ملخص
يُتوقع أن يتم استكمال مشروع السكك الحديدية في عام 2029، لكن الحركة لا تتوقف في "ممر لوبيتو"، حيث يتم تصدير شحنات ضخمة من المعادن مثل النحاس الذي تشتهر به المنطقة، ففي أواخر أغسطس الماضي اتجهت أول شحنة نحاس من جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو الولايات المتحدة عبر الممر.
في الوقت الذي يتأهب فيه الرئيس الأميركي، جو بايدن، لزيارة أنغولا تنفيذاً لتعهده الذي أطلقه في وقت سابق بأن يكون أول رئيس للولايات المتحدة يزور منطقة أفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2015، دفعت الحكومة الأميركية برهان جديد يستهدف محاصرة النفوذ الروسي– الصيني في القارة السمراء.
ويكمن هذا الرهان في دعم توسيع "ممر لوبيتو" وهو مشروع ضخم إذ ستمتد السكة الحديدية في هذا الممر بطول 1300 كيلومتر، وتمر من أنغولا إلى زامبيا وتعبر الكونغو الديمقراطية وليصل الطريق إلى المحيط الهادئ عبر تنزانيا.
وإذا كُتب لمساعي إتمام إنشاء السكة الحديدية في هذا الممر فإنها ستتيح فرصاً هائلة لنقل معادن ثمينة من دول مثل أنغولا والكونغو الديمقراطية وغيرهما إلى الخارج عبر ميناء لوبيتو ونقاط أخرى.
خطوة مزدوجة
وفقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في السنوات الأخيرة الكثير من نفوذها مع تقدم هائل للصين التي تضخ استثمارات ضخمة في أفريقيا، وقد وعد رئيسها شي جينبينغ بتقديم دعم يُقدر بـنحو 51 مليار دولار في شكل قروض وغيرها في استثمارات للقارة السمراء.
لكن الصين ليست التحدي الوحيد الذي تُواجهه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إذ زادت روسيا من متاعب هؤلاء عندما نجح انقلابيون عسكريون في الاستيلاء على السطة في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وألغوا اتفاقات مع فرنسا وغيرها من القوى الغربية والاستعانة بموسكو وأذرعها العسكرية في مواجهة التهديدات الأمنية.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، إن "هذه الخطوة تأتي في إطار إعادة إحياء الاستراتيجية الأميركية تجاه القارة الأفريقية وخصوصاً في المناطق التي تتوافر فيها معادن نفيسة يمكن استغلالها في الصناعات الدقيقة".
وأوضح تورشين في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" أن "الدعم الأميركي لتوسيع (ممر لوبيتو) يأتي في إطار رغبة الولايات المتحدة بالحضور في منطقة البحيرات العظمى باعتبار أن هذه المنطقة هي امتداد للنفوذ البريطاني تاريخياً، بالتالي بشكل أو بآخر هي آيلة للنفوذ الأميركي والغرب".
وشدد الباحث السياسي على أن "هذا الإعلان تحاول من خلاله الولايات المتحدة أن تقول إن لديها تصوراً تجاه القارة وثقلاً هناك، وأعتقد أنها منافسة للخطوات الصينية في أفريقيا باعتبار أن روسيا تعمل على تكريس حضور أمني وعسكري فقط بينما مثل هذه المشاريع تعمل عليها بكين".
ولفت المتحدث إلى أن "مثل هذه المشاريع ظلت حاضرة لدى الجانب الصيني ولا يمكن تجاهل أنه من خلال إحياء (ممر لوبيتو) فإن الولايات المتحدة تهدف إلى محاولة حصار النفوذ الروسي المتمدد داخل الساحل الأفريقي وخليج غينيا".
واستنتج تورشين أن "هذه خطوة مزدوجة الغرض منها محاصرة النفوذين الروسي والصيني وإحياء المقاربات الأميركية للتنافس مع بكين من أجل بعض المشاريع التنموية الكبرى في القارة الأفريقية، وقد تكون هذه الخطوة بداية لإحياء العديد من المشاريع الأميركية في أفريقيا".
تقدم كبير
ويُتوقع أن يتم استكمال مشروع السكك الحديدية في عام 2029، لكن الحركة لا تتوقف في "ممر لوبيتو" حيث يتم تصدير شحنات ضخمة من المعادن مثل النحاس الذي تشتهر به المنطقة.
وفي أواخر أغسطس (آب) الماضي اتجهت أول شحنة من النحاس من جمهورية الكونغو الديمقراطية نحو الولايات المتحدة عبر "ممر لوبيتو"، حيث تهتم واشنطن بالنحاس من أجل استغلاله في صناعة الكابلات وغيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت المسؤولة بوزارة الخارجية الأميركية المهتمة بملف البنية التحتية والاستثمار العالمي، هيلينا ماتزا، أن مشروع السكك الحديدية بـ"ممر لوبيتو" حقق بالفعل "تقدماً كبيراً".
