ملخص
يشكل التغير المناخي تهديداً كبيراً لإمدادات الغذاء العالمية والمحاصيل الرئيسة مثل الكاكاو وزيت الزيتون والرز وفول الصويا والقمح، التي بدأ يتقلص إنتاجها lما سيخلف آثاراً بعيدة المدى.
يلحق تغير المناخ الضرر بقطاع الزراعة عالمياً بصورة غير مسبوقة، ويشكل تهديداً كبيراً لإمدادات الغذاء العالمية والمحاصيل الرئيسة مثل الكاكاو وزيت الزيتون والرز وفول الصويا والقمح، التي بدأ يتقلص إنتاجها بسبب الضغوط الناجمة عن المناخ، والتي ستخلف بلا شك آثاراً بعيدة المدى.
وتعد هذه المحاصيل التي ذكرناها آنفاً من المواد الغذائية الأساس في أسواق الغذاء العالمية، وقد تؤدي ندرتها إلى عدم الاستقرار الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي وارتفاع أسعار المستهلك، فيما تشير تقديرات الباحثين الزراعيين عالمياً إلى أن كل درجة مئوية من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية من شأنها أن تقلل من المحاصيل العالمية للقمح بنسبة ستة في المئة، والرز بنسبة 3.2 في المئة، والذرة بنسبة 7.4 في المئة، وفول الصويا بنسبة 3.1 في المئة.
ارتفاع أسعار الكاكاو
غرب أفريقيا المنتج الرئيس للكاكاو تضرر بشدة بسبب الظروف الجوية الجافة التي تفاقمت بدافع من ظاهرة "إل نينيو"، وقد نقلت هذه الظاهرة المناخية أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية، مما أدخل المزارعين المحليين في ضائقة اقتصادية وأحدث تقلبات في سوق الشوكولاتة العالمية وفرض ضغوط مالية على المزارعين الذين يعتمدون على الكاكاو كمصدر أساس للدخل. وإضافة إلى ذلك بات مصنعو الشوكولاتة في جميع أنحاء العالم يواجهون زيادة في كلف الإنتاج، والتي غالباً ما تنتقل إلى المستهلكين.
ويكافح المزارعون في غرب أفريقيا حالياً للحفاظ على سبل عيشهم مع تزايد وتيرة وشدة الجفاف هناك، وهذا ما يدفع بعض الخبراء للقول إن زراعة الكاكاو قد تصبح غير قابلة للاستمرار.
خفض مخزونات زيت الزيتون
تعاني منطقة البحر الأبيض المتوسط، المعروفة بزيت الزيتون، الجفاف المطول وارتفاع درجات الحرارة، وقد أثرت هذه الظروف القاسية بشدة في إنتاج زيت الزيتون، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة وخفض المخزونات. وبطبيعة الحال فإن التداعيات الاقتصادية لهذا الأمر كبيرة، إذ تؤثر في كل من الاقتصادات المحلية التي تعتمد على زراعة الزيتون والمستهلكين العالميين الذين يواجهون أسعاراً أعلى لهذا المنتج.
ومع دخول إنتاج زيت الزيتون في مرحلة حرجة وتعرض أحد أكثر منتجات البحر الأبيض المتوسط شهرة للخطر، بدأت إيطاليا ودول أخرى باتباع استراتيجيات خاصة لإدارة المياه المستدامة، مثل الري بالتنقيط وحصاد مياه الأمطار، مما يمكن أن يساعد في الحفاظ على المياه وضمان إنتاج زيت الزيتون بطرق أكثر اتساقاً.
تحدٍ يصيب الغذاء الأساس لمليارات البشر
حتى الرز، وهو الغذاء الأساس لمليارات البشر، والذي يشكل المكون الأساس في مجموعة متنوعة من الوجبات، إضافة إلى أنه رخيص الثمن نسبياً، يتعرض أيضاً لتهديدات بسبب تغير المناخ، إذ أدت الظروف المناخية المتغيرة، بما في ذلك الجفاف والفيضانات، إلى تعطيل إنتاج الرز في بلدان رئيسة مثل إيطاليا والهند. وأسفرت هذه الاضطرابات عن تقلب أسعار الرز العالمية وزيادة انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي تعتمد بصورة كبير على الرز.
