العسكري المصري - الصومالي، ليست موجهة ضد أي دولة، وهي من صميم القرار السيادي للبلدين، ولا يحق لأي دولة جارة الاعتراض على ذلك، مشيراً إلى أن الدول الأعضاء في الجامعة العربية لديها اتفاقات مشتركة للتعاون العسكري بصورة جماعية ومنفردة، فضلاً عن أحقية مصر في المشاركة بأي بعثات أممية وإقليمية لحماية الأمن والسلم الإقليميين.
وأوضح أن تصريحات القاهرة حول ضرورة الحفاظ على الوحدة الترابية للصومال تمثل جزءاً من التزاماتها القانونية والأخلاقية كدولة مؤسسة للاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.
ويشير إسحاق إلى إقحام حكومة آبي أحمد الجيش الإريتري في حربها بإقليم تيغراي (شمال البلاد)، ضد متمردي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، موضحاً أن الصومال لم يعترض على تلك الخطوة لأنها تعد قراراً سيادياً لأديس أبابا، في حين تريد الأخيرة التدخل في الشؤون الداخلية الصومالية. وتابع "سواء اتفاق الدفاع المشترك الموقع بين مقديشو والقاهرة أو مشاركة الأخيرة في بعثة الاتحاد الأفريقي لم تتما خارج الأعراف الدبلوماسية، في حين أن مذكرة أديس أبابا الموقعة مع هرجيسا تتناقض مع روح ونص القانون الدولي ومواثيق الاتحاد الأفريقي".
ويختم إسحاق قائلاً إن الصومال شرع في حملة دولية لكشف المخططات الإثيوبية الهادفة للنيل من استقلال الصومال ووحدة أراضيه، وإن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية ستتبعها خطوات تتضمن تقديم الوثائق لمجلس الأمن الدولي حول الاختراقات الإثيوبية.