ويبدو تركيز الولايات المتحدة على "ممر لوبيتو" مفهوماً إذ يربط بين ثلاث دول غنية بالمعادن الحرجة التي تُستغل في صناعة الطاقة الخضراء والنظيفة على غرار النحاس والليثيوم والكوبالت.
وتُعتبر الكونغو الديمقراطية على سبيل المثال أكبر منتج للكوبالت في العالم بنسبة 50 في المئة من الإنتاج العالمي، كما تشير بعض التقديرات إلى أن الكونغو الديمقراطية من أكثر الدول التي تضم مادة الليثيوم بوجود 6.60 مليون طن من هذه المادة مُخزنة في منجم مانونو.
أما زامبيا فهي تربط بين ثلاثة أقاليم أفريقية مختلفة هي وسط القارة وشرقها وجنوبها، وتشترك في حدود مع دول تحتل مراتب مهمة من حيث المعادن النفيسة مثل الكونغو الديمقراطية شمالاً، وتنزانيا من الشمال الشرقي وأنغولا من الغرب.
واعتبر الباحث السياسي النيجري المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد أوال، أن "توجه الولايات المتحدة لإنجاز مشروع السكك الحديدية بـ"ممر لوبيتو" وتوسيعه أمر متوقع، خصوصاً أن واشنطن تسعى على الأرجح إلى مزاحمة الصين في مجالات عملها في أفريقيا، ونحن نعرف أن تركيز الصين ومعظم استثماراتها هي في مجال البنية التحتية".
وأوضح أوال أن "الصين أنفقت نحو 172 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية في أفريقيا، ناهيك عن أن عدداً كبيراً من مناجم النحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتم استغلالها من قبل شركات صينية، لذلك يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى تضييق الخناق على الصين بهذا المشروع".
وشدد المتحدث على أن "الولايات المتحدة تحاول محاصرة روسيا عبر (ممر لوبيتو)، ولكن أيضاً من خلال دفع حلفائها في القارة إلى التخلي عنها مثل جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تم رصد تحركات أميركية هناك".
وأبرز أوال أن "الأهم من هذا كله أن هناك تركيزاً فعلياً في تصريحات المسؤولين الأميركيين على رغم اشتعال الوضع في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط على أفريقيا، وهو ما يؤشر على عودة قوية للتنافس الأميركي مع الصين وروسيا وهو تنافس نأمل بأن يعود بالفائدة على القارة".
مشروع مرحب به
وعند إكماله وتشغيله فإن "ممر لوبيتو" سيكون قادراً على التعامل مع نقل بضائع بحجم خمسة ملايين طن سنوياً، من الكونغو الديمقراطية وزامبيا نحو الولايات المتحدة ودول أخرى.
ويُعد توسيع "ممر لوبيتو" أضخم مشروع تتولى الولايات المتحدة الاستثمار فيه في مجال البنية التحتية من خلال تقديم دعم يُقدر بنحو 250 مليون دولار، إلى جانب تمويلات أخرى من الاتحاد الأوروبي.
وقال الباحث السياسي النيجيري إبراهيم زين كونجي إن "التدخلات الخارجية في القارة السمراء من أجل ثرواتها ليست بالأمر الجديد ومجيء المستعمرين قبل قرون هو من أجل مصادر الطاقة الأولية والمعادن الثمينة، والتنافس في شأن المشاريع أمر مهم وهو مرحب به من قبل الأفارقة لكنهم لا يرغبون في أن يتم استغلالهم من خلال أخذ الثروات وترك الشعوب في فقرها وأمراضها ومشكلاتها".
وفي تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" تابع كونجي أن "الثروات الأفريقية تكفي الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين وكافة القوى، وحتى مع تأزم العلاقات بين المعسكر الغربي والفيدرالية الروسية بسبب الحرب الأوكرانية إثر الحرب الباردة قد ولى".
وأكد أن "مشروع السكك الحديدية في (ممر لوبيتو) الذي يمتد إلى 1300 كيلومتر هو مشروع مرحب به على الصعيد الأفريقي والاقتصادي"، لافتاً إلى أنه كان هناك "مشروع مماثل أطلقته الصين قبل نحو 50 سنة ما يعني أن الأفارقة منفتحون على كل الشراكات ولا يعني الدخول في شراكة ما يعني استبعاد شريك آخر أو إقصائه من القارة".
وأبرز كونجي أن "الولايات المتحدة والدول الأوروبية باستثناء فرنسا لديها علاقات جيدة مع الأفارقة وهي تستثمر ولديها مشاريع شأنها في ذلك شأن الصين واليابان وكوريا الجنوبية، والأفارقة يريدون تبادل المصالح".