على سبيل المثال تزرع إيطاليا 50 في المئة من رز الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تنخفض محاصيلها من الرز للعام الثاني على التوالي. ويتزامن ذلك مع تأثير الحرب الدائرة في أوكرانيا على الحبوب وغيرها من سلاسل إمدادات الغذاء على مستوى العالم.
ولمكافحة هذه التحديات، يعمل الباحثون راهناً على تطوير سلالات من الرز مقاومة للفيضانات يمكنها تحمل الظروف الجوية القاسية. وعلاوة على ذلك، فإن تحسين البنية الأساس لإدارة الفيضانات، مثل بناء السدود وأنظمة الصرف الأفضل، من شأنه أن يحمي حقول الرز من الفيضانات المدمرة، وهذه التدابير حاسمة للحفاظ على إنتاج الرز المستقر وضمان الأمن الغذائي لملايين البشر.
تعطل سلاسل توريد فول الصويا
يواجه إنتاج فول الصويا في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية تحديات كبيرة بسبب تغير المناخ، ذلك أن أنماط الطقس غير المنتظمة، بما في ذلك درجات الحرارة القصوى وهطول الأمطار غير المنتظمة، أثرت بشدة في حجم المحاصيل، وأدت بالتالي إلى تعطيل سلاسل التوريد والتأثير في الأسواق العالمية. ووفقاً لخدمة البحوث الاقتصادية التابعة لوزارة الزراعة الأميركية، من المتوقع أن تنخفض محاصيل فول الصويا بنسبة 14.5 في المئة في الولايات المتحدة هذا العام، وستكون لذلك تبعات كبيرة على الولايات الواقعة في الوسط والغرب الأوسط التي تكافح بالفعل اقتصادياً.
أما الآثار الاقتصادية لتعطل سلاسل توريد فول الصويا فهي عميقة بحق، إذ أن فول الصويا يعد مكوناً رئيساً في علف الماشية وإنتاج الوقود الحيوي. ولمعالجة هذه القضايا تتبنى بعض الدول ممارسات زراعية ذكية مناخياً، مثل الزراعة من دون حرث وزراعة المحاصيل المغطاة، والتي تعمل على تحسين صحة التربة وزيادة قدرتها على الصمود في مواجهة الضغوط المناخية مما يضمن إمدادات أكثر استقراراً من فول الصويا.
مستقبل قاتم للقمح
في سياق متصل أظهرت نماذج محاكاة المحاصيل الرائدة التي استخدمها "المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح" (CIMMYT) خفوضاً كبيرة في محاصيل القمح بحلول عام 2050 في أفريقيا وجنوب آسيا، إذ يتعرض الأمن الغذائي بالفعل للخطر.
وتوقع النموذج خفضاً متوسطاً في محاصيل القمح بنسبة 15 في المئة في البلدان الأفريقية و16 في المئة في دول جنوب آسيا بحلول منتصف القرن، يضاف كل ذلك إلى خفض إنتاج القمح العالمي بنسبة 1.9 في المئة.
وتأثرت الصين العام الماضي بهطول أمطار غزيرة غير عادية ورطوبة عالية في مقاطعة خنان، تضرر بعدها ملايين الأطنان من القمح قبل الحصاد مباشرة. وفي الوقت نفسه تأثر محصول القمح الأحمر الشتوي القاسي في الولايات المتحدة بالجفاف المستمر، وخصوصاً في كانساس، وهي ولاية رائدة في إنتاج القمح، إذ خُفض الإنتاج بنسبة 20 في المئة.
وإضافة إلى المشكلات الحالية مع محاصيل القمح في الصين والولايات المتحدة، شهدت الأرجنتين، أكبر منتج للقمح في أميركا الجنوبية، خفضاً حاداً في إنتاج القمح عام 2022 بسبب الجفاف الشديد، وشهدت أوكرانيا، وهي واحد من أكبر 10 منتجين للقمح، خفضاً كبيراً في الإنتاج والصادرات منذ الهجوم الروسي في فبراير (شباط) 2022.